استبعاد "توني بلير" من خطة إدارة غزة.. صفعة للمقترح الأميركي وتصدّع مبكر في "اليوم التالي"
في تطور سياسي لافت يعكس حجم التعقيد الذي يكتنف ترتيبات "اليوم التالي" في قطاع غزة، خرج رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير رسميًا من قائمة المرشحين لتولّي دور محوري في ما يُعرف بـ"مجلس السلام" الذي كان يهدف إلى إدارة المرحلة الانتقالية في القطاع بإشراف أميركي ودولي.
في تطور سياسي لافت يعكس حجم التعقيد الذي يكتنف ترتيبات "اليوم التالي" في قطاع غزة، خرج رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير رسميًا من قائمة المرشحين لتولّي دور محوري في ما يُعرف بـ"مجلس السلام" الذي كان يهدف إلى إدارة المرحلة الانتقالية في القطاع بإشراف أميركي ودولي.
ويأتي هذا الاستبعاد بعد سلسلة اعتراضات عربية وإسلامية واسعة على تعيينه، في وقت تكافح فيه واشنطن لتثبيت بنية إدارية جديدة في غزة تُمرَّر تحت مظلة دولية وتحظى بقبول إقليمي.
وكان بلير يُعدّ أحد أبرز الأسماء المطروحة لرئاسة المجلس التنفيذي للمخطط الأميركي، بالنظر إلى خبرته السياسية وصلاته الدولية، غير أن تاريخه المثقل بالجدل وخصوصًا دوره في دعم غزو العراق عام 2003 وانحيازه الواضح لـ"إسرائيل" جعله شخصية غير مرغوب فيها فلسطينيًا وعربيًا، ما أدى إلى نسف ترشيحه في المرحلة النهائية.
وتكشف هذه الخطوة، وفق محللين، عن أول شرخ فعلي في الهيكلية الأميركية التي حاولت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تقديمها كمسار جاهز لإدارة غزة بعد الحرب، وعن أن مستقبل القطاع لن يُحسم بين واشنطن و"تل أبيب" فقط، بل بات مشروطًا بتوافق أوسع يتجاوز الإرادة الأميركية والإسرائيلية.
هذا التحول المفاجئ يفتح الباب أمام تساؤلات كبيرة حول طبيعة الخطة الأميركية، ودور الدول العربية والإسلامية في صياغة الترتيبات المقبلة، وشكل المجلس الدولي الذي كان يجري الإعداد له، ما ينذر بإعادة رسم المشهد السياسي للغد القريب في قطاع غزة، وإعادة النقاش من جديد حول من يملك شرعية إدارة القطاع وكيف.
ولم يصدر تعليق رسمي من مكتب بلير، غير أن مقربًا منه أكد أنه لن يشغل أي منصب في المجلس المزمع تشكيله من قادة دوليين حاليين، مع مجلس تنفيذي محدود يتولى إدارة الملفات اليومية في القطاع.
ترحيب فلسطيني
رحبت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بقرار الاستبعاد، واعتبر القيادي في الحركة طاهر النونو الخطوة "صحيحة وفي مكانها"، مؤكدًا أن الحركة كانت قد طالبت مرارًا بإبعاده نتيجة "انحيازه الصارخ لإسرائيل" ومواقفه السلبية تجاه القضية الفلسطينية. وشدد النونو على أن أي حديث عن قوة دولية لنزع سلاح المقاومة "لم يُناقش مع الحركة إطلاقًا"، ولم تُطرح تفاصيل حول مهامها أو نطاق عملها داخل غزة.
وأكد النونو على استعداد "حماس" للدخول في هدنة طويلة الأمد شرط التزام الاحتلال بوقف إطلاق النار بشكل كامل.
وأوضح أن سلاح المقاومة سيكون جزءاً من سلاح الدولة الفلسطينية بعد قيامها، مشدداً على رفض الحركة لأي حديث عن قيام قوة دولية بنزع سلاح المقاومة بالقوة، واصفاً هذا الطرح بأنه “مرفوض ولم يُناقش مطلقاً”. وأضاف النونو أن الحركة لم تتسلم حتى الآن رؤية واضحة حول تشكيل القوة الدولية المقترحة لغزة، ولا حول مهامها وأماكن انتشارها، معرباً عن اعتقاده بعدم قبول أي دولة المشاركة في قوة يكون من مهامها نزع سلاح غزة بالإكراه. كما لفت النونو إلى أن "أطماع بنيامين نتنياهو تتجاوز حدود فلسطين وتشكل تهديداً لدول المنطقة كافة".
وفي سياق آخر، أعلن القيادي جاهزية الحركة لتسليم إدارة قطاع غزة فوراً إلى لجنة وطنية مستقلة من التكنوقراط، وذلك عقب طرح مصري بعد رفض السلطة الفلسطينية تولي إدارة القطاع.
في تصريحات سابقة، أوضح حسام بدران، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، أن ارتباط أي خطة بتوني بلير، الذي يعتبر شخصية غير مرحب بها، يعد نذير شؤم للشعب الفلسطيني، مؤكدًا أن أي خطة تحمل اسمه "لا تحظى بالقبول الفلسطيني"، وأن إدارة غزة يجب أن تأتي عبر توافق وطني لا عبر فرض خارجي.
واعتبر بدران أن توني بلير شخصية سلبية، وربما يستحق المثول أمام المحاكم الدولية لارتكابه جرائم، خاصة دوره في الحرب على العراق بين عامي 2003 و2011. ووصف القيادي في حماس، بلير بأنه "شقيق الشيطان"، مؤكدًا أنه لم يأتِ بالخير للقضية الفلسطينية ولا للعرب ولا للمسلمين، وأن دوره التخريبي والإجرامي معروف منذ سنوات.
وشدد على أن إدارة الشأن الفلسطيني في غزة أو الضفة الغربية هو شأن داخلي فلسطيني يجب أن يحظى بتوافق وطني، وأنه ليس من حق أي طرف إقليمي أو دولي فرض كيفية إدارة الشعب الفلسطيني لشؤونه.
تصدّع مبكر في الهيكلية الأميركية
ومن جانبه، كشف الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة أن استبعاد توني بلير من ما يُعرف بـ"مجلس السلام" الذي كان يخطط له الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإدارة غزة، يمثل أول تصدع واضح في هيكلية خطة "اليوم التالي" الأميركية للقطاع. وأكد عفيفة أن قرار استبعاد بلير يعكس هشاشة المشروع التكنوقراطي الذي حاولت واشنطن فرضه بعد الحرب، ويشير إلى أن أي صيغة لإدارة غزة لن تمر دون شراكة عربية وإسلامية فعلية. وأشار عفيفة إلى أن استبعاد بلير يعيد خلط أوراق المجلس المقترح، ويفتح المجال أمام تغييرات محتملة في الأسماء والرؤى، وربما دور فلسطيني أوسع مما خطط له الأميركيون، مشددًا على أن القضية ليست مرتبطة بشخص بلير بحد ذاته، وإنما بنموذج الإدارة والهيكلية التي كان من المفترض تطبيقها في غزة.
وأكد الكاتب أن رحيل بلير المفاجئ يترك علامات استفهام حول الملفات التي كان سيقودها، بما في ذلك الحكومة الانتقالية، الأمن، إعادة الإعمار، وترتيبات السيطرة المدنية، ما يعكس حجم التأثير الذي كان سيتركه على المشهد الفلسطيني.
وخلص عفيفة إلى أن استبعاد بلير ليس مجرد تفصيل إداري، بل يمثل أول شرخ معلن في البنية الأميركية لليوم التالي في غزة، ويعد مقدمة لتحولات أكبر محتملة في المشهد السياسي والإداري للقطاع، في ظل تداخل المصالح الدولية والإقليمية والفلسطينية.
وتأتي هذه التطورات بعد تقارير عن لقاء سري بين رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتوني بلير قبل أسبوع، بحسب قناة "كان" العبرية، حيث تناول اللقاء مستقبل غزة بعد انتهاء الحرب والجهات المقترحة لإدارة القطاع، في حين امتنع مكتب نتنياهو عن التعليق على فحوى الاجتماع.
خلفية مثيرة للجدل
يذكر أن توني بلير شغل منصب رئيس وزراء المملكة المتحدة من 1997 إلى 2007، وهو عضو سابق في حزب العمال البريطاني.
وخلال فترة حكمه، لعب دوراً بارزاً في السياسة الدولية، وكان من أبرز المؤيدين لـ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وهو ما أثار جدلاً واسعاً وأثار موجة انتقادات على المستويين الدولي والعربي. وقد ارتبط اسمه بالسياسات الغربية التي دعمت التدخل العسكري في الشرق الأوسط، مما جعله شخصية مثيرة للانقسام بين حلفائه وخصومه على حد سواء.
على الصعيد المحلي الفلسطيني، يُنظر إلى بلير بعين الريبة بسبب دوره في سياسات اعتُبرت معادية للقضية الفلسطينية، بما في ذلك دعمه لإسرائيل في محطات سياسية عدة، وتصريحاته التي انتقدت المقاومة الفلسطينية وقيادتها. هذه الخلفية جعلت اسمه حساساً للغاية عند طرح أي دور له في إدارة أو مراقبة شؤون غزة، خصوصاً بعد الحروب الأخيرة على القطاع، حيث تعتبر حماس والقيادات الفلسطينية أن مشاركة بلير في أي مجلس أو خطة لإدارة القطاع تمثل تدخلًا غير مقبول وخطراً على السيادة الفلسطينية.
وظهر بلير في قصة غزة في إطار "مجلس السلام" الذي اقترحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإدارة شؤون القطاع بعد الحرب، إلا أن معارضته الرسمية من عدة دول عربية وإسلامية، إضافة إلى رفض حماس ومؤسسات فلسطينية له، أدت إلى استبعاده رسمياً من قائمة المرشحين.
ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة فلسطينية وعربية لإبعاد الشخصيات المثيرة للجدل عن أي ترتيبات سياسية أو أمنية داخل القطاع، وضمان أن تكون أي خطة لإدارة غزة متوافقة مع الإرادة الوطنية الفلسطينية.
باختصار، تاريخ بلير السياسي ودوره في الشرق الأوسط يجعله رمزاً للخلافات السياسية والحساسية الوطنية، وهو ما يفسر رفضه في سياق أي خطة دولية مرتبطة بغزة أو إدارة شؤونها.
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS