الخميس 18 رمضان 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

نهجان ونتيجتان

بثينة شعبان

 

وكالة القدس للانباء(قدسنا) كتبت بثينة شعبان: نعيش اليوم في مرحلة يتشكّل فيها العالم من جديد والدول المدركة لأهمية هذه اللحظة التاريخية تحاول أن تغيّر من قواعد اللعبة لصالحها وتحجز لنفسها مكاناً أفضل من المكان الذي كانت تحتلّه حتى اللحظة وتتلافى الثغرات والهنات التي سجلتها في الماضي في تعاملها مع الدول.

 

أيّ أنّ الدول اليوم تعيد حساباتها في علاقاتها الدولية وتتخذ الخطوات المناسبة لمستقبل أبنائها وترسي أسس عالم أفضل لهم لعقود قادمة. وفي غمرة مراقبة ما يحدث في عالمنا اليوم من هذا المنظور نلاحظ دون أدنى شك أنّ روسيا والصين ودول "البريكس" ودول منظمة شنغهاي تخطّ أسس عالم جديد وتعيد التذكير مرة تلو أخرى بالأسباب التي قوّضت أسس السلام والعيش المشترك في العالم الذي نودعه وبالخطوات الأميركية والتي هي سبب التوتر والحروب على هذا الكوكب.

 

ولكنّ روسيا والصين ليستا الوحيدتين العاملتين على مكانة جديدة متينة في هذا العالم، فالهند والباكستان وجنوب افريقيا وإيران والبرازيل ودول في افريقيا وأميركا الجنوبية تعمل بشكل حثيث لتحسين مستوى حضورها في عالم المستقبل ولضمان مكانة أفضل من التي تحتلها في عالم اليوم.

 

في هذا الإطار الذهني حاولت أن أراقب وعن كثب ماذا تفعل أمتان لصيقتان بنا وأن أتابع أسلوب عملهما بالمجمل على مدى بضعة أسابيع ماضية، واليوم أحبّ أن أشاطركم استنتاجاتي في هذه الفسحة هنا.

 

لقد تابعت عن كثب وعلى مدى الأشهر الماضية المواقف الأميركية والأوروبية من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وخاصة بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي ومواقف الولايات المتحدة والدول الأوربية أيضاً من الأمّة العربيّة خاصة بعد قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس واعتبار الجولان أرضاً إسرائيلية والتحضير الحثيث لصفقة القرن.

 

ومن الواضح للمتابعين أنّ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي تزامن تقريباً مع الإساءات التاريخية التي وجهها للقضية الفلسطينية والحقوق العربيّة (القدس والجولان والضفة الغربية وحقّ الفلسطينيين المقدس في أرضهم وديارهم)، فكيف كانت ردود فعل الإيرانيين على مواقف الطرفين وردود الفعل عليها من قبل الجاني (الولايات المتحدة والكيان الصهيوني) إلى حدّ يومنا هذا.

 

بعد أن أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني قادت الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبنجاح حملة تستهدف إبراز الوجه اللاقانوني واللامسبوق لتصرف رئيس الولايات المتحدة.

 

ومن ناحية أخرى استمرت في تشجيع الأوروبيين ليثبتوا تعاملهم المختلف مع هذا الاتفاق وليعبّروا عملياً عن استمرارهم في تنفيذه.

 

كما قامت الدبلوماسية الإيرانية بحملة نشطة وناجحة إلى روسيا والصين والدول الصديقة لشرح تفاصيل وحيثيات الموضوع وضمان موقف صلب من قبل هذه الدول لصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

 

والنتيجة كانت أنّ ترامب تذاكى واعتبر نفسه يقدّم خرقاً في السياسة حين خاطب الإيرانيين بلغة مهينة طالباً منهم الاتصال به كي ينقذ اقتصادهم ويمدّ يد العون لهم. ولكنّ الإيرانيين علّموه درساً غير مسبوق بتجاهلهم لطلب كهذا وثباتهم على مواقفهم من الاتفاق مع كلّ الإعلام الذي قام به المسؤولون الإيرانيون لصالح قضيتهم.

 

وخلق هذا الموضوع إرباكاً داخل الإدارة الأميركية حيث اتهمّ البعض رئيسهم بالتسبّب بإهانة الولايات المتحدة التي تنتظر هاتفاً من دولة لا تقبل الاتصال بها.

 

ولم يجدوا حلاً سوى أن يمعنوا في التنازل فيرسلوا رئيس وزراء اليابان برسالة إلى سماحة المرشد خامنئي والذي رفض بكبرياء أن يستلم الرسالة أو يردّ عليها طبعاً، وبدلاً من ذلك فإنّ ترامب هو الذي اتصل برئيس وزراء اليابان ليسأله عن تفاصيل زيارته.

 

في الوقت ذاته كان الرئيس حسن روحاني يلتقي في قمة شنغهاي مع الرئيس الصيني شي جينبنغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلاً على حدة، حيث أكّد له كلّ منهما استمرار الصين وروسيا في علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأنّ الانسحاب الأميركي من الاتفاق هو الذي يزعزع أسس الاستقرار في المنطقة والعالم.

 

طبعاً موقف إيران مفهوم ومبرّر لكلّ العاملين في السياسة والعلاقات الدولية، فإذا كان هذا الرئيس الأميركي ينسحب من اتفاق استغرق سنين من الوقت والجهد للتوصل إليه، فما الذي يضمن عدم انسحاب رئيس قادم من أيّ اتفاق يمكن التفاوض بشأنه والتوصل إليه اليوم؟ أيّ كيف يمكن الوثوق بدولة تنسحب من توقيع رئيس لها وهكذا ساعد الصبر والمعالجة الإيرانية الدقيقة على إقناع العالم أنّ المشكلة تكمن في عدم احترام الولايات المتحدة لتوقيعها وللاتفاقات التي تمّ التوصل إليها.

 

في المقابل فقد انسحبت الولايات المتحدة من تصويت لها في نفس مجلس الأمن على قرارات تتعلق بالقدس والجولان والصراع العربيّ الإسرائيلي، فماذا فعل بعض العرب؟. استمروا في دفع مئات المليارات إلى الولايات المتحدة والكيان الصهيوني آملين بأن تنظر إليهم الولايات المتحدة وشركاؤها بعين العطف وأن تعتبرهم أصدقاء موثوقين وأن تبقيهم في خانة الأصدقاء الذين تتبادل معهم الزيارات لنهب ثرواتهم.

 

وليس سراً أنّ بعض الدول العربية تدفع الأموال لبعض الفلسطينيين بناء على طلب سلطات الاحتلال الإسرائيلي. أيّ أنّ الكيان الصهيوني والولايات المتحدة يديرون الملف برّمته وأنّ بعض العرب الذين يدعون القرب من الولايات المتحدة والصداقة معها ينفّذون الأوامر المعطاة لهم سواء في اليمن أو في سوريا أو في العراق أو في ليبيا أو في فلسطين أو تجاه أيّ بلد آخر مثل إيران ولا كلمة لهم في شؤونهم أو في أيّ شأن يتعلق بمستقبل بلدانهم ومنطقتهم.

 

وما زيارة الوفد الإسرائيلي مؤخراً إلى تونس وردود الأفعال الباهتة التي صدرت بشأن هذه الاستهانة بدماء الشهداء الفلسطينيين سواء على الأرض التونسية أو على أرض فلسطين إلا متوقعة نتيجة انكسار العمل العربيّ وغياب التعامل مع الخصوم والأعداء على أساس المساواة في الكرامة الإنسانية والانتقام لكلّ استباحة أو استهانة تصدر بحقّ أي عربيّ من أيّ بلد كان وعلى أيّ أرض نشأ.

 

النهج الإيراني الذي تحدثنا عنه نهج يؤمن ألا مساومة على الكرامة وأنّه من لا يحترم بلده وحقوق بلده ويدافع عنها بكلّ ما أوتي من قوة لن يحترمه أحد.

 

أمّا نهج بعض العرب المطبّعين والمهرولين وراء القوة الصهيونية فهو نهج استرضاء الأعداء ومعاداة الأشقاء وتقديم التنازل إثر التنازل للأعداء علّهم يتفضلون عليهم ببعض الاحترام والصداقة. ونهج الاسترضاء هذا قد أثبت أنّه يقود صاحبه من تنازل إلى آخر إلى أن يصل إلى قاع سحيق لا مخرج منه ولم يثبت يوماً أنّه مؤهل لاستعادة حقوق أو الحفاظ على كرامة.

 

ونتيجة مراجعة هذين النهجين نرى دون شكّ أنّ المتمسك بحقوقه كاملة ينال احترام العالم بما فيها أعداؤه الذين يسعون للتقرّب منه والعمل معه رغم كلّ الصعوبات. أمّا المتخلّي عن حقوقه وكرامته فيفتح الأبواب لدفع المزيد من ثرواته جزية للأعداء أو يرى قطعان المستوطنين يمجدّون جرائم جيش احتلال استيطاني بغيض على أرض تونس الأبيّة ويزورون بيت الشهيد أبو جهاد إمعاناً منهم في التأكيد على جرائمهم وأنّ القاتل لا يختلف عن القادمين للتمجيد بجريمته.

 

نتائج النهجين واضحة للعيان وقد أثبت التاريخ مرة تلو أخرى أنّ الحقوق لا تستعاد باسترضاء الأعداء ولا تسقط بالتقادم وأنّه "من يهن يسهل الهوان عليه"، فهل من يعتبر؟ ويتوقف هنا قبل أن يتشكّل العالم الجديد على أنقاض من لم يستفد من التاريخ ودروسه؟.




محتوى ذات صلة

خلال استقباله الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين 

قائد الثورة الإسلامية: الكيان الصهيوني غير قادر على مواجهة قوى المقاومة وإفشالها وسنشهد النصر النهائي لأهل غزة
خلال استقباله الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين

قائد الثورة الإسلامية: الكيان الصهيوني غير قادر على مواجهة قوى المقاومة وإفشالها وسنشهد النصر النهائي لأهل غزة

استقبل قائد الثورة الإسلامية في إيران آية الله السيد علي خامنئي، مساء اليوم الخميس، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية زياد النخالة والوفد المرافق له.

|

هنية يصل إلى طهران

هنية يصل إلى طهران

وصل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الى طهران للقاء مسؤولين في البلاد، وذلك مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لليوم 172.

|

ايران: الهجمات الإسرائيلية غير القانونية على سوريا يجب أن تتوقف فوراً

ايران: الهجمات الإسرائيلية غير القانونية على سوريا يجب أن تتوقف فوراً

أكد سفير إيران ومندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة السورية وقال: ان الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتبر الهجمات العسكرية وغير القانونية التي يشنها الكيان الإسرائيلي على سوريا استفزازية وتدينها بشدة، ويجب على الكيان أن يتحمل مسؤوليته عن هذه ...

|

قائد الثورة الإسلامية يسمي العام الايراني الجديد بعام "قفزة الانتاج بمشاركة الشعب" ويؤكد: 

قضية غزّة كانت من بين أمرّ الأحداث في العام الماضي بل أمرّها في قضايانا الخارجيّة
قائد الثورة الإسلامية يسمي العام الايراني الجديد بعام "قفزة الانتاج بمشاركة الشعب" ويؤكد:

قضية غزّة كانت من بين أمرّ الأحداث في العام الماضي بل أمرّها في قضايانا الخارجيّة

سمّى قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي الخامنئي، العام الايراني الجديد 1403 هجري شمسي الذي بدا اليوم الاربعاء 20 اذار/مارس، بعام "قفزة الانتاج بمشاركة الشعب".

|

المستعمل تعليقات

الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. المخابرات الإسرائيلية: إسرائيل قد لا تكون قادرة على تدمير حماس
  2. اصابة 3 مستوطنين بعملية إطلاق نار على حافلة شمال أريحا
  3. الخارجية الإيرانية تدعو الاوساط الدولية لوقف الممارسات الجنونية للصهاينة
  4. تجمع قرآني حاشد بطهران تنديدا بالعدوان الصهيوني على غزة
  5. امين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني يستقبل اسماعيل هنية وزياد النخالة
  6. خلال استقباله رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.. الرئيس الإيراني: الجمهورية الاسلامية تعتز وتفخر بدعمها للقضية الفلسطينية
  7. وزارة الصحة بغزة: 32490 شهيدًا و 74889 إصابةً منذ السابع من أكتوبر
  8. في اليوم الـ 173.. قصف "عنيف" على رفح وتدمير "مكثف" للمنازل السكنية بغزة
  9. اليمن يدشن عاشر أعوام الصمود بست عمليات ضد ثلاثي الصهيونية في البحر والبر
  10. دعمًا للشعب الفلسطيني الصامد في قطاع غزة.. حزب الله يستهدف 10 مواقع للاحتلال الصهيوني بالصواريخ والأسلحة المناسبة
  11. قياديان في حركتي الجهاد وحماس: اسرائيل فشلت في العدوان / أبدينا مرونة في المفاوضات لكن لا تراجع عن ثوابتنا
  12. تحت شعار "طوفان الاحرار".. اقامة يوم القدس العالمي هذا العام
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)