تحليل/ إسرائيل واستخدام الأسلحة الأمريكية في غزة: انتهاكات صارخة للقانون الدولي وسط صمت عالمي
منذ سنوات عديدة، أصبح من الواضح أن إسرائيل تعتمد بشكل كبير على الأسلحة الأمريكية في عملياتها العسكرية ضد الفلسطينيين، وخاصة في قطاع غزة. هذه الأسلحة، التي تشمل الطائرات الحربية من طراز F-16 والقنابل الذكية الموجهة بالليزر، استخدمت في العديد من الهجمات التي خلفت آلاف القتلى بين المدنيين، ودمرت المنازل والبنية التحتية الحيوية. ومع ذلك، لا تخرج هذه العمليات العسكرية عن كونها انتهاكات صارخة للقانون الدولي، لكن الدعم الأمريكي لإسرائيل يظل ثابتاً رغم الأدلة المتزايدة على جرائم الحرب التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني.
وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل أن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة ليست وليدة اللحظة، بل تمتد لعقود طويلة من التحالف الاستراتيجي. الولايات المتحدة تقدم لإسرائيل مليارات الدولارات سنوياً في شكل مساعدات عسكرية، مما يجعلها شريكاً أساسياً في العدوان المستمر ضد الفلسطينيين. من ناحية أخرى، هذا التحالف يتجاوز مجرد الدعم المالي والعسكري، ويشكل أساساً للتوجهات الإمبريالية الأمريكية في المنطقة، حيث تعتمد واشنطن على إسرائيل كأداة لفرض هيمنتها على الشرق الأوسط. وبينما تدعي الولايات المتحدة أنها تدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، يظهر في الواقع أن دعمها غير المشروط لإسرائيل يتناقض تماماً مع هذه القيم المزعومة.
وفيما يتعلق بالقانون الدولي، لا يمكن فصل استخدام إسرائيل للأسلحة الأمريكية عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني. فالاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقيات جنيف، تهدف إلى حماية المدنيين في النزاعات المسلحة ومنع استهدافهم، إلا أن إسرائيل تستمر في ضرب المستشفيات والمدارس والبنية التحتية الحيوية في غزة، مما يشكل جرائم حرب واضحة. إلى جانب ذلك، الهجمات الإسرائيلية لا تقتصر على الأهداف العسكرية فحسب، بل تشمل المدنيين والمنشآت المدنية في خرق واضح وصريح لكل معايير القانون الدولي. ولعل الأكثر فظاعة، هو أن الولايات المتحدة تغض الطرف عن الأدلة الدامغة على الجرائم الإسرائيلية، وتستمر في تقديم الأسلحة والعتاد لتل أبيب.
في هذا السياق، من المهم الإشارة إلى التاريخ الطويل لتسليح إسرائيل من قبل الولايات المتحدة. منذ بداية احتلال الأراضي الفلسطينية في عام 1967، بدأت إسرائيل تتلقى شحنات كبيرة من الأسلحة الأمريكية، بما في ذلك المقاتلات والدبابات والذخائر. خلال حروبها ضد الفلسطينيين والدول العربية، استخدمت إسرائيل هذه الأسلحة لتعزيز احتلالها واستمرار نظامها الاستيطاني، والذي يُعتبر انتهاكاً للقانون الدولي. وعليه، فإن دعم الولايات المتحدة المستمر لإسرائيل، رغم الجرائم المرتكبة، يشير إلى أن هذا التحالف يتجاوز مجرد التعاون الدفاعي، بل يشمل دعماً أيديولوجياً يهدف إلى ترسيخ الاحتلال.
بالإضافة إلى ما سبق، الدور الأمريكي في دعم إسرائيل عسكرياً يعود إلى أسباب استراتيجية مرتبطة بالمصالح الإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط. إسرائيل تشكل بالنسبة للولايات المتحدة رأس الحربة في المنطقة، حيث تستخدمها كأداة لفرض نفوذها على الدول العربية والإسلامية. وهكذا، من خلال دعم إسرائيل، تسعى واشنطن إلى ضمان استمرارية نفوذها الاقتصادي والسياسي في المنطقة، والتأكد من أن الشعوب العربية تظل تحت السيطرة. وفي هذا الإطار، تصبح غزة، بقدراتها المحدودة، هدفاً سهلاً لهذه السياسات الاستعمارية التي تنفذها إسرائيل بالوكالة عن الإمبراطورية الأمريكية.
على الرغم من كل ذلك، تظل غزة رمزاً للصمود في وجه العدوان الإسرائيلي. المقاومة الفلسطينية، رغم إمكانياتها المحدودة، استطاعت أن تصمد وتطور تكتيكات حرب العصابات التي أظهرت فعاليتها في مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية المتقدمة. ومن هذا المنطلق، المقاومة ليست فقط سلاحاً أو استراتيجية عسكرية، بل هي تعبير عن إرادة الشعب الفلسطيني للحرية والتحرر من الاستعمار. وعلى الرغم من الدمار الهائل، فإن الروح الوطنية الفلسطينية تستمر في التغلب على التحديات، مما يعكس التماسك الاجتماعي والشجاعة.
إن ما يزيد من أهمية هذا الموضوع هو أن السلاح الأمريكي المستخدم في العدوان على غزة لا يقتصر على الغارات الجوية، بل يشمل أيضاً تقنيات حديثة تهدف إلى تتبع وملاحقة المقاومين الفلسطينيين. هذه التقنيات، التي تعتمد على تكنولوجيا متقدمة في المراقبة والتجسس، يتم تطويرها بالتعاون مع شركات أمريكية كبيرة. ومن هنا، تتداخل المصالح العسكرية مع المصالح الاقتصادية، حيث تستفيد الشركات الأمريكية من بيع هذه التكنولوجيا لإسرائيل، التي تستخدمها بدورها لقمع الشعب الفلسطيني. بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر هذه الأسلحة بمثابة تجربة على أرض الواقع، حيث تقوم إسرائيل بتجريب التكنولوجيا الجديدة في بيئة الحرب على غزة، ثم تقوم بتصديرها لدول أخرى تحت شعار "اختبارها في ظروف حقيقية."
في ظل هذه الظروف، يقف المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي كبير. هناك دعوات متزايدة من منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية لفرض حظر دولي على تصدير الأسلحة لإسرائيل، خاصة في ظل تزايد الأدلة على استخدامها في انتهاكات حقوق الإنسان. لكن، رغم هذه الدعوات، تستمر الولايات المتحدة في تقديم الدعم غير المشروط لإسرائيل دون أي مساءلة. وفي الواقع، بتواطأ بعض الدول الغربية أيضاً من خلال صمتها و تقديمها الدعم اللوجستي والدبلوماسي لإسرائيل.
ومع ذلك، في الولايات المتحدة نفسها، بدأ بعض المشرعين يعبرون عن قلقهم إزاء استمرار الدعم العسكري لإسرائيل، خاصة بعد التغطية الإعلامية التي كشفت عن الفظائع المرتكبة في غزة. ويمكن القول إن هذا التحول يعكس تغييراً في الرأي العام الأمريكي، حيث بات العديد من الأمريكيين يدركون أن دعم إسرائيل يتناقض مع القيم الديمقراطية والإنسانية التي يتحدث عنها السياسيون. لكن بالرغم من هذا التحول، يظل اللوبي الإسرائيلي قوياً بما يكفي لمنع أي تغيير جوهري في السياسة الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
التاريخ يكرر نفسه عندما يتعلق الأمر بالدعم الأمريكي لإسرائيل، حيث نجد أن الولايات المتحدة منذ حرب عام 1948 قدمت الدعم الدبلوماسي والعسكري لإسرائيل، وبالتحديد خلال حروبها ضد الدول العربية. ومع مرور الزمن، تصاعد هذا الدعم ليتحول إلى ركن أساسي من سياسة الولايات المتحدة الخارجية في الشرق الأوسط. في كل حرب أو عملية عسكرية تشنها إسرائيل، كانت هناك شحنات ضخمة من الأسلحة الأمريكية، سواء كانت في شكل طائرات مقاتلة، أو مدرعات، أو أسلحة خفيفة وثقيلة. ومن هنا، يمكن القول إن السياسة الأمريكية تجاه الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني ليست فقط منحازة، بل متورطة بشكل مباشر في جرائم الحرب التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني.
في هذا السياق، تُطرح أسئلة حول دور المجتمع الدولي وقدرته على وضع حد لهذا الدعم غير المشروط لإسرائيل. وعلى الرغم من وجود منظمات دولية مثل الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية، إلا أن هذه الهيئات تبقى عاجزة عن إيقاف الدعم الأمريكي لإسرائيل، وذلك بسبب الفيتو الأمريكي المتكرر في مجلس الأمن، الذي يعطل أي محاولات لإدانة إسرائيل أو فرض عقوبات عليها. وبالتالي، يصبح الحديث عن العدالة الدولية شبه معدوم في ظل الهيمنة الأمريكية على القرارات الدولية.
من هذا المنطلق، يمكن اعتبار المقاومة الفلسطينية جزءاً من الصراع الأوسع ضد الإمبريالية العالمية. فإسرائيل، المدعومة من الولايات المتحدة، ليست مجرد كيان استعماري يسعى لاحتلال الأرض، بل هي أداة من أدوات الإمبراطورية الأمريكية في المنطقة. وعليه، فإن النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي هو في الأساس نضال ضد السيطرة الإمبريالية التي تسعى لإخضاع الشعوب وفرض هيمنتها على الموارد والأراضي. ومن هنا، تبرز أهمية الاستمرار في المقاومة بكل أشكالها، سواء كانت سياسية أو عسكرية أو دبلوماسية، لضمان حقوق الشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال.
في الختام، الشعب الفلسطيني صامد في وجه آلة الحرب الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة. استخدام الأسلحة الأمريكية في غزة يمثل جريمة ضد الإنسانية يجب أن تتوقف. وبالتالي، يجب أن تبقى القضية الفلسطينية حية في الضمير العالمي، وعلى كل مناصري الحرية والعدالة أن يواصلوا نضالهم لوقف هذا الدعم الظالم، حتى يتحقق التحرر الكامل من الاحتلال.
الصحفي لؤي صوالحه
فلسطين /نابلس
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS