الضفة الغربية.. جرح مفتوح بعد هدنة غزة وحرب مستعرة بلا نهاية

لؤي صوالحة
وكالة القدس للأنباء (قدسنا) بينما تنفست غزة الصعداء بعد هدنة هشّة أوقفت نزيف الحرب، انتقلت شظايا العنف والحروب اليومية إلى الضفة الغربية، حيث يعيش الفلسطينيون في قلب معركة مفتوحة لا تهدأ. لا تزال مدن الضفة تعيش تحت وطأة الاحتلال الذي لا يعرف نهاية، في مشهد يبدو كأنه يتكرر بلا انقطاع، إذ يعيد هذا الواقع الفلسطينيين إلى مواجهة صراعهم الأزلي: أن تكونوا فلسطينيين في أرضٍ محتلّة، فذلك يعني الحياة في دوامة من القهر والخوف، دون أفق واضح للحرية.
احتلال الضفة الغربية قد لا يختلف كثيرًا عن الجراح القديمة التي لا تندمل؛ إنما يزداد الوضع قسوة في ظل القهر المتراكم الذي يفرضه الاحتلال على الأرض والإنسان. الحواجز العسكرية التي تفصل القرى الفلسطينية عن بعضها، المستوطنات التي تتوسع كالفطريات على الأرض الفلسطينية، والاعتقالات التي تطال كل الفئات، من الأطفال إلى كبار السن، كلها أدوات ترسّخ حالة من العيش تحت ضغط دائم. في مخيم جنين، الذي يمثل رمزًا للصمود والمقاومة، كان الجنود الإسرائيليون قد اجتاحوه في يناير 2025، ليخلقوا هناك مجزرة مروعة سقط فيها عشرة شهداء وجرح العشرات، في وقتٍ يعجز فيه العالم عن تقديم أي رد فعل يُذكر.
على الرغم من أن الفلسطينيين في غزة تنفسوا بعض الراحة بعد هدنة مؤقتة، إلا أن مشهد الضفة الغربية لا يزال ينبض بالحياة اليومية للصراع. في كل يوم، يعيش الفلسطينيون في ترقبٍ مستمر. لا أحد يعرف متى ستطرق قوات الاحتلال أبوابهم ليلاً، أو متى ستنقض الجرافات على منزلٍ آمن لتهدمه فوق رؤوسهم. الحقول التي يفلحها الفلاحون الفلسطينيون قد تصبح هدفًا للحرق من قبل المستوطنين المدعومين من الجيش الإسرائيلي، فيما تتساقط صواريخ الخوف على قلوب الأطفال.
الخوف هنا ليس مجرد شعور عابر، بل هو أسلوب حياة يُفرض على الفلسطينيين في الضفة الغربية. إنهم يعيشون تحت التهديد المستمر، يشاهدون كيف يُخطف أحدهم من بين أيديهم في منتصف الليل، وكيف تهدم منازلهم التي طالما اجتهدوا في بناءها. هذا النوع من الخوف يخلق حالة من العجز الكبير في النفوس، حالة تجعل الحياة في الظل ثقيلة، والتطلع للمستقبل مستحيلاً.
لكن هذا القهر لا يولّد إلا مشاعر أخرى، أقلها الغضب والحقد على ظلم الاحتلال. الفلسطينيون في الضفة الغربية لا يطالبون بما هو مستحيل، هم لا يطلبون أكثر من حقهم في الحياة بكرامة وفي وطنهم. يتساءلون يومًا بعد يوم: لماذا هذا الظلم المستمر؟ لماذا هذا الحقد تجاه شعب لا يملك إلا الحق في أن يعيش في أرضه؟ لا أحد يجرؤ على الإجابة، بل يجدون في صمت العالم كله شريكًا في معاناتهم.
تأثير الهدنة في غزة على الضفة الغربية لم يكن إلا محاولة من بعض القوى الدولية لإيقاف نزيف الدم في قطاع غزة، بينما تغض النظر عن التفجيرات اليومية في الضفة الغربية. هذه الازدواجية في المعايير لا يمكن أن تمر دون تساؤل: هل يستحق الفلسطينيون في الضفة الغربية أن يُنسى صوتهم في العواصم الدولية، بينما تُشدد الضغوط على غزة؟ هل تستحق أرض الضفة، التي تطالب بحرية فورية، أن تبقى مسرحًا للقتل اليومي والتدمير المستمر؟
إن السلام الحقيقي لن يتحقق إلا من خلال معالجة هذا الواقع المؤلم في الضفة الغربية. لن تكون هناك هدنة حقيقية ما لم يكن هناك وقف حقيقي للعدوان على الشعب الفلسطيني في كافة المناطق، بما في ذلك الضفة الغربية. فالمصالحة الفلسطينية مع ذاتها تتطلب أولًا احترام حق الشعب الفلسطيني في العيش بأمان، بعيدًا عن الاعتداءات المستمرة.
إلى كل الذين يرفعون شعارات الحرية والعدالة، نوجه نداءً عاجلاً: أين أنتم من هذه المأساة؟ كيف تقبلون أن تستمر معاناة شعب بأسره، وأن يُترك الفلسطينيون تحت نير الاحتلال دون أن يتحرك ضمير العالم؟ هل حرية الإنسان لا تعني شيئًا عندما تكون الأرض الفلسطينية هي المعنية؟
إن المجتمع الدولي الذي يطالب بحقوق الإنسان في أماكن أخرى يجب أن يرفع صوته أمام ما يحدث في الضفة الغربية. إن لم يكن هناك تحرك حقيقي لوقف هذه الانتهاكات، فإن هذا السكوت سيعني أن كل حقوق الإنسان قد فقدت معناها. نحن، الفلسطينيين، لا نطلب أكثر من حقوقنا الطبيعية: الحق في العيش بحرية، الحق في العودة إلى أرضنا، والحق في الحياة بكرامة.
إن العالم لا يزال قادرًا على فرض ضغط دولي حقيقي على الاحتلال الإسرائيلي لوقف هذا الظلم المستمر. إن الحلول في متناول اليد، ولكنها تحتاج إلى إرادة سياسية وموقف أخلاقي حازم. فلنكن جميعًا جزءًا من هذا التغيير الذي يطالب بحق الإنسان في العيش بحرية وأمان. كفاكم صمتًا. كفاكم ترددًا. فالعدالة تأخذ وقتًا، ولكنها يجب أن تتحقق الآن.
______
لؤي صوالحة
صحفي فلسطيني
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS