الاحد 28 شوال 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

خطأ حسابات ترامب

نجاح محمد علي

عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الحديث عن إمكانية التفاوض مع إيران، مدعيًا أنه أرسل رسالة إلى قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي.

 

يأتي هذا الادعاء في ظل استمرار سياسة “الضغط الأقصى” التي ينتهجها ضد إيران. وفي الوقت نفسه، شدد الدبلوماسي الإيراني البارز والمفاوض السابق عباس عراقجي على أن إيران لن تستأنف المفاوضات طالما استمرت هذه السياسة العدائية.

 

يثير هذا الموقف سؤالًا جوهريًا: هل الغرب، وخاصة الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا)، ملتزم حقًا بحل النزاع مع إيران عبر الدبلوماسية، أم أنه سيواصل الاعتماد على التهديدات والعقوبات؟

 

خطأ حسابات ترامب: الضغط الأقصى يؤدي إلى نتائج عكسية

اعتقد ترامب ومستشاروه أن الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض مزيد من العقوبات سيجبر إيران على الخضوع والقبول بصفقة جديدة. لكن النتائج جاءت معاكسة تمامًا وما حصل منذ 2018 هو  :

    تعزيز الصمود الإيراني: على عكس توقعات واشنطن، انتهجت إيران سياسة “المقاومة النشطة” ووسّعت برنامجها النووي لكنها أبقته في تحت سقف الإستخدامات السلمية وبما يتوافق مع معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النوويةNPT .

    تراجع مكانة الولايات المتحدة: لم تؤدِ الإجراءات الأميركية إلى عزل إيران، بل عمقت الفجوة بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين الذين رفضوا الانسحاب من الاتفاق النووي بعد انسحاب ترامب منه ، ورفضوا استخدام آلية الإصبع على الزناد أي لم يستجيبوا لضغوط ترامب.

    تقويض المصداقية الدبلوماسية: أدى الانسحاب الأحادي من اتفاق دولي مدعوم من الأمم المتحدة بقرار مجلس الأمن رقم 2231 والوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى الإضرار بسمعة الولايات المتحدة كمفاوض موثوق.

 

أوروبا: بين الاستقلال والارتهان للولايات المتحدة

تجد أوروبا نفسها في وضع معقد. فالترويكا الأوروبية دعمت خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) ظاهريًا، لكنها في الواقع لم تفِ بالتزاماتها. لقد خضعت لضغوط واشنطن وفشلت في تنفيذ آليات مثل “إينستكس” (INSTEX)، التي صُممت للالتفاف على العقوبات الأميركية.

الآن، مع حديث ترامب عن التفاوض، يجب على أوروبا أن تقرر ما إذا كانت ستظل تابعة لسياسات البيت الأبيض أم ستتبنى نهجًا أكثر استقلالية تجاه إيران. وإذا كانت تسعى لإحياء الاتفاق النووي أو التوصل إلى اتفاق جديد، فعليها تقديم ضمانات حقيقية، تشمل:

 

    إنهاء التسويف والوعود الفارغة: إظهار التزام حقيقي بدلًا من التصريحات الشكلية.

    الاستثمار في الاتفاق والعلاقات الاقتصادية مع إيران: اتخاذ خطوات ملموسة لدعم الاتفاق وتعزيز العلاقات التجارية.

    الضغط على واشنطن لرفع العقوبات غير القانونية: الدعوة إلى إزالة العقوبات الجائرة التي تعرقل التقدم الدبلوماسي.

 

 عراقجي: إشارة إيجابية ولكن غير كافية

من التطورات البارزة في السياسة الداخلية الإيرانية إعادة ظهور السيد عباس عراقجي، أحد الشخصيات الأساسية في المفاوضات الأصلية للاتفاق النووي. عودته كوزير خارجية تعكس استعداد طهران للحوار، وهو ما أعلنه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، لكن ذلك مشروط بتغيير نهج الغرب.

توصيات للغرب

لكسر الجمود الحالي، يجب أن تدرك الولايات المتحدة وأوروبا أن إيران لن تعود إلى طاولة المفاوضات تحت التهديدات والعقوبات. ولتحقيق اتفاق مستدام، ينبغي تبني المبادئ التالية:

 

    إنهاء سياسة الضغط الأقصى: العقوبات لم تضعف إيران ولم تحدّ من طموحاتها النووية. السبيل الوحيد للامتثال الكامل هو الرفع التدريجي للعقوبات وإعادة بناء الثقة المفقودة.

    ضمان عدم الانسحاب مجددًا: القلق الإيراني الأساسي هو تكرار انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقات. ينبغي على ترامب، أو أي رئيس أميركي مستقبلي، ضمان موثوقية أي صفقة جديدة.

    احترام سيادة إيران: أكدت إيران مرارًا أنها لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية، لكنها تحتفظ بحقها في التكنولوجيا النووية السلمية. يجب أن يعترف الغرب بذلك وأن يعالج مخاوفه عبر التعاون لا التهديد.

    إنهاء المعايير المزدوجة في المنطقة: إذا كان الغرب يريد منع انتشار الأسلحة النووية، فعليه معالجة مسألة الترسانة النووية لكيان الإحتلال الصهيوني، التي تبقى خارج أي رقابة، بينما تتعرض إيران، الموقعة على معاهدة عدم الانتشار النووي(NPT)، لضغوط مستمرة. هذه الازدواجية تقوض الثقة وتعرقل الجهود الدبلوماسية.

    إجراء مفاوضات قائمة على الاحترام المتبادل: تؤكد إيران أن المفاوضات ممكنة فقط من موقع الندّية والاحترام. أما سياسات التهديد والوعيد فلن تؤدي إلا إلى تصعيد التوترات.

 

 فرصة قد تضيع

تقف إيران والغرب عند مفترق طرق يتطلب قرارات حاسمة. لقد أظهرت إيران قدرتها على الصمود في وجه الضغوط، ولكن إذا كان الغرب جادًا في السعي للحوار، فعليه اتخاذ خطوات ملموسة.

إذا كان ترامب صادقًا في رغبته في التفاوض مع إيران، فعليه تحويل الأقوال إلى أفعال. حان الوقت لتجاوز الاستعراضات الإعلامية، ورفع العقوبات غير القانونية، والانخراط في مفاوضات ذكية وعادلة وغير مشروطة. كما أن على أوروبا أن تختار بين البقاء رهينة للسياسات الأميركية أو اتخاذ موقف مستقل.

الوقت ثمين، ورغم أن إيران لطالما سعت إلى الحلول الدبلوماسية، إلا أن صبرها ليس بلا حدود. فإذا استمر الغرب في سياساته السابقة، فقد يُغلق باب التفاوض نهائيًا.


| رمز الموضوع: 401410







المستعمل تعليقات

الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)