qodsna.ir qodsna.ir

عملية عتصيون: عن
التّوقيت والرسائل والدلالات

براءة درزي

 

وكالة القدس للانباء(قدسنا) براءة درزي*:  أظهرت عملية عتصيون، مرة أخرى، أنّ الاحتلال لا يستطيع مَنْع تنفيذ العمليات ضدَّه، وهو لا يستطيع تحصين أمنه بالكامل.

 

وجِدَت جثّة جندي إسرائيلي ليلة الخميس الفائِت وقد أصيبت بعدَّة طعنات بالقرب من مستوطنة "عتصيون" في الخليل. ووفق ما تداوله الإعلام العبري، فإنّ خليّة مُنظّمة أرادت أَسْر جندي إسرائيلي للضغط على الاحتلال في ملف الأسرى؛ لكن العملية تعقّدت، فجرى طَعْن الجندي وأُلقيَ به على الطريق. ويمكن قراءة العملية من غير زاوية، ووضعها في أكثر من سياق، فهي وإن كانت تهدف أساساً إلى التأثير في ملف الأسرى، إلا أنّها لا يمكن قراءتها بمُعزل عن تطوّرات الاعتداءات الإسرائيلية في القدس والأقصى، أو التطوّرات التي تشهدها القضية الفلسطينية عموماً، خصوصاً لجهة "صفقة القرن" وتفاصيلها.

 

بداية، لا يمكن القول إنّ العملية وليدة اللحظة بل الأرجح إنّها كانت في إطار التخطيط منذ مدّة بانتظار الظروف المناسبة لتنفيذها. ووفق قناة "كان" العبرية، فإنّ تقديرات جيش الاحتلال تُفيد أنّ العمية لم تكن صُدفة، وقد خطّط مُنفّذوها جيّداً لتنفيذها. لكن في السياقات، جاءت عملية عتصيون في وقتٍ يتعنَّت فيه الاحتلال في ملف الأسرى وصفقة التبادُل، ويُصعِّد من وتيرة استهدافهم في المُعتقلات، إن على صعيد اقتحام السجون أو عَزْل الأسرى، ومَنْع العِلاج عنهم، وغير ذلك من الممارسات. وقد اقتحمت قوات الاحتلال منذ بضعة أيام مُعتقل عوفر، واعتدت على الأسرى، وأطلقت قنابل الغاز داخل الغُرَف، وهي سياسة تتكرَّر في عوفر وغيره من المُعتقلات.

 

وتقاطعت العملية مع التهويد في الضفة الغربية والقدس المُحتلتين، الذي كان من آخر تجلّياته مجزرة الهَدْم التي نفذَّها الاحتلال في 22/7/2019 في وادي الحمص بصور باهر، والاعتداءات على العيسوية المستمرّة منذ مُنتصف حزيران/يونيو الماضي، إضافة إلى المُصادَقة على بناء 2300 وحدة استيطانية جديدة في الضفة. وعلاوة على ذلك، أتت العملية في ظلّ ذروة أخرى من مسلسل استهداف المسجد الأقصى، وقبل أيام من عيد الأضحى الذي استبقه المُستوطنون بدعواتٍ إلى اقتحام الأقصى فيه احتفالاً بـ"ذكرى خراب المعبد"، وبمُطالبة وجّهتها "منظمات المعبد" إلى شرطة الاحتلال بتأجيل صلاة الأضحى إلى ثاني أيام العيد، وإغلاق المسجد في وجه المسلمين ليتسنَّى للمستوطنين اقتحامه نظراً إلى أنّ "المسلمين لديهم أيام أخرى يحتفلون فيها بالأضحى، بينما ذكرى خراب المعبد تأتي في يومٍ واحدٍ فقط". يُضاف إلى ذلك رسالة وجّهتها هذه المنظمات إلى رئيس حكومة الاحتلال تطالب فيها بزيادة ساعات الاقتحام المُتاحة للمستوطنين.

 

وفي الإطار الأكبر والأوسع، ومن دون تحميل العملية فوق ما تحتمل، يمكن النظر إلى عملية عتصيون على أنّها تعبير عن تمسّك الإرادة الشعبية بالمقاومة في مواجهة صفقة القرن، ومُخطّطات تصفية القضية الفلسطينية التي تتشارك فيها الولايات المتحدة والأنظمة السائِرة في رَكْبها. وقد تجلّت بوضوحٍ مع إعلان ترامب القدس عاصمة لكيان الاحتلال، وهي تسير اليوم في طريق إنهاء حق العودة عبر المساعي الواضِحة إلى إنهاء عمل الأونروا بذريعة الفساد في المنظمة.

 

وعلى الرغم من أنّ الفصائل لم تتبنَّ العمليّة، إلا أنّها رحَّبت بها وقرأت رسائلها، وثمَّنت تنفيذها في وقتٍ تتصاعد فيه وتيرة استهداف القضية الفلسطينية برمَّتها ليس من قِبَل الاحتلال وحسب، بل من قِبَل داعميه أيضاً. فقالت حركة الجهاد إنّ"العملية بطولية جريئة تحمل رسائل مهمة في ظلّ إضراب الأسرى المُعتقلين إدارياً في سجون الاحتلال الإسرائيلي" فيما قالت حركة حماس "إن عملية عتصيون أكبر ردّ على الحديث عن محاولات ضمّ الضفة المحتلة للاحتلال وقرار شعبنا هو طرد المُحتل عن الضفة". وأضافت في بيانٍ إنّ "الضفّة أصيلة في أبنائها الأحرار الذين ما توقّفوا عن تقديم الغالي والنفيس من أجل أرضهم وحماية مدينة القدس التي تُنتَهك مُقدّساتها وبيوتها، وتشرَّد مئات العائلات فيها بقرار من حكومة الاحتلال التي قرَّرت تفريغ المدينة من أهلها الفلسطينيين". كذلك، أكَّدت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أن "العملية حق مشروع لشعبنا الفلسطيني للردّ على جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتواصِلة".

 

من حيث الدلالات، أظهرت عملية عتصيون، مرة أخرى، أنّ الاحتلال لا يستطيع مَنْع تنفيذ العمليات ضدَّه، وهو لا يستطيع تحصين أمنه بالكامل. فمنذ انتفاضة القدس التي اندلعت في تشرين الأول/أكتوبر 2015، كثَّفت سلطات الاحتلال وتيرة الإجراءات التي تستهدف العمل المقاوِم والفلسطينيين المُشاركين فيه، واتّخذت سلسلة من الإجراءات الهادِفة إلى مَنْعِ تنفيذ العمليات، كزيادة الحواجز وحملات الدَهْم والتفتيش والاعتقالات، ومحاولة التعرّف على مُنفّذي العمليات المُحتملين عبر متابعة نشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى العقوبات التي فرضتها على مُنفّذي العمليات وعائلاتهم من هَدْمِ منازلهم، وتشريد أهلها، والأحكام العالية بالسجن في حال لم يستشهد مُنفّذ العملية، واحتجاز جثامين الشهداء، وغير ذلك.

 

كذلك، أعادت العملية التأكيد أنّ الفلسطينيين لم يستسلموا لسياسات الاحتلال الهادِفة إلى ردعهم أو مُعاقبتهم، وقَتْل إرادة المقاومة لديهم، وتخويفهم من أنّ تبعات العمل المقاوِم ستكون أكبر من نتيجته. لقد فشل الاحتلال في ترسيخ هذه المعادلة لدى الفلسطينيين الذين لا يزالون يدركون أنّ ما لم يُحرَّر بالمقاومة يُحرَّر بالمزيد من المقاومة، وليس بالرضوخ للاحتلال وشروطه، وقواعده.

 

* باحثة في الشأن الفلسطيني