qodsna.ir qodsna.ir

جهات محتملة تقف خلف
محاولة اغتيال الكاظمي

عبد الباري عطوان

وكالة القدس للانباء(قدسنا) عبد الباري عطوان:


ثلاث طائرات مسيرة "مجهولة الهوية" تهاجم منزل السيد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي الذي يقع في المنطقة الخضراء الأكثر تحصينا ليس في العاصمة العراقية فقط، وإنما في منطقة الشرق الأوسط بأسرها، وتقصفه بالصواريخ، مما أدى إلى إصابة ثلاثة من حراسه بإصابات طفيفة، بينما نجا الرجل بأعجوبة على حد وصف البيانات الرسمية، هذا هو أحدث فصول المشهد العراقي.


الحكومة العراقية، وعبر المتحدثين باسمها، حددوا الجهة المتهمة بالوقوف خلف جريمة الاغتيال هذه، وقبل بدء التحقيقات، عندما اتهم متحدث باسم مجلس الأمن القومي "الجماعات المسلحة المجرمة التي اعتقدت مخطئة أن ضبط النفس الحكومي، واحترافية القوى الأمنية، بأنه ضعف، والآن يستهدفون الحكومة ورموزها"، وهذا يعني أن المسؤول الأول عن عملية الاغتيال هذه هي فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران، حسب الأدبيات للتوصيفات الرسمية.

 

توقيت عملية الاغتيال "الفاشلة" هذه جاءت وسط احتقان سياسي متفاقم في مختلف أنحاء العراق وعلى أرضية نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، وهي انتخابات جرى "تقديم" موعدها من أجل تعزيز الاستقرار في البلاد، فجاءت النتائج عكسية تماما من حيث تصاعد الاتهامات بالتزوير، وتعاظم حالة الانقسام، سواء على مستوى النسيج العراقي ككل، أو في أوساط طوائفه نفسها، شيعية كانت أم سنية، فالتفتت هو عنوان المرحلة لإضعاف الجميع، وهذه لعبة أميركية قديمة متجددة.


قبل يوم واحد من عملية الاغتيال هذه وقعت اشتباكات دموية في مدخل المنطقة الخضراء بين محتجين من عناصر الحشد الشعبي يرفضون نتائج الانتخابات (خسر الحشد ثلثي عدد مقاعده في البرلمان)، وبين قوات الأمن العراقية التي استخدمت الذخيرة الحية مما أدى إلى مقتل عنصرين، واصابة سبعة آخرين، حسب أنباء غير مؤكدة.

***

 

هناك ثلاثة احتمالات يمكن أن تفسر عملية الاغتيال الفاشلة هذه وتسلط الأضواء على الجهات التي قد تقف خلفها:


الأول: أن يكون فصيل، أو عدة فصائل في الحشد الشعبي هي التي نفذت عملية الاغتيال هذه وفق الرواية الرسمية العراقية، لتوجيه رسالة قوية إلى السيد الكاظمي تقول إن يدها طويلة، وتستطيع الوصول إليه في عقر داره، وأنها لا تتردد في الانتقام لدماء "شهدائها" وجرحاها الذين سقطوا برصاص قوات الأمن أثناء احتجاجهم "السلمي" أمام المنطقة الخضراء.

 

الثاني: أن تكون أجهزة تابعة للسيد الكاظمي هي من "فبرك" عملية الاغتيال هذه لكسب التعاطف الشعبي أولا، والفوز بولاية ثانية له كرئيس للوزراء ثانيا، وحشد الدعم الإقليمي والدولي خلفه، ونتائج الانتخابات التي أشرف على تنظيمها ثالثا.


الثالث: أن تكون الولايات المتحدة تملك خططا لاجتثاث فصائل الحشد الشعبي في العراق حتى لا يتكرر سيناريو "حزب الله" اللبناني، وتريد أن تجعل من عملية الاغتيال هذه، التي ربما تقف خلفها، أو أحد العناصر الموالية لها، ذريعة لتنفيذ هذه الخطة للقضاء عليها ونفوذها المتعاظم في العراق.


الذين يؤيدون الاحتمال الأول، أي مسؤولية أحد فصائل الحشد الشعبي بالوقوف خلف هذه المحاولة، ووسائل الإعلام السعودية على وجه الخصوص (قناة العربية) يلوحون بتصريحات أدلى بها السيد قيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق التي قال فيها ما معناه "أن لا أحد مهتم بقتل رئيس وزراء منتهية ولايته (الكاظمي)، ومن يريد اغتياله لا يستخدم طائرات مسيرة، ولدينا طرق ووسائل أرخص وأكثر فاعلية لو أردنا استهدافه"، وتأكيده أن دماء شهداء الاعتصام أمام المنطقة الخضراء لن تذهب سدى".


أما الذين يؤيدون الاحتمال الثاني أي أن يكون السيد الكاظمي قد "فبرك" عملية الاغتيال هذه، فيشيرون إلى بيان لجنة الانتخابات الذي يفند اتهامات "التزوير" وينفيها، ويؤكد أن العد اليدوي أثبت تطابقا كبيرا مع نتائج العد الإلكتروني، وهذا يعني أنه يريد استخدام هذه العملية لاغتياله" لتمرير هذه النتائج، وتكوين تحالف حاكم جديد بدعم برلماني بعيدا عن النفوذ الإيراني.


أما الذين يرجحون الاحتمال الثالث، أي سيناريو المؤامرة الأميركي الذي يبحث عن ذريعة لتصفية فصائل الحشد الشعبي ونزع سلاحها بعد أن باتت عضوا رئيسيا في محور المقاومة، وكانت وراء قصف قاعدة التنف الأميركية الجوية في المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني قبل أسابيع، وقبلها قاعدة "عين الأسد" فيتكئون بدورهم على التحركات الأميركية الرافضة للانسحاب من العراق تنفيذا لقرار مجلس النواب (البرلمان) وأحدث الأدلة وأقواها في هذا المضمار ما بثته وكالة الأنباء السورية اليوم الأحد من أخبار تتحدث عن سحب أميركا حوالي 250 من المعدات الثقيلة من قواعدها في سورية إلى نظيراتها في العراق.


أميركا، والكلام هنا لخبير في الشأن العراقي تحدث لـ"رأي اليوم"، باتت تدعم تحالفا جديدا يضم ثلاثة أطراف رئيسية فازت بمقاعد تؤهلها للحصول على الأغلبية في البرلمان الجديد، وهي التيار الصدري، وتكتل السيد محمد الحلبوسي رئيس البرلمان السابق (سني)، وحزب مسعود البرازاني (كردي)، والعقبة الأكبر في طريق هذا التكتل للوصول إلى الحكم، والإبقاء على السيد الكاظمي هو الحشد الشعبي ولذلك لا بد من تصفيته أو إضعافه وإخراجه من دوائر التأثير.

***

 

عرضنا للاحتمالات الثلاثة لا يعني أننا ننحاز إلى أي منها، لسبب بسيط ومنطقي، وهو أن التحقيقات الرسمية لم تبدأ بعد، واللجنة التي شكلها السيد الكاظمي للقيام بهذه المهمة ما زالت في طور التكوين، ومهمتنا تقتصر على النظر في الجوانب السياسية والتمعن في قراءتها وما بين سطورها، وليس الأدلة والتفاصيل الأمنية، وهي ما زالت شحيحة على أي حال.


السيد الكاظمي اتهم الجماعات المسلحة التي تقف خلف عملية اغتياله الفاشلة بسوء تقدير سياسة ضبط النفس التي تتبناها حكومته، باعتبارها دليل ضعف، ولكنه أيضا ربما يقع في الخطأ نفسه عندما يتجاهل حجم القوة التي يتمتع بها "خصومه" في الحشد الشعبي، والشيء نفسه يقال أيضا عن أميركا الداعم الرئيسي له، فأي محاولة لنزع سلاح الحشد الشعبي تعني إعلان الحرب على إيران، وهذه مقامرة احتمالات فشلها أكبر بكثير من احتمالات نجاحها، حسب آراء معظم المراقبين.


العراق مقدم على حالة أكبر من الفوضى، وربما الحرب الأهلية، ومحاولة اغتيال السيد الكاظمي، سواء كانت صحيحة أم مفبركة، هي جريمة مدانة على أي حال، قد تكون "المفجر"، أو عود الثقاب.. والله أعلم.