qodsna.ir qodsna.ir

تدنيس‌المقبرةاليهودية
حرام‌وتدنيس‌الأقصى‌حلال

غادة السمان

وكالة القدس للانباء(قدسنا) كتبت الكاتبة والأديبة السورية قادة السمان: قام مجهولون بتدنيس المقبرة اليهودية في بلدة «كاتزينهايم» في منطقة الألزاس من فرنسا. وشاهدنا في الصحف ونشرات الأخبار التلفزيونية صور قبور اليهود وثمة من رسم عليها شارة النازية. وقام أيضاً مجهولون بطباعة رسم «سيمون فيل» على صناديق البريد والجدران وفوقها شعار النازية، وتعتبر الوزيرة السابقة من الرموز اليهودية المهمة التي يقال إنها نجت من معسكرات القتل الهتلرية وتقلدت مناصب وزارية ثم دفنت في مقبرة العظماء الباريسية: «البانتيون».

 

باختصار، حدثت اعتداءات كثيرة «لاسامية»، منها أن أحد متظاهري السترات الصفراء أهان المفكر والأكاديمي الكاتب (فينكيلكراوت) إهانة عنصرية لها صلة بالدين اليهودي، وتم استنكار ذلك بشدة، وإلقاء القبض على من أهان فينكينكراوت الفرنسي ابن المهاجر البولندي.

 

رئيس جمهورية فرنسا في تظاهرة الرفض

 

وهكذا خرجت مظاهرات احتجاج في المدن الفرنسية كلها، حيث شارك رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وأركان الدولة في رفض (اللاسامية)، وكعربية أرفض إهانة اليهودي بسبب دينه ولكنني في المقابل أرفض بالمقدار نفسه أشياء أخرى تستحق في نظري أن يخرج الناس في مظاهرة موازية ضدها، أي إهانة العربي في فلسطين المحتلة.

وكما يرفضون (وأرفض) اضطهاد إنسان بسبب دينه، أتوقف أمام إعلان إسرائيل نفسها «دولة عنصرية» ووطناً قومياً لليهود وها هي تمارس ضد الفلسطيني ما مارسه ضدها هتلر والنازية، وعنصريتها ضد الفلسطينيين ليست سراً.

 

كنت أتمنى

 

كنت أتمنى لو أن تلك المظاهرات العملاقة حملت شعاراً واسعاً ضد أي ممارسة اضطهادية نحو أي شعب بسبب دينه أو وطنه.. وأنحاز إلى رفض اللاسامية، ولكنني أجد أن إسرائيل تمارس ما يشابهها في فلسطين المحتلة.. والمعاملة الهمجية للفلسطينيين دونما سبب غير أنهم يطالبون بحق الحياة في وطنهم كما سبق لليهود المطالبة بحق الحياة في زمن النازية.. ولكن إسرائيل تمارس النازية بحق الشعب الفلسطيني. وما دفعني إلى كتابة ما تقدم هو أن الكثيرين يحاولون (تجيير) تدنيس المقبرة ورسم شعار النازية على صور سيمون فيل لصالح إسرائيل.

نكره إسرائيل لأنها احتلت وطناً ليس لها، وتمارس ما يشابه «اللاسامية» نحو الشعب الفلسطيني.. وتحاول التعتيم الإعلامي على قهر الفلسطيني بلعب مسرحية الذل والمسكنة وما يشابهها ولتغطية اعتدائها على مقدساته كالمسجد الأقصى مثلاً.

 

من الذي دنس قبور اليهود حقاً؟

 

اتجهت أصابع الاتهام في تدنيس المقبرة صوب بعض المسلمين وبعض النازيين الجدد.. لكنني أتساءل دونما اتهام: ألا يمكن أن يكون الفاعل الأصلي صهيونياً يريد حلب المزيد من بقرة التعاطف مع اليهود ليصب ذلك على نحو غير مباشر لمصلحة إسرائيل؟ وإذا كان البعض قد دنس مقبرة يهودية فإن إسرائيل تدنس حياة الفلسطينيين لا في المقابر بل في المساجد والقرى والمدن.. وبالذات في المسجد الأقصى كرمز.

وأتمنى كلما خرجت تظاهرة ضد الاضطهاد لليهودي أن يتذكر المتظاهرون اضطهاداً مشابهاً تمارسه إسرائيل (الوطن القومي لليهود) ضد الفلسطيني أياً كان دينه مسلماً أو مسيحياً.

 

لولا الموت لكانت الحياة رعباً!

 

أنتقل كعادتي إلى موضوع آخر تماماً وأسأل: هل نريد ألا نموت وأن نظل أحياء أكثر من قرن من الزمن؟ ستخشى ذلك إذا قرأت حواراً أدلت به «ليسي راندون»، أكبر معمرة في فرنسا، التي تحتفل بعيد ميلادها الـ 115 !.. وهي راهبة متقاعدة.

تقول في تلك المناسبة بصفتها أكبر معمرة في فرنسا: «أعيش في عزلة وفراغ داخل غرفتي التي أتقاسم معها أوجاعي». نحن جميعاً نبذل كل ما بوسعنا كي لا نموت، ولكن ما تقوله ليسي راندون، المعمرة، لا يجعل الحياة الطويلة شهية. فهي تشكو أيضاً من اضمحلال الذاكرة والعجز والأوجاع، وأمنيتها اليوم أن تموت!..

وباختصار، لم يخلقنا تعالى للعيش إلى ما بعد القرن الأول، ومعظمنا يخاف من الموت، لكن علينا أن نخاف من الحياة بعد انتهاء الموعد الأخير للصلاحية!..

ترى هل يولد كل منا وعلى جمجمته (مكتوب) بحرف سري تاريخ صلاحيته للحياة كما المعلبات؟

 

طال عمر إحبابك ثم عمرك!

 

من العبارات المحببة لدينا عبارة «طال عمرك» أي أطال الله في عمرك.. وننسى أن نضيف إلى ذلك عبارة: «وعمر إحبابك». فالذي يحدث لأصحاب العمر الطـــويل أن معظم أصدقائهم يرحل قبلهم ويصير عالمهم سنة بعد أخرى شبه خاوٍ. وهكذا فطول العمر نعمة من الخالق لا تكتمل إلا بطول حياة الأحباب والأولاد والأصدقاء.. وإلا لوجد المسن نفسه وحيداً في كوكب الخواء، كما تشكو ابنة 115 سنة، المعمرة الفرنسية. وبدلاً من التمني للمعمرة ليسي راندون (115 سنة) بطول العمر سأتمنى لها ما تتمناه لنفسها حين تقول: «أتمنى أن يأخذني الرب هذا العام».

وكم هو «مربك» أن تتمنى الموت لإنسان آخر لأنه لم يعد يرغب في أي شيء آخر!