الجمعه 10 شوال 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

كورونا.. العولمة والقرية
الكونية

عباس خامه يار

وكالة القدس للانباء(قدسنا) منذ الأيام الأولى لوصول الضيف غير المرغوب فيه، غردتُ بأن "تبعات جائحة كورونا العالمية وعدم قدرة العالم على إدارتها ستستمرّ، مع عواقب وخيمة على الاقتصاد والعلوم والثقافة والبيئة وأسلوب الحياة، وحتى مستقبل الفكر البشري"، وواصلت القول إنّ "كوكبنا سيكون مختلفاً بشكل واضح ما قبل وبعد كورونا."

 

 ولكن اليوم، بعد مضي أكثر من 3 أشهر على انتشار الفيروس، لم يكن بوسع أحد أن يتخيَّل أن عواقبه الجَمّة ستكون سريعة وساحقة، إلى درجة أن العالم الغربي المليء بالمطالبات سوف يكون عرضةً له بشكلٍ ساحقٍ إلى هذا الحدّ!

 

لقد اكتشف كلٌّ من المُنظّرين والباحثين هذه الظاهرة من زاوية، ولكن المهم هو تأثير كورونا في النظام النيوليبرالي وعولمته وتمزّق القناع عن الوجه الحقيقي لهذه المدرسة الفكرية، وما يُسمّى بالنظام الدولي الحديث، والقرية الكونية المعبّر عنها بمصطلح العولمة.

 

أكثر من أيّ شيء آخر، تمكَّن كورونا من ضرب ما يسمّى الحضارة الناشئة والحديثة، واستهدافها بدقةٍ وقوة استثنائية وذكاء هائل وإبداع مبتكر. أعاد هذا الحدث إلى السطح نظريات "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" لفرانسيس فوكوياما و"صراع الحضارات" الذي ألقاه صموئيل هنتنغتون، وهو نظرة غربية استعلائية علي البشرية جمعاء، ونتيجة لانهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991، والشغف الذي حصل بعد ذلك.

 

لقد شوّه مفاهيم مثل الديموقراطية، وحقوق الإنسان، والتكنولوجيا المتفوقة التي بَنى الغرب ادعاءاته عليها، وكشف المفاهيم غير الواقعية لهذه المدارس ورؤيتها الخادعة للإنسان، وعرّاها بشكل مخزٍ جداً.

 

ضرب كورونا عمق القاعدة الفولاذية علي ما يبدو، والهيكل الفكري والسياسي والاقتصادي والمالي للقرية العالمية، بطريقة تستغرق الكثير للعودة إلى وضعها الأصلي.

 

كشفت حرب كورونا العالمية عن ضعف نظام العولمة والاحتكار النيوليبرالي والمؤسسات التابعة له في المجالات كافة، ومنها الصحة والعلاج والخدمات، وفضحت أخلاقياتها ووحشيّتها وعدم تقيّد وكلائها في مختلف الأبعاد، ودرجة الحقد التاريخي والخبث والعنصرية وتفوقها على نظرائها.

 

 

وقد استطاعت الكشف عن مدي الفراغ في الهياكل والمنظمات والمؤسسات الرسمية الدولية الرفيعة المستوى وتمزيق القناع عن وجوههم الزائفة.

 

أظهر هذا الوباء وجود مرضٍ متجذّرٍ في النسيج العقلي وخللٍ عميقٍ في النظام الرأسمالي اللاإنساني، وهو أكثر خطورة ورعباً بكثير من فيروس كورونا نفسه. على غرار قطيع من الأغنام وضَعه الغربيون في جدول أعمالهم لمرضى القلب المصابين بكورونا، ولكي ينتشر الفيروس إلى معظم الناس في المجتمع، ويتم إرسال المسنين الذين لا يستطيعون دفع تكاليف العلاج، والذين يعتبرون عبئاً على المجتمع، إلى القبور، حتي يبقي الأصغر سناً والأكثر قدرة على قيد الحياة، وينجو من المرض، ويحصل لديهم المناعة، لكي يكونوا قادرين على تحريك العجلة الاقتصادية الرأسمالية، فماذا يعني هذا؟ غير أنه يكون قانون الغابات وقانوناً ضد البشرية في صراع البقاء الحديث من وجهة نظر داروين؟ وهو معروض أيضاً بأبشع صوَره اليوم.

 

كما أظهر الوباء الداروينية الاجتماعية الحديثة التي تُذكّرنا بإيديولوجية هتلر العنصرية، وقتله المتخلفين عقلياً، وإبادته الطبقات الاجتماعية وغير المنتجة في المجتمع بوحشية. هذه المشاهد تذكّرنا بالسياسات التي يُسمّيها فوكو "إدارة الموت"؛ المشاهد التي تستعرض أمام أعيننا كل يوم، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه بأقبح وجه.

 

أظهر كورونا أن العالم أصغر من قرية بكثير، وبطبيعة الحال، أكثر ضعفاً مما كان يُعتقد سابقاً. إذا كان كورونا إرهاباً بيولوجياً للدولة، فإن آثاره العالمية الضارة ستمنع مثل هذه الحروب في المستقبل، بمعنى آخر، سوف يكون نوعاً من الترياق.

 

وفي مواجهة هذا المرض المنتشر وعدم القدرة على محاربته بشكل مستمر، يجب أن تكون هناك عودة جادة إلى الفلاسفة، من أجل أن تستعيد الكتب حكمتها ورزانتها، وأن تتخلّص من الحجر الصحي في كهوفها الحديثة، باسكال وفلسفته الروحية عن القدرة المحدودة للعقل بالمقارنة مع اتساع مساحة الإيمان وانتشاره أيضاً. نعم فعلاً! يجب العودة إلى الفلاسفة الوجوديين، مثل سورين كيركيغارد، الذين رأوا العقل أقل شأناً من الإيمان، ودعوا إلى "القفزة الإيمانية"؛ الإيمان الذي لم يستطع العقل التغلب عليه أبداً.

 

إنّ ما يحدث اليوم هو النتيجة الطبيعية للعولمة والنظام الرأسمالي المتمرد والحداثة، والتي تفتقر إلى القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية. لا تزال كورونا في مهدها، والآن تمت إزالة أقنعة النفاق عن مؤسسي الحداثة الجامحة ومديريها واحداً تلو الآخر، وتم عرض وجوههم الحقيقية والمُرعبة.

 

يبدو أننا في خضم ولادة عالم جديد. هذا العالم ليس عالم "رعاة البقر" الذي يفرض إرادته على الآخرين بإطلاق النار، ولا العالم الذي تمتلك فيه القوى المهيمنة السيطرة وحدها، ولا العالم الذي يمكن فيه إنكار التراث الإنساني. هذا "العالم الجديد" هو نتاج حرب صعبة وغير متكافئة مع عدو مجهول سيضرب من دون أن يُرى، وسيجبر "إمبراطورية الهيمنة" وقريتها الكونية على الاستسلام.

 

اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى الإيمان الرومانسي لهذه المجموعة من الفلاسفة، مثل كيركيغارد، وبيركسون، وشلايرماخر، الذين اعتقدوا أنّ الحياة البشرية فارغة في غياب الإيمان. ما معنى وأهمية الحياة التي يعبدها العقل ولا يميل إلا إلى العلم ولا يري للروح دوراً في اكتشاف سر الوجود؟! يجب علي المفكرين أن ينهضوا بوجه عبثية ما يحدث، بناء علي فلسفة ميشيل فوكو حول تفوّق "الحرية" على "الصحّة"؛ الحرية التي ارتكب الغرب ما ارتكب من جرائم باسمها، أو حرباً مدمرة فرضتها على الأمم، أو أراقت دماءً وجرت أنهار منها!

 

السؤال الأكثر إلحاحاً اليوم هو: ما قيمة الحرية وما تأتي بها ومفهومها، عندما يتم دفع أفواج الناس إلى حُفر المقابر، أو يتركون في جانب الأرصفة والشوارع في واشنطن وروما وباريس ليموتوا، وهم محرومون من الحد الأدنى من الخدمات الصحية والعلاجية، والكرامة الإنسانية أيضاً؟!

 

إنّ ما يحدث اليوم هو النتيجة الطبيعية للعولمة والنظام الرأسمالي المتمرد والحداثة، التي تفتقر إلى القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية. لا تزال كورونا في مهدها، والآن تمت إزالة أقنعة النفاق عن مؤسّسي الحداثة الجامحة ومديريها، واحدة تلو الأخرى، وتم عرض وجوههم الحقيقية والمُرعبة.

 

اليوم أكثر من أيّ وقت مضي، نحتاج إلي الإيمان بالقرية الآمنة التي أشار القرآن الكريم إليها: {وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ}، ولا نكون من الذين كفروا بأنعم الله، كما عبّر عنهم القرآن: {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}.




محتوى ذات صلة

7 إصابات بالمتحور "أوميكرون" في صفوف جيش الاحتلال

وكالة القدس للانباء(قدسنا) قالت وسائل إعلام "إسرائيلية"، مساء اليوم الثلاثاء، إن وزارة الصحة "الإسرائيلية" قد أعلنت قبل قليل عن تسجيل عدد جديد من الإصابات بالمتحور الجديد "أوميكرون " في "إسرائيل".   وأفادت موقع جريدة " يسرائيل هيوم"، أن 7 إصابات ...

|

قائد الثورة الإسلامية: كورونا هي القضية الأولى والعاجلة للبلاد

قائد الثورة الإسلامية: كورونا هي القضية الأولى والعاجلة للبلاد

اعتبر قائد الثورة الاسلامية آية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي، اليوم الأربعاء، في كلمة متلفزة، ان جائحة كورونا هي القضية الاولى والعاجلة للبلاد، مؤكدا ضرورة الاداء الحاسم للمسؤوليات والقرارات في التصدي لكورونا موجها جملة من التوصيات المهمة للمسؤولين والمواطنين.

|

"إسرائيل" تسجل اعلى إصابات بكورونا منذ آذار

    وكالة القدس للانباء(قدسنا) سجلت الصحة الإسرائيلية، يوم أمس الإثنين، ألفا و538 إصابة جديدة بفيروس كورونا، في أكبر حصيلة يومية تُسجل منذ 16 آذار/ مارس الماضي، وذلك بعد إجراء نحو 73 ألف فحص لتصل نسبة الفحوصات الموجبة إلى 2.1%.   وأظهرت البيانات الرسمية تسجيل حالة ...

|

ارتفاع بعدد الاصابات بكورونا في اوساط الطلبة والمدرسين بـ"اسرائيل"

وكالة القدس للانباء(قدسنا) أصدرت وزارة التعليم الإسرائيلية”، حصيلة الإصابات بين صفوف الطلبة بفيروس كورونا المستجد داخل اسرائيل(الاراضي المحتلة).   وبلغ عدد المصابين بـ”كورونا” في أوساط الطلبة بلغ 2789 طالبًا، بالإضافة إلى 267 مدرسًا، نحو 51 بالمائة من المصابين ...

|

بعد تلقي سماحته الجرعة الثانية من لقاح كورونا الايراني؛

قائد الثورة : يجب ان نقف على اقدامنا لحل مشاكلنا
بعد تلقي سماحته الجرعة الثانية من لقاح كورونا الايراني؛

قائد الثورة : يجب ان نقف على اقدامنا لحل مشاكلنا

اعتبر قائد الثورة الاسلامية " اية الله العظمى السيد علي الخامنئي"، ان معظم الاشكال الحالي فيما يخص توزيع اللقاح المضاد لفيروس كورونا داخل البلاد، يعود الى نقض العهود من قبل المنتجين الاجانب؛ مؤكدا : انني اعيد تذكير الشعب والمسؤولين بان التعويل على الاخرين سيؤدي الى المشاكل، ...

|

المستعمل تعليقات

الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. المتحدث باسم الحرس الثوري يفند مزاعم الحاق اضرار بمفاعل ديمونة جراء الرد العسكري الايراني
  2. تعقيبا علي الهجوم المركب بالصواريخ الموجّهة ‏والمسيّرات الانقضاضية إعلام الاحتلال يقر بصعوبة تعامل جيش الاحتلال مع مسيّرات حزب الله
  3. حزب الله يستهدف مقر قيادة في "عرب العرامشة".. والاحتلال يعترف بإصابات بالغة
  4. حماس: الرد الإيراني يؤكد أن وقت عربدة الكيان الصهيوني كما يريد بلا حساب قد انتهى
  5. الرئيس الايراني خلال اتصال هاتفي مع نظيره الروسي: سنرد على أي عمل ضد مصالح إيران بقوة أكبر وأوسع وأكثر ايلاما مقارنة بردنا السابق
  6. المرجع الديني آية الله جوادي آملي يشيد بعملية "الوعد الصادق" ضد الكيان الصهيوني
  7. الكشف عن مقبرة جماعية بغزة / قوات الاحتلال أعدمت الشهداء ودفنتهم في باحة مجمع الشفاء
  8. "الجهاد الإسلامي" تشيد بالرد العسكري الإيراني واستهداف مواقع عسكرية داخل الكيان الصهيوني
  9. في اتصال هاتفي مع وزير خارجية بريطانيا امير عبداللهيان: لو اقدمت "اسرائيل" على أي مغامرة، فإن ردنا سيكون عاجلا وأوسع وأكثر اقتدارا
  10. المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني: الكيان الصهيوني سيتلقى ردا أقوى بـ10 أضعاف إذا واصل ممارساته الشريرة
  11. انعقاد ندوة "تداعيات وأبعاد معاقبة الكيان الصهيوني" الرد الإيراني العقابي على الكيان الصهيوني كان تطورا كبيرا ومصيريا وستتضح آثاره مع مرور الوقت / إسرائيل أصبحت عبئاً على الغرب وأمريكا
  12. تفاصيل رد حماس على مقترح وقف إطلاق النار في غزة
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)