برعاية المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان
لبنان.. إقامة ندوة حوارية افتراضية تحت عنوان "التأثر والتأثير المتبادلان بين الفارسية والعربية"

أقامت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان ندوة حوارية في الفضاء الإفتراضي بعنوان "التأثر والتأثير المتبادلان بين الفارسية والعربية" بمشاركة عدد من الشخصيات الإيرانية والعربية التي تحدثت حول التبادل الثقافي بين الفارسية والعربية.
أقامت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان ندوة حوارية في الفضاء الإفتراضي بعنوان "التأثر والتأثير المتبادلان بين الفارسية والعربية" بمشاركة عدد من الشخصيات الإيرانية والعربية التي تحدثت حول التبادل الثقافي بين الفارسية والعربية , على إعتبار أن الإيرانيين والعرب تشاركوا في صنع الحضارة الإسلامية، وتدانى أدبهما، واقترب بعضه من بعض واقترضت اللغة الفارسية الألفاظ من اللغة العربية، وأقرضتها ألفاظها.
وأفادت وكالة القدس للأنباء(قدسنا) نقلا عن المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان، أن الندوة أقيمت بمشاركة عدد كبير من الأكاديميين والأساتذة المتخصصين باللغتين العربية والفارسية وآدابهما , ينتسبون الى جامعات عريقة من الجمهورية اللبنانية , الجمهورية الاسلامية الايرانية , دولة الكويت ,جمهورية مصر العربية , سلطنة عمان , الجمهورية العربية السورية , ودول عربية واسلامية أخرى, كما تميزت الندوة بالحضور لافت لمجموعة من أصحاب الاختصاص والمهتمين في الأدبين العربي والفارسي الذين قدموا مساهمات غنية في خلال الندوة , كان بنتيجتها أن أوصت الندوة بسلسلة من التوصيات ,بعد حوار جاد هدفه إيجاد تلاحم أكبر بين اللغتين , ومن ضمن التوصيات والاقتراحات:
-إنشاء مراكز لتعليم اللغتين في إيران وفي البلدان العربية بأساليب جديدة و بالاستفادة من التعليم الافتراضي.
الاهتمام بالترجمة في مختلف المجالات العلمية والمعرفية. -
الاهتمام بتبادل الأساتذة والطلاب بين العرب والايرانيين. -
-إجراء مشاريع مشتركة علمية بين علماء اللغة العربية والفارسية في العلوم المرتبطة باللغتين.
-إنشاء مركز رسمي لتعريب أعمال القامات الأدبية المعاصرة وإيصالها إلى العالم العربي على غرار المركز القومي للترجمة في القاهرة.
-تنشيط تعليم اللغة الفارسية في العالم العربي وكذلك تعميم دراستها عبر قنوات التواصل والإنترنت.
-تشجيع الدارسين للغة الفارسية في الجامعات العربية على الترجمة.
- توفير مناهج وأقراص سي دي للطلاب العرب ليستطيعوا التفاهم مع اي ناطق بالفارسية.
في البداية تقديم من الاستاذة مريم ميرزادة والتي تساءلت عن جذورُ التأثّر والتأثير بين اللغات, طارحة الاسئلة التالية:
أيُّ نسقٍ خلفَ نشوءِ علاقاتٍ من هذا النوع ما بين التعبير السيميائي ومرموزاتِه؟
ما علاقةُ الأدب باللغة؟ واللغة بالسلطة؟ وما علاقة الخطاب الأدبي بالخطابات الأخرى؟ إلى أيّ مدى يمكنُ إحالةُ التعبير إلى أن يكونَ محاكاةً ترتبطُ بالواقع؟
اضافت مريم ميرزادة " لقد كانت اللغة موضوعًا حاضراً بقوة في تفكير الفلاسفة، فطرحَ ديكارت اللغة في علاقتها بالفكر والعقل، وطرحها روسو في بعدها الاجتماعي، واهتمّ هيغل في بعدها الثقافي. وما بين المنطق والشاعرية والخطابة والمحاكاة، فإننا لا نلبثُ نقتفي الأثر الأول وصولاً إلى الجذور".
بعد ذلك تحدث المستشار الثقافي للجمهورية الاسلامية الايرانية في لبنا ن الدكتور عباس خامه يار فأعتبر ان "اليوم هو الحوار والتعامل البنّاء مع العالم، وهذه المناسبة التي أٌقرّها مجلس الشورى الأعلى للثورة الثقافية، مناسبةٌ دعَتنا إلى الاجتماع في حلقةٍ من الحوار البنّاء، لغةً وثقافةً وفكرا ".
وأضاف الدكتور عباس خامه يار "لقد بدأ الخلقُ بالحوار، بالكلمة المتبادلة ما بين الخالق وملائكته وآدم أبي البشر , وأن الحوار يعتبر سلوكاً إنسانياً محموداً يعكس الحضارة الإنسانية. وهذا يعني بأننا قادرون بل من واجبنا أن نتحاور مع الآخرين ومع ثقافاتهم، ونتعرف على رؤاهم وآرائهم، وهكذا ينشأ التواصل الإنساني الذي لا مفرّ منه مذ كان الإنسان. هذا التواصل الذي نتجَ عن حاجة الاجتماع البشري الغريزية، وأدّى إلى ظهور اللغة وكافة استخداماتها الحياتية".
كم شدد المستشار الثقافي على انه "يمكن اعتبار الحوار بين إيران والعرب قطعةً من أحجية حيث يقوم الحوار في صفحةٍ واسعة من الأشكال المختلفة. بتعبيرٍ آخر فإن الأحجية نفسها هي عبارةٌ عن حوارات الثقافات الكبرى والواسعة مع الغرب، الشرق، الصين، وسائر الأديان. وما هذه الحوارات إلا قطعةٌ من تلك الأحجية الكلية التي قد تكون في صدارة الأولويات بطبيعة الحال وفي ظل الظروف الإقليمية وتحولات العالم العربي الأخيرة".
وأكد المستشار الثقافي للجمهورية الاسلامية الايرانية في لبنا ن على ان "الانفتاح على الحوار مع العالم العربي كان من أساسيات الثقافة الفارسية منذ القدم، فالعلاقات بين إيران والعالم العربي هي علاقاتٌ تاريخيةٌ تعود إلى أكثر من ثلاثة عشر قرنًا حتى أنّها كانت قائمة قبل ثلاثة قرونٍ قبل الإسلام، وقد شهدت نمواً ملحوظاً خلال القرن السابع الميلادي تحديداً بعد الدولة العباسية. وقد شهد التاريخ بعد ذلك دوراً أساسياً للإيرانيين في التبليغ الرسالي للإسلام، فكان هؤلاء يخوضون حواراتٍ دينيةً،علميةً، ثقافيةً، وفنية.
الدكتور عباس خامه يار اشار الى ان "الانفتاح على الحوار مع العالم ينسحبُ ايضا" على مجريات اليوم، فإيران التي تبادرُ إلى الإعلان بأنّ غايتَها تتخطّى مقولات الكثيرين وأباطيلهم في أنّ هدفها من الحوار توسّعيٌّ يرمي إلى الهيمنة، تؤكد من جديد وفي كل مرة، بأنّ الغاية الكبرى والتي تضعها نصب عينيها هي الانفتاح الفكري الثقافي العلمي على العالم ومشاركة التاريخ والفكر، بنيةٍ صافية، وقد أكد القائد على مصطلح النوايا الصافية، حيث لا يفلحُ في تحقيق غاياته من كان يضمرُ نوايا الطمع والاستغلال. إن من واجبنا، كدولةٍ إسلاميةٍ أن نقدم الصورة الأصيلة عن الإسلام ورتق كل الصدوع الحاصلة ما بين ثقافتنا والعالم الآخر، من عرب وغرب".
وتابع المستشار الثقافي للجمهورية الاسلامية الايرانية في لبنا ن كلامه فقال "الحديث عن الحوار لا ينبغي أن يكون منفصلاً عن اللغة. فكيف تتقربُ الثقافاتُ على بعضها البعض وكيف تتم عملية التأثر والتأثير ما لم يكن عند الطرفين اطلاعٌ واسعٌ وعميق على لغة الآخر. ففي اللغة مفاتيح الحوار، وفي تعلمها انكشافٌ لفكر الآخر وثقافته وتاريخه".
وفي الختام وبعد ان حيا الدكتور عباس خامه يار الأساتذة المشاركين بالندوة، ختم كلامه بآيةٍ قرآنية تحملُ إشارةً إلى أهمية اللغة "ومن آياتِهِ خَلقُ السماواتِ والأرضِ واختلافُ ألسنتِكُم وألوانِكم إن في ذلكَ لآياتٍ للعالمين".
من جهتها الكاتبة والباحثة والأستاذة في الجامعة اللبنانية الدكتورة دلال عباس تحدثت عن "التأثير والتأثر المتبادلان بين العربية والفارسية؛ المصطلحات الفارسية في اللغة العربية" فأكدت على "أهميّة الترجمة ودورها في إغناء اللغة العربيّة في عصر النهضة الشاملة، عَنيتُ العصرَ العبّاسيّ قالت الدكتورة عباس ، والطرق التي استخدمت في تعريب الألفاظ غير العربيّة، وذلك من خلال استقراء كتب التراث. ويُقسم إلى مقدّمة وثلاثة مباحث غير منفصلة: في المقدّمة كلام على الترجمة بوصفها من أهم طرق التثاقف والتأثير المتبادليْن بين الشعوب".
ثم تناولت ثلاثة مباحث الاول هو أنّ العربيّة لم تكن بمنأى عن التأثّر باللغات الأخرى منذ ما قبل الإسلام وأنّ اللفظ الدخيل فيها بيّنٌ واضحٌ في الشعر الجاهليّ وفي النصّ القرآنيّ.
الثاني الترجمة في العصر العبّاسيّ التي بلغت ذروتها في عصر المأمون، والتي كانت الجسر الذي عبرت بواسطته ثقافات الأمم المختلفة التي انصهرت في الدولة الإسلاميّة، وأغنت الثقافة الإسلاميّة، العربيّة اللغة بالمصطلحات الجديدة، مع الأخذ في الحسبان الفرق بين طريقة التعاطي مع الألفاظ في عصر القوّة والشعور بالتفوّق، ومثيلتها في عصر الانحطاط والشعور بالدونيّة.
وقدمت الكتورة عباس نماذج من المصطلحات الدخيلة والمترجمة بالعربيّة، وكيف أُخضعت لمنهاج اللغة العربيّة، إمّا بإيجاد بديل عربيٍّ لها أو بتغيير بعض الأصوات، من طريق حذف ما ليس من أصوات العربيّة، أو إلحاق وزن اللفظ بأحد أوزان العربيّة.
الدكتورة عباس قالت "من البداهة القول إنّ الترجمة بوصفها نشاطًا فكريًّا وثقافيًّا شائعًا بين الأمم، قد شكّلت على مرّ العصور عاملاً من عوامل التلاقي والتفاعل بين الشعوب، وآثارُها واضحة وجليّة في تواصل الحضارات والانفتاح على الثقافات المتباينة، وتمثّل لها، وجعل الآداب والمعارفِ والفنون والثقافات، نتاجًا تشترك الإنسانيّة جمعاء في إنشائه وإغنائه بمساهماتها الخلاّقة على مرّ العصور، وإن نحن عدنا إلى التراث المعرفيّ الإنسانيّ نجد أنّ الترجمة أدّت أدوارًا مهمّة في الحضارات العالميّة، وقد ظهرت أهميّة الترجمة منذ أن نجح اليونانيّون في صياغة الأسس النظريّة للعلوم التي كانت تُمارسُ بشكل عمليٍّ في معظم الحضارات الشرقيّة القديمة؛ وربّما كان هنالك تواصلٌ وأنماطٌ من الترجمة قبل الحضارة اليونانيّة، ليس هنالك من أدلّة قاطعةٍ على وجودها لاندثار معظم الشواهد في عددٍ من الحضارات السابقة. وبالترجمة نُقلت المعارف من حضارةٍ إلى أخرى ومن شعب إلى آخر، فضلاً عن نقل الإبداعات الثقافيّة والفنيّة والأدبيّة. وبعد انهيار الحضارتين اليونانيّة والفارسيّة، صارت اللغة العربيّة هي لغة العلم والفنون المختلفة طيلة العصور العبّاسيّة، وفي جميع الحواضر الإسلاميّة، وفي نهاية العصور الوسطى، ومنذ بداية سقوط الأندلس، نشطت حركة الترجمة الأوروبيّة للعلوم العربيّة والإسلاميّة، ومنذ عصر النهضة إلى يومنا هذا تنشط حركة النقل من اللغات الأجنبيّة إلى اللغة العربيّة"
لقد غدَت هذه الحلقات المتصلة من العطاء أضافت الدكتورة دلال عباس إرثًا حضاريًّا كبيرَ الفائدة للإنسانيّة كلّها، والعرب كغيرهم من الشعوب كانت لهم علاقات سياسيّة وتجاريّة وعلاقات جوار بالشعوب الأخرى، وقد تركت الآراميّة والحبشيّة والفارسيّة في العربيّة منذ ما قبل الإسلام آثارًا لا تُنكر، لأنّها كانت لغة الأقوام المتمدّنة المجاورة للعرب في القرون السابقة للهجرة، وفي رحلتي الشتاء والصيف كان العرب يشترون سلعًا لها أسماء روميّة أو فارسيّة، ويعودون بها إلى ديارهم، ويلفظون أسماءَ تلك الأشياء بطريقة عربيّة تُنسي السامع أصلها غير العربيّ، وهذا أمرٌ نلحظه اليوم، حين نسمع حولنا ممّن لا يعرفون اللغات الأجنبيّة، كيف يطوّعون اللفظة الإنجليزيّة أو الفرنسيّة، ويلفظونها بطريقةٍ تحولُ أحيانًا بين السامع ومعرفة أصل اللفظة الأجنبيّ.
وعليه يمكن القول شددت الدكتورة دلال عباس على إنّ اللغات كالناطقين بها تتحاور وتتثاقف وتتبادل المعرفة، وتستعير ما تفتقده من ألفاظ في ما بينها، فما من لغة في العالم خالصةً كما قد يتصوّر البعض، فاللغة الحيّة تؤثر وتتأثّر وتُعطي وتأخذ. والعربيّة استطاعت منذ أقدم العصور أن تستوعب ما داخلها من لفظٍ غريب، وتُخضعه سماعيًّا لنظامها اللغويّ وأبنيتها اللفظيّة، حتى قبل أن تتقعّد هذه الأبنية وتتقونّن، أي قبل أن يضع اللغويّون القواعد النحويّة والصرفيّة له، وما لم يتمكّنوا من ابتداعِ قاعدةٍ صرفيّة له، قالوا إنّه سماعيّ، وما لم يحدوا له مثيلا في أبنيةِ العربية قالوا إنّه دخيلٌ أو معرّب؛ وإذا تتبعنا تاريخ اللغة العربيّة ونحوَها وصرفها وقواعدَها وكلماتِها وتراكيبَها، فسوف نكتشف أنّ صرفها وقواعدها، وأساليبَ التراكيب والاشتقاق فيها ثابتةٌ لم تتغيّر على مدى ما نعلم بحسبِ الآثار المكتوبةِ التي وصلت إلينا، وكلّ ما حدث أنّ شجرتها الباسقة كانت تتخلّى عن أوراقها الصفراء والذابلة، وتستبدل بها أوراقًا جديدة، ونهرُها كان يتّسع من حيث الكلمات والمفردات، كلّما احتاجت إلى ذلك، من دون أن تتخلّى عن كيانها وأبنيتها وقوانينها، ولم تداخلها عوامل الانحلال والفَناء، أو التشويه والتحريف، وهو ما لم يحدث في اللغات الأخرى، التي دخلها التحريف والإضافة والحذف والإدماج والاختصار.
وأشارت الدكتورة عباس الى ان ورقتها" لا تبحث عمّا أعارته العربيّة لغيرها من اللغات، وهو أكثر ممّا اقترضته بكثير بل عمّا دخلها فعرّبته، وجعلته جزءًا من ثروتها، وتركّز على الفارسيّ الدخيل أكثر من غيره، لا سيّما في العصر العبّاسيّ، كي لا يتشعّب البحث أكثر ممّا يحتمل، اعتمادًا على ما حصّلته الباحثة من معرفةٍ طيلة خمسين عامًا من تدريس العربيّة، وأربعين عامًا من تدريس الفارسيّة، ومعرفة كافيَة باللغة الفرنسيّة، وجزئيّة بالإسبانيّة والانجليزيّة والتركيّة العثمانيّة.
إنّ تأثّر اللغة العربيّة باللغات الأخرى أكدت الدكتورة عباس ، يعود إلى ما قبل الإسلام، فنحن حين نراجع تفاسير القرآن الكريم، والمعاجم الكبرى، يفجأنا كثرة الدخيل في اللغة العربيّة قبل نزول القرآن الكريم، وفي الشعر الجاهليّ، ثمّ في العصور التي تلت....
لكنّ أعجميّة تلك الألفاظ غطّى عليها إخضاعُها لموازين العربيّة وقوانينِها، وفي المعجم يقول لك ابن منظور أو غيره إنّ هذا اللفظ روميّ، لأنّ وزنه ليس من أوزان العربيّة1... ونحن نتذكر من عهد الفتوّة لفظة السجنجَل في معلّقة امرئ القيس [ ترائبُها مصقولةٌ كالسجنجل]، ونتخيّل ذلك التاجر المكيَّ الذي رأى ، لأوّل مرّة، هذا الشيءَ الذي سُمّيَ في ما بعدُ "المرآة"، في أحدِ الأسواق التي كان يقصدُها في رحلتيْ الشتاء والصيف، اشترى هذا الشيءَ واسمَه الأعجميّ، لكنّ الاسمَ الغريب تحوّل على لسانه وعلى ألسنة الذين اشتروه إلى لفظة السجنجل. على هذا النحو وما يشبهه كانت تدخُل العربيّةَ مصطلحاتٌ جديدةٌ، كما كان من الطبيعيّ أن يقتبسَ العرب في المناطق التي سكنها الفرس أو بسطوا نفوذَهم فيها، الكثير مما كانوا يحتاجون إليه أو ينفعهم من أمور الحضارة "مما كان يعوزهم في باديتهم أو في مدنهم الكبرى، مما لا عهد لهم به؛ وقد أُتيحَ لبعض العرب في الجاهليّة من خطباءَ وشعراءَ وزعماءَ قبائل، أن يتردّدوا على بلاط الحيرة، وكانت الفارسيةُ وتقاليدُ الفرسِ منتشرةً فيها، فأخذوا من ألفاظها وعاداتها، وتعلّموا قصصَها وأخبارها، وسمّى البعضُ نفسَه أو أولاده بأسماء فارسيّة عرّبوها: فلقيطُ بنُ زُرارة الجاهليّ سمّى ابنته "دختنوس" باسم ابنةِ كسرى "دُخت نوش"، وسمّى قيسُ بنُ مسعود ابنه "بُسطام" باسم أحد ملوك الفرس "أوستام"، وكان النُعمان بن المنذر يُسمّى "أبا قابوس"، وقابوس معرّب "كاووس" الفارسيّة، وذكره النابغة بهذا الاسم في شعره، وقد عمل بعض العرب في بلاط الأكاسرة، منهم لقيط بن يعمر الأياديّ، وعديّ بن زيد العباديّ، اللذان كانا يقرآن الفارسيّة ويترجمانها بالعربيّة، وقد جاء في شعر عديّ بن زيد العباديّ الكثير من الألفاظ الفارسيّة. كما أنّ بعض شعراء البوادي كانوا يقصدون الحيرة والمدائن وبلاد فارس كالأعشى وهو القائل "وطال في العجم ترحالي وتسياري"، وقد اقتبس من ألفاظهم الكثير ممّا ضمّنه شعره. وإذا ألقينا نظرةً على الألفاظ الفارسيّة المعرّبة في الجاهليّة وصدر الإسلام، نجدُ أنّ العرب أخذوا من الفرس الكثير من أسماء المآكل أو الأزهار، أو النباتات أو الأشجار ممّا لا تُنبته الجزيرة العربيّة، وأسماء الملابس والآواني، والجواهر والعطور والأصباغ، وكذلك أسماء الملابس والآواني والجواهر والعطور والأصباغ، ومختلف الأبنية، وأسماء الآلات الموسيقيّة، وأسماء بعض السفن ومصطلحات البحر والأدوية والأسلحة، والدروع، وألفاظ التجارة، وأسماء المناصب الإداريّة وغيرها، وإنْ نحن أخذنا أنموذجًا من شعر الأعشى، نرى إلى أيّ حدّ تحتشد في شعره هذه الألفاظ المعرّبة، في قصيدة واحدة، وورد غيرها في قصائده كلّها
لنا جُلّسانٌ عندهــــــــــــا وبنفسجٌ / وسيسنبرٌ والمرزجوش منمنمــــــــــا
وآسٌ وخيريٌّ ومرْوٌ وسوسنٌ / إذا كان هِنِزمِنٌ ورُحتُ مخشَّمـــــا
وهــــــــــــــــــــــــــــــفرم واليــــاسمينُ ونرجسٌ / يُصبّحنــــــــــــــا في كلِّ دجن تغيّمـا
دمستقٌ سينينٍ ودنٌ وبــــــــــــــــــــــــربطٌ / يجــــــــــــــــــاوبه صنجٌ إذا ما ترنّما
والملاحظ أنّ الألفاظ الفارسيّة الدخيلة جزمت الدكتورة عباس ، قد أُخضعت لمنهاج اللغة العربيّة، بتغيير بعض الأصوات من طريق حذف ما ليس من أصوات العربيّة، أو إلحاق وزن اللفظ بأحد أوزان العربيّة؛ نجد في القرآن الكثير من اللفظ الدخيل الذي كان مستخدمًا في العربيّة حين نزول الوحي السريانيّ والآراميّ منه حافظ على لفظه، لأنّ الأصل الساميّ واحد، أمّا الفارسيّ فقد جعلته ألسنة العرب عربيًّا بعد أن استبدلت ببعض حروفه حروفَها.
وقالت الدكتورة عباس "من الألفاظ التي أخذوها من الآراميّة والسريانيّة، بحكم مجاورتهم لليهود وسواهم من أصحاب الملك الألفاظ " قرأ، كتب، كتاب، تفسير، تلميذ، فرقان، فَيّوم، زنديق، تلا "، أمّا لفظة قرأ فقد استخدمها العرَب حين عَرَفوها بمعنًى غير معنى التلاوة، فكانوا يقولون: هذه الناقة لم "تقرأ سلًى قط"، يقصدون أنّها لم تحمل ملقوحًا ولم تلد ولدًا، ومنه قول عمرو بن كلثوم: "هجان اللون لم تقرأ جنينا"، في حين أنّ الفعل قرأ استُخدم في القرآن بمعناه الأصلي أي "تلا"، كذلك فإنّ الألفاظ الواردة في القرآن على وزن فعلان، صيغتُها آراميّة.
وقالت الدكتورة عباس "بعد الفتوحات الإسلاميّة تعمّقت العلاقة بين العرب والفرس، بعد أن تقدّم المسلمون للمرّة الأولى في عهد الخليفة الثاني إلى العراق وإيران، وأسلم من أسلم من الفرس طوعًا، وانضمّوا إلى الجيش الإسلاميّ، وأقرّ المسلمون السكّان في أرضهم وأمّنوهم على أنفسهم وأموالهم، ثم كان من هجرات العرب إلى المناطق واستقرارهم فيها، كلّ ذلك أدّى إلى أن يمتزج السكّان الأصليون والوافدون، وأن يُقارب بعضُهم بعضًا، وأن يُصهِر من أسلم منهم، إلى من وَفد عليهم، وأن يكون هنالك هذا الاختلاط، الذي كان من ثمراته جيلٌ جديدٌ لفّته الحياة الإسلاميّة الجديدة، بما كان من طوابعها وسِماتها, وهكذا فإنّ حركة الفتوح الإسلاميّة في إيران جعلت العرب يختلطون بالدم الآريّ ويستمعون إلى لغةٍ تخالفُ لغتهم، هي اللغة البهلويّة، إحدى أصول الأسرة الهندو-أوروبيّة... وتُفسحُ مجالاً للاختلاط ما بين لغتها الأم ولغة القوم، فتتبادلان الصلات والتأثير والتأثُّر، وتنشأ من هذا التزاوج بين اللغتين لغةٌ يمكننا أن نسمّيها لغةَ التفاهم، يتكلّمها عامّة الناس، إلى أن تصير بعد أربعة قرون من الهجرة، لغةَ إيران الرسميّة، ويضطر أهلُها أن يكتبوها بالحروف العربيّة".
ثم تحدثت الدكتورة عباس عن الترجمة في العصر العبّاسي فاشارت الى ان المشهور المتداول أنّ عمليّة الترجمة من الفارسيّة بالعربيّة جرت في العصر العبّاسي، هذا صحيح، لكنّها بدأت قبل ذلك: لقد اقتبس المسلمون نظامهم الإداريّ من النظام الإداريّ الإيرانيّ، إذ نُظمت الدفاتر منذ عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بأسلوب الدفاتر والدواوين الإيرانيّة القديمة، وكانت اللغة الديوانيّة أحيانًا لغةً فارسيّة، وفضّل المسلمون من الفرس في ما بعد أن ينقلوها إلى العربيّة بأنفسهم، ويذكر ابن النديم أنّ "الديوان" نُقل إلى العربيّة في زمن الحجّاج، والذي نقله صالح بن عبد الرحمن مولى بني تميم.
ذُكر كذلك أنّ كتابًا كان موجودًا في مكتبة هشام بن عبد الملك، موضوعُه تاريخُ الفرس وسياستُهم، مترجمٌ من الفارسيّة بالعربيّة، إلاّ أنّ العبّاسيين هم الذين سخّروا كلّ قدراتهم في استقطاب الثقافات المختلفة اليونانيّة والهنديّة والفارسيّة، وممّا لا شكّ فيه أنّ أمواج الترجمة من الفارسيّة، كانت الجسرَ الذي عبرت من خلاله ثقافاتُ الأمم المختلفة التي انصهرت في الدولة الإسلاميّة، وأغنت الثقافة الإسلاميّة، وذلك لعناية خلفاء بني العبّاس ووزرائهم بعمليّة الترجمة، وما أبدوه من اهتمام بيّنٍ بالحركة العلميّة، وتشجيعهم العلماء والمترجمين، هكذا تحوّلت ثقافات فارس والهند واليونان إلى ثقافة العرب المسلمين وزوّدتها بأزوادٍ وعناصرَ لم يكن لها بها عهدٌ من قبل، وقد تمّ هذا التحويل من طريقين: طريق النقل والترجمة... وطريق تعرّب شعوب الشرق وانتقالهم إلى العربيّة حاملين إليها موروثاتهم وفنونَهم ومعارفَهم".
لقد بدأت حركة النقل إلى العربيّة مع أبي جعفر المنصور قالت الدكتورة عباس وشهدت دعمًا كبيرًا في عهد الخليفة هارون الرشيد الذي ذُكر أنّه كان شغوفًا بسماع المواعظ الإيرانيّة، وكان ينتقي مؤدّبي أولاده من الإيرانيين.
وقد بلغت حركة النقل ذروتها في عهد الخليفة المأمون الذي وسّع مدرسة الترجمة في بغداد، فصارت تُعرف بــ "دار الحكمة"، وألحق بها مكتبةً ومرصدًا، وجاء بعددٍ كبيرٍ من العلماء الذين يُتقنون العربيّة واللغات الأعجميّة، فجعل عليهم شيخًا رئيسًا، يختار الكتب، ويُعيد النظر في ترجمتها، وكان حنين بن إسحاق من أشهر الذين تولّوا هذا المنصب.
لقد كانت حركة النقل التي ازدهرت في العصر العبّاسيّ من أبرز العوامل التي أسهمت في تسريع النهضة الثقافيّة والعلميّة لذلك العصر.
كانت الكتب التي موضوعها السياسة الملوكيّة عند الفرس أولى الكتب التي تُرجمت من الآثار الأجنبيّة في الأدب والسياسة، وأوّل المترجمين في عهد أبي جعفر المنصور كان ابنَ المُقفّع (روزبه بن داذوبه)، الذي ترجم بالعربيّة منطق أرسطو الذي كان منقولاً من قبل إلى الفارسيّة، وكليلة ودمنة الذي كان منقولاً إلى الفارسيّة البهلويّة عن الهنديّة، (ترجمة سنة 1333هـــ/ 749 م)، وقد ألّف بالعربيّة عددًا من الكتب والرسائل، تبدو فيها عناصر الثقافة الفارسيّة: وهي الأدب الصغير، والأدب الكبير، واليتيمة في الرسائل20، وترجم كتاب "التاج في سيرة أنوشروان" وكتاب "خداينامه" وهو تاريخ الفرس من مبدأ ملكهم إلى نهايته، وسمّاه تاريخ ملوك الفرس، وكتاب آيين نامه، أي نُظُم الفرس وعاداتهم، ورسالة تنسر، قاضي قضاة أردشير بامكان، هذه الرسالة اندثر نصّها البهلويّ، وضاعت ترجمتها العربيّة، ولم يبقَ سوى ترجمة ابن اسفنديار للنصّ العربيّ بالفارسيّة.
وقد ذكر المؤرّخون عددًا آخر من المترجمين المعاصرين لابن المقفع أشارت الدكتورة عباس ، لم تصلنا ترجماتهم كـ"محمّد بن جهم البرمكيّ"، و "ابن شاهويه الإصفهانيّ"، و"الحسن بن سهل"، الذي ترجم قسمًا من الحكمة الخالدة كما ذكر ابن مسكويه، وإسحاق بن يزيد نقل سيرة الفرس المعروفة بـ أخبار نامه، ومنهم إبان بن عبد الحميد الذي ترجم كتاب السندباد، وكتاب حلم الهند، وقد جاء في طبقات الشعراء لابن المعتز أنّ إبان اللاحقي هو من نظم كليلة ودمنة التي ترجمها ابن المقفّع في خمسة آلاف بيت من الشعر. ومن المترجمين عن الفارسيّة ،أيضًا، الحسن بن موسى النوبختيّ، وأحمد بن يحيى البلاذٌريّ المؤرّخ المعروف، والحسن بن سهل، ومحمّد بن جهم البرمكيّ، وداذويه بن شاهويه الإصفهانيّ، وبهرام بن مردانشاه... ومن الكتب التي ترجمت ،أيضًا، كتاب عهد أردشير، وكتاب موبذ موبذان، وكتاب أدب الحرب وتوقيعات كسرى.
وقد استقى المؤلّفون تاريخ الفرس من الكتب التي ترجمها ابن المقفّع وغيرُه، فالمسعودي يذكر أنّه قرأ بمدينة إصطخر سنة 303 هـ، كتابًا عظيمًا فيه من أخبار ملوك الفرس وسياساتهم وأحوالهم، ما لم يجده في كتبهم التي قرأها من قبل مثل خداينامه وآيين نامه وكهنامه ... كما أنّ حمزة الإصفهانيّ عدّدَ ثمانية كتب في تاريخ الفرس، استمدّ منها ما كتبه في تاريخه، ومنها كتاب سِيَر الملوك، ترجمة ابن المقفّع.
كما أنّنا نجد في كتاب التاج، المنسوب إلى الجاحظ اقتباسًا كثيرًا من نظم الفرس وعاداتهم وتقاليدهم قبل الإسلام، يخالطه اقتباسٌ عن المأثور عن العرب في الجاهليّة والإسلام.
في هذا السياق لا بدّ لنا من ذكر الدور الذي أدّته مدرسة جنديسابور وعلماؤها في تلك المرحلة التاريخيّة. أسّس هذه المدرسة كسرى أنو شروان في النصف الثاني من القرن السادس الميلاديّ، وكانت مدرسة زرادشتيّة توافد إليها العلماء الهاربون من اضطهاد البيزنطيّين، من أثينا والرها وسائر المراكز، وكان معظم أساتذتها من المسيحيّين النسطوريّين، وكان أنوشروان معجبًا بالثقافة اليونانيّة الرومانيّة، فرحّب بالفلاسفة الذين تشتّتوا بعد أن أغلق يوستنيانوس الهياكل والمدارس في أثينا... امتزجت في جنديسابور الثقافات المتنوّعة من يونانيّة وسريانيّة وفارسيّة وهنديّة، وبقيت السريانيّة لغة التدريس فيها واشتُهرت بالفلسفة والفلك والطبّ.
ومن المرجّح أنّ اللغة العربيّة كانت معروفة في جنديسابور، قبل فتح العرب المدينة لقربها من الحيرَة المدينة العربيّة المشهورة. في كلّ الأحوال، كان الأطباء في هذه المدرسة يستخدمون اللغتين العربيّة والفارسيّة في العصر العباسيّ، كما يشهد على ذلك ما يرويه ابن أبي أصيبعة عن جورجيوس رئيس أطباء جنديسابور، عندما التقى بالخليفة المأمون، وخاطبه باللغة العربيّة وباللغة الفارسيّة.
وأشارت الدكتورة عباس الى أهم كتب الحِكم والأمثال الفارسيّة، التي أثّرت في الأدب العربيّ، كتاب بندنامه بزرگمهر [مواعظ بزرجمهر]، وكتاب خداينامه [سيَر الملوك]، وتاجنامه [كتاب التاج]، وآيين نامه [النظم]، والقصص الرمزيّ لا سيّما كليلة ودمنة، الذي ترجمه ابن المقفّع ليُصلح انحراف الخليفة المنصور، وهو يرجو أن يقرأه الخليفة فيعدِل عن غِيِّه، وأن يقرأه الشعب فيغضب لظلمه، وإن كان ظاهرَ الكتاب اللهو والتسلية, وقد اهتمّ الأدباء واللغويّون بـــ كليلة ودمنة، ونقلوا منه حكايات وأمثالاً، كابن قتيبة في عيون الأخبار أو ألّفوا على منوالها كما حُكي عن كتاب القائف للمعريّ، الذي لا يزال مفقودًا، وكتاب ابن الهبّارية في الشعر، الصادح والباغم، الذي طُبع عدّة مرّات، وغيرهما.
كما ذكرنا من قبل شددت الدكتورة عباس تأثّر أدباء العربيّة شعراء وكتابًا في العصور العبّاسيّة بالخصائص الفنيّة للحِكَم والنصائح والوصايا المترجمة من الفارسيّة. ولمّا ضاع أصل هذه الحكم، عاد الكتّاب والشعراء الإيرانيّون بعد القرن الرابع الهجريّ ونقلوها إلى الفارسيّة.
وإن كان بعضُ المصنّفين والكتّاب المتأثّرين أو المقتبسين، قد أعرضوا عن ذكرِ مصادر مادتهم المقتبسة، فإن هنالك من كان يصرّح أحيانًا باسم الكتاب الفارسيّ الذي نقل منه مادته، كقول ابن قتيبة: "وقرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه"، أو "قرأت في كليلة ودمنة".
ويذكر الكاتب أحيانًا أنّه أخذ مادّته من كتاب للعجم من دون تحديد لكتاب بعينه، ومثل هذا المسلك غيرُ قليل في مؤلّفات الجاحظ وابن قتيبة.
ينقل الكاتب أحيانًا حكمة فارسيّة قائلاً: كانت الحكماء من الفرس تقول: كذا... أو كقول الجاحظ: قيل لبزرجمهر بن البختكان الفارسيّ. أي شيءٍ للعيّ؟...إلى آخر القصة المعروفة.....
وكان من صور تعامل المصنفين مع المقتبسات من المصادر الفارسيّة في العصور العبّاسيّة، أنّهم كانوا يأخذون نصًّا أو رسالةً – وأحيانًا- كتابًا فارسيًّا، فيضمّون إليه مطالب ومقتبساتٍ عربيّة في الغرض ذاته، وذلك ما فعله ابن مسكويه في كتابه: أدب الفرس والعرب، الذي ألّفه على أساس رسالة فارسيّة هي "جاويدان خِرَد" [الحكمة الخالدة]، ثم أضاف إليه موادَّ ثقافيّةً ذات مصادرَ فارسيّةٍ وهنديّةٍ وروميّةٍ وعربيّة.
ما يمكن أن نلاحظه بالنسبة إلى المصطلحات التي استُخدمت في الترجمة في العصر العباسيّ، قالت الدكتورة عباس هي أنّ ما تُرجِم مباشرةً من الفارسيّة بالعربيّة، بحث المترجمون عن معادله العربيّ كما لاحظنا بالنسبة إلى عناوين الكتب التي ذكرناها، أو أنهم عرّبوا اللفظة الأجنبيّة نفسها قبل أن يُدركوا أنّ لديهم لفظةً معادلةً لها، كما جرى بالنسبة إلى لفظة "فيلوزوفيا" أو "فيلوصوفيا" اليونانيّة التي عُرّبت "فلسفة"، وخضعت لنظام الاشتقاق العربيّ، علمًا أن لفظة "الحكمة" كان يمكن أن تكون معادلاً مناسبًا لها.. في كلّ الأحوال إنّ الأطوار المتعدّدة التي مرّت بها حركة ترجمة الفلسفة في القرنين الثالث والرابع الهجريّين، إنّما تعبّر عن التخبط الذي رافق هذه العمليّة في المرحلة الأولى، لا سيّما أنّ ترجمة الفلسفة كانت تتمّ من اليونانيّة إلى السريانيّة فالعربيّة، فضلاً عن التأثير السلبي لضعف سليقة المترجمين السريان باللسان العربيّ، وتجاهل مضمون العقيدة الإسلاميّة، أمّا المرحلة الثانية أو الطور الثاني من أطوار الترجمة فيتمثّل بحركة تنقيح النقول الواسعة التي دخل فيها بعض المترجمين وفلاسفة الإسلام، حيث إنهم قاموا بإصلاحها بما يتلاءم، على قدر الإمكان ومقتضيات مجال التداول الإسلاميّ العربيّ؛ وبات بمقدور المترجمين أن يصحّحوا الكتب التي ترجمها من سبقهم، كما ذكر حنين بن اسحق أنه حين ترجم كتاب جالينوس في علم بقراط بالتشريح، هذ الكتاب الذي كان أيوب الرهاوي قد ترجمه من قبل، بالغ هو (أي حنين)، في تلخيصه، وقال بشأن كتاب تشريح آلات الصوت المنسوب إلى جالينوس، إنّه لخّصه بأجود ما أمكنه...
لقد كان الغالب على الترجمة العربيّة للفلسفة اليونانيّة اشارت الدكتورة عباس ، أنّ لغات مختلفة (السريانيّة والفارسيّة) توسطّت فيها توسّطًا أثّر تأثيرًا سيّئًا في العلم بمضمون هذه الفلسفة: أوّلاً التوسط السريانيّ الذي استند إلى الاشتراك في الأصول اللغويّة التي تجمع بين اللسان العربيّ واللسان السرياني، فضلاً عن أنّ اللسان السرياني كان قد حصّل بفضل سبقِه إلى ممارسة النقل على عدّة إصطلاحيّة وحصيلة تركيبيّه تفيدان اللسان العربيّ في إنشاء لغة فلسفيّة تقنيّة خاصّة به لما بين اللسانين من تقارب في الأصول... كما أنّ اللغة الفارسيّة هي الأخرى توسّطت في نقل الفلسفة اليونانيّة إلى العربيّة، وإن كانت سعة هذا التوسّط أقلّ بكثير من سعة نظيره السرياني، فقد أوردت بعض المصادر أنّ ترجمات جزءٍ من كتب المنطق، مثل كتاب المقولات وكتاب العبارة ، وكتاب التحليلات والمدخل إلى المنطق، تمّت من الفارسيّة بالعربيّة، فمعلوم أن جملة من الكتب الفلسفيّة اليونانيّة نُقلت إلى الفارسيّة وعملت على تكوين روح التفلسف بين الفرس، نجد آثارها في المصطلحات التي تمّ تعريبها مثل الجوهر "گوهر"، غير أنّ هذا النقل الفارسيّ لم يثبت حصوله رأسًا من اليونانيّة، بل يجوز أن تكون اللغة السريانيّة قد توسّطت فيه، حتّى وإن كان هنالك من نقل من اليونانيّة إلى العربيّة مباشرة، فمن غير المستبعد أن يكون قد استعان بالنقول السريانيّة التي تدخل في المجال العلمي للنصّ الأصلي الذي يباشر نقله إلى العربيّة، سواء سبق أن ترجمها هو بنفسه أو ترجمها غيره، فيحاكي أشكالها وطرائقها ويستمدّ من مصطلحاتها وتراكيبها، لا سيّما وأنّ الحاجة ماسّة إلى الاستفادة من احتكاك اللغة السريانيّة الطويل باللغة اليونانيّة، هذا الاحتكاك الذي أثمر في ما بعد لغةً تقنيّةً لا يمكن إلاّ أن تنتفع بالنسج على منوالها اللغة العربيّة، التي تشارك السريانيّة في بعض خصائص بناها اللسانيّة
يُستنتج من قول "أبي حيان التوحيدي" "أنّ اللغات تتباين فيما بينها، اصطلاحًا وتركييبًا"، و"أنّ النقول أضعف من الأصول مبنًى ومعنًى"، أنّه يلمّح إلى الانحرافات التي دخلت على الترجمات بسبب هذا التوسط، وعدم وجود معجم ثابت للمصطلحات الفلسفيّة معروفةٌ مصادره وأصحابه...
أوّل تلك الترجمات من اليونانيّة التي كانت معقّدة بالعربيّة ويصعب فهمها، هي نسخة ميتافيزيقيا أرسطو، والذين درسوا هذه الترجمات أشاروا مثلاً إلى أنّ أرسطو يستخدم كلمة “eidos”، اليونانيّة لتعني "الصيغة" (في حين إنّ الصيغة تتكوّن من "الشكل" و "المادة"، وأيضًا، تعني "النوع" (حين نقول إنّ الصيغة تتكوّن من "الشكل" و "المادة")، وأيضًا، لنعني "النوع" (حين نقول إنّ الإنسان نوع من "أنواع" الحيوان)، لكن في العربيّة هناك كلمتان منفصلتان للتعبير عن هذين المعنيين هما ("الصورة" و"النوع"). ونتيجة لهذا كان على المترجمين بالعربيّة كلما صادفوا كلمة “eidos”، أن يقدّروا أيًّا من هذين المعنيين كان يدور بخلد أرسطو (وإن كان الأمر واضحًا في بعض الأحيان، لم يكن كذلك في أحيان أخرى). ولمثل هذه الأسباب عكف الكندي على تصحيح ترجمات أفلاطون.
أمّا المصطلحات التي دخلت العربيّة بكثرة بسبب اختلاط العرب بالفرس، لا سيّما في الحواضر الكبرى في العصر العباسيّ فتلك المصطلحات التي رأينا مثيلاتها في القرآن والشعر الجاهلي، قد تجاوزت ذلك إلى كلّ ما له علاقة بعلم النبات والزراعة، والأسماء والأعلام والمصطلحات المنزليّة والموسيقيّة ومصطلحات الطبخ والأطعمة، وعلم الحيوان.
إنّ مراجعة سريعة لـمعجم البلدان مثلاً تعطينا فكرة عن الأسماء الفارسيّة المعرّبة التي أُطلقت على المدن الإيرانيّة بتبديلٍ بسيط في بعض حروفها، كما أنّ بعض المدن في العراق اكتسبت أسماء فارسيّة معرّبة، وقد عرّب العرب المئات من أسماء البلدان ومنها مدائن كسرى السبع التي فُتحت أيّام عمر بن الخطاب (رض)، مثلاً عرّبوا "توسفون" "الطيسفون"، و"هنبوشابور" "جنديسابور"، و"سگستان" صارت "سجبستان"، و"شيروان" صارت "سيروان"، و"گرگان" صارت "جرجان".
أما "انو شيروان" فقد صار اسمه "انو شِروان"، و"بهرام گور" صار "بهرام جور"، و"شابور" صار "سابور"، و"كاوْوَس" صار "قابوس"، و"خسرو" صار "كسرى" و"يزد گرد" صار "يزدجرد"."
ومن المصطلحات الموسيقيّة التي كان بعضها قد ورد في شعر الأعشى، وتكرّر ورودها في العصر العبّاسي، "البَرْبط"، وهو تعريب "بَرْبت"، و"الصّنج" معرّب "سنج"، أو "چنگ" و"الطَّنبور" و"الطّنبار" معرّب "تنبور" وأصلها "دُنَه بَرَه" إليَة الحمل على سبيل التشبيه، و"السيكاه" لحن موسيقي هو في الفارسيّة "سِه گاه"، و"الصُرناية" معرّب "سُرنا"، و"الكمنجة" معرّب "كمانچه".
من بين الألفاظ الدخيلة المعرّبة التي وردت في كتاب البخلاء، للجاحظ يمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر: المَرْوزي (ص17)، كوز الخزف، مسرجة خزف (ص20)، الذهب الإبريز (ص21)، قلنسوة (22)، السِّكباح والطُّبارهج (اللحم المقلي ص 23) ، الشاذرْوان (ص 24)، الآيين (بمعنى القواعد والقوانين)، (ص 25 و97 وغيرهما)، مهرَويه (ص 26 اسم شخص).
الآريّ (كوخ يُبنى للحيوان ، المكّوك (أداة للوزن)، الدرهم والقيراط والجريب لقياس الأرض؛ الفانيد والخزيرة (حلوى، ، المرقشيشا (حجر القدّاحة، الكيران جمع كير ؛ أرزن , جوارِشْن (مهضّم ، خوان النرد أو تخت النرد وخوان الخبز ، بَرْنكان (الجبّة، ؛ البِرْسام (ضربة الشمس).
والأمر على هذا النحو إن نحن تصفحنا كتبًا أخرى مثل ديوان الأدب للفارابي، ومعظم نتاج ذلك العصر، نثرًا أو شعرًا
الملاحظ في المرحلة الأولى من التفاعل شددت الدكتورة عباس ، أنّ العرب استخدموا المصطلحات الأجنبيّة، بعد أن أخضعوها لأنظمة تلفّظ العربيّة، وأوزانها.
استخدموا للخمرة الباذِق تعريبًا لـ "باده" الفارسيّة وصرّفوها كما يُصرفون اللفظ العربيّ الأصيل، والبياذقَة: الرجالة، والبيذق حجر الشطرنج، وقال المتنبي:
أبَذرِق ومعي سيفي، وقاتل حتى قتل، والبذْرقَة= الخُفارة، تعريب بدرقة بالفارسيّة.
وقالوا الدهقان وأصلها "دِهْگان" مالك الأرض، وجمعوها: الدهاقنة؛ وعرّبوا الأعياد الفارسيّة واشتقوا منها أفعالاً ومصادر: فقالوا النيروز "نوروز" وقالوا نورزنا، والسّدق والسذَق (تعريب سَدَه أحد أعياد الفرس)، ومهرجان، (تعريب مهرگان، أحد أعياد الفرس)، وقالوا مَهْرَجَ وتَمَهْرَجَ، واخذوا لفظة "مُهرْ" (الخاتم بالفارسيّة) وبنوا منه فعلاً، وقالوا مَهَرَ، وربما جاءت لفظة المَهْر بمعنى الصُّداق من مِهْرْ (أي المحبّة والعلاقة الخالصة).. واستعملوا لمائدة الطعام لفظة "الخُوان"، وجمعوه الأخوِنة ولفظة "الطاجن"، معرّب "تاپه"، والجوزَينَق، (حلوى معرّب "گوْزينة" والفالوذَج، والفالوذَق (نوعٌ من الحلواء معرّب "پالوده"، وجمعوه الفواليذ.
وحتمًا الدخيل من الألفاظ، كان كثيرًا جدًّا، وهدفنا ليس إحصاء المصطلحات الدخيلة، وإنّما تقديم نماذذج عنها.
إنّ أدلّة التمييز بين الألفاظ المعرّبة والعربيّة كثيرة اكدت الدكتورة عباس أبرزها أن ينقل إلينا أحد أئمة اللغة العربيّة، أنّ اللفظ أعجميّ معرّب؛ خروج وزن اللفظ عن أوزان الأسماء العربيّة؛ أن يكون أوله نونًا ثمّ راءً، فإنّ ذلك لا يكون في كلمة عربيّة؛ أن يكون آخره زايًا بعد دال؛ أن يجتمع فيه الصاد والجيم، أو القاف والجيم؛ أن يكون رباعيًّا أو خماسيًّا عاريًا من حروف الدَلاقة وهي( الباء والراء والفاء واللام والميم والنون).
أختم بالقول قالت الدكتورة عباس إنّ اللغة العربيّة التي نحبّها إلى درجة التقديس لأنّها لغة القرآن الكريم آخر الرسالات السماويّة، كانت كالناطقين بها منذ أقدم العصور على صلة بغيرها من اللغات، أخذت وأعطت، وكان ما أعطته لغيرها أكثر أخذت حين صارت لغة الدين الذي آمنت به شعوبٌ تختلف لُغاتُها اختلافًا جذريًّا عن العربيّة، وهي أخذت من اللغات الأخرى، ما كان ينقصها، وأخضعته لأنظمتها الصوتيّة والصرفيّة، حتى ليظنَّ من لا يعرف أصول تلك الألفاظ أنّها عربيّةُ الأصل، حوّلوا الفيلاصوفيا اليونانيّة إلى فلسفة وصاغوا منها فعلاً وقالوا فلسف وتفلسف، وأخذوا گوهر الفارسيّة، ولفظوها "جوهر" وقالوا جوهرة ومجوهر وتجوهر، ووسّعوا معاني تلك الألفاظ، ولو ساروا على هذا المنوال وقالوا تلفون وتَلفنَ وتلفنةً، لكان تعبيرهم هذا أولُّ على الفعل من هتف وهاتف... ولمّا صدّروا هم الحضارة العلميّة في العصر العبّاسيّ انتقلت تسمياتهم للعلوم والرياضيات والاختراعات، إلى لغات العالم، وما اخترعه
الخوارزميّ صار
Algoritme
على سبيل المثال.
ولا مانع اليوم من تعريب أسماء ما لم يخترعه العرب بأنفسهم وإخضاعه لنظام العربيّة الصرفيّ، كأن يقولوا فَسبَك وفيسبوك وفسبكةً، أو أن تعكف مجامع اللغة العربيّة وتتفق على لفظ واحد مناسب، كما اتفقوا على "التقنيّة" و"التِّقانة، وما شابه، لا أن يستخدم المغاربةُ مُصطلحًا والمشارقةُ مصطلحًا آخر، لتبقى الفصحى لغة موحّدة، صامدةً في وجه الأعاصير، كما صمدت بفضل القرآن، بعد خروجها من الحجاز إلى أنحاء الدنيا.
بعد ذلك تحدث الدكتور احسان بن صادق اللواتي رئيس قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان
عن "التأثير والتأثر المتبادلان بين العربية والفارسية في مجال العلوم البلاغية" فأشار الى
ان دراسته تسعى الى مقاربة علاقات التأثير والتأثر بين المصادر البلاغية المكتوبة باللغة العربية ومثيلاتها المكتوبة باللغة الفارسية، بغيةَ الوصول إلى ما هو الحق في هذا المجال الذي لم يلقَ من الباحثين المعاصرين العناية التي يستحقها، فكانت نظرة معظمهم نظرة عجلى مكتفية بالإشارة إلى اعتماد المصادر البلاغية الفارسية اعتماداً كاملاً على العربية ، دونما برهنة كافية ، ودونما حديث عن إفادة المصادر البلاغية العربية من الفارسية . والدراسة ينتظمها محوران أساسيان هما : تأثير البلاغة العربية في البلاغة الفارسية ، وتأثير البلاغة الفارسية في البلاغة العربية.
الدكتور احسان بن صادق اللواتي قال ما ثمة من يشك من الدارسين المعاصرين ، عرباً وإيرانيين على السواء ، في أن نشأة علوم المعاني والبيان والبديع باللغة الفارسية كانت معتمدة اعتماداً كبيراً على المؤلفات التراثية البلاغية التي كتبت باللغة العربية ، وقد صرح جمع منهم بذلك . لكن مثل هذا التصريح تعوزه الوقفة المستأنية التي تروم ملاحقة الآثار التفصيلية لهذا الاعتماد ، إضافة إلى محاولة البحث في المقابل عن أية آثار محتملة للمصادر البلاغية الفارسية في الكتب البلاغية العربية اللاحقة . وهذا جهد لا يمكن الطموح إليه على وجهه إلا بالرجوع المباشر إلى المصادر البلاغية الفارسية التي لم يترجم منها إلى العربية ، حسب اطلاعي ، سوى حدائق السحر في دقائق الشعر لرشيد الدين الوطواط ، وقد ترجمه مشكوراً الدكتور إبراهيم الشواربي سنة 1945م ، ولعل غياب ترجمات عربية للمصادر الفارسية الأخرى كان السبب الرئيس الذي حال دون ظهور دراسات علمية مفصلة تتوخى المقارنة بين البلاغتين العربية والفارسية.
الدكتور احسان بن صادق اللواتي اضاف إن هذه الدراسة لتطمح إلى أن تكون مدخلاً لدراسات أرحب مجالاً وأعمق غوراً ترمي إلى تلافي النقص الموجود في هذا المجال ، وقد حرصتُ فيها على الرجوع إلى كل ما أمكنني الوصول إليه من المؤلفات البلاغية الفارسية بلغتها الأصلية ، جاعلاً من الاختلاف اللغوي وكدي الذي لا أتناساه في مقام المقارنة ، مهملاً التماثلات أو التباينات القائمة على أساس من النظر إلى انتساب المؤلفين العرقي أو القومي إلى العرب أو الإيرانيين ، فمثل هذا المنحى لا يخدم منهج هذه الدراسة القائمة على المقارنة بين ما كُتب في اللغتين.
تأثير البلاغة العربية في البلاغة الفارسية: 1-
ليست قضية وجود هذا التأثير استنتاجاً توصّل إليه الدارسون المعاصرون ، فقد حمل أول مصدر بلاغي فارسي واصل إلينا عنواناً له دلالته الكبيرة في هذا الصدد :" ترجمان البلاغة "، ولم يقتصر الرادوياني ، مؤلف الكتاب ، على دلالة العنوان حتى صرح في المقدمة بأنه يهدف إلى" نقل أجناس البلاغة من العربية إلى الفارسية " . وعلى ما في هذا التصريح من دلالة ظاهرة على افتقاد الهوية الفارسية المميزة ، فإن من المناسب ألآً نتسرع في التمسك بهذا الظاهر قبل أن نصل في البحث إلى مرفأ . المهم الآن هو تسليط بعض الضوء على ما في هذا الكتاب وغيره من المؤلفات البلاغية الفارسية من وجوه تأثر بالمصادر العربية.
الدكتور احسان بن صادق اللواتي قال "إنَ أول وجه يمكن ملاحظته في المقام هو المباحث التي اشتملت عليها المؤلفات الفارسية ، فقد اعتمدت فيها اعتماداً وثيقاً جداً على المؤلفات العربية ، مشيرة أحياناً إليها ومهملة الإشارة في أحايين أخرى . فمن النوع الأول تصريح الرادوياني :" خّرجت عامة أبواب هذا الكتاب على ترتيب فصول محاسن الكلام الذي وضعه الخواجة الإمام نصر بن الحسن – رضي الله عنه – واتخذت من شرحه مثالاً " ومثله تصريحه أيضاً برجوعه إلى " الزهرة " لمحمد بن داود الأصفهاني، وإلى" كتاب البديع" لابن المعتز ".
وعلى هذا المنهج سار المؤلفون اللاحقون أيضاً ، فصرح الوطواط بذكر الرماني ، والجاحظ ، كما صرح المازندراني بذكر كل من الجاحظ ، وعبد القاهر الجرجاني ، والزمخشري ، والسكاكي ، وابن الأثير ، والتفتازاني . ونجد لدى هدايت ذكراً للتفتازاني وكتابه "المطول " ، ولابن معصوم المدني وكتابه " أنوار الربيع في أنواع البديع " .
أما النوع الآخر من المباحث والموضوعات التي تأثرت فيها المصادر الفارسية بالعربية أكد الدكتور احسان بن صادق اللواتي ، فهو ذلك النوع الذي خلا من الإشارة إلى الأصل المنقول عنه ، فليس من سبيل أمام الباحث هنا سوى أن يلاحق وجوه التلاقي والاشتراك بين هذه المصادر وتلك ، فيلاحظ مثلاً أن " إرسال المثل في البيت " و" إرسال المثلين في البيت" يدخلان ضمن " شوارد الأمثال " عند الحاتمي ، و" الاستشهاد والاحتجاج " عند أبي هلال العسكري) ، و"المثل السائر " عند ابن رشيق . ويلاحظ كذلك أنّ " حسن السؤال وطلب المجاورة" هو ما سماه ابن رشيق "الاقتضاء والاستنجاز" ، كما أنّ "الجمع" و"تنسيق الصفات" و "مراعاة النظير" موضوعات تدخل في "جمع المؤتلف والمختلف" عند أبي هلال العسكري,
إلى غير ذلك من أمثلة ، وهي كثيرة.
والوجه الثاني من وجوه تأثير البلاغة العربية في الفارسية اضاف الدكتور احسان بن صادق اللواتي يتمثل في الآراء والنظرات التي اشتملت عليها هذه الأخيرة ، فقد ذهب شمس الدين الرازي مثلاً إلى أن استعمال الصنائع البديعية لا يخرج بالشعر عن كونه مطبوعاً ما لم تكثر هذه الصنائع وتصل بالشعر إلى حد التعسف ، وهذا رأي غير جديد على البلاغة العربية ، فقد ورد عند أسامة بن منقذ مثلاً . وكان الرادوياني قد ذكر أن "التشبيه الأبلغ هو الذي يجعل الشيء المخفي ظاهراً" ،وهو ما كان ذهب إليه قبله الرماني وعلي الكاتب . وهكذا ، يمكن الربط بين كثير من الآراء والنظرات الموجودة في المصادر البلاغية الفارسية و تلك التي سبقتها في المصادر العربية.
وإلى جانب المباحث والآراء ، تشكل الشواهد والأمثلة وجهاً كبيراً أيضاً من وجوه التأثير العربي ، فمعظم الشواهد العربية في كتاب الوطواط - وليس كلها كما ذهب بعض الدارسين - مستقاة من شواهد "محاسن الكلام " للمرغيناني ، بما في ذلك ما ذكره هذا الأخير من شعره ونثره . لكن تتبع تجليات هذا الوجه ليس في سهولة سابقيه في سائر المصادر الفارسية ، نظراً لورود احتمال أن يكون مؤلفو هذه المصادر قد استمدوا شواهدهم من دواوين الشعراء والمنابع الأصلية ، وليس من كتب البلاغة العربية التي نقلتها.
من الأمور اللافتة للنظر في قضية تأثير البلاغة العربية في البلاغة الفارسية اشار الدكتور احسان بن صادق اللواتي الى "أن هذا التأثير قد تركز بشدة في علم البديع الذي استأثر بمعظم جهود مؤلفي البلاغة الفارسية ، ولم يترك لعلمي المعاني والبيان سوى حضور هامشي باهت ، وهذه قضية تستأهل وقفة مساءلة : فما السر في هذا الاهتمام الفارسي بالبديع خاصة ؟ هنا يمكن أن تقترح إجابات:
الأولى : أن علم البديع كان أسبق العلوم البلاغية تبلوراً عند العرب ، إذ "لعلنا لا نبعد إذا قلنا إن صور البديع الأساسية ضبطت ضبطاً دقيقاً منذ القرن الرابع الهجري ، بخلاف صور علمي المعاني والبيان فقد كانت لا تزال تفتقر إلى ضبط أدق" . معنى هذا أنّ علم البديع كان العلم البلاغي الوحيد المتبلور في حقبة بدء ظهور المؤلفات البلاغية الفارسية في القرن الخامس الهجري ، ومن الطبيعي بعد هذا أن يحتل موقع الصدارة من هذه المؤلفات.
والثانية : أن غلبة المباحث البديعية على المؤلفات البلاغية الفارسية كانت استجابة لطبيعة الذائقة الأدبية آنذاك وانسياقاً وراء المنهج الأدبي السائد الذي كان يحرص على الاستزادة من استعمال المحسنات البديعية ، عاداً إياها دليلاً أبرز على تمكن الأديب ورسوخ قدمه في عالم الشعر والأدب . وهذه نظرة عرفتها الأوساط الأدبية الإيرانية مثلما عرفتها الأوساط الأدبية العربية ، غاية ما هناك أن ظهورها في الأدب الفارسي تأخر نحواً من قرنين من الزمان عن انتشارها في الأدب العربي.
والثالثة : قد لا يكون من قبيل المجازفة أن يعزى تعلق الفرس الشديد بالبديع إلى ما عرفوا به ، منذ أقدم عهودهم ، من ميل جارف إلى الجمال والزينة بكل صورهما وتجلياتهما . يقول ديورانت : "وكان الرجال والنساء في أسعد أوقات الإمبراطورية يكثرون من استعمال أدوات التجميل ومساحيق الزينة ، فاستعملوا الزيوت العطرية لتجميل البشرة وتصفيتها من الأوشاب ، والأصباغ لصبغ الجفون حتى تبدو الأعين واسعة ناصعة ، ونشأت من بينهم طبقة من الناس أسماهم اليونان "كوزمتاي" أي المزينين ، اختصوا بتجميل طبقة النبلاء والأرستقراطية ، وكان الفرس بالإضافة إلى ذلك خبراء في الروائح والعطور حتى راج بين القدماء أنهم اخترعوا بعض مساحيق الزينة والأدهنة". إنَّ هذا الولع بالزينة والتجميل من شأنه أن ينعكس ، لا محالة ، على الذائقة الأدبية عند الفرس ، فيدعوهم إلى صب عنايتهم على كل ما فيه زخرفة وزينة من ضروب الأدب المختلفة ، وهذا يقتضيهم أن يولوا العلم المختص بتعليم وسائل التزيين والتحسين في الأدب النصيب الأوفى من اهتمامهم ، ومن هنا كان علم البديع أبرز العلوم البلاغية حضوراً في المصادر البلاغية الفارسية.
والأخيرة : ثمة في علم البديع خصوصية تجعله أقرب تناولاً من غيره بالنسبة لغير العرب ، فمع أنّ هذا العلم عربي الطابع يستمد أمثلته من القرآن الكريم وكلام العرب وشعرهم ، إلا أنه قليل التشبث بالخصوصيات اللغوية العربية ؛ ذلك أنه يقوم أساساً على رصد أنواع المحسنات ، و" قد عٌرفت المحسنات في عصور قديمة وحديثة في اللغات الأخرى منذ عصر اليونان إلى يومنا هذا" . إن ملاحظة هذه الناحية لتجعلنا نرى من البديهي أن يركز الفرس على علم البديع ويصرفوا إليه وجوههم ما دام أسهل العلوم البلاغية تطبيقاً على لغتهم الفارسية التي راموا خدمتها.
على الرغم من جلاء تأثير البلاغة العربية في البلاغة الفارسية جزم الدكتور احسان بن صادق اللواتي ، فإن هذا لم يجعل الأخيرة تتغاضى تماماً عن خصوصياتها اللغوية ، فهي قد:
1-ترجمت، في كثير من الأحيان ،المصطلح العربي إلى اللغة الفارسية ، دونما تغيير في مدلوله. وترجمة المصطلح ، وإن لم تكن عملاً مجهداً ، تظل أمارة على وجود اهتمام ، مهما بلغت درجته ، بخصوصية اللغة المترجم إليها . لكن هذه الترجمة لم تُغنِ الكتب البلاغية الفارسية عن المصطلح العربي الذي ظل له حضوره ، حتى مع وجود مرادفه الفارسي.
2-أبرزت ، أحياناً ، مصطلحات خاصة بالفرس إزاء ما للعرب من مصطلحات ، دون أن تكون تلك ترجمة لهذه ، فقال الرادوياني في سياق حديثه عن "التجنيس المطلق" :"وبعض المتحدثين بالفارسية يسميه المتشابه" ، وذكر الوطواط أنّ "رد العجز على الصدر هو ما يسميه شعراء الفارسية المطابق والمصدر أيضاً" ، كما أن شمس الدين الرازي ذكر أن "شعراء العجم يسمون المزدوج : المثنوي" . إن العناية بالمصطلحات الفارسية الخاصة ، وإن تكن نادرة ، تشي بالرغبة الأكيدة في نوع ما من أنواع التميز الفارسي.
3-قارنت بين اللغتين العربية والفارسية من جهة حضور أنواع المحسنات البديعية في كل منهما ، فأشارت إلى بعض وجوه الاتفاق والاختلاف .من هذا ما ذكره الرادوياني في حديثه عن "المجرد"قائلاً: ومن جملة البلاغة أن يتجنب الشاعر والكاتب الإتيان ببعض الحروف في قصيدته وكتابته ، وهذا العمل يتأتى في العربية أكثر منه في الفارسية ، لأن الفارسية قليلة الحروف والكلمات والألفاظ" . وكان الوطواط أكثر المؤلفين الفرس احتفالاً بالمقارنات ، ولا غرابة بعد أن كان كتابه موضوعاً لمعرفة محاسن النظم والنثر في اللغتين معاً ، فذهب مثلاً إلى أن "صنعة مراعاة النظير لا يخلو منها إلا القليل من شعر العرب والعجم" ، وأنّ "صنعة السؤال والجواب معتبرة عند الفرس ، وربما جعلوا القصيدة من أولها إلى أخرها على نسق واحد" وواصل المؤلفون ، بعد الوطواط ، السير على النهج نفسه ، فقال: شمس الدين الرازي : "إن صنعة التفريع كثيرة في أشعر العرب ، لكن لا رونق لها في الشعر الفارسي" ، وذكر تاج الحلاوي أنّ فصحاء العرب قد ثقبوا درراً كثيرة في باب الترصيع وأتوا باللطائف ، لكنه نادر في الكلام الفارسي" ، كما أشار شرف الدين رامي إلى أنّ "المتزلزل قد وقع كثيراً في كلام العرب" .
4-شرعت ، على استحياء ، تتحدث عن بعض المباحث المشتركة بين اللغتين من منظور فارسي بحت غدت اللغة الفارسية به أساسَ البحث وكيانه ، ولم يقتصر دورها على مجرد الإشارة إليها في حالات المقارنة كما كانت عليه الحال في النقطة السالفة . وأبرز مثال على هذا ما ذكره الكاشفي بقوله : "التجنيسات في الكلام الفارسي ، عند أرباب هذه الصناعة ، اثنا عشر قسماً …" ثم أخذ يعدّد هذه الأقسام ويذكر أمثلتها. إنّ الكاشفي يستهل هنا منحى من البحث كان سيٌكتب له ، لو استمر ، أن يقود إلى تبلور كتابات بلاغية تبرز فيها الخصوصيات الفارسية بنحوٍ أجلى ، لكن هذا المنحى لم يستمر ، لا عند الكاشفي نفسه ولا عند من أتوا بعده.
إن كل ما تقدم من حديث عن تأثير البلاغة العربية في البلاغة الفارسية اضاف الدكتور احسان بن صادق اللواتي ينبغي ألا يقود إلى الاعتقاد بأن دور الفرس قد اقتصر على التأثر حسب ، فقد كانت لهم إضافاتهم وبصماتهم المميزة ،لا سيما في علم البديع . فمن هذا تصريح هدايت بأنه أول من عَدّ "الترجيح" من الصنائع البديعية ، ومنه أيضاً نسبة حسين الكاشفي اختراع بعض الفنون البديعية إلى الشاعر الأمير خسرو الدهلوي ( ت 725 هـ ) من مثل : الموشح المرشح ، والحامل الموقوف ، والمستزاد الموقوف.
بيد أنّ أهم الفنون البديعية التي تجلّت فيها إضافات الفرس وبصماتهم هي تلكم التي تجمع بين اللغتين العربية والفارسية ، وقد ذكر الرادوياني منها : الملمّع ، والترجمة ، وتقريب الأمثال بالآيات ، ومعنى الآيات بالأبيات . فلما جاء حسين الكاشفي أضاف إليها فنوناً أخرى يبدو التكلف ظاهراً عليها ، أو على معظمها في أقل تقدير ، وهي : الترويج ، والمصحّف ذو اللسانين ، وذو اللسانين ، والتعريب.
لقد ظهرت لكتاب رشيد الدين الوطواط آثار في بعض المؤلفات البلاغية العربية التي تلته ، وهذه ميزة انفرد بها هذا الكتاب عن غيره من المؤلفات البلاغية الفارسية ، وليس في هذا ما يدعو إلى التعجب ؛ فقد ذهب صيت مؤلفه بين الناس ، ولم تتأتّ لأي من مؤلفي البلاغة الفارسية شهرة كشهرته ولا ما هو قريب منها . هذه واحدة ، والأخرى أن الوطواط لم يقتصر في أمثلته على الأمثلة الفارسية ، بل زاوج بينها وبين العربية ، فكان كتابه لخدمة اللغتين معًا ، انتفع به البلاغيون الفرس اللاحقون كما لم ينتفعوا بأي كتاب بلاغي آخر ، وانتفع به مؤلفو البلاغة العربية أيضاً ، فظهرت ل"حدائق السحر" آثار في مجموعة من مؤلفاتهم ، تخص هذه الدراسة بالذكر منها:
)"نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز" للفخر الرازي ( ت 606 هـ
أشار جمع من الباحثين المعاصرين إلى ما كان لكتاب الوطواط من أثر في هذا الكتاب ، حتى قيل عن الفخر الرازي : " وكل ما له أنه استخدم في كتابه بعض فنون البديع المعروفة ، وكان مرجعه الأول فيها كتاب حدائق السحر في دقائق الشعر للوطواط " . وقد يكون من المناسب هنا أن تٌعرض آثار الوطواط ليتجلى مداها وقدرها ، على الرغم من عدم إشارة الرازي إلى مصدرها ، وذلك من خلال المحاور الآتية:
1-مباحث مشتركة مع نقل كل الشواهد ، ففي عدد غير يسير من المباحث لم يكتفِ الرازي بالاستناد إلى الوطواط في أصل المبحث وشرحه له ، حتى نسل منه شواهده واكتفى بها ، فكانت شواهد الوطواط هي كل شواهد الرازي في هذه المباحث . والمباحث التي حدث فيها هذا هي : المجرد من النقاط ، والمنقوط ، والموصَّل ، والرقطاء ، والخيفاء ، وتجنيس الخط ، والحذف ، والإعنات ، والمقابلة ، وإرسال المثلين ، والتعديد ، وتنسيق الصفات ، ومراعاة النظير ، والموجَّه ، والمحتمل للضدين ، وتأكيد المدح بما يشبه الذم ، وتجاهل العارف ، والسؤال والجواب ، والإغراق في الصفة ، والتعجب ، وحسن التعليل.
فعلى سبيل المثال ، استشهد الرازي ، في مبحث " التعديد " بقولهم : " فلان إليه الحل والعقد والقبول والرد ، والأمر والنهى ، والإثبات والنفي " وبقول المتنبي:
الخيل والليل والبيداء تعرفني * والطعن والضرب والقرطاس والقلم
وهذان الشاهدان اللذان اكتفى بهما الرازي ، كانا من شواهد الوطواط في المبحث نفسه الذي سمّاه " سياقة الأعداد " .
2-مباحث مشتركة مع نقل معظم الشواهد أو بعضها ، وهذه المباحث هي : المصحَّف ، والتجنيس ، والاشتقاق ، ورد العجز على الصدر ، والقلب ، والسجع ، وتضمين المزدوج ، والترصيع ، والتشبيه ، والاستعارة ، والمطابقة ، والالتفات ، والجمع والتفريق والتقسيم.
فعلى سبيل المثال ، استشهد الرازي ، في مبحث الالتفات ، بالآيات الكريمة:
. مالك يوم الدين ، إياك نعبد
حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم
وقل جاء الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقاً)
ثم انصرفوا ، صرف الله قلوبهم
وكانت الشواهد الثلاثة الأولى من شواهد الوطواط في المبحث نفسه
3-مباحث مشتركة دونما نقل للشواهد ، ففي هذه المباحث اكتفى الرازي بالاعتماد على تعريفات الوطواط وبعض تقسيماته دون أن يقترب من شواهده . والمباحث المقصودة هي : الاعتراض ، والتلميح ، والإبهام ، والمتزلزل.
4-شواهد من شعر الوطواط نفسه ، فقد استعان الفخر الرازي بمجموعة من هذه الشواهد التي كان الوطواط قد ضمنها كتابه في المواضع نفسها . والشواهد المقصودة هي قول الوطواط:
حسامك منه للأحباب فتح * ورمحك منه للأعداء حتف
وقوله:
صدغ الحبيب وحالي * كلاهما كالليالي
وقوله:
ما نوال الغمام وقت ربيع * كنوال الأمير وقت سخاء
فنوال الأمير بدرة عين * ونوال الغمام قطرة ماء
وقوله:
فوجهك كالنار في ضوئها * وقلبي كالنار في حرها
5-آراء الوطواط ، وهي ليست كثيرة في " نهاية الإيجاز " ، بيد أنَّ منها ما يكاد يكون ترجمة حرفية لما ورد في "حدايق السحر " ، فمن هذا قول الرازي في تعريفه " التعديد " : " وهو إيقاع الأعداد من الأسماء المفردة في النثر والنظم على سياق واحد ، فإن روعي فيه ازدواج أو تجنيس أو مطابقة أو مقابلة أو نحوها فذلك في غاية الحسن" .
" 6-روضة الفصاحة " لزين الدين الرازي ( ت 666 هـ)
يتضح مدى إفادة هذا الكتاب من " حدايق السحر " في الأمور الآتية:
1.الموضوعات : فمجموع موضوعات " روضة الفصاحة " أربعة وستون موضوعاً ، ورد اثنان وخمسون منها في " حدائق السحر".
2.الشواهد والأمثلة : وهي كثيرة جداً ، ولو أخذنا نستعرضها لطال بنا المقام من غير طائل ، لكن نكتفي هنا بالإشارة إلى مورد تظهر فيه الإفادة المباشرة من الوطواط . هذا المورد هو أنَّ الوطواط كان في مبحث " الترجمة " من كتابه ، قد أورد بيتين فارسيين للشاعر ناصر خسرو ثم ذكر ترجمته هو لهما إلى العربية شعراً، فما كان من زين الدين الرازي إلا أن أورد البيتين الفارسيين مع ترجمة الوطواط لهما ، دونما إشارة إليه .
3.شعر الوطواط : وقد أربى اعتماد زين الدين الرازي عليه على القدر الذي وجدناه عند الفخر الرازي ، فإذا كان مجموع شواهد هذا الأخير من شعر الوطواط لم يزد على أربعة شواهد ، فإنَّ مجموع شواهد زين الدين منه بلغ ثلاثة عشر شاهداً ، وهذا من الأدلة على أنَّ اعتماده على الوطواط كان مباشراً .
تقسيمات الوطواط وآراؤه وتعليقاته : فقد اتفق زين الدين مع الوطواط في الأقسام التي ذكرها لمجموعة من الموضوعات التي عرض لها ، منها مثلاً أقسام القلب) ، والتسجيع ، والاعتراض . كما أنه قد تابعه في بعض آرائه وتعليقاته متابعة لا تبقي أي شك في اعتماده عليه ، فمن هذا مثلاً قوله عن " حسن التخلص " : " وللمتنبي في هذه الصناعة اليد البيضاء والقدرة المتناهية " .
لقد طوى المؤلف ذكر الوطواط في معظم كتابه ، على الرغم من اعتماده الكبير عليه ، وأشار إليه أحياناً إشارات مبهمة ، ولم يصرح باسمه في غير موضع واحد قال فيه : " وقال الرشيد الوطواط : صناعة الاشتقاق عند البلغاء والأدباء من التجنيس … "
ثمة قضية يحسن التوقف عندها في ختام هذا الحديث قال الدكتور احسان بن صادق اللواتي وهي تتصل بما عُرف باسم " البديعيات " ، أي المنظومات الشعرية التي ضمَّنها ناظموها كل ما وسعهم من الأنواع البديعية المختلفة . فالمعروف عند الباحثين في هذا المجال أنَّ قصيدة علي بن عثمان الإربلي ( ت 670 هـ )كانت"أول قصيدة عُني ناظمها بأن يودع كل بيت من أبياتها محسَناً بديعياً " ، لكننا إذا رجعنا إلى تاريخ البديعيات الفارسية وجدنا بداياتها تسبق قصيدة الإربلي زماناً . فأول بديعية فارسية معروفة هي للشاعر فخر الدين قوامي مطرزي كنجوي من شعراء أواخر القرن السادس الهجري ، وعنوانها : " بدايع الأسحار في صنايع الأشعار " ، وهناك أيضاً قصيدة عنوانها " مفاتيح الكلام في مدايح الكرام " لشاعر من شعراء النصف الأول من القرن السابع الهجري هو السيد ذو الفقار شرواني . وقد امتدح دولتشاه هذه القصيدة واصفاً إياها بأنها " شاملة لمجموع صنائع الشعر وبدائعه ….
وهنا يحق لنا أن نتساءل : هل كانت " البديعيات " ضرباً من ضروب التأثير البلاغي الفارسي في البلاغة العربية ، وإن في مستوى شكل التعبير وقالب الأداء ؟ يبدو أنَّ الإجابة ستكون بالإيجاب ، ما لم تكشف لنا الأيام عن بديعيات عربية أقدم زماناً من بديعية الإربلي.
أما الدكتورة انسية خزعلي عضو الهيئة التدريسية في جامعة الزهراء "ع" في ايران فتحدثت عن "الحلقة الحضارية بين اللغتين العربية والفارسية " فنقلت بعض الذكريات من المحقق الإيراني الشهير الدكتور جعفر شهيدي حول سفره إلى القاهرة حيث يقول: "عندما شاركت في المؤتمر الإسلامي باعتباري ممثلًا لإيران حيث شارك فيه اكثر من مئة ممثل لثلاثة وخمسين دولة من الدول والقوميات المختلفة من البلدان الإسلامية مثل إيران، باكستان، وسوريا، وغير الإسلامية مثل أمريكا اللاتينية، روسيا واليابان. وهؤلاء الممثلون لم يكونوا مختلفين في اللغة والآداب فحسب بل كانوا مختلفين في لون البشرة أيضًا".
أضافت الدكتورة انسية خزعلي "لكن عندما يتم البحث حول أن الحضارة اخذت أصولها من المعارف الإسلامية، لم نكن نرى أي اختلاف في طريقة تفكير الأفريقي الأسود أو البني أو الآسيوي الأبيض والأوروبي. فالنظرة العالمية للإسلام كانت عند الجميع والكل يدرك قيمة الفكر الإنساني والحضارة الموحدة تحت راية القيم الإسلامية. بسبب هذه النظرة الحضارية الموحدة انتشرت اللغة العربية وشاعت كمًّا وكيفًا بين العرب ما بعد ظهور الإسلام خاصةً في عصر ازدهار العلم والحضارة الإسلامية. وكان الإيرانيون ينظرون إلى هذه اللغة نظرة تقديس وإجلال كما يرون فيها الحضارة والثقافة. والشيء الواضح في تاريخ إيران وبالأخص الأدب الإيراني هو أن الإيرانيين استقبلوا الإسلام وجيش الإسلام رغبةً وطواعيةً منهم، وإلا فإن الظروف العسكرية والحربية كانت مهينةً لهم. ولذلك نرى اعتباراً من القرن الرابع وما بعده، وبعد حصول إيران على الاستقلال النسبي وبعده الاستقلال الكامل، أنها لم تكن لتمنع توسع اللغة العربية بل ساهمت في انتشارها وساعدت على تطور وازدهار الأدب العربي".
وقدمت الدكتورة انسية خزعلي شاهدا على كلامها فقالت "وعلى سبيل المثال لم نر الطاهريين أو آل بويه يفكرون في إحياء اللغة البهلوية أو توزيع الكتب الزرادشتية بل على العكس من ذلك، فقد كان الإيرانيون الزرادشتيون يتمتعون بالحرية منذ القرون الأولى، ولكن عندما حكم الإيرانيون المسلمون، اضطروا إلى الهجرة إلى الهند.
وإن معظم السلاطين من العوائل الإيرانية العريقة كانوا يشجعون على الكتابة والتكلم باللغة العربية مثل الديالمة والسامانيين ولا نرى من هذه السلالات الإيرانية غير الصفاريين الذين طلبوا نشر الشعر الفارسي وذلك لأن يعقوب الذي وضع الحجر الأساس لهذه العائلة لم يكن يعرف العربية".
واكدت الدكتورة انسية خزعلي على ان "اللافت للانتباه في هذه المسألة هو أن أكثر الأشخاص الذين دعوا إلى إشاعة اللغة الفارسية كانوا من قومياتٍ غير فارسية وتجلى هذا الأمر في العهد العباسي والعهد الغزنوي. ويقول ملك الشعراء بها في كتابه (سبك شناسي شعر فارسي( وفقًا للتواريخ الموجودة بين الشعراء القدامى- ما عدا دقيقي وفردوسي، صاحبا الملاحم الشعرية، لم يكن أحد من الشعراء الفرس يملك الحس الوطني أو التعصب القومي. فقد كانوا أما متعصبين للمذهب أو غارقين في ملذاتهم وإما أصحاب أفق واسع وعميق فقد غرقوا في التصوف والحكمة".
وأشارت الدكتورة انسية خزعلي الى أن الإيرانيين كانوا ينظرون إلى هذه اللغة كحلقة وصل ثقافية وحضارية وكانوا يحاولون نشرها كأداة علم ودين ومعرفة بدون اي تعصب لقوميتهم ولغتهم، وما كانوا يعتبرون ذلك إهانةً لقومهم أو هويتهم.
فالشاعر المولوي له أشعار معروفة في المثنوي بالعربية
"اقتلوني اقتلوني يا ثقات ان في قتلي حياة من حياة"
يفضّل اللغة العربية على لغته الأم في بيته الآخر بالفارسية:
پارسي گو گرچه تازي خوشتر است
". عشق را خود صد زبان ديگر است
وقالت الدكتورة انسية خزعلي "وفي بعض القرون عندما كان السعي لكتابة الأدب الفارسي قد أصبح مختلطًا بشكلٍ مع اللغة العربية بحيث كان فهم النص بحاجة إلى معرفة بقواعد اللغة العربية ونذكر مثالًا من كتاب مرصاد العباد، انتبهوا إلى كثرة الكلمات العربية في النثر الفارسي".
وأضافت الدكتورة انسية خزعلي "الشيء الذي ثبت في تاريخ اللغة الفارسية هو وجود شقين كبيرين في تسلسل الآثار المكتوبة لهذه اللغة والاثنان نتيجة لهجوم اجنبي الأول تمثل في حملة الاسكندر المقدوني وانتهى بالقضاء على سلسلة "بارت" على يد الساسانيين واستغرقت هذه الفترة خمسمئة وخمسين عامًا (ثلاثمئة قبل الميلاد). والهجمة الثانية تمثلت في حملة العرب على السلالة الساسانية والقضاء على الديانة الزرادشتية ومع أن المدة الزمنية كانت قصيرة جدًا ولكن كانت لها تأثيرات عميقة جدًا وخالدة عند الشعب الإيراني وفي أفكارهم ولغتهم وخطهم بالضبط لهذا يقول (نولداك):
"الخصائص الروحية والمدنية اليونانية أثرت في الحياة الظاهرية للإيرانيين ولم تتعد ذلك ولكن الشريعة الاسلامية والآثار العربية استطاعت النفوذ إلى قلب الإيرانيين".
ومما تجدر الإشارة إليه أشارت الدكتورة انسية خزعلي الى أن مجرد الاستيلاء على الحكومة لم يكن سبب انتشار وتوسع اللغة، ولهذا نرى على سبيل المثال أن جميع الامور الإدارية والمسائل المالية للخلافة وحتى زمان حجاج بن يوسف كانت باللغة الفارسية ولهذا فإن كثيرًا من المصطلحات الديوانية والإدارية دخلت في اللغة العربية وثبتت فيها".
ولكن بعدما ترسخ الدين الجديد في قلوبهم قالت الدكتورة انسية خزعلي "فتحوا أذرعهم للإسلام واحتضنوه بحرارة وحاولوا تعلم العربية وسعوا إلى انتشارها وانتشار العلوم المرتبطة بها. يقول ذبيح الله في "تاريخ أدبيات إيران": ومن العوامل المهمة التي ساهمت في نشر العلم والأدب بين المسلمين، موقع العلم في المساجد والمدارس الدينية بحيث انتشر هذا الأمر في القرون الأولى لظهور الإسلام في الدول غير العربية حيث نشرت معه لغة الدين وجُعل إتقان هذه اللغة ضرورة لتعلم العلوم المختلفة.
وقد كانت المساجد المركز الأول لتعليم المسلمين فمنذ الهجرة النبوية كان المسجد مركزًا لتجمع المسلمين ولاتخاذ القرارات وللتعلم والتعلم.
وفي هذه الحركات العلمية والنشاطات الثقافية لم يكن الفرس يحسبون اللغة العربية لغة أجنبية ولم يكونوا يعدون العربية لغة العرب وحدهم بل لغة الإسلام والمسلمين بل لغة الثقافة والحضارة، لهذا يمكن القول إن الخدمات التي أسداها غير العرب وخاصةً الإيرانيون ان لم تكن أكثر من خدمات الغرب إلى لغتهم، فهي ليست أقل منها وكان اهتمام الإيرانيين بها أكثر من اهتمامهم بلغتهم الأم حيث اشتهر الكثير منهم في فروع هذه اللغة مثل سيبويه والأخفش والكسائي، الفرّاء، وابن الأنباري وابن النديم وأبوعبيدة وابن السكيت وأبو علي الفارسي حتى قيل على سبيل المبالغة,
(فُتح النحو بفارس وختم بفارس) إشارةً إلى سيبويه وأبي علي الفارسي. كما برز منهم في البلاغة والنقد من أمثال عبدالقادر جرجاني ومحمد بن عمران المرزباني والزمخشري وصاحب بن عباد والسكاكي والتفتازاني، وبرز في اللغة الجوهري النيشابوري صاحب الصحاح والراغب الأصفهاني صاحب المفردات والفيروزآبادي وغيرهم.
وفي فرع الشعر والنثر تلمع أسماء أدباء إيرانيين مثل ابن العميد والإسكاني وعضد الدولة الديلمي وأبو بكر الخوارزمي وأبو الفتوح السبتي والثعالبي والباخرزي وعماد الدين الأصفهاني وابن خلكان وقد قيل أيضًا "بدأت الكتابة بابن الحميد وختمت بابن العميد". يقول گلدزيهر في كتابة الدراسات الإسلامية. كان الإيرانيون في المؤسسات الحكومية في المقدمة وفي العلوم أيضًا.
واختلطت في هذا الإطار الحضاري والثقافي اللغتان العربية والفارسية وقد بلغ هذا الاختلاط درجةً لم يعد ممكنًا معرفة اللغة الأم للشاعر ولغته الثانية، أي أن الأديب الفارسي كان ينشد الشعر بنفس الأسلوب والسهولة التي ينشد بها الشعر بالفارسية وقد اشتهرت في تلك الفترة الأشعار الملمعة اي الأشعار التي يكون مصرع منها بالفارسية والمصرع الآخر بالعربية مثل:
وقتت خوش اي حبيبي.. بشنو به حق ياري
ارحم حنين قلبي، لا تسعَ في ضراري
او بيت منه بالفارسية والآخر بالعربية كهذا من ديوان شمس:
فأوقد لي مصابيحي وناولني مفاتيحي وغيّرني وسيّرني بجود كفك الساري
چو نامت فارسي گويم كند تازي مرا لابه چو تازي وصف تو گويم بر آرد پارسي زاري
أو أشعار كثيرة أخرى نقلت عن الشعراء الذين عرفوا بذوي اللسانين.
وأخيرًا نشير إلى بعض هذه التعاملات الثنائية بين اللغتين في ما تركت اللغة العربية من الآثار الواضحة في اللغة الفارسية، وهي إحلال الخط العربي محل الخط البهلوي في الكتابة حيث فضل الإيرانيون بعد أن تغلغل الإسلام في قلوبهم أن يكون خط كتابتهم أكثر انسجامًا مع دينهم وهذا امر معترف به في جميع أرجاء العالم حيث ان الخط هو الذي يجسد التأثير الثقافي الذي يظهر في ثقافات الشعوب وفي هذا الصدد يقول إدوارد براون:
حتى الوقت الحاضر هناك اعتقاد في الشرق يقول بأن علاقة الخط بالدين أكثر منها باللغة وعلى سبيل المثال فإن بعض المسيحيين السوريين يتحدثون باللغة العربية ولكنهم يكتبون بالخط السرياني وهكذا أيضًا يكتب الأرمن الأتراك بالخط الأرمني والأمثال كثيرة بهذا الصدد.
فضلًا عن أن الإيرانيين كانوا يرون اللغة العربية لغة الدين والحضارة وكانوا يشعرون برائحة الكفر والزندقة من الخط البهلوي ولهذا سعى شاه إيران السابق إلى إزالة كل أثر يشير إلى التلاحم القائم بين العرب وإيران ومن إجراءاته التي قام بها خلال سنوات ما قبل الثورة الإسلامية، تغيير التاريخ بتاريخ ما قبل الإسلام وأيضًا قرر في أعقاب ذلك تغيير الحروف العربية بالحروف اللاتينية حيث واجهت مقاومة الشعب الإيراني والعلماء وأصبح ذلك من العوامل الأساسية في إسقاطه".
وختمت الدكتورة انسية خزعلي كلامها بقول للإمام الخميني الذي كتب في الصفحة الأولى من الكتب المدرسية:
(لا تقولوا إن اللغة العربية ليست لغتنا بل اللغة العربية لغتنا واللغة العربية هي لغة الإسلام والإسلام للجميع).
بعدها قدمت الدكتورة انسية خزعلي اقتراحات وتوصيات
من جهتها الدكتورة حنان الطاحون مدرّسة في قسم اللغات الشرقية في كلية الآداب في جامعة القاهرة في مصر
تكلمت على واقع اللغة الفارسية في مصر؛ تعليمية اللغة الفارسية في جامعة القاهرة نموذجاً
فقالت :اللغة هي ظاهرة اجتماعية مهمة لدورها الملموس في الوحدة الفكرية بين الشعوب. اللغة العربية والفارسية هما جناحا الثقافة والحضارة الإسلامية يوثر أحدهما في الآخر ويتأثر به.
اضافت الدكتورة حنان الطاحون نظرا للدور العظيم الذي قام به الإيرانيون في بناء الحضارة الإسلامية اهتمت جامعة القاهرة بتدريس اللغة الفارسية فبدأ تدريس تلك اللغة في عشرينيات القرن الماضي في قسم اللغة العربية ومن هذه الجامعة انتشر تدريس اللغة الفارسي في جميع الجامعات الحكومية المصرية.
وانطلاقا من أن تدريس اللغة الفارسية يساعد الباحثين والمتخصصين على فهم أسباب رشد وتكامل الحضارة الإسلامية، أصر أساتذة جامعة القاهرة على تأسيس قسم خاص بتدريس تلك اللغة وهو ما حدث بالفعل عام 1970 حين أسس قسم اللغات الشرقية وآدابها والذي كانت تدرس فيه اللغة الفارسية جنبا على جنب مع اللغة العبرية.
جدير بالذكر أن تدريس اللغة الفارسية اشارت الدكتورة حنان الطاحون يتم في داخل الكلية في أقسام متعددة؛ قسم اللغة العربية، وقسم التاريخ، وقسم الفلسفة وأيضا خارج الكلية في كلية دار العلوم وكلية الآثار في جميع المراحل الدراسية (الليسانس والماجستير والدكتوراه).
يعتمد البرنامج التعليمي للقسم شددت الدكتورة حنان الطاحون على اللائحة الخمسية والتي تعنى في المقام الأول بتطوير المناهج التعليمية بهدف الارتقاء بالمستوى العلمي للطالب وإعداده لسوق العمل.
يجتمع أساتذة القسم كل خمسة سنوات لتقييم المناهج التعليمية لمواكبة أحدث نظريات التعليم الدولية آخذين في اعتبارهم احتياجات سوق العمل ومقترحات الطلبة التي يقدمونها خلال المؤتمر العلمي الذي يقام سنويا خصيصا للطلبة لسماع مقتراحاتهم ومشكلاتهم.
ما يتم في هذه الجلسات كالتالي:
-حذف بعض المواد الدراسية وإضافة البعض الآخر بهدف رفع مستوى جودة البرنامج الدراسي.
-إضافة ساعات تدريس لبعض المواد الخاصة باللغة الفارسي تحت مسمى ساعات التدريب ومن يقومون بالتدريس هم أعضاء الهيئة المعاونة من المعيدين والمدرسين المساعدين بهدف إتاحة فرصة أكبر للطلاب للمناقشة وطرح الأسئلة.
--طريقة تقييم الطلاب؛ أحيانا يتم الاكتفاء بالامتحان التحريري وأحيانا أخرى يتم اختبار الطالب شفويا بصفة خاصة في المواد الخاصة باللغة الفارسية وأحيانا يلتزم الطالب بكتابة بحث والهدف من ذلك هو كتابة الجملة الفارسية بطريقة صحيحة والتدري على كتابة الموضوعات البحثية بصفة عامة لتشجيع الطلاب على الالتحاق ببرنامج الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه).
واشارت الدكتورة حنان الطاحون ان كل ماسبق يحدث تحت مظلة نظام الجودة؛ وهو نظام متبع من قبل جامعة القاهرة بهدف الارتقاء بعناصر المنظومة التعليمية والتي تشمل (الطالب، الأستاذ، المناهج التعليمية، أساليب التدريس، والمؤسسات التعليمية) عن طريق التقييم المستمر لتلك العناصر تحت إشراف المجلس الأعلى للجامعات.
كل تلك العوامل أدت إلى حدوث تطور ملموس في تعليمية اللغة الفارسية في جامعة القاهرة. فبعد ما كان الطالب يتخصص من العام الثاني في مرحلة الليسانس، أصبح يتخصص بداية من عامه الأول ليتبحر بشكل أكبر في تخصصه.
إضافة بعض المواد الدراسية إلى المنهج التعليمي أثر تأثيرا إيجابيا على مستوى الطالب العلمي؛ مواد دراسية مثل: الاستماع باللغة الفارسية والقراءة والفهم باللغة الفارسية بالإضافة إلى المواد التي كانت موجودة بالفعل على مدار سنوات عديدة مثل (الترجمة من الفارسية إلى العربية وبالعكس، التعبير والمحادثة، قواعد اللغة الفارسية، ...) وغيرها من المواد الخاصة باللغة الفارسية.
هناك أيضا بعض المواد التي أضيفت حديثا كي يتعرف الطالب على الجوانب الثقافية للمجتمع الإيراني ويعي أكثر عادات وتقاليد الشعب الإيراني مثل مادة الأدب الشعبي ومادة المجتمع الإيراني.
إلى جانب المواد الخاصة بالأدب الفارسي والتي تدرس لسنوات عدة في القسم مثل (النثر الفارسي منذ النشأة حتى العصر الحديث والمعاصر، الشعر الفارسي منذ النشأة حتى العصر الحديث والمعاصر، تاريخ إيران منذ الفتح الإسلامي حتى العصر الحديث والمعاصر وكذلك مادة الأدب المقارن).
لا يمكن إغفال الدور الكبير الذي يقوم به مركز الدراسات الشرقية التابع لجامعة القاهرة في تعليمية اللغة الفارسية بالجامعة قالت الدكتورة حنان الطاحون حيث تقام به دورات تعليم اللغة الفارسية للمهتمين بتلك اللغة. ويعد أيضا قبلة للباحثين والمتخصصين في اللغة الفارسية حيث تقام به بشكل مستمر الندوات التخصصية والمؤتمرات الدولية والتي يشارك بها الباحثون المصريون والأجانب.
ولا ننسى أن مجلة المركز العلمية واحدة من أهم المجلات العلمية في الشأن الإيراني والتي ينشر فيها الباحثون من داخل مصر وخارجها مقالاتهم وأبحاثهم.
ملحق بالمركز مكتبة ضخمة تضم أحدث الكتب والمجلات العلمية والدوريات الأدبية.
أختتم كلمتي قالت الدكتورة حنان الطاحون بالحديث عن أهم عناصر المنظومة التعليمية وهي الطالب..ذلك الطالب الذي نراه يلتحق بشعبة اللغة الفارسية بقسم اللغات الشرقية بجامعة القاهرة حبا في الثقافة الإيرانية المتمثلة في قراءة القصص والروايات الإيرانية المترجمة للعربية ومشاهدة الأفلام الإيرانية والتي تشارك سنويا في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وتحصد كبرى الجوائز وقراءة كتب كبار أدباء وفلاسفة إيران.
وبعد تخرجه بل و في أثناء دراسته بمرحلة الليسانس نشاهده شغوفا بالإلمام بالنواحي الفكرية والأدبية والثقافية المرتبطة بتخصصه ومصرا على مطالعة الكتب والأبحاث الخاصة بالشأن الإيراني.
بل يذهب إلى أبعد من ذلك وينشيء الصفحات المتخصصة في الشأن الإيراني وتعليم اللغة الفارسية عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي لنشر موضوعات مكتوبة ومسموعة ومرئية في مجال تخصصه وكذلك ترجمة العديد من الفيديوهات من الفارسية إلى العربية وبالعكس بهدف مساعدة وتشجيع من هم أقل خبرة منه؛ مثل: البيت بيتك، نتظاهر كأننا في إيران، لنتعلم الفارسية، إيران بث مباشر وغيرها من الصفحات التي لها متابعين من كافة أنحاء الوطن العربي. مما أسهم بشكل كبير في تطور المستوى العلمي للطلاب تحدثا وفهما للغة الفارسية وأدى إلى خلق فرص عمل في السوق المحلية من قبل المؤسسات الحكومية والشركات الدولية وأيضا فرص عمل حر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
ومنهم من يتجه إلى استكمال دراساته العليا (الماجستير والدكتوراه) حيث الاهتمام يكون بشكل أكبر بدراسة المواد البيبنة وكتابة أبحاث متنوعة تمهيدا لكتابة الرسائل الجامعية.
بعد ذلك كانت بدأت المدخلات واولها مع الدكتور سمير ارشدي عضو اتحاد الكتاب والادباء العرب واستاذ ىمحاضر في جامعتي دمشق والكويت فاشار الى ان الحديث عن التواصل الأدبي العربي والفارسي ذو شجون وشؤون فهو قصة تمتد لقرون متمادية لا يمكن اختصارها واختزالها في هذا الملتقى. مبادرة طيبة من المستشارية الثقافية التي جمعتنا بعد فراق وشوق لهؤلاء الزملاء والأدباء والشكر للأديب الدكتور عباس خامه يار صاحب المبادرات الشيقة.
ما أود أن أطرحه اكد الدكتور سمير ارشدي هو أن التمازج والتلاقح الثقافي والأدبي بين العربية والفارسية لم يحصل لأي حضارتين أخريين بهذا المستوى من الاندماج على مر التاريخ. آلاف العلماء والمفكرين والأدباء هجروا مسقط رأسهم في شيراز وأصفهان ويزد وكاشان وشدوا الرحال إلى دمشق وحلب وبغداد ودرسوا في المدارس النظامية والمستنصرية وكتبوا وألفوا وأنجزوا العشرات من الأبحاث والكتب التي كوفئوا بوزنها من الذهب ولا تزال حتى يومنا هذا تدرس في بعض الجامعات الأوروبية. وصل الفاتحون العرب إلى تركيا والأندلس والصين وأوروبا لكن لم ينسجموا مع أي حضارةٍ كما التحموا مع الفارسية. ما هو الدافع الذي شجع هؤلاء على أن يتركوا ديارهم ويتواصلوا مع جيرانهم ويتعلموا لغتهم ويكتبوا بها أبحاثهم؟ وكيف نستعيد اليوم هذه الظاهرة ونحييها من جديد. العصر الذهبي للحضارة الإسلامية كان على اكتاف العلماء العرب والفرس وحينما افترقوا أفل نجم هذه الحضارة حيث تعرّب الفرس وتفرّس العرب حضاريًا.
تعالوا لنستعيد هذا العصر الذهبي اليوم من جديد.
نهضة الترجمة والنقل تلعب دورًا في هذا المجال قال الدكتور سمير ارشدي ، نحن في إيران نعرف الكثير عن الأدب والشعر العربي المعاصر وترجمنا المئات من الكتب والدراسات التي ساهمت ولو بشكلٍ محدود بما يدور في المشهد الثقافي العربي ولكن هذه الحركة كانت من طرفٍ واحد، فالعالم العربي لا يعرف عن الشعراء المعاصرين في إيران ونتاجاتهم الا النزر اليسير. تشبع من قصائد الخيام وابيات حافظ والرومي وسعدي ولكن ماذا عن الشعراء الشباب وعن الروايات والمسرحيات الحديثة؟
المؤسسات الحكومية في ايران ومعظم الدول العربية فشلت في تحقيق هذا التواصل. في ايران تم إنشاء بنياد سعدي لتعزيز تعليم الفارسية لغير الناطقين بها لكنه لا يزال يراوح مكانه لأن تعليم اللغة والترجمة هو مفتاح تواصل الحضارات. هناك مبادرات فردية مثل إصدار مجلة شيراز من قبل الأستاذ موسى بيدج والتي توقفت لأسباب مالية قاهرة وعدم وجود دعم مالي وكانت حلقة وصل على تواضعها.
الفارسية لغة العشق والمحبة والسلام قال الدكتور سمير ارشدي وتتقبلها الروح الإنسانية برحابة صدر وما علينا إلا أن نكون حلقة وصل. نريد إسقاط هذا التأثير والتأثر على الواقع المعاش اليوم. كيف نرسم خارطة طريق؟
في الحقيقة لا أعرف من أين أبدأ فحكاية تلاقي اللغتين الفراسية والعربية حكاية طويلة تمتد إلى قرون مضت حتى قبل الإسلام حيث أورد العديد من الباحثين وآخرهم د. محمد الطونجي أستاذ جامعة حلب 52 كلمة فارسية الأصل مذكورة في القرآن الكريم وهي مفردات متداولة في العصر الجاهلي ومفهومة لدى العرب وتم تعريبها حسب النص القرآني في الآية "إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا" وبعد الفتح الإسلامي لبلاد الفرس تعمقت الصلات بين الحضارتين حتى أصبحت العربية والفراسية ثقافة واحدة بلغتين حيث ان تجاور وتحاور اللغتين على مر التاريخ سهل عملية الاقتراض اللغوي واستعارة المصطلحات والتعابير التي تحتاجها كل من اللغتين سواء في الجانب الديني أو الاجتماعي او السياسي.
لا شك أن أهم نص أثرى اللغة الفارسية اشار الدكتور سمير ارشدي هو المصحف الشريف ففضلًا عن الجوانب العقائدية والدينية كان للجانب الأدبي والبلاغي والفصاحة والأمثال والحكم المثل الأعلى للكتاب والشعراء الإيرانيين ويقال إن سلمان الفارسي المحمدي أول من باشر بترجمة معاني القرآن للفارسية، وقد استلهم العديد من الأدباء والمفكرين في ايران من جماليات القرآن الذي كان له الدور الأكبر في إبداعهم وغزارة انتاجهم حيث قدموا أعمالًا يشهد بها التراث الثقافي للعالم الإسلامي.
خلال العصر العباسي ازدادت أواصر التلاقي عمقًا حيث استقدم الخلفاء المؤدبين والمربين من إيران لتربية أبنائهم ولا ننسى المدارس النظامية التي أسسها نظام الملك والتي ساهمت في القيام بمهمة التعليم، كما أن دار الحكمة التي تأسست في عصر المأمون قامت على أكتاف الإيرانيين الذين قاموا بحركة الترجمة من الفارسية والهندية إلى العربية ومنهم ابن المقفع وآل نوبخت حيث أثروا العربية بكثير من المصطلحات في العلوم والفنون.
يقول ابن خلدون في مقدمته: ان حملة العلم من الملة الإسلامية أكثرهم من العجم، وان كان منهم العربي في نسبته فهو أعجمي في لغته ومرباه ومشخيته.
لا شك في ان الشعوب الإسلامية جميعها قال الدكتور سمير ارشدي كان لها سهم ودور في بناء صرح الحضارة الإسلامية ولكن علماء ومفكري إيران كان لهم حصة الأسد حيث هجروا الأهل والديار والتحقوا بالمدارس النظامية في بغداد وحلب ودمشق حينما كان العالم الإسلامي آنذاك مفتوحًا على مصراعيه دون تمييز ودون حدود وفواصل وكتبوا مؤلفاتهم بالعربية حيث استوعبت كافة العلوم والفنون فهذا سيبويه الشيرازي اول واضع ومؤلف لقواعد اللغة العربية وذاك جابر بن حيان الطوسي الكيميائي المعروف ومحمد الخوارزمي أكبر رياضي ايراني وزكريا الرازي الفيلسوف والطبيب مكتشف الكحول والفارابي وابن سينا والبيروني والجرجاني والسهروردي وخواجه نصيرالدين الطوسي وصدر الدين الشيرازي ومئات غيرهم شاركوا اخوانهم العرب في بناء الحضارة الإسلامية التي أسهمت بعد ذلك في بلورة الحضارة الأوروبية.
لقد مرت الحضارة الإسلامية بفترات شموخ وانحطاط واجتازت منعطفات مصيرية حاسمة وفتحت جيوش الدولة الإسلامية أقاليم وعواصم كثيرة لكنها لم تتجاوب وتتفاعل مع أي حضارة كما انسجمت وتأقلمت مع الحضارة الفارسية وبلغ مستوى التفاعل والتواصل الفكري الأدبي العربي الإيراني أوجه وقمته إبان القران القرن الرابع للهجرة حيث شاهدنا الحضارة الإسلامية تحلق بجناحيها العربي والإيراني.
كيف وصل الاحتكاك والتعاطي الى هذا الحد وكيف يمكننا احياؤه في خضم التقدم التقني الهائل الذي يشهده عالم الاتصالات واندلاع ثورة المعلومات والانترنت. لقد استطاع أجدادنا ان يهجروا مسقط راسهم قاصدين البلاد العربية ليتقنوا اللغة ويكتبوا بها نتاج بحوثهم ودراساتهم بالعربية والتي مازل بعضها يدرس حتى اليوم في جامعات أوروبا. ما الذي استقطبهم وما هي المحفزات التي دفعتهم لأن يتركوا بلدهم ويقطنوا المدن العربية التي تمركزت فيها المدارس والجامعات ليتعلموا ويعلموا ويبدعوا.
كيف يمكن أن نستعيد هذه الحالة اليوم ونعيد احياءها من جديد واين مفتاح هذا التواصل الأدبي. لماذا نجهل ادبكم وتجهلون ادبنا ولا تفصلنا سوى كيلومترات محدودة؟ ولماذا لغة التواصل بيننا متعثرة. ان الحضارة العربية لم تألف وتنسجم مع اي حضارة أخرى كما تفاعلت مع الفارسية ومن خلال التحامهما تألقت الحضارة الاسلامية وعاشت احلى ايامها واكثرها ازدهارًا. الدين الحنيف وصل الى تركيا والاندلس واوروبا والصين ولكن هل تلاحظون شيئاً من التفاعل العربي الفارسي حدث مع حضارة أخرى؟
اكثر من 6 آلاف عالم وباحث ايراني ساهموا في بناء الحضارة الاسلامية ولا نريد الخوض هنا في الجانب القومي وان نثير انتماءهم العرقي بقدر ما نشير الى أنهم انطلقوا من هذه النقطة الجغرافية.
من مشاهد التلاقي اللغوي بين اللغتين الشعر الملمع اضاف الدكتور سمير ارشدي وهي ظاهرة ادبية امتاز بها الشعر الفارسي على سائر اللغات الحية وهي أن ينظم الشاعر شعراً بلغتين في قصيدة واحدة وهو يعكس علاقة اللغتين المتعددة الابعاد والمتشعبة المناحي. وذكر الدكتور سمير ارشدي نماذج من الشعر الملمع لأبي سعيد ابي الخير المتصوف والعارف الكبير:
يك نيم رخن الست منك ببعيد
يك نيم ديگر ان عذابي لشديد
برگرد رخت نبشته يحيي ويميت
من مات من العشق فقد مات شهيد
بديع الزمان جبلي الملقب "ذو البلاغتين" من شعراء القرن السادس يقول:
ايا قرة العين هات المدام
فما العيش الا السرور المدام
شرابي كه از غايت صفوتش
نبيني چو بركف نهي جز كه جام
فقم نستطب عيشنا ساعةً
لقرب الغواني وشرب المدام.
سعدي الشيرازي احد رواد الملمعات
الا قم واغتنم يوم التلاقي
ودر بالكأس وارفق بالرفاقي
بده جامي وبشكن توبه من
خلاصم ده از زهد نفاقي
سل المصانع ركباً تهيم في الفلوات
تو قدر آب چه داني كه در كنار فراتي
شبم به روي تو روز است وديده ها به تو روشن
ان هجرت سواء عشيتي وغداتي
حافظ الشيرازي يصر على أن يفتتح ديوانه ببيت عربي وهو
الا يا ايها الساقي ادر كأساً وناولها
كه عشق اسان نمود ولي افتاد مشكلها
حضوري گر همي خواهي از او غايب مشو حافظ.
المداخلة التالية كانت للدكتور طوني الحاج الذي شكر سعادة المستشار الثقافي د. عباس خامه يار على كل هذه الأعمال الثقافية، ووجّه تحية إلى د. دلال عباس ثم اشار ال ان العلاقة بين اللغتين العربية والفارسية قديمة ، طبعاً الكل يعرف أن هذه العلاقة قديمة، وأنا تحدثت مخصوصاً عن العلاقة وأثر اللغة الفارسية على العامية اللبنانية. أقول أن العلاقة بين العامية اللبنانية واللغة الفارسية قديمة ترجع إلى زمن وجود الفرس القدماء في المنطقة العربية ككل وفي المنطقة اللبنانية، ثم عبر اللغة التركية، ثم عبر اللغة العربية الفصيحة نظراً لعلاقات التجاور والترابط بين العرب والإيرانيين القديمين. كما أن هناك علاقة مميزة بين لبنان وإيران، والعلاقة بين جبل عامل والرحلات التي قامت بين الطرفين. أركز على دور الرحالة الإيرانيين وما قامت به الرحلة الإيرانية من دور مهم نقلت الكثير من معاني الثقافة والحضارة والعادات والتقاليد إلى الشعوب التي مرت بها. يعني، كان الرحالون كما تعرفون والرحلة الفارسية، كانت تمر بالبلدان العربية ومنها إلى لبنان لتستقر أشهراً وأشهراً كثيرة في هذه المناطق حيث يحدث الكثير الكثير من العلاقات التجارية والإجتماعية والثقافية بين الرحالة وبين المقيمين. كنت قد ترجمت القسم الخاص بلبنان من عدد من الرحلات الإيرانية، طبعاً هذا كان مترجماً، رحلة ناصر خسرو القديمة، التي حدثت سنة 444 هجري قمري أي 1052 ميلادي. كما ترجمت القسم الخاص بلبنان ومنها "سفرنامه رضا قلي ميرزا" التي حصلت عام 1253 هجري شمسي (1874م)، ومنها "سفرنامه فرهاد ميرزا"، "سفرنامه ميرزا محمد حسن الفراهاني"، "سفرنامه حاجي ميرزاده"، و"سفرنامه مكي مهدي قلي هدايت"، والرحلة الأخيرة هي مذكرات الدكتور قاسم التي حصلت سنة 1326ه.ش أي 1947م.
من هذه الرحلات اضاف الدكتور طوني الحاج كتبت الكثير الكثير من الأشياء، بمعنى أني رأيت الكثير من العادات والتقاليد التي كانت سائدة في تلك الأوقات، يعني أنا حين أتحدث عن رحلة ناصر خسرو التي حصلت سنة 1052م، وأتحدث عن الرحلة الأخيرة سنة 1947، بهذه الرحلات وجدت الكثير من العادات والتقاليد التي لم نعد نتعودها اليوم، يعني أذافت هذه الرحلات على المفهوم الثقافي الكثير من الأشياء التي من الممكن أنها لم تعد موجودة اليوم، ثم الكثير من البيئة الطبيعية. شخصيات مهمة التقاها الرحالون أثناء رحلتهم في هذه المناطق، ولعل الكثير من كتب التاريخ لا تذكر مثلاً المشتقية الفلانية، سنة 1884 مثلاً، كانت موجودة في في منطقة طرابلس أو صيدا أو صور في هذا الوقت. أما الرحالة الذي يكتب دون خلفية معينة يكتب بروحية صدق، كأنه ينقل ما يرى إلى كتابته في هذه الرحلة. مثلاً رأيت في هذه الرحلات معلومات تاريخية مهمة جداً، تصوروا أن أحد الرحالة زار مدينة بعلبك، وصف لنا المدينة وقاس أحجارها، أنا لا أعرف إذا كان الكثير من المؤرخين قد كتبوا هذه الأشياء. تصوروا، يقول أحد الرحالين "أني حين دخلت إلى بيروت، وجدت البيوت يُبنى حولها سور من النباتات الشوكية"، النباتات الشوكية القاسية جداً كانت تستخدم كسور حول البيت لئلا تدخل إليه حيوانات معينة، أو الغزو من أي أعداء آخرين. هذه القضية لم تعد موجودة اليوم أو لم تعد تُحكى بشكل عام. أحد الرحالة يقول: مريت في مدينة جبيل، فوجدتها مبنية بشكل ثلاثي، خلفيتها إلى البحر وواجهتها الضيقة إلى الأمام وذلك حتى يُستطاع الدفاع ضد الغزوات المعينة. أقول وألفت نظر السادة الكرام ختم الدكتور طوني الحاج ، الرحلة الفارسية أدت أدواراً مهة جداً في نقل المفاهيم الحضارية والثقافية والزراعية إلى البلدان التي زارها الرحالة. أخيراً أشكركم جميعاً وأشكر السادة الذين تكلموا ودائماً إن شاء الله نراكم بخير.
بعدها تحدث المستشار الثقافي الايراني في مسقط الدكتور علي موسوي زاده فقال:
"اشكركم بالفارسية اذ لا بد أن الحضور يجيدون الفارسية جيداً. اشكر المستشارية الثقافية كثيراً وسائر الزملاء لا سيما جناب الدكتور عباس خامه يار والذي كان أستاذي وأنا كنت ولازلت تلميذه. كذلك أوجه تحياتي لأصدقائي في عُمان منهم الدكتور اللواتي هذا الإنسان الشريف والطاهر القلب والمحب. أشكر الحضور جمعاً الدكتورة خزعلي والأصدقاء الذين سبق أن زاروا عمان مثل الدكتور أرشدي العزيز لكني لم أحظ بلقائه ان شاء الله نلقاه في أول فرصة ممكنة. أشكركم جميعاً الأساتذة الأفضل. ليست لديّ مداخلة بوجود كبار اساتذة اللغة الفارسية والأدب الفارسي والأدب العربي، لذا أردت فقط أن أوجه شكري".
وبعد حوارات متنوعة بين المشاركين والمحاضرين اختتم المستشار الثقافي الايراني الدكتور عباس خامه يار الندوة بتوجيه الشكر للجميع , واعدا بتكرار هذه الندوات لما فيه تمتين التواصل بين العرب والايرانيين.