السبت 10 جمادي الاولي 1447 
qodsna.ir qodsna.ir

ماذا یعنی أن تصبح "إسرائیل" دولة یهودیة ؟!

*زینب الطحان
فی خطاب للأمین العام لحزب الله سماحة السید حسن نصرالله، بمناسبة ذکرى الیوبیل الفضی لإذاعة النور، منذ أشهر قلیلة مضت من هذا العام، طرح تساؤلا فی منتهى الأهمیة "ماذا یعنی أن تصبح إسرائیل دولة یهودیة؟!.".
ولیس مستغرباً من سماحته هذا الطرح العمیق لمشکلة تعدّ من أبرز مشکلات القرن الماضی وتمتد إلى القرن الحالی، فهو من أدق المتابعین للشؤون الدولة العبریة.
إذ یسعى الکیان الصهیونی إلى إقامة الدولة الیهودیة الخالصة، ویقضی هذا المخطط بتطهیر الداخل الإسرائیلی، أو بمعنى أصح ما تراه "إسرائیل" مجالها المجتمعی الداخلی، من الوجود الفلسطینی المتزاید باطراد، لما له من انعکاسات خطیرة علیها فی المستقبل العاجل والبعید معاً، ذلک أن الهدف الرئیسی لهذا المخطط الکبیر هو تحصین وتغلیب العنصر الیهودی الصهیونی فی داخل هذا الکیان المصطنع.

بهذا المعنى، یبدو جلیاً هذا البعد الخطیر لمحاولة "إسرائیل" انتزاع موافقة، أو تغطیة دولیة للمضی قدماً فی سیاسة التوسع الاستیطانی، فی موازاة الممارسات القمعیة والعدوانیة فی مواجهة الفلسطینیین فی الضفة الغربیة، کما فی داخل أراضی العام 1948. فهی تحاول التنکیل بهم لدفعهم أو دفع المزید منهم إلى المغادرة بفعل التعدیات المتواصلة، وتحت وطأة الضغوط التی تشتد، بنیّة التطهیر العرقی الذی تمارسه سیاسة التمییز العنصری، والفصل والتفرقة من الحکومة والهیئات العامة والرسمیة فی "إسرائیل". جذور الفکرة تاریخیاً : ولکن یبرز أمامنا سؤال جوهری لماذا الآن تعاود "إسرائیل" إثارة الحدیث عن یهودیة الدولة؟!. وهذا السؤال یفضی إلى استنتاج مفاده أن هذا الحلم لیس مستحدثاً، إنما له جذور کامنة فی أصل بناء الدولة. ما یجعلنا نعود إلى أصول الفکرة، حتى قبل أن تنشأ الدولة المصطنعة بین جنبات الإقلیم العربی والإسلامی.

دعونا نستذکر سویاً نص وعد بلفور الشهیر، والذی یقول فیه :"إن حکومة صاحب الجلالة تنظر بعین العطف إلى إقامة مقام قومی فی فلسطین للشعب الیهودی، وستبذل غایة جهدها لتسهیل تحقیق هذه الغایة، على أن یفهم جلیاً أنه لن یؤتى بعمل من شأنه أن ینتقص من الحقوق المدنیة والدینیة التی تتمتع بها الطوائف غیر الیهودیة المقیمة فی فلسطین". الباحث فی الشؤون الاسرائیلیة إحسان مرتضى یوضّح، فی مقابلة معه لموقع المنار، طبیعة هذ الوعد، بتأکیده على أن الخطورة التی حملها أنه لم یعترف بوجود الشعب الفلسطینی أصلاً. فهو یقول "الطوائف غیر الیهودیة المقیمة فی فلسطین"، ولیس الشعب الفلسطینی أو الفلسطینیین.

وهذا کان تلبیة لرغبة الیهود أنفسهم، أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، فهؤلاء المقیمون فی فلسطین لهم حقوق مدنیة فحسب، ولیس لهم حق بوطن ودولة. حتى قرار إنشاء "اسرائیل" وتقسیم فلسطین قام على هذا الاساس. وقبل الوعد کان الیهود فی فلسطین لا یشکلون أکثر من 5% من تعداد السکان. ولکن بفعل الهجرات غیر الشرعیة فی تلک الحقبة أصبحوا یمثلون ما نسبته 15%. إذ إن بلفور أعطى أرض فلسطین لهذه الفئة فی مقابل تجاهله لنسبة 85% من المسلمین والمسیحیین فیها. وتعبیر بلفور فی قوله "إقامة مقام قومی فی فلسطین للشعب الیهودی"، اعتراف واضح بأنهم یشکلون شعبا بلا أرض، وأنهم قومیة موحدة فی الوقت الذی ینتشرون فیه بالعالم مجموعات على طریقة "الغیتو". وکان العمل لإقامة دولة قومیة للیهود الصهاینة فی فلسطین هو فی الحقیقة الهدف الذی تتطلع إلیه الصهیونیة العالمیة.

فالغایة الفعلیة من وجهة النظر الصهیونیة هی استقطاب الیهود حول العالم، وتعبئتهم حول فکرة بناء وطن لهم فی هذه البقعة بالتحدید، لما لها من أهمیة مفترضة فی العقل السیاسی والوجدان الدینی المزعوم للیهود، وهو الأمر الذی اقتضى دوماً تهیئة المناخات الملائمة لتأمین تدفق وانتقال الیهود معتنقی العقیدة الصهیونیة إلى داخل فلسطین. "دولة إسرائیل" تضفی الصفة العنصریة التامة : ولکن أیضاً جذور الفکرة لم تبدأ مع وعد بلفور ، بدأت مع کتاب تیودور هیرتزل "دولة الیهود"فی العام 1895، الذی وضع الحجر الأساس لظهور الصهیونیة السیاسیة وتأسیس الحرکة الصهیونیة بعد انعقاد المؤتمر الصهیونی الأول فی مدینة بازل السویسریة بین 29 و31 اغسطس 1897 وانتخاب هرتزل رئیسا للمنظمة الصهیونیة العالمیة. بعد ذلک بدأ هرتزل عدة محادثات مع شخصیات عدیدة من دول مختلفة، مثل القیصر الألمانی فیلهلم الثانی (Wilhelm II) الذی التقى به سنة 1898 مرتین فی ألمانیا وفی القدس أو السلطان العثمانی عبد الحمید الثانی سنة 1901، بحثا عن مؤیدین للمشروع الصهیونی.

لکن جهوده فشلت وترکت المجال مفتوحا لمواصلة العمل على تأسیس الدولة. وتابعها من بعده حاییم وایزمان وزئیف جبوتنسکی ودافید بن غوریون. ویخبرنا الباحث حسن صعب، فی مقابلة مع موقع المنار، أن کل هؤلاء کانوا ینظرون إلى الدیانة الیهودیة نظرة عداء، وإن کانت بدرجات متفاوتة. ولکنهم رأوا أن الدیانة الیهودیة والانتشار الیهودی وجهان لعملة واحدة. وراحت فکرة "دولة الیهود" تترسخ. فأقر على أن تسمى فلسطین "أرض إسرائیل"، حرصاً على تأکید انتماء هذه الأرض إلى من یزعمون أنهم أسلافهم الأول، وهم أبناء یعقوب أو "بنو إسرائیل". ولقد فضّل الصهاینة استخدام هذا الإسم "دولة إسرائیل" لدولتهم بدلا من الاسم الذی کان قد اختاره هرتسل، وهو دولة الیهود، لأسباب نذکر منها : أولاً: إیجاد تناسق بین اسم الدولة والاسم العبری لفلسطین وهو "أرض إسرائیل"(إیرتس یسرائیل).

ثانیاً : إیثار الصفة العنصریة الکامنة فی اسم "إسرائیل" على الصفة الدینیة فی لفظة "الیهود".
وبرز مؤرخ یهودی یدعى "بوعز عفرون" قال فی کتابه "الحساب القومی" 1988، إن الیهود لم یکونوا شعبا وإنه لا یوجد ما یسمى بالشعب الیهودی فی ماضی التاریخ الیهودی، لآن الجماعة الیهودیة اتخذت دوما وضع الطائفة المنعزلة على نفسها طوال التاریخ، وأن الأساس الدینی والوضع الاجتماعی لهذه الطائفة لا یؤدی إلى قیام کیان قومی طبیعی. ویرفض عفرون کذلک رأی المؤرخین الیهود الذین یرون أن الدین هو أساس القومیة، مؤکداً على أن الصفة الروحیة والثقافیة للهویة الیهودیة قد تبلورت فی ما یسمونه "الشتات الیهودی". وبرفض استمرار وصف الدولة على أنها دولة یهودیة لأن هذا الأمر یترتب علیه رفض نسبة کبیرة من الذین یقیمون من غیر الیهود (یقصد فلسطینی 1948) لهذا الوصف. کما أنه یمکن أن یؤدی إلى انفجار تمرد قد یقود إلى حرب أسماها حرب أهلیة مکبونة.

من أجل الحفاظ على روح الیهودیة، لا بد برأی عفرون، من الفصل بین الدولة وبین الیهود الذین یعیشون خارج حدودها، حسب تعبیره. إن رفض أسطورة "الشعب الواحد" هو أمر ضروری من أجل استمرار التواصل بین الیهود فی العالم. "دولة یموقراطیة" تسمیة لم تعد تفی بتحقق الحلم التاریخی : یقول موقع ما یسمى "وزارة الخارجیة الإسرائیلیة" فی تعریف "دولة إسرائیل" إن :"إسرائیل دولة یهودیة ودیموقراطیة، وإن کان هذان المنهجان یبدوان متناقضیْن إلاّ أنّ الدمج بینهما کان اعتبارًا طبیعیًا بالنسبة للآباء المؤسّسین للدولة وواحدًا من الخطوط العریضة للوطن منذ أن وُلد مجدّدًا فی العام 1948.

وکان بعض بذور الدیموقراطیة السیاسیة الحدیثة قد زُرع خلال المراحل المبکّرة من التأریخ الیهودی علاوة عن جملة من المبادئ والقیم الأساسیة تشکّل رکیزة الدیموقراطیة کانت من محاور الفکر الیهودی قولاً وعملاً طوال ألفی عام فأکثر". إنطلاقاً من هذا التعریف الکیان الصهیونی- على أنها دولة دیموقراطیة؟!. یؤکد الباحث إحسان مرتضى أنه کان بدیهیاً أن یعرّفوا أنفسهم أنهم دولة دیموقراطیة أنذاک، فقد کان هذا تلبیة لطلب الدول الغربیة التی دعمت مشروع إقامة وطن قومی للیهود فی فلسطین، من جهة، وهذا کان شرطا واضحا فی وعد بلفور کما لاحظنا، ومن جهة ثانیة کانوا مضطرین إلى ذلک لکسب تأیید تلک الدول، إلى جانب أنهم لم یکونوا متأکدین تماماً إلى ای مدى سینجح مشروع جلب یهود العالم للإقامة فی فلسطین، من جهة أخرى.

فإسرائیل بدون یهود لا یقوم لها قائمة، لذلک کانت الوکالة الیهودیة، والتی تأسست قبل تأسس الکیان نفسه، تعمل بشکل دؤوب لجلب أکبر عدد من الیهود إلى فلسطین. وعندما راحت "إسرائیل" تتوسع أصبحت فی حاجة ملحة بشکل أکبر إلى دم یغذیها ویبقیها حیة. وهنا یستذکر مرتضى قولا لغولدا مائیر :" "إسرائیل" مثل الغزال کلما أکل کلما تمدّد جلده". یعنی المزید من احتلال الأراضی. وکان یغلب علیها حین تأسسها الطابع الاشتراکی، الذی کان کاسحاً فی دول العالم أنذاک، وأیضاً حتى العالم یقبل بهم، فهم نشأوا بطریقة غیر شرعیة فلیحصلوا على المشروعیة الدولیة تمظهروا بهذا المظهر الدیموقراطی.

ولمّا قوی عودهم، واطمئنوا على وجودهم فی المنطقة، راح بعض من یتناوب على الحکم یعلن، فی جلسات خاصة، وبین فترات متباعدة أنهم یریدون دولة یهودیة خالصة. ولعله من هنا تأتی فکرة رئیس لجنة الخارجیة والأمن فی الکنیست أفیجدور لیبرمان، بأنه "لا مواطنة بلا ولاء". والتی طرحها فی الآونة الأخیرة، وتأتی فی مقدمة شروطها إجبار العربی الفلسطینی على الخدمة فی الجیش الإسرائیلی، لیثبت أنه جزء من جسم هذه الدولة. إلا إنه قبل لیبرمان، والجدل القائم حالیاً حول مفهوم قانون القومیة فی "إسرائیل"، یلفت الباحث حسن صعب أن أول عودة لها للظهور على المسرح الدولی کانت مع إیهود أولمرت رئیس الحکومة السابق فی مؤتمر أنابولیس، الذی عقد فی تشرین الثانی 2007.

وثمة من یرى أن أولمرت هو أول رئیس حکومة یطرح علنا، بصورة حادة وواضحة للغایة، مطلب الإعتراف بإسرائیل دولة للشعب الیهودی، فی حین جرت العادة على أن یتم الاکتفاء بمقولة "دولتین لشعبین" من دون التطرق إلى الحدیث عن "الشعب الیهودی" منفرداً. أما بنیامین نتنیاهو، رئیس حکومة الکیان الحالی، فقد زعم بأن "الشرط الأساسی لإنهاء الصراع هو الإقرار الفلسطینی العلنی، الملزم والصادق، بإسرائیل دولة قومیة للشعب الیهودی". ولقد أقدمت حکومته فی تشرین الأول 2010 على إجراء تعدیلات على "قانون المواطنة" بحیث یتضمن أداء قسم الولاء لـ"الدولة الیهودیة" شرطاً الاکتساب الجنسیة الإسرائیلیة.

وزعم نتنیاهو أن هذا الطرح "استمرار لما بدأه بن غوریون أی دولة للیهود، لا دولة یعیش فیها مواطنوان من الیهود". ویرى غیورا أیلاند، احد أبرز منظری الأمن القومی الإسرائیلی، أن طرح نتنیاهو شرط ضروری لإحراز تسویة نهائیة مع الفلسطینیین. وحدیثاً، کشفت صحیفة معاریف الصهیونیة عن جهد تبذله الإدارة الأمیرکیة من أجل إقناع أعضاء الجامعة العربیة بالإعلان عن قبولهم بمبدأ الدولة الیهودیة، وذلک بعد ما أعلنوا قبولهم مبدأ تبادل الأراضی بناء على حدود العام 1967. الیوم الفرصة مؤاتیة لـ"یهودیة" "إسرائیل" : الیوم تجد "إسرائیل" أن الفرصة سانحة أکثر من أی وقت مضى لجعل کیانها یهودیاً خالصاً، ولم لا وهی تنظر إلى العالم العربی یشتعل بالفتنة والحروب والدمار فی ظل ما یسمونه "الربیع العربی"، الذی یمثل أکبر خدیعة تقع فیها الشعوب العربیة وتنسى قضیتها الأساسیة "فلسطین"، من هنا – کما یؤکد الباحث مرتضى، یقولون للفلسطینی "أنت مجبور بالاعتراف بنا دولة یهودیة، ولا سبیل أخر أمامک".

والطامة الکبرى أن السلطة الفلسطینیة ما تزال تقدم المزید من التنازلات، فها هو مازن عباس یرد علیهم وکأنه یرید الخلاص :"سموها ما شئتم، ولکن اترکوا لنا الضفة الغربیة". وهی رغم ذلک لیست راضیة، فماذا ترید "إسرائیل" أکثر من ذلک؟!!. فی المقال القادم سیتمحور حدیثنا عن أبعاد الاعتراف بإسرائیل دولة یهودیة، وبحال فعلا أصبحت دولة یهودیة.
 


| رمز الموضوع: 143851







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. مقررة اممية: هجوم إسرائيل واميركا على إيران انتهاك واضح لميثاق الأمم المتحدة
  2. ولايتي: ترامب لا يسعى للسلام في غزة بل يطارد أموال الدول الإسلامية
  3. الشيخ قاسم: على الحكومة دعم الجيش في التصدي.. وأي اتفاق جديد يعني تبرئة الاحتلال
  4. لبنان: شهيد في غارة اسرائيلية استهدفت دراجة نارية في النبطية جنوبيّ البلاد
  5. الإعلام الحكومي : ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين لـ 256 بعد ارتقاء الصحفي المنيراوي
  6. ألبانيزي تهاجم خطة ترامب لغزة.. أسوأ إهانة رأيتها في حياتي
  7. عشرات الشهداء بتواصل العدوان الصهيوني على قطاع غزة
  8. بعد حصار واشتباكات وقصف جوي.. استشهاد 3 فلسطينيين بنيران الاحتلال في جنين
  9. إضراب جماعي مرتقب عن الطعام في سجون بريطانيا تضامنًا مع فلسطين
  10. الشيخ نعيم قاسم: تجربتا غزة ولبنان وجهان لمعركة واحدة ضد الاحتلال
  11. النخالة: الفصائل الفلسطينية المجتمعة بالقاهرة توصلت إلى تفاهمات محددة بوقف الحرب في غزة
  12. الأدميرال سياري: القوات المسلحة الإيرانية جاهزة لمواجهة أي تهديد
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)