تحليل/ إيران وطوفان الأقصى: شريان المقاومة في وجه الاحتلال

في لحظة مفصلية من الصراع الفلسطيني-الصهيوني، تتجلى إيران كلاعب أساسي ومؤثر في دعم المقاومة الفلسطينية، خاصة في ظل التصعيدات الأخيرة وما حملته معركة "طوفان الأقصى" من دلالات استراتيجية.
وكالة القدس للأنباء (قدسنا) نابلس- لؤي صوالحة: في لحظة مفصلية من الصراع الفلسطيني-الصهيوني، تتجلى إيران كلاعب أساسي ومؤثر في دعم المقاومة الفلسطينية، خاصة في ظل التصعيدات الأخيرة وما حملته معركة "طوفان الأقصى" من دلالات استراتيجية. لم يكن الدور الإيراني وليد اللحظة، بل هو جزء من سياسة محورية لطهران تقوم على مساندة حركات المقاومة التي تتصدى للكيان الصهيوني، باعتبار هذا الدور جبهة متقدمة في مواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني والأمريكي في المنطقة.
منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، أصبحت القضية الفلسطينية محورًا رئيسيًا في توجهات إيران الخارجية، إذ جعلت من دعم الشعب الفلسطيني، وفي قلبه المقاومة المسلحة، جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيتها الإقليمية. لم تقتصر المساعدة الإيرانية على الجانب الخطابي أو المعنوي فقط، بل تعدته إلى تقديم دعم مالي وعسكري ولوجستي ساهم في تطوير قدرات الفصائل المقاومة، وجعل من طهران شريكًا رئيسيًا في صمود هذه الحركات واستمرارها.
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل أثر الدعم الإيراني في "طوفان الأقصى"، حيث أظهرت المعركة مستوى متقدمًا من التسليح والتكتيك لدى المقاومة الفلسطينية. أثبتت الصواريخ والطائرات المسيرة والمعدات القتالية التي استخدمتها المقاومة فاعليتها، وقدرتها على إحداث تأثير ملموس في موازين القوى، مما جعل الاحتلال يدرك أن المقاومة باتت تملك أدوات تفوق توقعاته. هذا التطور لم يكن ليحدث لولا الدعم المستمر من إيران، التي وفرت الأسلحة والخبرات الفنية اللازمة لتعزيز القدرات القتالية للفصائل.
إلى جانب الدعم العسكري، تحتفظ إيران بعلاقات سياسية قوية مع فصائل المقاومة، مثل حماس والجهاد الإسلامي والفصائل الفلسطينيه المقامه . هذه العلاقات تتسم بالتنسيق المستمر على مختلف الأصعدة، ما يجعل طهران حاضرة دائمًا في قرارات المقاومة وخياراتها الاستراتيجية. كما أن المواقف السياسية الإيرانية في المحافل الدولية تسعى دائمًا إلى دعم صمود الشعب الفلسطيني، وإفشال محاولات عزله أو شيطنته على المستوى الدولي.
ولعل أخطر ما تخشاه إسرائيل من هذا الدعم هو الاستراتيجية الإيرانية الهادفة إلى محاصرة الكيان الصهيوني من كل الاتجاهات. فإيران تعمل على تفعيل محور المقاومة في المنطقة، الذي يمتد من فلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق واليمن، ليشكل طوقًا من النيران حول الاحتلال. هذا الطوق يجعل من الصعب على إسرائيل الاستمرار في تنفيذ مخططاتها التوسعية دون مواجهة مقاومة عنيفة ومنسقة. وبالفعل، كشفت الأحداث الأخيرة أن المقاومة الفلسطينية باتت قادرة على تنفيذ عمليات نوعية بفضل الدعم الذي تتلقاه من إيران، ما يضع الاحتلال أمام تحديات أمنية وعسكرية لم يكن مستعدًا لها.
الدور الإيراني في دعم المقاومة لا يقتصر فقط على البعد العسكري أو السياسي، بل يمتد إلى المجال الإعلامي والثقافي. فقد وظفت إيران إمكانياتها الإعلامية لتقديم رواية المقاومة وتعزيز دعم القضية الفلسطينية في العالمين العربي والإسلامي، بل وحتى على الساحة الدولية. إن وجود قنوات مثل "العالم" وصحف كـ"كيهان" ووكالات أنباء مثل "فارس" يساهم في مواجهة الحملات الدعائية التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين، ويسلط الضوء على الجرائم التي يرتكبها الاحتلال، مما يزيد من تعاطف الشعوب مع المقاومة ويدعم موقفها في الساحة الدولية.
وعلى الجانب الاقتصادي، لا يقل الدعم الإيراني أهمية، حيث ساهمت إيران على مدار سنوات في تمويل مشاريع إغاثية وبنية تحتية في غزة والضفة الغربية، في وقت تعاني فيه فلسطين من حصار اقتصادي خانق. هذا الدعم الاقتصادي عزز صمود الفلسطينيين في وجه سياسات التجويع التي يتبعها الاحتلال، وجعل من الممكن للمقاومة أن تستمر في القتال رغم كل التحديات.
على الرغم من الضغوط الدولية التي تسعى لوقف هذا الدعم، والتي تأتي في مقدمتها الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، إلا أن إيران استمرت في موقفها الثابت. ترى طهران أن دعم المقاومة الفلسطينية جزء من معركتها الأكبر ضد الهيمنة الأمريكية-الصهيونية في المنطقة، وهي على استعداد لتحمل تكاليف هذا الموقف من أجل الحفاظ على خط المقاومة وحماية الشعوب المستضعفة.
ولم تكن "طوفان الأقصى" إلا تجسيدًا لهذه الرؤية، حيث أثبتت المقاومة الفلسطينية قدرتها على توظيف الدعم الإيراني لتحقيق انتصارات نوعية على الأرض. فقد بات واضحًا أن التوازن الجديد الذي فرضته المقاومة في المعارك الأخيرة يعود بشكل كبير إلى الدعم الإيراني الذي ساعد في تحديث الترسانة العسكرية للمقاومة وتطوير تكتيكاتها القتالية. هذا النجاح أوجد حالة من الإرباك في صفوف الاحتلال، الذي أدرك أن حساباته السابقة تجاه قدرات المقاومة كانت خاطئة، وأن عليه مواجهة واقع جديد.
في مواجهة هذه التطورات، تسعى إسرائيل بكل الوسائل لوقف تدفق الدعم الإيراني للمقاومة. ورغم حملاتها العسكرية ضد الأهداف الإيرانية في سوريا ولبنان، ورغم الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية التي تمارسها على طهران، إلا أن الاحتلال لم ينجح في تحقيق هدفه. فالمقاومة الفلسطينية تستمر في تطوير قدراتها، معتمدة على الدعم الإيراني كأحد أعمدة صمودها، وهو ما يجعل المواجهة أكثر تعقيدًا ويضع إسرائيل في موقف دفاعي غير مسبوق.
في النهاية، يمكن القول إن الدور الإيراني في دعم المقاومة الفلسطينية بات جزءًا لا يتجزأ من معادلة الصراع. إيران ترى في فلسطين ساحة أساسية لمواجهة المشروع الصهيوني-الأمريكي، والمقاومة الفلسطينية تدرك أن دعم طهران هو ركيزة من ركائز قوتها واستمراريتها. هذه العلاقة الاستراتيجية أثبتت فعاليتها في معركة "طوفان الأقصى"، وستظل محورًا أساسيًا في معادلة الصراع حتى تحقيق أهداف التحرر الوطني الفلسطيني.
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS