"مسيّرة جنين" في
يوم القدس العالمي
حسن لافي
وكالة القدس للانباء(قدسنا) كتب حسن لافي:
تثبت القدس دوماً أنها القضية القادرة على توحيد الأمة بكامل أطيافها، وتجييش كامل قدراتها ومقدّراتها في خضم معركتها المركزية ضد المشروع الغربي الإمبريالي ورأس حربته "إسرائيل". رحم الله الإمام الخميني، رضوان الله عليه، الذي استقرأ ببصيرته النيّرة خصوصية القدس وفرادتها، والتي لا نظير لها في وجدان الأمة وعقلها، فأسّس يوم القدس العالمي لتوثيق عرى الأمة بالقدس المحتلة، وحمايتها من كل محاولات كيّ الوعي الصهيو- تطبيعي تجاه قضية القدس، واختار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك لتلتقي الأمة مع القدس في أبهى تجلياتها الإيمانية والروحانية، ليجمع يوم القدس العالمي بين ثناياه قداسة المكان والزمان والهدف.
حمل يوم القدس العالمي في هذا العام خصوصية كبرى، كونه أتى في ذروة نضال الشعب الفلسطيني في كل جبهاته الجغرافية، التي توحّدت على خيار المقاومة ضدّ الهجمة الصهيونية الشرسة على مدينة القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، في محاولة إسرائيلية لفرض سيادتها الدينية على المسجد الأقصى وتقسيمه مكانياً وزمانياً، مستمدة قوتها من الانحدار المتسارع لقطار التطبيع العربي، والذي وصل بالمطبّعين العرب إلى الاجتماع في النقب حول قبر بن غوريون مؤسس الكيان الموقّت، والمسؤول الأول عن نكبة الشعب الفلسطيني وتهجيره عن أرضه.
في هذا الظرف الحرج الذي تمر فيه مدينة القدس، بصورة خاصة، والقضية الفلسطينية بصورة عامة، يبرز يوم القدس العالمي كقوة إسناد ودعم للشعب الفلسطيني، ويمنحه مزيداً من الثقة العالية بأمته وقواها الحية المقاومة، التي جعلت شعارها "القدس هي المحور" في يوم القدس، كتأكيد أن القدس والقضية الفلسطينية ما زالتا وستبقيان القضية المركزية للأمة. ومهما تلاطمت أمواج التطبيع الصهيو- عربي، فإنها حتماً ستنحسر وتتلاشى أمام مد رقعة محور القدس واتساعها، والذي بات يملك قناعة وثقة جمعيتين، جنداً وقادة، بأنه قادر على تحقيق الانتصارات على هذا الكيان الموقت، كما عبر عن ذلك القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي في أثناء مشاركته أهل غزة وقواها المقاومة في إحياء يوم القدس في أرض غزة، بقوله إن "الكيان الصهيوني لا يستطيع استعادة مكانته، لأنّ فلسطين باتت اليوم مقتدرة وقريبة من النصر، وشمس نصرها بدأت تبزغ".
تصدر كلمات سلامي من تقدير موقف حقيقي، ومتابعة حثيثة لتطور الحالة النضالية الفلسطينية، وقواعد الاشتباك مع الاحتلال، وخصوصاً بعد معركة "سيف القدس". يقول الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، "إن المقاومة عصية على الهزيمة، وإنها تفرض قواعد اشتباك تجعل العدو يحسب ألف حساب لكسرها". تلك القواعد تجلّت في هرولة قادة المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تجاه مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت من أجل منع وصول مسيرة الأعلام الصهيونية إلى باب العمود والوصول إلى المسجد الأقصى، لأن تقديراتهم الأمنية تؤكد أن ذلك سيؤدي إلى إعلان حرب من جانب المقاومة الفلسطينية، التي منذ معركة "سيف القدس" لم تعد مقتصرة على قطاع غزة، بل إن الضفة الغربية والداخل المحتل عام 1948 استعادا دورهما الفاعل في مجابهة الاحتلال، والذي تجلى في العودة إلى العمليات الفدائية داخل العمق الإسرائيلي، وبروز كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس كأول جناح عسكري علني يأخذ على عاتقه مواجهة اقتحامات الجيش الإسرائيلي اليومية لمنطقة جنين وشمالي الضفة الغربية.
أمّا في غزة فتواصل المقاومة تطوير وسائلها القتالية الهجومية القادرة على صنع تهديدات جديدة ومبتكرة للجبهة الداخلية الإسرائيلية، والتي كان آخرها كشف سرايا القدس في ذكرى يوم القدس النقاب عن "مسيّرة جنين" التابعة لقوتها الجوية، كتأكيد لحدوث نقلة استراتيجية في العقيدة العسكرية للمقاومة، بحيث بات لديها ازدياد في النزعة الهجومية، الأمر الذي يؤثر في فرض معادلات اشتباك جديدة مع الاحتلال، ويؤكد أمرين:
الأول، أن سياسة الحصار والتضييق على قطاع غزة لم تحل دون قدرة المقاومة على تطوير قدراتها وأسلحتها القتالية، بل استطاعت المقاومة فتح آفاق جديدة أمام مقاتليها لمباغتة جيش الاحتلال الإسرائيلي كل مرة، ودفعه إلى زاوية البحث عن أساليب دفاعية لحماية جبهته الداخلية. فبعد أن اعتقدت "إسرائيل" أنها من خلال إنهاء مشروع الجدار تحت الأرض على الحدود مع قطاع غزة، استطاعت تحييد سلاح الأنفاق الهجومية، تفاجأت بسلاح المسيّرات الهجومية الذي سيدفعها مجدداً إلى البحث عن وسائل دفاعية أخرى.
ثانياً، زيادة الثقة لدى المقاومة الفلسطينية بتحقيق الانتصار على هذا الكيان الموقت. فعلى الرغم من سعي "إسرائيل"، في كل قدرتها، لتحويل "اتفاقات أبراهام" التطبيعية إلى حلف عسكري في المنطقة، تحاول من خلاله إغلاق الثُّغَر التي أحدثها محور المقاومة في أمنها القومي طوال الأعوام الماضية، إلّا أن المقاومة الفلسطينية تدرك أنها ليست وحدها في المعركة، بل هي تمثل مركز محور مقاومة على امتداد وجدان الأمة وجغرافيتها. لذلك، بات من المنطقي أن تحلق "مسيّرة جنين"، فخر الصناعة الفلسطينية، في يوم القدس العالمي.
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS