فلسطين؛ قراءة تحليلية لقرن من الاستعمار و الاحتلال وصمود الشعب الفلسطيني

وكالة القدس للانباء(قدسنا)
 

المقدمة

 إن مخطط انشاء الكيان الصهيوني في جغرافية العالم الإسلامي هو مخطط استعماري يهدف إلي فرض هيمنة القوي الاستعمارية علي المنطقة ومواردها الطبيعية كمقدمة لبسط السيطرة علي كافة بقاع العالم. فيما يلي سنورد أهم المحطات التي مرت بها عملية احتلال فلسطين وكذلك المقدمات والأسباب والأهداف التي دفعت القوي الإستعمارية لإنشاء كيان صهيوني علي أرض فلسطين، مع الإشارة إلي المقاومة وأبرز المحطات التى تجسدت فيها المقاومة الشعبية ضد المخططات الاستعمارية.

خصائص ومميزات منطقة الشرق الأوسط

• مهد الحضارات البشرية: تؤكد نتائج علم الآثار بان منطقة الشرق الأوسط هي مهد الحضارات البشرية وان هذ المنطقة تحتضن أقدم الثقافات. إن الخلفية الحضارية تساهم في تعزيز دور المجتمعات العريقة وتحدد مكانتها في النظام الدولي الحالي.
• مهد الأديان السماوية: الأديان الثلاثة الكبرى المتواجدة في المنطقة(وجذورها في هذه المنطقة ايضا) هي: الإسلام، المسيحية، اليهودية، وكلها سماوية إبراهيمية. إن هذه الديانات قوامها المساواة والعدل والتعاون والتعايش السلمي بين أطرافها وهذا ما لايتطابق مع مصالح القوي الإستعمارية.
• الموقع الجيوسياسي: تعتد منطقة الشرق الأوسط نقطة وصل القارات الثلاث(اسيا واوروبا وافريقيا)، لذلك تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة للدول والحكومات.
• الممرات المائية الهامة والحيوية: إن أهم الممرات المائية تقع في منطقة الشرق الأوسط وهي مضيق هرمز، وباب المندب، وقناة السويس، ومضيق البسفور. طريق الحرير(مجموعة من الطرق المترابطة كانت تسلكها القوافل والسفن) ايضا يوجد في هذه المنطقة الاستراتيجية.
• مصادر الطاقة: تتميز منطقة الشرق الأوسط بوفرة مصادر الطاقة والمعادن ما جعل المنطقة تزخر بالثروات والنعم والموارد الهائلة. المصانع العالمية والمحطات الاقتصادية العالمية بحاجة كبيرة لنفط وغاز هذه المنطقة.
• تتمتع منطقة الشرق الأوسط ايضا بكثرة المناجم التي يستخرج منها المعادن القيمة تتضمن الفحم، والحديد، والفلزات الثمينة، والسولفات و..الخ. الاقتصاد العالمي بحاجة كبيرة إلي المعادل القيمة التي تستخرج من مناجم المنطقة.
• مركز الحكومة العالمية: بناء علي تعاليم الأديان السماوية، ان مركز الحكومة العالمية لكافة الأديان –التي ستبسط العدل بمعناه الحقيقي في كل المعمورة وستقام بعد ظهور الموعود(المهدي"عج" وماشي والمسيح والسوشيانت)-؛ سيكون في منطقة الشرق الأوسط.

أهداف القوي الإستعمارية في منطقة غرب اسيا

أولا: السيطرة علي الممرات المائية في المنطقة

• مضيق هرمز: ممر مائي يقع بين ايران وعمان ويربط الخليج الفارسي ببحر عمان. يعد مضيق هرمز أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن. ومضيق هرمز ممر ملاحي حيوي يربط بين منتجي النفط في الشرق الأوسط وبين أسواق اسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية وما وراءها حيث يمر منه يوما حوالي 50 بالمئة من النفط العالمي.
• مضيق باب المندب: ممر مائي يصل البحر الأحمر مع المحيط الهندي عن طريق بحر العرب، والقرن الأفريقي، وبحر عُمان، كما يربط الخليج الفارسي مع البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. ويتمتع باب المندب بأهمية إستراتيجية بالنسبة لعدد من الدول كونه يعد واحدا من أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن. زادت أهمية مضيق باب المندب بعد افتتاح قناة السويس عام 1869م.

• قناة السويس: قناة مائية اكتملت أعمال إنشائها في عام 1869م، وهي مجرى مائي يصل البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط. قناة السويس تسمح بعبور السفن في اتجاهين في نفس الوقت بين كل من أوروبا وآسيا، وتعتبر أسرع ممر بحري بين القارتين. تعتبر قناة السويس أقصر الطرق بين الشرق والغرب. وتشير احصائيات ان نحو 7 بالمئة من حركة التجارة العالمية يمر عبر هذه القناة.
• مضيق البسفور: هو أحد الممرّات البحريّة الدوليّة، يَصل مضيق البوسفور البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط. يقع هذا المضيق في الأراضي التركيّة وهو الفاصل بين قارتي آسيا وإفريقيا.
• مضيق الدردنيل: يقع مضيق الدردنيل بين القارة الأوروبية والقارة الآسيوية، بحيث نجده يشكل ممراً دوليّاً مائياً، بين كل من بحر إيجة مع بحر مرمرة. يتعين علي السفن الاوربية الدخول في هذا المشيق من أجل دخول البحر الأسود.

ثانياً: السيطرة علي مصادر الطاقة في المنطقة

النفط: تمتلك منطقة الشرق الأوسط أكبر الآبار والحقول النفطية في العالم. يعتبر الشرق الأوسط مصدراً رئيسياً لنفط العالم حيث انه يتمتلك ما نسبه 73 بالمئة من احتياطي نفط العالم. نفط الشرق الأوسط ما زال يكتسي أهمية بالغة في الأسواق العالمية، فهذه المنطقة تؤمن يوما 50 بالمئة من نفط الأسواق العالمية.

الغاز: إلي جانب حقول النفط؛ تتمتع منطقة الشرق الأوسط بوفور حقول الغاز الطبيعي. يشكل الغار الطبيعي المسال في بعض الدول الاقليميةكقطر؛  المصدر الأساسي للثروة.

المناجم: تتمتع منطقة الشرق الأوسط بكثرة المناجم التي يستخرج منها المعادن القيمة  كالحديد، وال بوتاسيوم والكبريت و..الخ، وهي فلزات تحتاج لها أسوأق المعادن والسلع الهامة.

ثالثاً: اضعاف الامبراطورية العثمانية والقضاء عليها

الدول العثمانية هي إمبراطورية إسلامية أسسها عثمان الأول بن أرطغرل، واستمرت قائمة لما يقرب من 600 سنة. بلغت الدولة العثمانية ذروة مجدها وقوتها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، فامتدت أراضيها لتشمل أنحاء واسعة من قارات العالم القديم الثلاثة: أوروبا وآسيا وأفريقيا، حيث خضعت لها كامل آسيا الصغرى وأجزاء كبيرة من جنوب شرق أوروبا، غربي آسيا، وشمالي أفريقيا. وعلي المستوي العالمي، كانت هذه الامبراطورية تعد منافسة قوية وخطرة للاستعمار البريطاني بشكل خاص والقوي الأوروبية بشكل عام.

إن هذه الامبراطورية كانت تسيطر علي كافة الممرات المائية الهامة في المنطقة(ماعدا مضيق هرمز)، لذلك كانت الدول الاوروبية تواجه مصاعب كبيرة في عملية التجارة خاصة تجارة العقاقير الطبية والأقمشة القطنية، بسبب بعد المسافة والكلفة المالية الباهضة.

رابعاً: مواجهة الحضارة الإسلامية ومنعها من الإزدهار

القوي الإستعمارية قلقة من احياء الحضارة الإسلامية وازدهارها من جديد. لقد تقدمت الحضارة الإسلامية في الماضي علي الغرب في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية. آخر الحكومات الإسلامية التي استطاعت ان تحقق انجازات تفوقت خلالها علي الغرب هي الدولة العثمانية التي استطاعت ان تبسط سيطرتها علي قلب اوروبا. وعليه تعتبر مواجهة الحضارة الإسلامية ومنعها من الإزدهار من جديد من اولويات اولوية وضرورة ملحة بالنسبة للقوي الإستعمارية.

خامساً: تعزيز النفوذ والهيمنة الغربية في المنطقة

إن الغرب ومن أجل منع احياء الحضارة الإسلامية ومواجهة ازدهارها بحاجة إلي بسط سيطرته وتعزيز نفوذه في المنطقة. وعليه فكرت القوي الغربية في انشاء قاعدة عسكرية تكون تابعة له بالإضافة إلي الأنظمة العربية التابعة. وهذا ما أكده وزير الخارجية البريطاني آنذاك "لويد جورج"، عندما دعم طموحات الحركة الصهيونية وقال: إن تشكيل ثكنة عسكرية يهودية تابعة لنا، تعد ضرورة ملحة للحفاظ علي مصالحنا في المنطقة.

سادساً: بسط الهيمنة العالمية الغربية

نظرا لكثرة مصادر الطاقة وتباين القوميات والأعراق في منطقة الشرق الأوسط، اطلقت القوي الاسعتمارية مصطلح"قلب العالم" علي هذه المنطقة، كما انها ظلت تؤكد علي ضرورة بسط السيطرة علي هذه المنطقة الاستراتيجية، لأن السيطرة علي مصادر الطاقة فيها يعني بسط السيطرة الغربية علي كافة العالم.

* العناصر التي تساعد الغرب علي التدخل والتأثير في المنطقة

• تعدد الطوائف والأقوام وتوزيعهم الجغرافي: تعيش طوائف مختلفة في منطقة الشرق الأوسط كالفرس والعرب والأكراد والبلوش والأتراك والأذريين و...الخ. القوي الإستعمارية تري في هذا التنوع القومي فرصة مناسبة لتمرير مخططاتها وذلك عبر بث الخلافات زرع الفتن والنزاعات بين الشعوب.
• التنوع الديني: تتميز منطقة الشرق الأوسط بتنوع الأديان  كالدين الإسلامي والمسيحية واليهودية والزرادتشتية والمندائية و...الخ. القوي الاستعمارية تستغل هذا التنوع للتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.

ومن الميزات الأخري لمنطقة الشرق الأوسط هو تعدد الطوائف الدينية. إن هذا التعدد يظهر بشكل ملحوظ بين اتباع الأديان السماوية، ما يشكل فرصة مناسبة للقوي المعادية لتنفيذ مخططاتها عبر بث الصراعات الدينية في المنطقة.

-وجود صراعات ذات الخلفية التاريخية العميقة: تاريخ منطقة الشرق الأوسط حافل بالصراعات الطائفية والقومية. إن هذه الخلفية التاريخية أنعكست بشكل سلبي علي اتباع الديانات والقوميات المختلفة حيث أنها اضعفت الثقة بين الطوائف والأعراق المختلفة.

-توزيع مصادر الثروة: بعض الدول الإقليمية كالسعودية والإمارات وقطر والكويت وعمان؛ تمتلك نسبة كبيرة من مصادر الطاقة، وفي المقابل توجد دول اقليمة فقيرة كالاردن واليمن. إن هذا التوزيع غير العادل للثروة يمهد الأرضية لتدخل القوي الخارجية في المنطقة.

-الحدود الجغرافية وتحييد الحركة والتنقل: إن الحدود الجغرافية للدول رسمت بصورة جعلت عملية تواصل الحكومات مع العالم الخارجي عملية صعبة وليست باليسيرة. هذا الأمر يعتبر أحد الأسباب المساهمة في انعدام الأمن في المنطقة.

-طموح الانفصال لدي بعض الطوائف والقوميات: إن القوي الإستعمارية زرعت روح الاستقلال وطموح الانفصال في نفوس بعض القوميات في المنطقة، لذلك أخذت تحرض هذه القوميات علي الانفصال وإقامة دولة قومية منفصلة عن الدول التي تعيش فيها حاليا.

*إجراءات الاستعمار في سبيل تحقيق الأهداف

• ارسال الجواسيس والعملاء إلي المنطقة بهدف التعرف علي نفسيات الشعوب كمقدمة للتخطيط للمشاريع الاستعمارية(هؤلاء الجواسيس عرفوا علي انهم مستشرقين)
• إرسال الأشخاص للنفوذ في الهيكلية السياسية والاجتماعية لدول المنطقة. هؤلاء الأشخاص قصدوا المنطقة بصفة اطباء ومستشارين عسكريين وخبراء اسلحة و..الخ.
• استقطاب الشخصيات المؤثرة من ابناء الطوائف والقوميات وكذلك بعض المسؤولين السياسيين لتمرير اهدافهم(كدعم ابناء رؤساء الدول والملوك والأمراء في العالم الإسلامي)
• زرع الخلافات وبثها بيندول المنطقة بهدف استنزاف طاقاتها العسكرية والاقتصادية(كتحريض الدولة الصفوية للدخول في حرب ضد الدولة العثمانية)
• تحريض القوميات المختلفة علي الانفصال بهدف تفتيت الدول الإسلامية كعزل افغانستان والبحرين عن إيران
• تنظيم انقلابات وثورات داخلية ضد الأنظمة والحكومات(كتحريض العرب ضد الامبراطورية العثمانية)
• شن حروب عسكرية ضد دول المنطقة بهدف إضعافها وإسقاط حكوماتها وتجزئتها وبالتالي جعل تلك البلدان خاضعة لسيطرتها
• ترسيم حدود جغرافية للمناطق المتنازع عليها بهدف إدارة الصراع وإطالة امد الخلافات بين الدول ما يجعلها تابعة للاستعمار لفترات أطول
• التخطيط لجلب اليهود من الدول الأوروبية إلي فلسطين وتوطينهم في الأراضي المحتلة دعما للمشروع الصهوني واستكمالا له
• دعم الصهاينة اثناء احتلال الأراضي الفلسطينية بالعتاد والذخيرة من جهة، وتجريد الشعب الفلسطيني من كل ما يمكنه من الدفاع عن نفسه من جهة ثانية.( هذا ما قامت به الحكومة العسكرية البريطانية اثناء سيطرتها علي فلسطين)
• دعم عملية تأسيس وإقامة دولة يهودية في فلسطين ومواصلة الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي للصهاينة للمساهمة في بقاء واستمرار حياة الكيان الصهيوني.

*إسرائيل من التنظير إلي الإنشاء و التأسيس

تأسيس الحركة الصهيونية

في عام 1880م تأسست أول حركة صهيونية في اوروبا تحت عنوان: أحباء صهيون. بتبع ذلك، قامت الدول الإستعمارية بعدة اجراءات بهدف انشاء دولة صهيونية لليهود في فلسطين.

أهم تلك الخطوات والإجراءات التمهيدة لتشكيل الكيان الصهيوني تمثلت في:

-دعم الحركة الصهيونة ودعوة يهود اوروبا للانضمام للحركة الصهيونية

-الضغط علي اليهود المتواجدين في الدول الاوروبية ودفعهم للهجرة إلي فلسطين(بحجة ازدياد المعاداة للسامية في اوروبا)

-تشكيل الوكالة اليهودية والصندوق الوطني اليهودي تحت عنوان"كرن كايمت"

-نقل اليهود من البلدان الاوروبية إلي فلسطين في فترات زمينة مختلفة

-انشاء مجمعات زراعية وصناعية في فلسطين

-العمل علي اسقاط الامبراطورية العثمانية

-دعم الحروب المتعددة ضد الامبراطورية العثمانية(كالحروب التي اندلعت بين روسيا والامبراطورية، وحروب ايران والعثمانيين، وحروب بريطانيا والامبراطورية العثمانية، وحروب فرنسا مع الامبراطورية)

إدارة الانتفاضات الداخلية ضد الامبراطورية العثمانية التحرك العربي ضد العثمانيين عام 1916بقيادة الشريف حسين، ونفوذ يهود الدونمة في الهيكلية السياسية والعسكرية والاقتصادية التركية الذي أدي لاحقا ثورة تركيا الفتاة أو الأتراك الشباب ومن ثم اسقاط عبدالحميد الثاني.

• اشعال فتيل الحرب العالمية وتنظيم هجمات واسعة ضد الأراضي التابعة للامبراطورية العثمانية إلي جانب دعم الحركات الداخلية ضد الدولة العثمانية
• اعداد مخطط تجزئة الامبراطورية العثمانية في عام 1916 والذي عرف اعلاميا بمعاهدة سايكس بيكو (سايكس بيكو في 1916 هي معاهدة سرية بين فرنسا والمملكة المتحدة)
• الاعلان الرسمي عن مخطط القوي الاستعمارية لانشاء دولة يهودية تكون بمثابة قاعدة عسكرية تابعة للغرب وذلك عبر اصدار وعد قام به وزير الخارجية البرياني والذي عرف لاحقا بوعد بلفور. (صدر عام 1917 وتضمن موافقة الحكومة البريطانية لتشكيل وطن قومي لليهود في فلسطين)
• سيطرة الحكومة العسكرية البريطانية علي فلسطين بعد اخراج حكام الامبراطورية العثمانية بواسطة الحراك العربي بقيادة شريف حسين وذلك بعد مرور شهر واحد علي وعد بلفور.

*الاعلان عن تشكيل الدولة الصهيونية في فلسطين

• البداية كانت باعتراف الأمم المتحدة بالانتداب البريطاني علي فلسطين مع تكليف بريطانيا بتنفيذ وعد بلفور. ثم تعيين هربرت صموئيل -وسياسي بريطاني يهودي- كأول مندوب سامِ بريطاني في فلسطين .
• الخطوات التالية تمثلت في: نقل اليهود إلي فلسطين ومصادرة اراضي الفلسطينيين واعطائها لليهود وفي نفس الوقت قمع الاحتجاجات والثورات الفلسطينية(كثورة البراق، وثورة الشيخ عزالدين القسام و...الخ) إلي جانب تدريب وتسليح عصابات عسكرية يهودية هي: «الهاجاناه»، و«ارجون» و«شتيرن» و« هاغاناه» بالإضافة إلي سرية بالماخ تابعة للواء "يفتاح". (كل هذه الاجراءات تمت من قبل الحكومة البريطانية)

-إصدار قرار تقسيم فلسطين، اي القرار رقم 181 الذي صدر عن الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة وتبني خطة تقسيم فلسطين القاضية بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة، كالتالي:

دولة يهودية تبلغ مساحتها حوالي 5,700 ميل مربع (15,000 كـم2) ما يمثل 55% من فلسطين.   دولة فلسطينية: تبلغ مساحتها حوالي 4,300 ميل مربع (11,000 كـم2) ما يمثل 42% من فلسطين

ومنطقة القدس تكون تحت وصاية دولية ومساحتها تمثل 3% من الاراضي الفلسطينية. في حين كان ابناء الشعب الفلسطيني يشكلون ثلثي سكان فلسطين التاريخية، أما في المناطق التي عرفت لاحقا علي انها يهودية؛ اما لم يكن فيها يهود واما كان اليهود فيها اقلية.

-في عام 1948 اعلنت بريطانيا انتهاء انتدابها علي فلسطين وسحبت قواتها من الأراضي الفلسطينية، تاركةً خلفها كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية وسلمتها للمنظمات الصهيونية مع بقاء عدد من القوات البريطانية لتدريب العصابات الصهيونية. إن القوات الصهيونية(وهي«الهاجاناه»، و«ارجون» و«شتيرن» و« هاغاناه» بالإضافة إلي سرية بالماخ تابعة للواء "يفتاح".) التي تدربت بسلاح بريطاني وعلي يد القوات البريطانية؛ هي التي شكلت لاحقا ما يعرف اليوم بالجيش الإسرائيلي.

-بالتزامن مع خروج القوات البريطانية من فلسطين؛ قام بن غوريون بالاعلان عن تأسيس الكيان الصهيوني، وأصدر تعلميات تقضي بشن هجمات علي المدن والقري والأحياء الفلسطينية. ونتيجة لتلك الهجمات، دُمرت البيوت والممتلكات الفلسطينية، وقُتل العديد من الفلسطينيين، وهجر حوالي 800 الف فلسطيني من بيوتهم ولازالوا مشردين إلي يوما هذا.

*خطوات لتثبيت وتعزيز بقاء الكيان الصهيوني

• بعد مرور ساعات(فقط) علي الاعلان عن تأسيس الكيان الصهيوني؛ سارعت القوي الاستعمارية كاميركا ولاتحاد السوفيتي السابق، للاعتراف بالكيان المحتل. هذا الاعتراف بالدولة الصهيونية جاء في حين كان الصهاينة يسيطرون علي خمسة بالمئة من مجمل الأراضي الفلسطينية.
• الجيش الصهيوني قام بعدة اجراءات تهدف إلي توسيع دائرة الأراضي التي يسيطر عليها الصهاينة، وعليه قام بعمليات قتل وابادة ممنهجة في القري والمدن الفسلطينية. مافعله الصهاينة في مجازر كفر قاسم وديرياسين بعد أكبر وأبرز تلك الانتهاكات الوحشية.
• إن الكيان الصهيوني قائم علي اشعال الحروب؛ فهذا الكيان وفي أعوام:

1948؛ 1949؛ 1956؛1967؛1968؛1969؛1973؛ 1981؛1982 خاض حروبا ضد سوريا ومصر ولبنان والاردن، والحركات الفلسطينية. إن الاحتلال الإسرائيلي وفي كافة هذه الحروب، تلقي الدعم السياسي والعسكري واللوجستي من قبل القوي الاستعمارية، لذلك تمكن من احتلال كامل الأراضي الفلسطينية إلي جانب اجزاء من الأراضي السورية واللبنانية.

-إن نتيجة هذه الخطوات هو الانقسام العالم العربي وخروج مصر من دائرة الصراع العربي الصهيوني بعد توقيعها علي اتفاقية كامب ديفيد(عام 1978) وبتبع ذلك ظهور مشاعر الاحباط التي اصيبت بها الحركات الفلسطينية(التي كانت حركات قومية وشيوعية)، وبالتالي التنازل عن الكفاح والدخول في مرحلة الاستسلام امام العدو الصهيوني.

*تدمير إسرائيل من التنظير إلي الواقع

الثورة الإسلامية في إيران واعادة فلسطين للصدارة

• الثورة الإسلامية في إيران انتصرت عام 1979م، والنتيجة كانت: طرد السفير الإسرائيلي وانزال علم الكيان الصهيوني وتحويل السفارة الإسرائيلية إلي سفارة فلسطين. وبذلك أصبحت إيران الإسلامية أول دولة تفتح سفارة لفلسطين. السفارة الفلسطينية في طهران افتتحت بحضور رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات. منذ ذلك الوقت حتي يومنا هذا اصبح شعار "اسرائيل لابد ان تزول" يقع علي رأس اولويات استراتيجية الثورة الإسلامية للتعامل مع القضايا الإقليمية.
• بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران تشكلت حركات مقاومة إسلامية تأثرا بالثورة الإيرانية؛ ومن تلك الحركات يمكن الإشارة إلي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وحركة المقاومة الإسلامية في فلسطين(حماس)، وحزب الله اللبناني. الجدير بالذكر ان بعض الحركات اليسارية ايضا قامت بادخال تعديلات علي هيكلياتها وغيرت توجهاتها بعد ان تأثرت بالثورة الإسلامية في إيران.
• القوي الإستعمارية ومن أجل مواجهة التأثيرات الإقليمية للثورة الإسلامية قام باتخاذ عدة خطوات عملية. الخطوة الأولي تمثلت في تحريض النظام البعثي العراقي لشن حرب عسكرية ضد إيران. الغرب قام بالترويج الإعلامي لهذه الحرب علي انها حرب قومية مذهبية. إن أحد أهداف تلك الحرب كان حرف الأنظار عن القضية الفلسطينية وجعل هذه القضية ف ذيل اهتمامات الدول الإسلامية.

الخطوة الثانية تمثلت في ادخال الجانب الفلسطيني في مفاوضات مع اسرائيل والتوقيع علي اتفاق اوسلو؛ الاتفاق الذي احدث شرخا في صفوف الشعب الفلسطيني. إن أحد الأهداف التي كان يتبعها الغرب من وراء هذا الاتفاق هو مواجهة المقاومة واضعاف دورها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. إن ايران الإسلامية وبالرغم من المؤامرات التي حيكت ضد ايران منذ بداية انتصار ثورتها حتي يومنا هذا؛ استمرت في دعمها للقضية الفلسطينية وظلت هذه القضية علي سلم اولويات سياسة إيران الخارجية. الثورة الإسلامية في إيران دعمت ايضا المقاومة الإسلامية في لبنان، وبفضل هذا الدعم، اصبحت مقاومة لبنان قوة رادعة لإسرائيل كما ان هذه المقاومة هي التي أجربت القوات الإسرائيلية علي مغادرة الأراضي اللبنانية.

-لقد أثرت الثورة الإسلامية في إيران بشكل مباشر علي طبيعة الصراع في فلسطين. ونتيجة لهذا الصراع، اندلعت انتفاضات واسعة في فلسطين؛ الأولي عام 1987 والثانية عام 2000. نتيجة هذه الانتفاضات كانت انسحاب اسرائيل من قطاع غزة وانتهاء احتلال هذه المنطقة الذي دام 38 عاما. وبفوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، أصبحت المقاومة تيارا شرعيا مقابلا لتيار المساومة والتفاوض الذي قام بالتوقيع علي اتفاق اوسلو.

*حروب فاشلة؛ تحطيم اسطورة الجيش الذي لايقهر

- بسبب الدعم العسكري واللوجستي المستمر الذي تلقاه الجيش الإحتلال الإسرائيلي من الغرب؛ كان جيش الاحتلال يعد أهم قوة تعول عليها القوي الإستعمارية لتنفيذ مخططاتها في المنطقة. لكن في عام 2006 تحطمت هذه القوة واثبتت عدم فاعليتها لأن موازين القوي تغيرت لصالح محور المقاومة. 

إن محور المقاومة عبر اعتماد استراتيجات غير تقليدية للحرب، شكل تحديا كبيرا للجيش الإسرائيلي الذي يمتلك معدات عسكرية متقدمة ومتطورة. إن هذا المحور استطاع ان يشكل قوة ردع أفشلت كافة الحروب والمحاولات العسكرية الإسرائيلية. بداية تحطم اسطورة الجيش الذي لايقهر كانت في تموز عام 2006 عندما قامت اسرائيل بشن حرب ضد لبنان حيث خرجت من تلك الحروب دون تحقيق أي هدف من أهدافها. ثم تكررت الهزائم الإسرائيلية في حروبها التي شنتها ضد قطاع غزة في أعوال 2008، و2012 و 2014.

إن اسرائيل لم تفلح في حروبها ضد غزة كما لم تحقق أي هدف من أهدافها المعلنة والتي كان أهمها احتلال قطاع غزة من جديد، والقضاء علي المقاومة الإسلامية في غزة.

*المحاولات الرامية لإضعاف المقاومة

-إن الصحوة الإسلامية التي شهدتها المجتمعات العربية(والتي انحرفت عن مسارها الصحيح)، إلي جانب عجز الشخصيات والقادة في توحيد الشعوب والاعتماد المفرط علي صيغ المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية  ؛ شكلت فرصة مناسبة للإستعمار للتدخل في المنطقة عبر ايجاد منظمات ارهابية تكفيرية. إن الغاية الأساسية لإيجاد منظمات ارهابية في المنطقة هي رفع تكلفة الصمود والمقاومة في المنطقة واخراج القضية الفلسطينية من دائرة اهتمام العالم الإسلامي. لكن بالرغم من كل المحاولات والمخططات الخبيثة التي حيكت ضد المنطقة والقضايا الإسلامية؛ استطاع محور المقاومة ان يفشل كافة هذه المحاولات والمؤامرات وتمكن من تحقيق انتصارات لامعة في الحرب ضد الإرهاب خاصة في العراق وسوريا.

الانجازات التي حققها رجال المقاومة في الحرب ضد الإرهاب، كانت بمثابة اعلان نهائي عن فشل الاستراتيجية الغربية الهادفة لتمرير مخططاتها في المنطقة من خلال الارهاب التكفيري؛ فمحاولات التنظيمات الإرهابية باءت بالفشل وفلسطين لازالت في الصدراة.

-الاستراتيجية الأخري التي اتبعتها دول الاستعمار لاضعاف دور المقاومة وعزلها، تمثلت في فرض عقوبات جائرة ضد ايران بتهمة سعي طهران إلى امتلاك السلاح النووي. إن ايران وعبر انتهاج سياسات ذكية كالدخول في مفاوضات مع دول خمسة زائد واحد، تمكنت من افشال جانب من الأهداف المتبعة من قبل القوي الاستعمارية. إن هذه القوي كانت تسعي إلي عزل ايران دوليا وإضعاف مكانتها اقليميا، لكنها فشلت في ذلك. إنتهاج طهران لسياسة الاقتصاد المقاوم أفشل مخططات العدو الهادفة لعزل الجمهورية الإسلامية الإيرانية اقتصاديا.

-من الخطوات الأخري التي قامت بها القوي الإستعمارية بمساهمة اسرائيل وبعض الأنظمة العربية التباعة للغرب هي تكثيف وتصعيد الاجراءات العسكرية في الخليج الفارسي والمنطقة بهدف تحييد إيران ومواجهة نشاطاتها العسكرية.

النقطة الجديرة باللاهتمام في هذا المجال هي ان ايران ردت علي كافة الاجراءات والاعتداءات الصادرة عن هذه القوي المعادية. اسرائيل قامت بقصف قاعدة T4 السورية ما أدي إلي اسشتهاد عدد من القوات الإيرانية هناك. هذه الاعتداء الإسرائيلي واجها ردا عنيفا من قبل المقاومة حيث تم استهداف 40 قاعدة عكسرية اسرائيلية في الجولان المحتل. وقامت إيران باسقاط طائرة أمريكية بدون طيار بعد أن دخلت المجال الجوي الإيراني. (إيران اسقطت طائرة الدرون الأميركية عام 2019) وقامت طهران على احتجاز حكومة جبل طارق التابعة لبريطانيا ناقلة نفط إيرانية عبر احتجاز ناقلة نفط بريطانية في الخليج الفارسي.

كذلك ردت طهران ردا مدمرا علي جريمة اغتيال قائد فيلق القدس الشهيد الفريق الحاج قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي الشهيد الاستاذ ابي مهدي المهندس مع ثمانية شهداء عراقيين وايرانيين آخرين كانوا برفقتهما، اثر قصف صاروخي غادر استهداف عجلتيهما في مطار بغداد الدولي. الرد الإيراني  تمثل في استهداف قاعدة عين الأسد الأميركية بعدة صواريخ. إن الرد الإيراني علي هذه الجريمة النكراء كان يحمل في طياته رسائل مهمة موجهة للقوي الإستعمارية مفادها ان محور المقاومة بزعامة الجمهورية الإسلامية الإيرانية تبني استراتيجية الرد علي أي خطوة تتخذ من قبل هذه القوي فهذا المحور سيرد الصاع صاعين. إن هذه الاستراتيجية بعثت روح الأمل في نفوس المجتمعات الإسلامية حيث انها دفعت الشعوب للإنتفاض ودعم خيار المقاومة بوصفه الخيار الأمثل لمواجهة المخططات الإستعمارية، ما دفع القوي الاستعمارية للتفكير بخفض التدخل والتواجد في المنطقة. إن هذا التطور يمكن اختصاره في عبارة واحدة وهي: لاوجود ولامكان للكيان الصهيوني في مستقبل المنطقة.