تصعيد الاحتلال في غزة.. انتقام يكشف مأزق (إسرائيل)

بعد واحدٍ وعشرين شهرًا من الحرب، لا يزال الاحتلال (الإسرائيلي) يواصل جرائمه بحق المدنيين في قطاع غزة، دون أن يحرز أيّ تقدّم ميداني يُذكر. يغرق في الدم والركام، ويغطي فشله العسكري بسحبٍ من الدخان والدمار، علّه يُموّه حقيقة العجز والهزيمة.
في الأيام الأخيرة، أعاد الاحتلال إشعال الجحيم في المناطق الشرقية لمدينة غزة، مستهدفًا أحياء الشجاعية والتفاح والزيتون، بقصفٍ لا يُفرّق بين بشرٍ وحجر، ولا بين بيتٍ ومدرسة أو ملجأ.
وبينما تتصاعد المجازر، يطفو على السطح سؤالٌ جوهري: هل هذا التصعيد تعبيرٌ عن قوّة أم اعترافٌ ضمنيّ بالعجز؟
الكاتب الصحفي والباحث في الشؤون العربية والأفريقية، علي فوزي، يُقدّم في حديثٍ لـ"الرسالة نت" قراءةً معمقة للواقع، معتبرًا أن التصعيد العسكري (الإسرائيلي) هو في جوهره انعكاسٌ لأزمةٍ استراتيجية خانقة داخل المؤسسة العسكرية والسياسية في "إسرائيل"، بعد أكثر من 21 شهرًا من العجز عن الحسم.
"ما نشهده ليس سياسة حسمٍ عسكري، بقدر ما هو ضغطٌ ميدانيّ مكثف يستهدف إنهاك المقاومة وتكثيف الأذى على المدنيين"، يقول فوزي.
"المجازر التي ترتكبها (إسرائيل) بحقّ السكان ليست سوى أدواتٍ ضمن هذه السياسة، لكنها لا تُحقّق نصرًا حقيقيًا."
غياب الأفق
برأي فوزي، فإن (إسرائيل) عاجزةٌ عن تدمير البنية القيادية والعسكرية للمقاومة الفلسطينية، كما فشلت في استعادة جميع الرهائن، ما جعلها تلجأ إلى نمطٍ من حرب الاستنزاف المحدودة دون أيّ أفقٍ استراتيجيّ واضح.
ويُضيف أن الاحتلال يُدير هذه الحرب وفق مقاربةٍ تهدف إلى إضعاف المقاومة دون الدخول في مواجهةٍ شاملة، وهو ما يعكس غيابَ رؤيةٍ سياسية أو عسكرية يمكن تنفيذها على المدى البعيد.
ويُعزّز هذا التصوّر ما قاله أحد الجنرالات (الإسرائيليين) سابقًا بأن "إسرائيل" تقتل المدنيين كهواية، ليس لتحقيق ردعٍ حقيقي، بل لترميم معنوياتٍ منهارة، وتهدئة الداخل الغاضب من الفشل.
تصدّع داخلي يضرب المؤسسة العسكرية
المشهد داخل "إسرائيل" لا يبدو أفضل حالًا. فوزي يشير إلى تصدّعاتٍ غير مسبوقة داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية، خاصة بعد فشل التقديرات الأمنية لهجوم 7 أكتوبر 2023.
"استقالة رئيس الأركان هرتسي هاليفي، واحتجاجات داخل جهاز الشاباك، ورفض جنود الاحتياط العودة للخدمة، تعكس أزمة ثقةٍ عميقة في القيادة العسكرية"، كما يقول فوزي.
الأزمة تمددت من النخبة إلى الشارع "الإسرائيلي" حيث تصاعدت احتجاجات المستوطنين، وبرزت انتقادات عائلات الرهائن وجنودٍ سابقين، وسط شعورٍ متزايدٍ بأن الجيش فقد البوصلة.
الاعترافات الإسرائيلية.. تهدئة لا مراجعة
وحول الاعترافات العلنية التي تصدر من جنرالات ومحللين عسكريين "إسرائيليين"، اعتبر فوزي أنها لا تُعبّر بالضرورة عن مراجعةٍ حقيقية.
"الاعترافات قد تبدو مؤشّرًا على بدء مراجعةٍ داخلية، لكنها تُستخدم غالبًا كأداةٍ لامتصاص الغضب الشعبي، لا للدفع نحو إصلاحٍ حقيقي"، محذرًا من أن "المؤسسة (الإسرائيلية) بارعةٌ في توظيف النقد كوسيلة تهدئة، لا كدعوة للتغيير."
مقاومة مرنة تُعيد هندسة الاشتباك
في مقابل هذا التخبط (الإسرائيلي)، يُؤكد فوزي أن أداء المقاومة الفلسطينية – وعلى رأسها كتائب القسام – يكشف عن مرونةٍ ميدانية وتنظيمية عالية.
"رغم القصف المتواصل، تُثبت المقاومة قدرتها على المناورة عبر تكتيكاتٍ نوعية كاستخدام الخلايا الصغيرة، والأنفاق، والكمائن المفاجئة، ما منحها تفوقًا في إدارة الاشتباك."
عمليات المقاومة الأخيرة، وفق فوزي، انتقلت من الدفاع إلى الهجوم التكتيكي الذكي، وبدأت تفرض معادلاتٍ جديدة في مناطق يُفترض أنها "مُسيطرٌ عليها إسرائيليًا".
ويُضيف أن الحاضنة الشعبية داخل غزة، والدعم الرمزي من الشعوب العربية والإسلامية، عزّزا من شرعية المقاومة، ومنحاها زخمًا إضافيًا سياسيًا ومعنويًا.
4 سيناريوهات أمام الاحتلال
يرى فوزي أن استمرار الاحتلال في سياسة الأرض المحروقة دون أيّ أفقٍ سياسيّ جاد، يفتح المجال أمام أربعة سيناريوهات محتملة:
1. حربٌ مفتوحة بلا نهاية تُنهك (إسرائيل) وتُفقدها القدرة على الحفاظ على مشروعها الاستيطاني.
2. عزلةٌ دولية متصاعدة قد تصل إلى فرض عقوبات أو ملاحقاتٍ قانونية بحقّها.
3. تصعيدٌ إقليميّ محتمل يشمل انخراط جبهات من لبنان أو سوريا أو حتى الضفة الغربية.
4. تحوّلٌ داخلي (إسرائيلي) بفعل الضغط الشعبي قد يؤدي إلى انتخاباتٍ مبكرة أو مراجعةٍ استراتيجية.
خلاصة المشهد
يختم فوزي تحليله بالتأكيد على أن "إسرائيل" اليوم تواجه أزمةً مركبة، فهي لم تحسم المعركة ميدانيًا، ولم تُفلح في كسر شوكة المقاومة.
"في المقابل، تستمر غزة في الصمود، وتفرض معادلة ردعٍ جديدة… المشهدُ مرشّح لانفجارٍ إقليميّ أو لتحوّلٍ سياسيّ داخلي، لكن المؤكد أن ميزان القوة لم يعد يُقاس بالتفوق العسكري فقط، بل بالقدرة على الصمود والمناورة والتأثير."
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS