«كامل رستوموفيتش» يوغسلافي أحب فلسطين ودافع عنها

من يوغوسلافيا كانت الوجهة الى فلسطين في العام 1948. فلسطين، الوطن العربي الإسلامي التاريخي الذي سرقه اليهود وحاولوا سرقة هويته ايضاً، لكنهم لم ينجحوا، فثار كامل رستوموفيتش، المسلم البعيد عن ارض فلسطين، وجاء إليها حاملاً معه الشهامة والغيرة لنصرة وطن وشعب.

عمر حلمه بدأ مع القضية الفلسطيني عام 1948، القضية التي حملت ولا تزال تاريخاً كبيراً من النضال، ودافع عنها فقط الرجال الرجال، رجال نذروا أنفسهم في سبيل الرسالات السامية، فدائيون هم، بوصلتهم فلسطين، يهتدون بها كلما حاول البعض أن يضيعوا الطريق.

محطته الأولى كانت في الجنوب، سكن بين أهلها وأصبح احداً منهم، ومن الجنوب انتقل الى بيروت وتحديداً الى الضاحية الجنوبية. عايش كامل رستوموفيتش كل الحروب في لبنان، إلاً أن تحرير الجنوب عام 2000 وإنتصار لبنان في حرب تموز كانا لهما معنى خاص في حياة هذا المناضل الثائر.

هو كامل رستم، أو كامل اليوغسلافي كما عرف بين أهله وأصدقائه، ولادته كانت في العام 1928  في قرية " كوتي" الكرواتية المحاذية على الحدود مع البوسنه والهرسك، فإنخرط في شبابه في الجيش الألماني حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية.

 ومع الأحداث التي جرت على فلسطين في العام 1948 وصل كامل رستم مع عديد المفرزة اليوغوسلافية  الى سوريا  بدعوة من الجامعة العربية ، بعدها  تطوع مع عدد من الشبان العرب والاجانب للدفاع عن فلسطين وانخرط ضمن جيش الانقاذ ليخوض غمار الحروب من بلد الى بلد. كان عدد المفررة 110 أفراد، وصلوا الى فلسطين، وتمركزوا في يافا وشكّلت المفرزة جزءاً من حاميتها، لتدخل  في مواجهة مع العصابات اليهودية التي تأسس منها لاقحاً الجيش الاسرائيلي، وفي تلك المعركة المشهودة فقدت المفرزة نصف عديدها.

عمل كامل رستم كخبير متفجرات، وكانت مهمته الاساسية وضع الالغام وتفجيرها بآليات الجيش الاسرائيلي، واستطاع من خلال خبرته بالمتفجرات ان يكبد خسائر كبيرة مادية وغيرها عند العدو الاسرائيلي.

أولى البلدات التي أقام فيها كانت بلدة المالكية، محط رحاله، وتقع في جبال الجليل الأعلى، على السفح الشمالي لإحدى التلال ويفصلها أقل من نصف كيلومتر عن الحدود اللبنانية، وكانت طريق فرعية تصلها بغيرها من القرى وبالطريق العام الساحلي غرباً، ظلت المالكية جزءاً من لبنان حتى عام 1923، حين رسمت الحدود النهائية بين لبنان وفلسطين. وكانت على شكل مربع ومنازلها متجمهرة بعضها البعض،  شارك كامل رستم في معركة الماليكة الشهيرة في تموز من العام 1948،  بهدف استرجاع الأرض المحتلة من الجيش الاسرائيلي.

في تشرين الأول من العام 48، نصب كامل رستم عبوة ناسفة على تلال بلدة ميس الجبل والنبي يوشع في جنوب لبنان لدورية إسرائيلية قُتل فيها 12 جندياً اسرائيلياً، ومع هذا العمل المقاوم نال أوسمة وتناويه من قيادة الجيش اللبناني وجيش الانقاذ في ذلك الوقت.ومع ما قدمه من تضحيات،وتقديراً لهذا العطاء خصوصاً في معركة المالكية، اصبح كامل رستم لبنانياً بكل ما للكلمة من معنى فمن يقاوم ضد الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب اللبناني يستحق أن ينال وسام شرف الجنسية اللبنانية فمنحته الدولة اللبنانية مع بعض هؤلاء المتطوعين الجنسية اللبنانية وبموجب مرسوم وقرار حكومي اصبحوا جنود في الجيش اللبناني. وهكذا أصبح المتطوّع اليوغوسلافي  كامل رستم رقيباً في الجيش اللبناني وكان ذلك في 1/4/1950.

ومن الجنوب أكمل كامل اليوغوسلافي عمله العسكري في بيروت، فعاد ليخدم في فوج المدفعية الذي كان مقرّه في بيروت "الأونيسكو" وبعد أشهر إنتقل الى الفوج الخامس في أبلح كمدرّب لعناصر الفوج. ومن ابلح انضم كامل رستم  الى فوج القناصة في منطقة مرجعيون ليمارس هناك وظيفة مدرّب مدرعات ومصفّحات إختصاص ميكانيك وقيادة. وعندما شُكّلت كتائب المصفحات الثانية في مرجعيون عام 1956 كان في عديد هذه الكتائب التي انتقلت في ما بعد الى بيروت عام  1958 وما لبثت أن عادت الى ثكنة صور حيث بقي فيها حتى العام 1961. وبين ذلك العام والعام 1979 سنوات طويلة تابع خلالها  رستم الخدمة في صفوف الجيش بإندفاع وإنضباط وشجاعة.

أحداث مهمة حفلت بها حياة هذا المناضل وشارك فيها، منها خلال فترة السبعينات، ففي العام 1972 وأثناء إنتقال فوج المشاة الرابع من الحدود الجنوبية الى بيروت على متن الدبابات، تعرّض الفوج في المنطقة بين صور والقاسمية لكمين نصبه مسلحون أطلقوا على القافلة نيران الصواريخ. وبشجاعته وحكمته إستطاع  رستم أن يسيطر على الوضع،فاضطر المسلحون للإنسحاب ووصلت القافلة الى بيروت سالمة.

استمر كامل رستم في عمله العسكري حتى العام 1979، فسُرّح من الجيش برتبة معاون أول يحمل على صدره وسامي الحرب وميدالية الاستحقاق الفضية الى  البرونزية والميدالية العسكرية.

تزوج كامل رستموفيتش من السيدة كريمة شقير من بلدة ميس الجبل التي أقام فيها فترة من الزمن ورزق ب12 ولداً.

تسعون عام مضت واوسمة كامل اليوغوسلافي تحفظ له تاريخه النضالي ولتكون شاهدة على عمر رجل ضحّى منذ شبابه حتى شيبه، ومنذ شهر، في التاسع والعشرين من شهر كانون الثاني 2018، رحل هذا الرجل التسعيني في منزله في الضاحية الجنوبية لبيروت، رحل فارساً جارحاً ولد من رحم البطولة، حاملاً معه حلمه بالتحرر من العدو الإسرائيلي الذي بدأ في لبنان عامي 2000 و2006، وسيكتمل بتحرير فلسطين بإذن الله.

أمل شبيب