الأكثرية والأقلية في
لبنان وسلاح المقاومة

بثينة عليق
يُشكّل موضوع تحديد الأكثرية والأقلية الشعبية في لبنان مسألة إشكالية منذ تأسيس الكيان، فطبيعة النظام السياسي الطائفي في البلاد حالت دون الالتزام بالآليات المعتمدة عادةً للتعبير عن حقيقة توزّع الأكثرية والأقلية.
في الدول الطبيعية، تُعتمد الانتخابات والاستفتاءات كوسيلتين أساسيتين لتحديد المزاج الشعبي العام. أما في لبنان، فمنذ تأسيسه، فُرضت قوانين انتخابية طائفية تكرّس توزيعًا مذهبيًا مُلزِمًا للمقاعد النيابية، ما حال دون التعبير الحقيقي عن إرادة الشعب.
ورغم إدراك المجتمعين في مؤتمر الطائف عام 1989 لهذه الإشكالية، وإقرارهم بضرورة التوصّل إلى قانون انتخابي خارج القيد الطائفي، كجزء من التسوية التاريخية لإنهاء الحرب الأهلية ومسار أساسي لبناء الدولة، فإن قوى سياسية عديدة لا تزال حتى اليوم ترفض السير في هذا الاتجاه، خشية على مكتسباتها التي لا تضمنها إلا القوانين المبنية على التوزيع الطائفي للمقاعد.
أما بالنسبة إلى الاستفتاء، فلم يُنظّم أي استفتاء شعبي في الجمهورية اللبنانية منذ تأسيسها، كما لا يوجد أصلًا أي قانون خاص ينظّم آلية الاستفتاء.
وهكذا، وبفعل الخصوصية اللبنانية، وبالاستناد إلى الطابع "التوافقي" للديمقراطية اللبنانية، تعطّلت أدوات التعبير عن موقف الأكثرية الشعبية. وقد قبل اللبنانيون بهذا الواقع، واعتبروه ضرورةً لبقاء لبنان وحفظ وحدته.
لكن هناك قوى سياسية لبنانية تنتهج أداءً سياسيًا يمكن وصفه بأنه مخادع ومنافق، فهي، من جهة، ترفض أي تطوير حقيقي للنظام السياسي، وتُعطّل كل المبادرات الإصلاحية بذريعة أن البلد محكوم بالتوافق، وأن منطق الأكثرية والأقلية لا يصلح للتطبيق في لبنان ولا يمكن اعتماده.
على سبيل المثال، في قضية إلغاء الطائفية السياسية التي نصّ عليها اتفاق الطائف، تعمد هذه القوى إلى تعطيل أي خطوة في هذا الاتجاه، وتستحضر مقولة: "الطائفية تُلغى من النفوس قبل النصوص"، وهي مقولة غير قابلة للقياس أو التحديد، ما يعني عمليًا إبقاء الطائفية السياسية إلى أجل غير مسمّى.
كما ترفض هذه القوى إقرار قانون انتخابي جديد خارج القيد الطائفي، ما يبقي لبنان رهينة مجالس نيابية تفتقر إلى التمثيل الشعبي الصحيح. يكفي التوقف عند بعض المفارقات الرقمية التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة لتبيان مدى الخلل في التمثيل:
* حصل حزب الله على أعلى عدد من الأصوات التفضيلية على مستوى لبنان، بلغ نحو 335 ألف صوت، ما خوله نيل كتلة من 12 نائبًا فقط.
* في المقابل، نال حزب القوات اللبنانية 146 ألف صوت تفضيلي، لكنه حصل على كتلة من 18 نائبًا.
أما النائب محمد رعد، رئيس كتلة حزب الله النيابية، فقد حاز نحو 48 ألف صوت تفضيلي، مقابل نحو 3500 صوت فقط للنائب بولا يعقوبيان. ومع ذلك، فُرض تعادل شكلي في الموقع النيابي.
رغم هذه الأرقام الواضحة، يستمر الفريق السياسي المعادي للمقاومة في تقديم نفسه على أنه الممثل الحقيقي للأكثرية الشعبية، ويضع خصومه في موقع "الأقلية المعزولة" عندما يخدمه هذا الخطاب سياسيًا.
أبرز القضايا التي يخضعها هذا الفريق لمنطقه الاستنسابي قضية سلاح المقاومة. تمارس هذه القوى حملة دعائية منظمة تهدف إلى إقناع الرأي العام بأن غالبية اللبنانيين تؤيد حصر السلاح بيد الدولة ونزعه من يد المقاومة، غير أن الأرقام والبيانات تُكذّب هذا الادعاء.