الخميس 23 شوال 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

عناقيدُ الغضبِ المرة
وحارسُ الأسوارِ الخائب

د. مصطفى يوسف اللداوي

وكالة القدس للانباء(قدسنا) كأنه التاريخ يعيد نفسه على الأرض نفسها، ويعيد ذات النتائج المؤلمة، ويجني نفس الحصاد المر، ويصيب بلعنته اللاعبين أنفسهم، ويطبق عليهم سنته الأبدية ومحاكمته التاريخية، فيمحقهم ويذلهم، ويسخطهم ويهينهم على سوء فعالهم وفحش جرائمهم، ويلقنهم درساً لم يتعلموه ممن سبقهم، ولم يستفيدوا منه في سابق أيامهم، فاستحقوا ماحل بهم وأصابهم، واستأهلوا الخاتمة التي تليق بهم، إذ أن سنة الله عز وجل لا تتبدل ولا تتعطل، وإن كانت تتأخر أحياناً أو تستعجل، ولكنها لا محالة تقع وتصيب، وتنزل بالأقوام التي تقصدهم، وتحل على الأمم التى حذرتهم، ولكنهم عاندوا وأصروا، وجَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا، فاستحقوا العذاب بلا رحمة، والمصير بلا شفقة.

 

في العام 1996 ارتكب شيمعون بيرس حماقةً كبيرةً وجريمةً مهولةً، فاعتدى على لبنان وشعبه، وقصفه بهمجيةٍ وجنونٍ على مدى أيامٍ طويلة، كانت جداً قاسية على اللبنانيين، استخدم فيها أحدث ترسانته العسكرية، وأكثر صواريخيه تدميراً وتخريباً، وأطلق حمم نيرانه القاتلة على المدنيين اللبنانيين من الجو والبر والبحر، وأحدث خراباً واسعاً وتدميراً كبيراً، وتسبب في استشهاد وإصابة المئات من أبناء الشعب اللبناني، وكان جُلُّ الجرحى والشهداء من المدنيين، من سكان القرى والبلدات اللبنانية الجنوبية، القريبة من فلسطين المحتلة.

 

لكن أم الجرائم التي ارتكبها، وأشد الفواحش التي أتى بها، كانت عدوانه الغادر على أحد مقرات قوات الطوارئ الدولية في بلدة قانا الجنوبية، وهو المقر الذي لجأ إليه المدنيون اللبنانيون هرباً من القصف المجنون والتدمير الممنهج، مما تسبب في مجزرةٍ مروعةٍ ومذبحةٍ كبيرةٍ، عرفت باسم "مجزرة قانا"، سقط فيها مئات الشهداء من النساء والأطفال والشيوخ، ممن لا يحملون سلاحاً ولا يقاتلون في الميدان.

 

عض الشعب اللبناني على جرحه الأليم وصبر، واحتمل العدوان الهمجي وقاوم، وصمدت مقاومته وقاتلت، واتحدت جبهاته واتفقت قواه وناضلت، حتى تحقق لهم النصر بالثبات، إذ افشلوا مخططات العدو وكبدوه خسائر وأجبروه على التراجع والانكفاء، ولكن الخسارة الأكبر والهزيمة المرة، كانت تلك التي مني مسعر الحرب وقائد جريمة العدوان، إذ عاد شيمعون بيرس من الحرب خائباً خاسراً، ضعيفاً مهزوماً، متهماً عاجزاً، فخسر الانتخابات وفقد منصب رئاسة الحكومة، وهي التي كان يمني نفسها برئاستها، ولكن لعنة الحرب التي فجرها، وفحش المجزرة التي ارتكبها، خلعته من منصبه، وطردته من مكتبه، وألزمته بيته خائباً حسيراً.

 

واليوم ها هي معركة "حارس الأسوار"، التي تولى كبرها المجرم نتنياهو، وخاض غمارها ضد الشعب الفلسطيني كله على امتداد الأرض المحتلة كلها، واستخدم في عدوانه على قطاع غزة أكثر الأسلحة الأمريكية والإسرائيلية فتكاً وتدميراً، دمر بها المساكن والبيوت، والأبراج والمكاتب والمقرات، وقتل النساء والأطفال والمدنيين، وخرب بنيتها التحتية وعطل خدماتها الحيوية، ظاناً أن هذه الحرب ستمكن له في الأرض، وسترفع من قدره وستزيد من رصيده، وستعجل في تتويجه ملكاً ل"دولة إسرائيل"، ومنقذاً لشعبها ومستعيداً لهيكلها، ورائداً لمشروعها القومي وحلمها الديني.

 

لكن لعنة "عناقيد الغضب" لم تكن بعيدة أبداً عن لعنة "حارس الأسوار"، فالجريمة واحدة والعدوان واحدٌ، والمجرم نفسه والقاتل ذاته، لم يتغير شكله ولم يتبدل نهجه، والمظلوم المعتدى عليه نفسه، فلسطينياً كان أو عربياً ولبنانياً، ففي الأولى اعتدوا على الشعب اللبناني وارتكبوا في حقه المجازر المروعة، وفي الثانية اعتدوا على الفلسطينيين عموماً، وارتكبوا ضدهم عشرات الجرائم المهولة التي يندى لها جبين الإنسانية، وفي الحربين كان القاتلان يبغيان السلطة ويتطلعان إلى رئاسة الحكومة، ويريدون استغلال الدم العربي أصواتاً لصالحهم في صناديق الانتخابات الإسرائيلية.

 

لكن سنة الله عز وجل التي لا تتأخر ولا تتبدل، وإرادة شعوب الأمة التي لا تنكسر ولا تتراجع، ومقاومتها التي تكبر وتقوى، وتزداد قدرةً ومِنعة، أبت إلا أن تسقطهما وتنهي عهدهما، وتطردهما ذليلين، وتقصيهما ملعونين، وتنهي عهدهما فاشلين، فقانا أسقطت بيرس وأقعدته، فغدا منحوساً لا يفوز وخائباً لا يربح، وها هي غزة العزة ومقاومتها العظيمة، تدق عنق نتنياهو وتكسره، وربما تعجل في محاسبته ومعاقبته، وتخرجه وزوجته من المكتب الذي ظنوا أنهم حصنوه بجرائمهم، وثبتوا أنفسهم فيه بعدوانهم، فهل يتعلم منهما خلفهما ومن سيأتي بعدهما، أم أن سيف القدس البتار سيطالهم، وسيقتص منهم ويرديهم، فهذا السيف ما بارز أحداً إلا جندله، وما قاتل عدواً إلا بدمه ضرجه.

 

 




محتوى ذات صلة

خلال استقباله حشدا من المعلمين..

قائد الثورة:  غزة اليوم قضية العالم الأولى / يجب ان تعود فلسطين إلى أصحابها الأصليين
خلال استقباله حشدا من المعلمين..

قائد الثورة: غزة اليوم قضية العالم الأولى / يجب ان تعود فلسطين إلى أصحابها الأصليين

اكد قائد الثورة الاسلامية ان غزة اليوم اصبحت قضية العالم الأولى و ليس بإمكان الصهاينة وداعميهم إزالة قضية غزة من جدول أعمال الرأي العام العالمي.

|

أدانت بشدة الإجراءات التعسفية الأميركية في التعامل مع طلاب الجامعات

الخارجية الإيرانية: على السلطات الأميركية أن تفسح المجال للمسيرات الداعمة لفلسطين
أدانت بشدة الإجراءات التعسفية الأميركية في التعامل مع طلاب الجامعات

الخارجية الإيرانية: على السلطات الأميركية أن تفسح المجال للمسيرات الداعمة لفلسطين

أدان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية الإجراءات التعسفية الأميركية في التعامل مع طلاب الجامعات، مؤكدا أن ما يحدث في الجامعات الأميركية يعكس صحوة المجتمع الدولي حيال القضية الفلسطينية والكراهية تجاه الاحتلال، داعيا السلطات الأميركية إلي فسح المجال للمسيرات الداعمة ...

|

طلاب الجامعات الايرانية ينظمون وقفات تضامنية مع الحراك الطلابي في امريكا

طلاب الجامعات الايرانية ينظمون وقفات تضامنية مع الحراك الطلابي في امريكا

نظم الطلاب والاساتذة والعاملون في جامعات الجمهورية الاسلامية الايرانية، اليوم الاحد، وقفات تضامنية مع حراك الطلبة الجامعيين في الولايات المتحدة الامريكية وعدد من الدول الاوروبية، الذين عبروا عن استنكارهم لجرائم الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني داخل قطاع غزة.

|

تظاهرات حاشدة في تل أبيب تطالب نتنياهو بعقد صفقة لتبادل الأسرى

خرج آلاف المتظاهرين من المستوطنين الإسرائيليين مساء السبت في تل ابيب ومناطق عدة للمطالبة بإبرام صفقة لتبادل الأسرى وإجراء انتخابات مبكرة لاستبدال حكومة بنيامين نتنياهو، وذلك بعدما بثت كتائب القسام تسجيلا مصورا لاثنين من الأسرى الصهاينة لديها.

|

المستعمل تعليقات

الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. سفير وممثل إيران الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة: ايران تحتفظ بحقها الطبيعي في الرد على أي أعمال عدوانية ضد سيادتها وأمنها ومصالحها القومية
  2. الصحة الفلسطينية: ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 34 ألفا و596 شهيدا
  3. قيادي في حماس: إذا أقدم العدو على عملية رفح فسيتم وقف التفاوض
  4. ردا على المجازر الصهيونية في غزة.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف هدف حيوي في ايلات "أم الرشراش"
  5. ايران تفرض عقوبات على أفراد وكيانات أمريكية وبريطانية لدعمها الكيان الصهيوني
  6. قائد الحرس الثوري: "الوعد الصادق" عملية قابلة للتكرار.. هذه معادلة إيران الجديدة
  7. كنعاني: عبارة "حرروا فلسطين" أصبحت اليوم مطلبا وشعارا عالميا
  8. قائد القوة الجوفضائية للحرس الثوري يكشف عن كواليس عملية" الوعد الصادق"
  9. انصار الله : أي قاعدة أو أرض ينطلق منها العدوان على اليمن ستكون أهدافاً رئيسية
  10. اجتياحها سيشهد مذبحة "غير مسبوقة" أهالي رفح والنّازحون: نفضّل الموت في بيوتنا وخيامنا على النّزوح لأي منطقة أخرى
  11. رئيس برلمان فنزويلا: نتنياهو أحد أسوأ القتلة في التاريخ.. والإعلام الغربي منافق ومتواطئ
  12. المجلس السياسي الأعلى يحذر من أي تصعيد أمريكي عدائي يستهدف أمن واستقرار اليمن
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)