صفقة القرن؛ الصفقة التي أختبرت في أمريكا!

وكالة القدس للانباء(قدسنا) بعد مرور عدة اشهر علي الحديث عن مشروع السلام الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط؛ اعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن مبادرته لانهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي تحت عنوان صفقة القرن. بناء علي هذه الصفقة تم اعطاء مدينة القدس بشكل كامل لإسرائيل علي انها عاصمة لدول الاحتلال. كافة حدود الأراضي الفلسطينية تحت سيطرة اسرائيل. ومن مجموع الأراضي التي يسيطر عليها الفلسطينيون(ونسبتها 22 بالمائة من ارض فلسطين التاريخية) تسيطر اسرائيل علي 40 بالمائة من مجموع تلك الأراضي.

ان هذه المبادرة الأمريكية لاتوفر إلا مصالح اسرائيل لذا لايوجد أدني شك بأن الشعب الفلسطيني سوف يرفض هذه الصفقة رفضا باتا لاجدال فيه، وهذا ما دفع صحيفة هاآرتص الإسرائيلية للتاكيد علي ان صفقة القرن تمت صياغتها بشكل لن تبقي طريقا امام الفلسطينيين سوي رفضها.

وردا علي الاعلان عن القرار، قامت السلطة الفلسطينية بعقد اجتماع بحضور ممثلون عن حركات المقاومة(كحركتي فتح وحماس) واعلنت عن رفضها الكامل لهذه الصفقة الجائرة. أما السؤال الأساسي الذي يطرح في هذا المجال يتعلق بالأسباب التي دفعت ترامب وادارته لصياغة هذه الصفقة بالشكل الذي تم الاعلان عنه مع علمهم بأن الصفقة ستواجه رفضا فلسطينيا؟ أما السؤال الآخر يدور حول جذور هذه الصفقة وهل انها جديدة في طرحها أم انها قد جربت قبل ذلك في مناطق أخري من هذا العالم؟

قد يقول البعض بأن طريقة الاعلان عن هذه الصفقة هي انعكاس لشخصية ترامب وسياساته المتهورة، لكن الحقيقة هي ان هذه الصفقة ناتجة عن سياسات امريكا ونظرتها الاستعمارية. ومعني ذلك ان هذه الصفقة ليست جديدة الطرح وليست من اختراعات ادارة الرئيس ترامب، بل انها مستلهمة من السياسة الاستعمارية التي مورست ضد الأمريكان القدماء أو الأمريكان الأصليون(الهنود الحمر)، فمبادرة ترامب هي نتيجة مرور عدة قرون علي الاستعمار الأمريكي، لذا فانها سياسة معروفة لدي الشخصيات السياسية الأمريكية.

امريكا هي رمز للاستعمار الاستيطاني (Settler colonialism). هذا النوع من الاستعمار-فهذا الاستعمار وهو أخطر وأقسى ألوان الاستعمار- يريد البقاء لكنه يواجه تحديا كبيرا متمثلا بالسكان الأصليين. إن الهدف الرئيسي لهذا النوع من الاستعمار هو التطهير العرقي والقضاء علي السكان الأصليين. ومعني ذلك هو ان الاستعمار الاستيطاني عبارة عن الاستيلاء على الأرض واستغلال سكانها واقتلاعهم من أراضهم وديارهم بالإبادة أو التهجير، فهو يحول البلاد التي يستعمرها إلى "أرض بلا شعب".

نعم في امريكا وصلت هذه السياسة إلي نتيجة بعد مرور عدة قرون، فقد تم توطين الهنود الحمر في محميات السكان الأصليين تسمي(inaian reservations)، وتم اعطاء سكان هذه المناطق المحاصرة حق السيادة الوطنية. فالهنود الحمر في تلك المناطق يقومون بممارسة قوانينهم الخاصة. ان هذه المناطق معزولة عن بعضها البعض فمن أجل الانتقال من منطقة إلي منطقة أخري يتم استخدام طرق رئيسية امريكية. ان هذه المناطق لاتمتلك حق امتلاك قوي عسكرية. في الحقيقة ان تلك المناطق هي عبارة عن سجون تفتقد لأي امكانات صحية واقتصادية إضافة إلي تفشي الفقر والادمان والامراض فيها. ومهما يكن تم الاعتراف بسيادة الهنود الحمر علي تلك المنطاق بالرغم من حرمانها من الأساسيات.

إن صفقة القرن التي طرحتها ادارة ترامب لانهاء الصراع الاسرائيلي الفلسطيني هي عبارة عن ترجمة لهذه السياسة الاستعمارية. فأصول واسس صفقة ترامب هي نفس الأصول المطبقة في محميات السكان الأصليين في امريكا. ان ترامب اليوم بصدد تطبيق سياسة الاستعمار الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية.

الجدير بالذكر ان ترامب لايعترف بحق الفلسطينيين بالسيادة علي اراضيهم، والدليل علي ذلك هو ان بنود صفقة القرن لاتعترف بوجود أي طرف فلسطيني في المفاوضات التمهيدية لتنفيذ الصفقة. في الحقيقة ان ترامب لايريد ان يحصل اتفاقا بهذا الشأن بل يريد فرضه علي الفلسطينيين عبر شرعنته دوليا. انه يريد محاصرة الفلسطينيين بشكل كامل. صحيح ان الفلسطينيين الآن وقبل الاعلان عن الصفقة كانوا محاصرين، لكن الرئيس الامريكي يريد اضفاء الشرعية هذه الجريمة المتمثلة بفرض الحصار علي السكان الأصليين في فلسطين!

إن ترامب يعي جيدا بان الفلسطينيين سيرفضون صفقته لكنه يعول علي استخدام ورقة الضغط وبذلك يريد ارغام الفلسطينيين علي الاختيار بين: مغادرة الاراضي الفلسطينية والعيش في دول أخري، أو العيش في محميات خاضعة لسيطرة اسرائيل كتلك التي يسكنها الهنود الحمر في امريكا!