"غوانتانامو الاحتلال".. قصص مروعة عن تعذيب أطباء غزة
كشف تحقيق استقصائي تفاصيل مرعبة عن استهداف "إسرائيل" لنخبة أطباء غزة، وجرهم من "مستشفى الشفاء" إلى معتقل "سدي تيمان"، وشهادة نادرة لطبيب إسرائيلي يعترف: "كنت شريكا في الجريمة".
تفاصيل: https://shehabnews.com/p/147721
تفاصيل: https://shehabnews.com/p/147721
لم يكن الجراح الفلسطيني الشهير عدنان البرش يعلم، وهو يضيء كشاف هاتفه ليجري عملية جراحية بضوء خافت وسط ظلام "مستشفى الشفاء" الدامس، أن مصيره لن يكون مجرد رصاصة طائشة، بل رحلة عذاب ممنهجة تنتهي بالموت تحت التعذيب في أحد السجون الإسرائيلية. ولم تكن قصة البرش فريدة من نوعها، بل هي حلقة في سلسلة طويلة كشف عنها الفيلم الذي بثته الجزيرة "أطباء غزة تحت النار" الذي يوثق كيف جعلت إسرائيل من "المعطف الأبيض" هدفا عسكريا مشروعا.
يكشف التحقيق الاستقصائي -الذي استند إلى شهادات حصرية لجنود وشهود عيان وحتى مبلغين من داخل المنظومة الإسرائيلية- عن الجحيم الذي عاشه العاملون في القطاع الصحي بغزة، الذين تجاوز عددهم 1500 شهيد منذ بداية الحرب، بينهم أكثر من 50 اختصاصيا من ذوي الكفاءات العالية. شهادة طبيب وجندي إسرائيليين "لا شك أنني كطبيب إسرائيلي أجد نفسي شريكا في الطريقة التي عاملنا بها سكان غزة"، هكذا اعترف طبيب إسرائيلي بشأن ما يجري داخل مراكز الاحتجاز السرية التي يطلق عليها حقوقيا "المواقع السوداء"، مثل معتقل "سدي تيمان" الذي يعرف بكونه "غوانتانامو إسرائيل".
وفي شهادته النادرة، كشف الطبيب عن وقائع "يندى لها الجبين"، متحدثا عن إجراء عمليات جراحية مؤلمة للمعتقلين -بمن فيهم كوادر طبية- دون شرح أو موافقة، والأخطر من ذلك، "دون أي مسكنات للألم". وقال الشاهد: "رأيت المريض يصرخ، ولم يتدخل أحد، كان ذلك عقابا وطريقة للتسبب بالألم". ووفق شهادة الطبيب الإسرائيلي، فإنه كان يتم تجريد الأطباء الفلسطينيين من أسمائهم وإنسانيتهم، ليصبحوا مجرد أرقام مكونة من 5 خانات وهم معصوبو الأعين ومقيدو الحركة، ليكونوا تحت رحمة جنود يتفاخرون بالتنكيل بهم. كما تمكن التحقيق الاستقصائي من الحصول على شهادة جندي إسرائيلي طلب عدم الكشف عن هويته خوفا من التهديد. إذ كشف الجندي المتخفي جانبا من الانتهاكات التي يقوم بها القادة والجنود الإسرائيليون ضد الأطباء من مستشفيات غزة الذين اعتقلوا في "سدي تيمان". وصرح الطبيب الإسرائيلي في شهادته بأن قادته من الجيش الإسرائيلي طلبوا منه مباشرة تعذيب المعتقلين من الأطباء الذين أخذوا من المستشفيات في غزة، مبررين ذلك بأن الأطباء الغزيين يعرفون أماكن الأسرى الإسرائيليين الذين اقتادتهم حركة المقاومة الإسلامية (حماس). ووصف الوضع بالمأساوي، إذ كان الجنود متحمسين لارتكاب الانتهاكات الجسدية ضد المعتقلين ويتفاخرون بما يقومون به. طبيب ناج من سدي تيمان وفي رواية لطبيب ناج من الاعتقال الإسرائيلي، يحكي الدكتور خالد حمودة، الجراح الذي تنقل بين المستشفى الإندونيسي ومستشفى كمال عدوان، عن مأساته التي بدأت بقصف منزله في جباليا، حيث فقد 12 فردا من عائلته، بينهم زوجته وابنته "ريم" التي تعرف على جثمانها في المستشفى من ملابسها فقط. وبدلا من أن يُسمح له بدفن عائلته، اقتاده الجيش الإسرائيلي من داخل مستشفى كمال عدوان. وتحدث حمودة عن تفاصيل اعتقاله قائلا: "بمجرد أن عرف الجندي أنني طبيب في المستشفى الإندونيسي، نادى زميله وبدأ بضربي".
وأضاف واصفا رحلة الرعب "تم تقييدي بشكل غير إنساني ورميي في الشاحنة بشكل عنيف، أجبرنا على الجلوس بوضعيات مرهقة، وفي إحدى المرات أجبرت على الإمساك بسلك شائك". "لم يمت بل قتل" تتقاطع شهادة الدكتور حمودة مع مأساة زميله الدكتور عدنان البرش، رئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء، الذي أصبح رمزا للصمود الطبي في غزة. وقد التقى الطبيبان في "سدي تيمان"، حيث كان البرش يحمل على جسده آثار تعذيب واضحة. وقال الدكتور حمودة: "كانت معاملته مختلفة وأقسى من بقية المعتقلين، لأنه رئيس قسم في الشفاء، كنت أساعده للذهاب إلى الحمام بسبب عجزه عن الحركة من شدة الضرب". في منتصف أبريل/نيسان 2024، نُقل البرش إلى سجن "عوفر" ليفارق الحياة يوم وصوله، ويعلق زميله حمودة بأسى: "أنا لا أحب كلمة مات، بل هو قُتل تحت التعذيب"
. وحتى اليوم، ورغم مرور أكثر من عام على استشهاده، لا تزال إسرائيل تحتجز جثمانه. حرب على "العقول" لا المباني فقط لا يقتصر الأمر على الانتقام الآني، بل يمتد ليكون تدميرا ممنهجا لمستقبل الرعاية الصحية في غزة، إذ أوضح الدكتور ليث الحنبلي، الباحث في الشأن الفلسطيني، أن استهداف المتخصصين ليس "أضرارا جانبية" بل هو خيار متعمد. وأكد الحنبلي أن خسارة أي طبيب متخصص هو خسارة "لا تعوض" إذ تتطلب سنوات طويلة من التدريب، بخلاف المباني التي يمكن إعادة بنائها بسرعة. وحتى اللحظة، ومع دخول الحرب عامها الثالث، لا تزال السياسة الإسرائيلية مستمرة، فالدكتور محمد عبيد، رفيق درب البرش الذي صمد في 4 مستشفيات محاصرة، اعتُقل في أكتوبر/تشرين الأول 2024 ولا يزال مصيره مجهولا.
وكذلك مدير مستشفى كمال عدوان الدكتور حسام أبو صفية الذي صُنف كـ"مقاتل غير شرعي" في مارس/آذار 2025 وحُرم من المحاكمة العادلة. يخلص التحقيق إلى حقيقة مرعبة وهي أن ما يجري في غزة ليس مجرد قصف للمستشفيات، بل هو "إبادة" للقطاع الطبي، تبدأ بصاروخ الطائرة وتنتهي بمبضع جراح إسرائيلي في غرفة تعذيب مظلمة.
تفاصيل: https://shehabnews.com/p/147721
تفاصيل: https://shehabnews.com/p/147721
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS