الخميس 29 ربيع الاول 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

تحليل.."جنين: أيقونة المقاومة الفلسطينية وصمود لا ينكسر"

المقاومة في جنين ليست حدثًا عابرًا في التاريخ الفلسطيني، بل هي جزء من حركة التحرر الوطني التي تسعى إلى تحرير فلسطين من نير الاحتلال.

وكالة القدس للأنباء(قدسنا) مدينة جنين، تلك البقعة الصغيرة من الأرض الفلسطينية، أصبحت رمزًا للثورة والصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وحصناً منيعًا للمقاومة الفلسطينية. جنين، التي تُلقب بـ"مخزن الثوار"، لم تكن مجرد موقع جغرافي على خريطة فلسطين، بل كانت وما زالت حاضنة للروح النضالية، وملهمة للأجيال في مواجهة الاستعمار والظلم. وكما قال الله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ" (الحج: 38)، فإن الدفاع عن الأرض والإيمان بالحق كانا دائمًا مصدر قوة لجنين.

 

منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في أواخر الثمانينات، كانت جنين في قلب الأحداث، ترفض الخنوع والاستسلام، وتقدم نموذجًا نادرًا في الصمود والمقاومة. لقد كسرت هذه المدينة الصغيرة "قانون الكف والمخرز"، الذي طالما اعتقدت إسرائيل أنها يمكنها من خلاله السيطرة على الشعب الفلسطيني بالقوة العسكرية الغاشمة. إلا أن جنين، بأبنائها وشبابها، قلبت المعادلة، لتثبت أن المقاومة الشعبية والمسلحة قادرة على تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر. وكما جاء في القرآن الكريم: "كَمْ مِن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ" (البقرة: 249)، فإن جنين أثبتت أن الإيمان بالله والحق أقوى من أي قوة عسكرية.

 

الاستراتيجية النضالية التي انتهجتها جنين ليست مجرد رد فعل عفوي على جرائم الاحتلال، بل هي نابعة من إيمان راسخ بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة. هذا الإيمان ترجمته جنين إلى فعل على الأرض، من خلال تنظيم صفوف المقاومة، وتطوير أساليب قتالية مبتكرة، تدمج بين العمليات العسكرية والأنشطة الشعبية، بهدف تحقيق أكبر تأثير ممكن على قوات الاحتلال. وكما قال الله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ" (الأنفال: 60)، فإن المقاومة استعدت بكل ما لديها لمواجهة العدو.

 

في إطار هذه الاستراتيجية، لعبت جنين دورًا محوريًا في تنسيق الجهود بين مختلف فصائل المقاومة، وخلق حالة من الوحدة الوطنية، التي كانت تفتقدها الساحة الفلسطينية في كثير من الأحيان. هذه الوحدة أصبحت العامل الرئيسي في تعزيز قوة المقاومة، وجعلت من جنين نموذجًا يُحتذى به في باقي المدن والمخيمات الفلسطينية. هذا النموذج المبني على التعاون والتضامن، كان له دور كبير في تعزيز قدرة المقاومة على الصمود أمام آلة الحرب الإسرائيلية. وكما قال الله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا" (آل عمران: 103)، فإن الوحدة والتكاتف كانا من أهم أسس نجاح المقاومة.

 

جنين لم تكن فقط مركزًا للمقاومة المسلحة، بل كانت أيضًا منارة للثبات والصلابة النفسية. فشعبها، الذي عانى من الحصار والتدمير المتكرر، لم يفقد الأمل أو يتراجع عن مقاومة الاحتلال. بل على العكس، زادت هذه التحديات من عزيمة أهل جنين، وجعلتهم أكثر إصرارًا على مواصلة الطريق نحو الحرية والاستقلال. لقد تحولت جنين إلى "مصنع للثوار"، حيث تتربى الأجيال على حب الوطن، والإيمان بعدالة القضية، والاستعداد للتضحية في سبيلها. وكما ورد في قوله تعالى: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" (آل عمران: 139)، فإن الثبات والإيمان كانا سلاح جنين في مواجهة التحديات.

 

قوة الثبات في جنين لم تقتصر على المقاتلين فقط، بل شملت كافة شرائح المجتمع. النساء في جنين، على سبيل المثال، لعبن دورًا رئيسيًا في دعم المقاومة، سواء من خلال تقديم الدعم اللوجستي للمقاتلين، أو من خلال المشاركة في العمليات الميدانية. هذا الدعم الشعبي الواسع كان العامل الحاسم في استمرار المقاومة وتوسيع نطاق عملياتها، رغم كل محاولات الاحتلال لكسر إرادة الشعب الفلسطيني في جنين.

 

المقاومة في جنين لم تكن مجرد رد فعل عسكري على الاحتلال، بل كانت تعبيرًا عن استراتيجية نضالية شاملة، تهدف إلى تغيير الواقع السياسي والعسكري في الأراضي المحتلة. هذه الاستراتيجية، التي تقوم على مبدأ "الاشتباك المستمر"، تسعى إلى جعل الاحتلال مكلفًا وغير قابل للاستمرار، من خلال استنزاف قدراته العسكرية والاقتصادية، وإجباره على الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني. جنين أثبتت أن المقاومة ليست مجرد وسيلة للدفاع عن النفس، بل هي أداة فاعلة لتغيير المعادلات السياسية وفرض واقع جديد على الأرض.

 

واحدة من أهم جوانب الاستراتيجية النضالية في جنين هي استخدام التضاريس المحلية لصالح المقاومة. البيئة الجغرافية لجنين، المتمثلة في تلالها ووديانها، شكلت درعًا طبيعيًا ضد هجمات الاحتلال، وساعدت في تنظيم عمليات المقاومة.

 

هذه التضاريس أصبحت جزءًا من استراتيجيات المقاومة، حيث تم استغلالها لإخفاء المقاتلين وتنفيذ الكمائن والهجمات المفاجئة على قوات الاحتلال. هذا الاستخدام المبتكر للبيئة المحلية أضاف بُعدًا جديدًا للمعركة، وجعل من الصعب على إسرائيل تحقيق أهدافها العسكرية.

 

إلى جانب هذا، كانت عمليات المقاومة في جنين تستند إلى تخطيط دقيق واستراتيجية طويلة المدى،  لعبت جنين دورًا حيويًا في حماية المقاتلين وتسهيل حركة المقاومة. إضافة إلى ذلك، كانت المقاومة في جنين تعتمد على الحاظنه المحلية،  لرصد تحركات قوات الاحتلال، مما ساعد على توجيه ضربات فعالة ضدها. وكما قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا" (الأنفال: 29)، فإن تقوى الله وإيمان المقاومين ساعد في تمييز الحق من الباطل والتخطيط الدقيق للعمليات.

 

ورغم كل المحاولات الإسرائيلية لتدمير المقاومة في جنين، سواء من خلال الحصار، أو الهجمات العسكرية المتكررة، أو حملات الاعتقال الواسعة، إلا أن هذه المدينة أثبتت قدرتها على البقاء والصمود. إنها ليست مجرد مدينة تحت الحصار، بل هي رمز للمقاومة والإصرار، واستمرارها في النضال يعكس فشل إسرائيل في كسر إرادة الشعب الفلسطيني. وكما قال الله تعالى: "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" (آل عمران: 169)، فإن شهداء جنين يمثلون حياة للأمة ورمزًا للبقاء.

 

المقاومة في جنين ليست حدثًا عابرًا في التاريخ الفلسطيني، بل هي جزء من حركة التحرر الوطني التي تسعى إلى تحرير فلسطين من نير الاحتلال. هذا الكفاح الطويل يتطلب استمرار الدعم والإسناد من كافة مكونات الشعب الفلسطيني، وكذلك من الأمة العربية والإسلامية. إن جنين، بكل ما تمثله من قوة وصلابة، تذكرنا بأن المقاومة هي الخيار الوحيد أمام الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية وتحقيق حلمه في الحرية والاستقلال.

 

في النهاية، يمكن القول إن جنين ليست مجرد مدينة، بل هي أيقونة للثورة والمقاومة. إن الصمود الأسطوري لشعبها، وإصرارهم على مواجهة الاحتلال، يجعل منها رمزًا للأمل والإلهام لكل من يسعى لتحقيق الحرية والعدالة. المقاومة في جنين ليست مجرد معركة عسكرية، بل هي نضال طويل الأمد من أجل الحفاظ على الهوية الوطنية، وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. هذا النضال سيظل حيًا ما دام هناك احتلال، وما دام هناك شعب يؤمن بحقه

 

الصحفي /لؤي صوالحه

نابلس /فلسطين




محتوى ذات صلة

تحليل/ إسرائيل واستخدام الأسلحة الأمريكية في غزة: انتهاكات صارخة للقانون الدولي وسط صمت عالمي

تحليل/ إسرائيل واستخدام الأسلحة الأمريكية في غزة: انتهاكات صارخة للقانون الدولي وسط صمت عالمي

  منذ سنوات عديدة، أصبح من الواضح أن إسرائيل تعتمد بشكل كبير على الأسلحة الأمريكية في عملياتها العسكرية ضد الفلسطينيين، وخاصة في قطاع غزة. هذه الأسلحة، التي تشمل الطائرات الحربية من طراز F-16 والقنابل الذكية الموجهة بالليزر، استخدمت في العديد من الهجمات التي خلفت آلاف ...

|

تحليل/ المستقبل: زوال الاحتلال وعودة الحقوق

تحليل/ المستقبل: زوال الاحتلال وعودة الحقوق

في ظل تعقيدات الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وتطوراته المستمرة، تبقى قضية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني أحد أهم التحديات المطروحة على الساحة الدولية. هذه القضية ليست مجرد نزاع إقليمي، بل هي صراع يمتد لعقود طويلة.

|

إعلام إسرائيلي: حزب الله يوسّع نطاق عملياته

للمرّة الأولى.. حزب الله يستهدف قاعدة "282" الإسرائيلية قرب بحيرة طبريا
إعلام إسرائيلي: حزب الله يوسّع نطاق عملياته

للمرّة الأولى.. حزب الله يستهدف قاعدة "282" الإسرائيلية قرب بحيرة طبريا

أعلنت المقاومة الإسلامية في لبنان - حزب الله، اليوم السبت، أنّها استهدفت قاعدة ومقر اللواء المدفعي والصواريخ الدقيقة (282) شمالي غربي بحيرة طبريا (شمالي فلسطين المحتلة).

|

المستعمل تعليقات

الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)