وسط صمت دولي مطبق ..
الضفة الغربية تحترق بصمت.. رعب يومي تحت سلاح المستوطنين
في قلب الضفة الغربية، تتكشف ملامح حربٍ صامتة يخوضها المستوطنون الإسرائيليون ضد المواطنين الفلسطينيين، تحت حماية جيش الاحتلال أو بصمته.
في قلب الضفة الغربية، تتكشف ملامح حربٍ صامتة يخوضها المستوطنون الإسرائيليون ضد المواطنين الفلسطينيين، تحت حماية جيش الاحتلال أو بصمته. حربٌ يومية تتخذ أشكال التهجير القسري، وحرق الممتلكات، والاعتداء على المزارعين، في محاولة لاقتلاع الإنسان الفلسطيني من أرضه وتحويل القرى إلى مناطق خوفٍ دائمة. ويعيش الفلسطينيون في الضفة الغربية تصاعدًا غير مسبوق في اعتداءات المستوطنين، التي تحوّلت إلى منهج منظم للعقاب الجماعي، زادت وتيرتها منذ اندلاع الحرب على غزة.
ووفق مراقبون، فإن إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية لم يعد سلوكًا فرديًا أو انعكاسًا لاحتقان سياسي؛ إنه استراتيجية استيطانية منظّمة تُمارَس تحت حماية جيش الاحتلال، وتستهدف إخضاع ما تبقّى من الأرض والإنسان الفلسطيني.
ويقدر عدد المستوطنين الإسرائيليين أكثر من 750 ألفًا في الضفة والقدس، أغلبهم مسلحين، ويعملون ضمن حملةً ممنهجة لتفريغ المناطق الفلسطينية من سكانها الأصليين، في ظل صمتٍ دوليٍّ مطبق.
تصعيد ممنهج
ووفق بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، ارتفع متوسط عدد الهجمات اليومية التي ينفذها المستوطنون في الضفة الغربية من ثلاث حوادث يوميًا قبل الحرب إلى أكثر من سبع يوميًا بعدها.
ومنذ 7 أكتوبر 2023 وحتى منتصف 2025، تم تسجيل أكثر من 1,400 اعتداء موثق شمل إطلاق نار، وحرق ممتلكات، وتدمير أراضٍ زراعية، وقتل وجرح عشرات المدنيين.
كما أن تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" أكد على أن قوات الاحتلال كانت حاضرة في نحو نصف هذه الحوادث، إما بتوفير الحماية للمستوطنين أو بمنع الفلسطينيين من الدفاع عن أنفسهم، ما يجعل من تلك الاعتداءات جريمة مزدوجة تتمثل بإرهاب المستوطنين وتواطؤ رسمي إسرائيلي. وتتركز الاعتداءات في مناطق "ج"، التي تشكل أكثر من 60٪ من مساحة الضفة الغربية، وتخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية كاملة.
كما أن محافظات نابلس والخليل ورام الله كانت الأكثر تضررًا، حيث شهدت قرى مثل ترمسعيا، بورين، المغير، ودوما موجات متتالية من الهجمات خلال الأشهر الأخيرة. وفي نابلس وحدها، سجلت منظمات محلية أكثر من 500 حادثة عنف استيطاني بين عامي 2024 و2025، شملت حرق منازل، اقتلاع أشجار زيتون، والاعتداء على المزارعين خلال موسم الحصاد.
وتحوّل موسم الزيتون، الذي يُعدّ رمزًا للثبات الفلسطيني، إلى موسم للرعب، حيث وثق تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية (نوفمبر 2025) أشار إلى أن نحو 70٪ من محصول الزيتون في شمال الضفة لم يُحصد هذا العام بسبب عنف المستوطنين وإغلاق الطرق المؤدية إلى الأراضي الزراعية. كما وثّقت الأمم المتحدة تهجير أكثر من 1,200 فلسطيني، نصفهم من الأطفال، من مجتمعات رعوية في الأغوار وجنوب الخليل، نتيجة هجمات المستوطنين المسلحين، منذ بداية الحرب على غزة.
كما أن كثير من تلك التجمعات الصغيرة هُجّر سكانها بالكامل بعد تهديدهم بالقتل أو حرق خيامهم، في مشهد يعيد للأذهان صور "النكبة" ولكن بأساليب حديثة وتحت غطاء قانوني من حكومة الاحتلال الإسرائيلي اليمينية المتطرفة.
ورغم توثيق منظمات دولية ومحلية عشرات القتلى والجرحى الفلسطينيين جراء هذه الاعتداءات، لم تُقدَّم أيّ من المجموعات الاستيطانية للمساءلة الجدية. كما تغلق النيابة الإسرائيلية معظم الملفات بذريعة "عدم كفاية الأدلة"، فيما يُكافأ المستوطنون على "حماية الأمن اليهودي"، كما وصف وزير الأمن القومي المتطرف "إيتمار بن غفير".
وتحوّل الإفلات من العقاب إلى سياسة ممنهجة، تُغذّيها الخطابات الرسمية التي ترى في الفلسطينيين "تهديدًا وجوديًا"، وفي المستوطنين "خط دفاع أول" عن المشروع الصهيوني في الضفة. مناطق منكوبة المختص في الشأن الإسرائيلي، عزام أبو العدس، حذر من أن ظاهرة عنف المستوطنين في الضفة الغربية، وتحديداً ما يُعرف بـ "فتية التلال"، قد تجاوزت مرحلة الأعمال الفوضوية لتصبح "ظاهرة مؤسسية وممتدة ومتشعبة" تحظى بدعم غير مسبوق من الحكومة الإسرائيلية الحالية.
وأكد أبو العدس في حديثه لوكالة "شهاب" للأنباء، أن هذا التحول يعود إلى احتضان وتعبئة أيديولوجية من قبل المدارس الدينية التابعة للصهيونية الدينية، التي تعتبر هذه المجموعة بمثابة "الجناح العسكري أو الميليشيات غير النظامية" المكلفة بتطبيق أجندتها على الأرض.
وأشار إلى أن هذا التطور يتماشى مع نمط الأحزاب الفاشية التي تعتمد على بنية عسكرية شبه نظامية لتنفيذ أهدافها. وربط المختص أبو العدس بين تصاعد عنف المستوطنين ووصول قيادات الصهيونية الدينية إلى مفاصل الحكم الرئيسية في الكيان الإسرائيلي، بما في ذلك الجيش وجهاز "الشاباك"، ووصول شخصيات مثل بتسلئيل سموتريتش، الذي وصفه بـ "عراب هذا التيار"، إلى وزارتي المالية والاستيطان.
وشدد على أن هذا التغلغل السياسي منح "فتية التلال" "دعمًا لا محدودًا"، سواء كان شعبياً أو حكومياً أو لوجستياً. كما لفت إلى أن الأحداث التي تلت السابع من أكتوبر قد عززت من دور هذه المجموعات، حيث برزت الحاجة إلى تحويلها إلى "قوات ضاربة" بدلاً من مجرد وحدات "مهمتها إزعاج الفلسطينيين" وقد تجسد هذا التحول في دمجهم غير الرسمي في المنظومة الأمنية، وتسليحهم على نطاق واسع، وفتح خطوط إمداد لوجستية تتيح لهم الحصول على موارد ضخمة، حتى على حساب قطاعات حيوية كالصحة والتعليم في الكيان الإسرائيلي.
وتناول أبو العدس مسألة التعبئة الأيديولوجية، موضحاً أن المدارس الدينية تعمل على تشكيل بنية فكرية متطرفة لدى المستوطنين، حيث أصبح ترتيب الأولويات لديهم معكوساً "الأرض، الدين، الإنسان"، لتصبح الأرض واستيطانها في المكانة الأولى.
كما أشار إلى الدورات التدريبية العملية التي تتلقاها هذه المجموعات، خاصة في مجال الزراعة والتربية الحيوانية، والتي أدت إلى ولادة "ظاهرة الاستيطان الرعوي".
واعتبر أن هذا النوع من الاستيطان هو "أهم عنصر لربط المستوطن في الأرض"، حيث يمكن لمستوطن واحد بعدة رؤوس من الأغنام أن يسيطر على آلاف الدونمات. وفيما يتعلق بالتداعيات المستقبلية، توقع أبو العدس أن يصل عنف المستوطنين إلى "مرحلة الصدام الشامل مع المجتمع الفلسطيني" خلال الأشهر القادمة، واصفاً إياه بـ "شيء يشبه الحرب الأهلية بين المجتمعين".
وحذر من أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي ستحاول تسويق هذه الاشتباكات على أنها "عنف مواطنين ضد مواطنين"، مما سيؤدي إلى سقوط "عشرات الشهداء الفلسطينيين يومياً"، وحرق المنازل وتهجير أصحابها، مشيراً إلى أن العنف المتزايد قد حول بالفعل قرى فلسطينية مثل المغير وترمسعيا وبيت دجن إلى "مناطق شبه منكوبة" .
وحذر أبو العدس من أن "فتية التلال" قد أصبحوا "الوحش الذي لا يمكن السيطرة عليه"، وأن عنفهم لم يعد مقتصراً على الفلسطينيين، بل يمتد إلى خصومهم السياسيين من اليسار الإسرائيلي ونشطاء السلام. وتوقع أنه في حال ذهاب حكومة اليمين، لن تستطيع أي حكومة لاحقة السيطرة عليهم، وسيصبحون "مكون فوضى في المجتمع الإسرائيلي" .
وتشهد الضفة الغربية، بما فيها القدس، تصعيدا إسرائيليا شاملا منذ عامين، أسفر عن مقتل ما لا يقل 1069 فلسطينياً وإصابة نحو 10 آلاف آخرين، واعتقال أكثر من 20 ألف شخص بينهم 1600 طفل.
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS