سرقة التراث الفلسطيني: مخطط إسرائيلي لتزييف التاريخ
وكالة القدس للأنباء(قدسنا) تستمر إسرائيل في انتهاج سياسات تهدف إلى سرقة التراث الفلسطيني، سواء بالمعنى المادي المباشر أو من خلال محاولات متكررة لتزييف التاريخ وإعادة تصنيف المواقع الأثرية والثقافية الفلسطينية على أنها جزء من "التراث الإسرائيلي". تستند هذه الممارسات إلى حجج واهية وذرائع مشوهة، تسعى من خلالها إسرائيل لفرض روايتها الخاصة على المنطقة، بهدف محو الهوية الفلسطينية والانتقاص من حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والثقافية.
إحدى الأدوات الرئيسية التي تعتمدها إسرائيل في سرقة التراث الفلسطيني هي استغلال الحجج الدينية والتاريخية. تدّعي إسرائيل أن بعض المواقع الأثرية في الأراضي المحتلة لها أصول يهودية تعود إلى آلاف السنين، وتعتمد في ذلك على نصوص دينية وتأويلات تاريخية مشوهة لتبرير عمليات الاستيلاء على هذه المواقع. على سبيل المثال، تُقدَّم مواقع مثل مدينة الخليل والحرم الإبراهيمي على أنها أماكن مقدسة لليهودية، متجاهلة تمامًا القيم الدينية والثقافية التي تحملها هذه المواقع للمسلمين والمسيحيين. من خلال هذه الادعاءات، تسعى إسرائيل إلى إعادة تشكيل التاريخ وتقديم رواية جديدة تبرر سيطرتها على الأراضي الفلسطينية.
محاولات إسرائيل لتزييف التاريخ تأتي في إطار مشروع أكبر يهدف إلى محو الهوية الفلسطينية واستبدالها بهوية إسرائيلية مصطنعة. يُستخدم هذا المشروع كمبرر للاحتلال الإسرائيلي وتوسيع المستوطنات، من خلال تقديم الرواية القائلة بأن هذه الأراضي كانت دائمًا جزءًا من "أرض إسرائيل". من الأمثلة البارزة على هذا التزييف هو مشروع "مدينة داوود" في القدس الشرقية، حيث تسعى إسرائيل إلى تحويل المدينة إلى موقع تراثي يهودي بحت، متجاهلة بذلك الوجود الفلسطيني المسيحي والإسلامي الذي يمتد لقرون عديدة. كما تُستخدم أعمال التنقيب الأثري كغطاء لتهجير السكان الفلسطينيين من المدينة وتغيير تركيبتها الديمغرافية.
هذه الممارسات تمثل انتهاكًا صارخًا للحقوق الثقافية والتاريخية للشعب الفلسطيني. فالتراث الثقافي جزء لا يتجزأ من هوية الشعب وذاكرته الجماعية، وبالتالي فإن محاولات محو هذا التراث تهدف في النهاية إلى القضاء على الهوية الفلسطينية واستبدالها بهوية جديدة مصطنعة. علاوة على ذلك، تتجاهل إسرائيل القوانين والاتفاقيات الدولية التي تحمي التراث الثقافي في زمن النزاعات المسلحة، مثل اتفاقية لاهاي لعام 1954، التي تُلزم الدول المحتلة بحماية التراث الثقافي في الأراضي التي تحتلها، وليس استغلاله أو سرقته. إلا أن إسرائيل تواصل انتهاك هذه الاتفاقيات بشكل منهجي، مما يستدعي تحركًا دوليًا لوقف هذه الانتهاكات ومحاسبتها على جرائمها ضد التراث الفلسطيني.
سرقة إسرائيل للتراث الفلسطيني يمكن فهمها في سياق افتقار إسرائيل لتاريخ طويل يعزز وجودها وشرعيتها في المنطقة. فإسرائيل كيان نشأ في منتصف القرن العشرين، بلا جذور تاريخية عميقة في الأرض التي تحتلها. ولتعويض هذا النقص، تسعى إسرائيل إلى إعادة كتابة التاريخ وادعاء ارتباطها العميق بالأرض، في محاولة لخلق سردية تاريخية تخدم أهدافها السياسية. إلا أن هذا السعي الإسرائيلي المحموم لسرقة التراث الفلسطيني يكشف عن ضعف هذه السردية المصطنعة، ويؤكد أن إسرائيل كدولة تُدرك افتقارها للتاريخ الحقيقي. ولذلك، تحاول عبر التزييف والتحريف أن تبني تاريخًا جديدًا على حساب تراث وحضارة شعب آخر.
مواجهة محاولات إسرائيل لسرقة التراث الفلسطيني تتطلب جهدًا جماعيًا من الفلسطينيين والمجتمع الدولي على حد سواء. يجب على الفلسطينيين تعزيز وعيهم بأهمية الحفاظ على تراثهم وثقافتهم، والعمل على توثيق هذا التراث ونشره للعالم. كما يجب على المنظمات الدولية والدول الداعمة للحقوق الفلسطينية أن تضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها للتراث الفلسطيني، والعمل على إعادة المواقع الأثرية والثقافية إلى أصحابها الشرعيين. إن التصدي لهذا المشروع الإسرائيلي لا يقتصر فقط على الدفاع عن التراث الثقافي الفلسطيني، بل هو أيضًا دفاع عن الهوية والوجود الفلسطيني بأكمله. الحفاظ على التراث هو حفاظ على الذاكرة والتاريخ، وهو الأساس الذي تبنى عليه الأجيال القادمة رؤيتها لمستقبل حر ومستقل.
في النهاية، يمكن القول إن سرقة إسرائيل للتراث الفلسطيني هي جزء من مشروع أكبر يسعى إلى محو الهوية الفلسطينية وإعادة كتابة التاريخ بما يخدم مصالح الاحتلال. ولكن رغم هذه المحاولات، يبقى التراث الفلسطيني شاهدًا حيًا على أصالة وعمق وجود الشعب الفلسطيني في هذه الأرض. ولذا، فإن الدفاع عن هذا التراث هو واجب وطني وإنساني يجب على الجميع أن يلتزم به.
الصحفي/ لؤي صوالحه
نابلس / فلسطين
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS