جبل من العطاء، ورحيل شامخ بالتضحية
"شكيب أبو جبل" ، 14 عاماً خلف خطوط العدو الإسرائيلي و12 سنة في الأسر

حتى آخر أيام حياته، ظلّ شكيب أبو جبل الرجل الذي تجاوز الثلاثة والثمانين من عمره، يحمل في سجلّه المقاوم، السنوات الأربعة عشر التي عمل فيها خلف خطوط العدو الإسرائيلي متنقلاً بين بلدته مجدل شمس السورية في الجولان وسيناء المصرية.
حتى آخر أيام حياته، ظلّ شكيب أبو جبل الرجل الذي تجاوز الثلاثة والثمانين من عمره، يحمل في سجلّه المقاوم، السنوات الأربعة عشر التي عمل فيها خلف خطوط العدو الإسرائيلي متنقلاً بين بلدته مجدل شمس السورية في الجولان وسيناء المصرية.
هو رجل الفداء، التقيته منذ سنوات قبل رحيله، كانت المقاومة لا تزال حاضرة في حياته بكل قوة، هو المقاوم الذي استطاع أن يؤسس لمفهوم الفداء، يوم كانت الشعوب والحكومة تعيش تحت ضغط هزيمة ال67، فولادته في قرية الرامية في الجليل الأعلى في فلسطين عام 1925 زرعت في داخله حب الإنتماء وقوة الدفاع عن قضية ولدت قبله، لكنه نشأ معها ومع أحداثها، وكانت الرفيقة الحاضرة، والبوصلة والهدف، دافع عنها بحب وعطاء وتضحية، أحبها كثيراً، وأحب وطنه وقوميته، قدّم لها ولده شهيداً وأمضى جزء من حياته بين جدران المعتقلات، إنها"فلسطين"،
بدأت رحلة نضال شكيب أبو جبل عام 1953 في سوريا عندما التحق بالجيش العربي السوري يخدم البلاد ويدافع عن الأرض، فعندما وقعت حرب حزيران 1967 كان شكيب أبو جبل في منطقة جبل الشيخ يشرف على كل القطاع الشمالي، وشهد الأحداث كلها أمام عينيه.
انتهت حرب ال67 وخسرت سوريا الجولان، واستولت اسرائيل على سيناء أيضاً، ودخل الجيش الإسرائيلي الى القدس في وقت عاد فيه شكيب أبو جبل الى بيته وعائلته عاقداً العزم على خوض معركته الكبرى.
توجه شكيب أبو جبل الى مقر قيادة المخابرات في الجيش السوري، ووضع نفسه تحت تصرّف القيادة مبدياً استعداده للعمل خلف خطوط العدو.
في شباط من العام 1969، أخذ شكيب ابو جبل قرار الإنضمام الى العمل الوطني السري، وعاد الى الجولان بموافقة المخابرات السورية، وسلّم نفسه إلى الحاكم العسكري الإسرائيلي، وتحمّل فترة من السجن والتحقيق الذي كان مهيأً لها أمنياً ونفسياً.
لم ينفرد هذا المقاوم بالعمل المقاوم لوحده، فعمل على تجنيد عائلته في العمل الأمني السري، عزّت ويوسف، مؤسساً شبكة من المجندين المناضلين، وقام بتوزيع الأدوار والمهمّات على كل فرد منهم، كان عملهم كمجموعات توزّعت بين مرصد جبل الشيخ وقناة السويس ،وتحديداً على خط بارليف، والجبهة السورية ومجموعات أخرى في الأردن وفلسطين، وعدد من رفاقه لجمع الصحف العبرية التي تصدر في الكيان الصهيوني، وكان يتم إرسالها يوميا الى الوطن الأم سورية.
جنّد شكيب ابو جبل ولديه يوسف وعزّت للعمل على الحدود المصرية عند خط بارليف، وكانت مهمّتهما جمع المعلومات التي تتعلق بقدرات النقاط القتالية المختلفة على طول الخط، والقوات الخلفية لهذا الخط وخاصة عن مواسير البترول التي كانت مهيّأة لإشعال القناة في حالة الهجوم المصري، كما إلتحقت إبنته كامليا سراً بعمل المقاومة.
كانت مهمة شكيب أبو جبل تدوين هذه المعلومات حرفياً ونقلها الى المسؤولين في دمشق والقيادة السورية التي كانت تقوم بدورها بنقلها الى الجيش المصري كجزء من التخطيط لإختراق خط بارليف.
وما بين العام 67 وال73 أمضى شكيب ابو جبل سنوات من العمل السري وقام بإستكشاف مناطق العدو، كان يدوّن جيداً كل التقارير المفصلة عن المواقع العسكرية الإسرائيلية في المنطقة المحتلة وعن الطرق الآمنة التي ينبغي أن يسلكها الفدائيين.
حتى السادس من أكتوبر من العام 1973، بدأت معلومات شكيب أبو جبل السرية عن خط بارليف تتساقط قذائف على التحصينات الإسرائيلية، حتى انهار خط بارليف وعبرت القوات المصرية قناة السويس وتمكّنت القوات السورية من استرجاع أجزاء مهمة من الجولان.
بداية الإعتقال الى السجن أعوام
لم تكن حياة شكيب أبو جبل عادية كغيره من الرجال، بل كان صانعاً للإنتصارات في حياة الآخرين، فليل السابع والعشرين من شهر كانون الثاني 1973، أرسل شكيب أبو جبل ابنه عزت وابن اخيه هايل "حسين" في مهمة كانت هي الأخيرة،كان على عزّت وحسين ابو جبل تسليم بريد المعلومات الى المخابرات السورية، وفي طريقهما، وعندما وصلا الى نهر المغيسل شرق مجدل شمس اصطدما بكمين إسرائيلي فاستشهد عزّت على الفور واعتقل ابن عمه. وبعد ساعات من استشهاد "عزت" داهمت مجموعة كبيرة من قوات الاحتلال الإسرائيلي منزل شكيب أبو جبل وقامت بإعتقاله مع 64 مواطنا من قرى الجولان المحتل.
وفي آخر حديث لي معه قبل وفاته، يتذكر شكيب آخر أيام ابنه عزت، وعذابات 12 سنة أمضاها في السجون الإسرائيلية من أصل 315 سنة هي مجموع السنوات التي حكمت بها المحكمة الإسرائيلية عليه، وعلى الرغم من العذابات المختلفة التي تعرض لها في السجون، وأقعدته ضريح الفراش، ظلّ شكيب مناضلاً يتحدّى السجان الى أن نال حريته اثر عملية تبادل للأسرى مع العدو الإسرائيلي. وتكريماً لدوره في خدمة الوطن عيّنه الرئيس السوري حافظ الأسد عضواً في مجلس الشعب عن محافظة القنيطرة لمدة 12عاماً.
عاش شكيب في بيته في بلدة جرمانة وكلّه أمل ويقين بعودة الجولان الى الأم سوريا، حيث لعب دوراً كبيراً في رفض الهوية الإسرائيلية من قبل أبطال الجولان العربي السوري المحتل.
من مذكرات شكيب أبو جبل:
"مذكرات أسير عربي، اثنا عشر عاماً في سجون الإحتلال الإسرائيلي" هو كتاب المذكرات النضالية لشكيب ابو جبل، نقرأ فيها تاريخ طويل من العمل البطولي الفدائي، يستذكر في الكتاب كل لحظات عمله الفدائي، قائلاً: " هذه المذكرات ليست جزءاً كبيراً من حياتي بل هي كل حياتي، أكتبها من ذاكرة ما زالت حية ويقظة ومعايشة لكل ذرّة تراب في الجولان وفلسطين، ولكل طير يرفرف فوق جبل الشيخ".
ويضيف ايضاً " خرجت من مجدل شمس حاملاً حقيبة جنب، فيها بدل واحد وثلاث سندويشات، وتركت لعيالي مائة وستين ليرة سورية، وحملت معي مائة وثلاثين ليرة، تغيّرت قسمات وجه زوجتي، وبدأت الدموع تتساقط من عينها، ثم قالت بصوت متهدج: الله معك..اتجهت صوب الشرق تاركاً بلدتي الحبيبة وزوجتي واولادي وأصدقائي وأحبائي وأقربائي وشجيرات جنينتي، ولكني كنت احمل كل هذا في قلبي على أمل العودة في القريب العاجل."
ويضيف أبو جبل في مذكراته في سجون العدو الصهيوني " في الساعة التاسعة من صباح 29 كانون الثاني 1973، جاء ثلاثة من المحققين، عرفت فيما بعد أن أحدهم برتبة كبيرة في المخابرات العسكرية الإسرائيلية (الشين بت) كان يحمل حقيبة سمسونايت، وضعها على الطاولة امامه وتأمل بي مدة عشرة دقائق، قال لي احدهم: ستعترف أمامه وهو سيقرر مصيرك، قلت له: بماذا أعترف؟ وبعد أن فتحت عينيّ وجدت أمامي صوراً عن التقارير التي حمّلتها لوحيدي عزّت، عندها انهارت قواي، وبدأت يدايا ترتجفان، وبدأت اتلعثم بالكلام، عندها عرفت اني ولدي عزّت قد استشهد، وعرفت من أين تاتي الخيانة أيضاً، وأن شهداء الجولان خميرة للذاكرة الوطنية وللأجيال القادمة، وأن إرادة الشعوب لا تُهزم وقضاياه المصيرية لا تموت".
هذه المذكرات بعض من خزّان النضال الذي تميزت به حياة هذا المناضل الفذّ، الرجل الذي لم يعرف الهزيمة، الفدائي الذي جنّد عائلته جميعها خدمة للمقاومة والوطن والنصر.
شكيب أبو جبل المناضل العربي السوري الكبير:
48 عاماً في خدمة الوطن وخلف خطوط العدو
12عاماً أسيراً في سجون الاحتلال الإسرائيلي
12عاماً عضواً في مجلس الشعب السوري
9 سنوات يقاوم المرض حبيس منزله في بلدة جرمانا
توفي في منزله يصارع الموت على فراشه
الجولان المحتل،بطاقة هوية: عز وإفتخار
الجولان جزء لا يتجزأ من جنوب سورية طبيعة وتاريخاً، انتماء وهوية وثقافة، احتلها الكيان الصهيوني بتاريخ (5/6/1967م) بالقوة، ثم أخذ بعض الصهاينة يدعون بأن أرض الجولان جزء من أرض التوراة، ثم ضُمّت إلى الكيان الصهيوني بقرار للكنيست في (14/12/1981م)
أمل شبيب
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS