المكون الأفريقي في إسرائيل يكشف زيف الديمقراطية

وكالة القدس للأنباء(قدسنا) جوان محمود صالح – فلسطين المحتلة: منذ اختلاق وجودها غير الطبيعي عام 1948، تُـروج "إسرائيل" لنفسها بأنها "واحة الديمقراطية" الوحيدة في الشرق الأوسط ومع مرور الوقت، جاءت الكثير من الشواهد لنسف هذا المزاعم ومنها تفجّر مشهد العنصرية الإسرائيلية ضد الأفارقة بشكل رسمي وواضح بتاريخ 24 أيار/مايو2012، عندما شهدت "تل أبيب" تظاهرة صاخبة ضد اللاجئين الأفارقة، وفي 4 أيار/مايو 2015، اصطدم الأفارقة الأثيوبيون مع الشرطة في قلب "تل أبيب" خلال احتجاجهم على الممارسات العنصرية ضدهم، إذ اجتاحت "إسرائيل" تظاهرات عنيفة بسبب العنصرية ضد "يهود الفلاشا" أو أبناء الطائفة الإثيوبية، وخرج نحو 3000 إثيوبي فيها.
أعادت مشاهد المواجهات التي وقعت في تل أبيب بين طالبي اللجوء من إريتريا والشرطة الإسرائيلية، ذاكرة المؤسسة الإسرائيلية عدة عقود إلى الوراء، شكّل فيها الأفارقة هاجسًا كبيرًا لإسرائيل الرسمية، وكانوا بمثابة حركة احتجاج اجتماعية ظاهرة أحيانًا وكامنة أحيانًا آخرى، ووصل الحد إلى وصف "الاحتلال" المكون الإفريقي بـ التخريبي.
تشير التقارير الإسرائيلية إلى أن التظاهرات التي وقعت في عدة أحياء بمدينة تل أبيب، يوم السبت 2 سبتمبر، أسفرت عن إصابة العشرات من المتظاهرين وعناصر الشرطة، وقد تم بث صورًا ومقاطع فيديو لطالبي اللجوء وهم يتجولون بالعصي، بينما كانوا يرشقون الشرطة بالحجارة، فيما يظهر ضباط الشرطة وهم يتجولون في الشوارع حاملين بنادقهم ويلقون قنابل الغاز والصوت على الجموع المحتشدة.
زيف الديمقراطية الإسرائيلية
يقول شاكر شبات إن "إحتجاجات اليهود الشرقيين سواء القادمين من الدول العربية أو من أفريقيا تعود للخلف منذ الإعلان عن قيام دولة إسرائيل، على اعتبار أن الحركة الصهيونية صاحبة مشروع إقامة دولة لليهود في فلسطين تشكلت في أوروبا من نُـخب الجاليات اليهودية الاقتصادية والسياسية والإعلامية".
وأضاف خلال حديث لوكالة قدسنا: "تعتبر هذه الجاليات هي التي أسست الدولة واستقدام اليهود الشرقيين عرب وأفارقة لا يزيد عن كونهم عمال وخدم لهذا المشروع".
وأشار إلى أن "التفرقة والتمييز في المجتمع الإسرائيلي بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين أصبح واضحًا ويتجلى في كثير من المفاصل في قيادة الاحزاب والوزراء وقادة الجيش والسيطرة علي الاقتصاد وأماكن السكن".
وأضاف: "هذه التفرقة والتمييز خلّف احتجاجات تكاد تكون ضعيفة لم تشكّل خطراً على وحدة هذا المجتمع الذي يعتبر لوحة فسيفسائية تتشكل من قوميات واثنيات واعراق وثقافات ولغات مختلفة".
وأردف: أن "احتجاجات اليهود الشرقيين عادة ما تأتي كرد فعلٍ على حدثٍ ما مِن قِـبل مؤسسات الدولة بما يشمل المستشفيات والمدارس وغيرها، أضف إلى ذلك سلوك الشرطة وأجهزة الأمن، لكنها لم تكن هذه المرة على خلفيات قومية أو اثنية بالمعني السياسي".
وأوضح أن "احتجاجات الأمس ليست جزءًا من الخلافات بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين، بل هي خلافات بين جماعتي مهاجرين من دولة ارتيريا الأفريقية، وهي جماعةٌ مؤيدة للسلطة الحاكمة هناك وآخرى معارضة، حيث تم السيطرة على الأحداث رغم وقوع إصابات واعتقالات واسعه في صفوف الجماعتين".
قنبلة موقوتة في الكيان قد ينفجروا ضد المستوطنين وحكومة الاحتلال
يقول مؤمن مقداد المختص في الشأن الإسرائيلي: إن "التظاهرات الدامية لطالبي اللجوء الأرتريين رغم أنها احتجاجات ضد حكومة بلادهم أمام سفارتها في تل أبيب، إلا أنها كشفت عن مشكلة هذه الفئة في دولة الاحتلال".
وأضاف خلال حديثٍ لوكالة قدسنا: "بدءًا من إهمال أسراهم مثل أفيرا منغيستو في غزة، وصولا إلى تعامل حكومات الاحتلال معهم كدرجة متدنية تصنيفًا بين اليهود وصولًا إلى طردهم لحواف المدن والقرى وحتى استخدام اللاجئين منهم في القتال بالحروب وعدم الاعتراف بقتلاهم".
واعتبر أن "ما جرى في تل أبيب ليست نتائج معضلة مع حكومة أرتريا فقط، بل هي مشكلةٌ متجذرة حتى مع حكومات الاحتلال، سيما وأن بالأساس موجة ضد شرطة الاحتلال التي اعتدت عليهم بالضرب المبرح والبارود والنار دون أي رأفة، وهذا يُذكرنا بما جرى مع اليهود الاثيوبيين بعد مقتل سولومون تاكه عام 2019".
وحول ما اذا كانت الاحتجاجات ستُعزز من انهيار المنظومة الإسرائيلية، أجاب: "الاحتجاجات عززت مزيدًا من الخلاف في الكيان، وأصبحت معضلة تُـشكّل تهديدًا داخليًا، بمعنى أنهم أصبحوا قنبلة موقوتة في الكيان قد ينفجروا ضد المستوطنين وحكومة الاحتلال حال استمرار اضطهادهم".
وختم: "لُوحظ صباح اليوم عشرات التغريدات من قِبل الساسة الصهاينة يُـطالبون بطردهم الى بلادهم ومحاسبة من شارك في المظاهرات، دون أي اعتبار لأنهم الفئة التي اصيب منها قرابة 200 باطلاق النار ودون معالجة اساس المشكلة أصلًا".
الأفارقة قضية متجددة
ويرى مدير مركز الهدهد للدراسات الإسرائيلية سعيد بشارات، أن "ما حدث في تل أبيب هي أحداثٌ مرتبطة بقضية قديمة جديدة وهي لاجئي الأفارقة، فمنذ سنوات وتل ابيب تجمع اللاجئين الأفارقة بعد تسللهم من السودان وإرتريا و أثيوبيا".
وأضاف خلال حديثٍ لوكالة قدسنا: "حاولت دولة الاحتلال عبر السنوات الماضية طردهم من الكيان الصهيوني، لكن لم تفلح في سن قانون يسمح بطردهم لاعتراض جهات دولية مثل الأمم المتحدة على ذلك".
وتابع: "هناك احتقان داخل هذه المنطقة وخلال السنوات السابقة طالب سكان جنوب تل أبيب بحل هذه المشكلة لكن لم تستطع دولة الاحتلال ذلك، موضحًا أن "ما حدث أمس هو أن السفارة الأريترية كانت تنوي إقامة احتفال بمناسبة قمع المظاهرات التي خرجت في ارتيريا قبل عام ضد نظام الحكم في أرتيريا".
وأردف: "المعارضون للحكم ذهبوا إلى القاعة اللي كان من المفترض الاحتفال فيها وكانوا يحملون كل الأدوات التي يستعملها الأفارقة في الحروب الداخلية بينهم وحصلت حرب افريقية داخل تل ابيب".
وأكد على أن "الشرطة لم يكن لديها أي معلومة عما حدث، رغم منحها تصريح للمظاهرة لكن لم تستطع التعامل مع حدث جديد غير مسبوق في إسرائيل، لذلك اتصلت بالدول في أفريقيا للاستفسار منها عن الطريقة للتعامل مع مثل هذه الظاهرة، التي أشبه بحرب أهلية إفريقية داخل تل أبيب، فأشاروا عليهم بإطلاق النار".
وفيما يتعلق بكيفية انعكاس الأحداث الجارية على انهيار منظومة الاحتلال، لفت إلى أن "وزارة الأمن القومي ووزيرها ايتمار بن غفير مشغولان بالأسرى الفلسطينيين و النقب والجليل، بينما يترك الوزير المتطرف العمل الرئيسي بوزارة الأمن الداخلي أو القومي والتي تعتبر الحصن الرئيسي للدولة".
وختم: "هذه الأحداث وشبيهاتها تكشف عورة هذه المنظومة، خاصة وأن الشرطة منهارة لا تعلم كيف تتصرف كما حدث في هبة الكرامة، والأوضاع تهيئة لأن أي أحد في إسرائيل قادر على محاكاة نموذج الأفريقيين، ضاربًا مثلًا بأهالي الداخل المحتل 48 حال خرجوا بذلك التظاهرات فسيُعززون من تآكل دولة الاحتلال وأجهزة الأمن الإسرائيلية".
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS