qodsna.ir qodsna.ir

مؤشران ينبغي تأملهما…

لو قُمنا بالربط بين عدد من العناصر التي لها علاقة بمستقبل المحيط الدولي الذي حولنا، سنكتشف أن كثيرا من الإحباطات التي تكاد تَسكننا جميعا بحاجة الى مراجعة وأحيانا مراجعة جذرية.

كتب محمد سليم قلالة في صحيفة الشروق الجزائرية:

لو قُمنا بالربط بين عدد من العناصر التي لها علاقة بمستقبل المحيط الدولي الذي حولنا، سنكتشف أن كثيرا من الإحباطات التي تكاد تَسكننا جميعا بحاجة الى مراجعة وأحيانا مراجعة جذرية.

المؤشر الأول الذي نقدمه، له علاقة بالصّراعات الدولية، التي عادة ما تتمثل لنا في كون القوى الكبرى ابتعدت عنَّا بأشواط كبيرة في مجال التقدم بشكل عام والتقدم التكنولوجي بشكل خاص مما يثير حالة من اليأس لدينا مفادها استحالة اللحاق بالركب مادام الأمر على هذا الحال، فضلا عن كوننا مُهدَّدين اليوم أو غدا بالتجاذبات والصراعات الجيواستراتيجية وسنكون اليوم أو غدا ضحية لها… هذا المؤشر إذا نظرنا إليه من زاوية أخرى سنرى الصورة مختلفة تماما. لقد تم استجواب أكثر من 900 خبير، في نطاق الاستبيانات التي يقوم بها المنتدى الاقتصادي العالمي، عن المخاطر العشر الكبرى في العشر سنوات القادمة، وخلافا لما كان متوقعا، لم يأت النزاع المسلح بين الدول في أي مرتبة من المراتب العشر الأولى من هنا إلى سنة 2035 رغم أنه احتل المرتبة الثالثة في تقديرات مخاطر 2025/ 2026! انظر تقرير (Global risks ranked 2025-WEF)، وبدله جاءت مخاطر من نوع آخر… وكانت بالترتيب حسب درجة الخطورة (الظواهر الجوية الحادة، فقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظم البيئية، التغيرات الحرجة في أنظمة كوكب الأرض، نقص الموارد الطبيعة)، وهي مخاطر تسمح طبيعتها بأن نتعامل معها إذا ما أحسَنَّا الاستباق. أما النزاعات المسلحة بين الدول فلم يبق منها سوى، خطر التجسس السيبراني والحرب السيبرانية! الذي تدحرج من الرتبة الخامسة في المستقبل المباشر (2025 – 2026) إلى المرتبة التاسعة من حيث الخطورة في حدود سنة 2035! وفي هذا دلالات كثيرة لنا.

المؤشر الثاني الذي نُقدِّمه، وينبغي تأمله، يتعلق بهيمنة الكيان الصهيوني على منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وخسارة قضية فلسطين انطلاقا مما يحدث في غزة اليوم. هذا الأمر الذي نراه كارثيا على منطقتنا وسيؤثر على مستقبلنا يمكننا أيضا رؤيته من زاوية أخرى… وهذه المرة تكفينا العودة لمقالات أحد الكتاب الاسرائيليين في المدة الأخيرة التي تناولت مدى “انتصار” الكيان في اعتداءاته الأخيرة على غزة وإيران، لنجد إشارات حاملة للمستقبل تقول عكس ما يتبادر إلى أذهاننا. يكشف هذا الكاتب من خلال أمثلة حيّة كيف أن “اسرائيل” بدأت تنفجر من الداخل. ففي آخر مقال له الذي يحمل عنوان israel is imploding الذي نشره موقع الجزيرة. نت، تحت عنوان : (بهدوء وثبات.. إسرائيل تنهار من الداخل)، يذكر”أوري غولدبيرغ” فيه من بين ما يذكر: أن ادعاء نتنياهو تحقيق الأهداف في إيران غير مقنعه، فلا “اجتثاث” مؤكد للبرنامج النووي ولا “تغيير للنظام”، بل إن النتائج ارتدت عكسيًا سياسيًا ودعائيًا عليه مع كلفة داخلية إسرائيلية كبيرة! فضلا عن التفاف قطاعات واسعة من الإيرانيين حول دولتهم بدل إسقاط النظام وتفكيكها! وبالنسبة لغزة يعتبر المقال أن الاستمرار في الحرب إلي اليوم بعد فشل تحقيق أهداف إسرائيل (مثل تدمير حماس أو إعادة الرهائن) يعكس فشلًا استراتيجيًا ولا يُمثل تحدٍ عسكري فحسب، وهذا سيؤدي إلى “تآكل نفوذ إسرائيل” لصالح قوى أخرى – التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة- وليس ازدياده… إضافة إلى ما جاء في المقال أن المجتمع الإسرائيلي بدأ يعرف، أثناء وبعد الحرب على غزة، صراعات داخلية أكثر من أي وقت مضى… وتضمن المقال إشارات كثيرة تعزز ذلك وتدل بالفعل أن الكيان الصهيوني خلافا لما يبدو لم يعد متماسكا كما كان قبل اليوم، بل يعرف انفجارا غير مسبوق ومن الداخل هذه المرة

هذان المؤشران كافيان في تقديري للنظر إلى مستقبلنا وتأمله من زاوية أخرى. لا يعني أن المخاطر زالت جميعها عنا، ولكنه يعني أنه بقدر ما لدينا من تهديدات لدينا ما يكفي أيضا من فرص! يكفي أن نعرف كيف نتكيف إيجابيا مع تطورات الأوضاع ولا ننساق ضمن منطق اليأس الذي هو جزء من أسلحة المعركة إن لم يكن أخطرها على الإطلاق، وعندها يمكننا تحقيق التقدم المنتظر بحول الله


| رمز الموضوع: 412005