الاربعاء 10 ربيع الاول 1447 
qodsna.ir qodsna.ir

أزمة الاحتياط تكشف الشرخ بين الجيش و حكومة الاحتلال وتعمّق الانقسام الداخلي

أكدت مصادر مُطّلعة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يعيش حالة توتر داخلي متصاعد، وسط شعور متنامٍ بأن البلاد تُخاض حربًا لا يريدها الجيش نفسه. وفي تقرير نشرته صحيفة هآرتس، عبّر جندي احتياط عن هذا المأزق قائلاً: "من خلال المحادثات مع القادة، نفهم أننا ندخل حربًا لا يريدها الجيش نفسه"، في تعبير مباشر عن أزمة ثقة بين القيادتين العسكرية والسياسية بدأت تتسرب إلى صفوف القوات.

تشكل أزمة قوات الاحتياط واحدة من أخطر التحديات التي يواجهها جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود. فبحسب صحيفة هآرتس، انخفضت نسبة الاستجابة لأوامر الاستدعاء إلى ما يقارب 50% فقط، وهو رقم يعكس حجم التآكل في منظومة الانضباط والتضحية التي طالما تباهت بها المؤسسة العسكرية.

 

وبينما يواصل الجيش الإعلان عن نسب حضور أعلى، تكشف الشهادات الميدانية أن الفجوة بين الأرقام الرسمية والواقع الميداني آخذة في الاتساع، ما يعمّق أزمة المصداقية داخل المجتمع الإسرائيلي.

 

تغرق الجيش

 يرى كثير من جنود الاحتياط أن القيادة السياسية الحالية تغرق الجيش في حرب لا تهدف إلى حماية الوطن بقدر ما تخدم أهدافًا حزبية ضيقة مرتبطة بمصالح نتنياهو وائتلافه. هذا الشعور المتنامي أدى إلى حالة من الرفض الصامت أو العلني للالتحاق بالخدمة، خصوصًا بعد شهور من القتال المتواصل دون تحقيق أهداف واضحة.

 

ولم تعد الأزمة مقتصرة على الامتناع عن تلبية أوامر الاستدعاء، بل امتدت إلى تدهور نفسي ومادي واضح في صفوف الضباط والجنود على السواء. تقارير إعلامية نقلت عن بعضهم اعترافهم بعجزهم النفسي عن العودة إلى ساحات القتال بعد جولات طويلة ومتكررة من الخدمة، فيما أشار آخرون إلى الضغوط الاقتصادية التي خلفتها غياباتهم المستمرة عن وظائفهم وحياتهم الأسرية.

 

وفي مشهد كاشف لمدى الانهاك الجماعي، تحولت مجموعات "واتساب" الخاصة بالجنود إلى منصات للتنفيس عن الإحباط، حيث امتلأت بالرسائل التي تحمل طابع التعب واليأس والشعور بالخذلان من القيادة السياسية. صحيفة تايمز أوف إسرائيل ذكرت أن هذه المجموعات باتت مرآة لروح منهكة، تعكس مناخًا عامًا من الانسحاق النفسي وفقدان الحافزية، وهو ما يطرح تساؤلات جادة حول قدرة الجيش على الحفاظ على تماسكه في مواجهة حرب مفتوحة لا أفق لها.

 

هذه المؤشرات، وفق خبراء عسكريين إسرائيليين، قد تؤدي على المدى البعيد إلى إعادة صياغة العلاقة بين المجتمع والجيش، بعد أن كانت قوات الاحتياط تمثل الركيزة الأساسية في أي مواجهة عسكرية. فالتراجع الكبير في الالتزام يفتح الباب أمام أزمة ثقة أوسع، لا تمس فقط جاهزية الجيش، بل تهدد أيضًا البنية الداخلية للمجتمع الإسرائيلي الذي اعتاد أن يرى في جيشه "جيش الشعب" لا "جيش السياسة".

 

تفتح صحيفة هآرتس الإسرائيلية ملفًا شديد الحساسية يتعلق بعمق الفجوة بين المؤسستين العسكرية والسياسية في إسرائيل. فبينما تسعى حكومة نتنياهو إلى مواصلة الحرب باعتبارها خيارًا سياسيًا يخدم بقاؤها، ينظر جزء واسع من الضباط والجنود إلى هذه الحرب على أنها ليست ضرورة وجودية للدولة، بل عبء استراتيجي يجري فرضه عليهم من أعلى.

 

هذا التناقض بين منطق "البقاء" ومنطق "المصلحة السياسية" عزز مناخًا من القلق داخل الجيش، وأدى إلى اهتزاز الرابط التقليدي بين القيادة السياسية والمؤسسة الأمنية.

 

أزمة الالتزام

 وبحسب الصحيفة، فإن القيادات العسكرية الميدانية بدأت تتعامل بحذر مع ملف استدعاءات الاحتياط، إذ تجنبت في بعض الحالات دعوة جنود معروفين برفضهم العلني للمشاركة في القتال.

 

هذه الاستراتيجية غير المعلنة تعكس إدراك الجيش بأن إصراره على مواجهة الرافضين قد يُفضي إلى فضح حجم أزمة الالتزام، وهو ما قد يفاقم الشرخ داخل المؤسسة العسكرية ويكشف عجزها عن الحفاظ على وحدة الصف. كما أن هذا التوجس يعكس أزمة ثقة مزدوجة: فمن جهة لم يعد الجنود يثقون بأن قرارات الحرب تستند إلى منطق الدفاع عن الدولة، ومن جهة أخرى يخشى القادة العسكريون من أن يؤدي كشف الأزمة إلى تقويض صورة الجيش أمام الرأي العام الإسرائيلي والدولي.

 

وفي ظل اتساع الهوة بين القيادتين، تبدو المؤسسة العسكرية عالقة في موقع وسط، تضطر فيه إلى تنفيذ قرارات سياسية لا تؤمن بجدواها بالكامل، مع محاولة احتواء تصدعات داخلية قد تتحول إلى تهديد استراتيجي.

 

ويحذر محللون إسرائيليون من أن استمرار هذا المسار قد يفضي إلى تآكل خطير في الشرعية الوطنية للجيش، خاصة وأنه طالما كان يوصف بأنه "جيش الشعب".

 

 أما الآن، ومع تحول الحرب إلى رمز لأزمة حكم وصراع داخلي، فإن صورة الجيش قد تتعرض لضربة لا تقل خطورة عن أي هزيمة ميدانية. تواجه الحكومة الإسرائيلية اليوم معركة مزدوجة: حرب تستنزفها في غزة، وأخرى داخلية تتسع رقعتها مع تفاقم الخلافات بين المستويين السياسي والعسكري. فبينما يصرّ فريق داخل حكومة نتنياهو على أن استمرار الحرب ضرورة أمنية لا يمكن التراجع عنها، يحذر قادة عسكريون وسياسيون بارزون من أن هذا الإصرار على القتال بلا نتائج ملموسة يهدد بتقويض ما تبقى من وحدة الجيش، بل وإضعاف إسرائيل من الداخل عبر فتح جبهات توتر اجتماعي وسياسي متزايدة.

 

تآكل جبهة الدعم

 

ويرى محللون أن إطالة أمد الحرب دون تحقيق أهداف واضحة يضع الحكومة في مواجهة تآكل جبهة الدعم الداخلي. فالمجتمع الإسرائيلي، الذي اعتاد على رؤية الجيش باعتباره "خط الدفاع الأخير"، بات يلمس مظاهر التعب والانقسام والرفض داخل صفوفه.

 

هذا التحوّل قد يُفقد الحكومة والمستوى العسكري معًا مصداقيتهما أمام الجمهور الإسرائيلي، ويضعهما في موقع دفاعي أمام المجتمع الدولي الذي يزداد قلقه من طول أمد الحرب وتداعياتها الإنسانية. وفي السياق ذاته، تحذّر أوساط معارضة من أن الأزمة الراهنة قد تتحول إلى عامل تسريع لانهيار الائتلاف الحكومي، خاصة مع تصاعد الانتقادات الموجهة إلى نتنياهو وتحميله مسؤولية توريط الجيش في حرب "فاقدة للبوصلة".

 

أما على المستوى الخارجي، فإن استمرار الانقسام الداخلي يضعف صورة إسرائيل ككيان موحّد في زمن الحرب، ويمنح خصومها فرصة استثمار حالة الانهاك السياسي والعسكري لتوسيع الضغط عليها. وبذلك، تبدو الأزمة أبعد من مجرد خلاف تكتيكي حول إدارة الحرب؛ إنها أزمة شرعية وسيادة قرار تهدد بإعادة رسم المشهد السياسي والعسكري الإسرائيلي على نحو غير مسبوق.

 


| رمز الموضوع: 407956







المستعمل تعليقات

الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)