الثلثاء 14 شوال 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

83 عاماً على استشهاد عزالدين القسام

وكالة القدس للانباء(قدسنا) يصادف اليوم التاسع عشر من تشرين ثاني/نوفمبر، الذكرى الثالثة والثمانين لاستشهاد عز الدين القسام، والذي استشهد عام 1935، حيث يعتبر القسام عالماً وداعية ومجاهد وقائد فذ.

 

المولد والنشأة

 

وُلد عز الدين القسام في بلدة (جبلة) السورية سنة (1299هـ / 1882م)، تلقى تعليمه الأوَّلي في بلده، وكان أبوه صاحب كتَّاب لتحفيظ القرآن الكريم.

 

ولمّا بلَغ سن الصِبا تلقى تعليمه الابتدائي في بلدته، ثم ذهب وهو في الرابعة عشرة إلى القاهرة برفقة أخيه "فخر الدين" للدراسة بالأزهر، وكان آنذاك يمر بفترة إصلاحية لتنظيم الدراسة به، فتلقى العلم على شيوخه الكبار، وكان من بينهم الشيخ "محمد عبده"، وظل بالجامع الأزهر حتى نال الشهادة العالمية.

رحل إلى القاهرة وتعلَّم بالجامع الأزهر حتى نال شهادته، بعد تعليمه بالأزهر رحل إلى بلده وحلَّ محل أبيه في تحفيظ القرآن، انتقل بالناس عبر عمله والتفوا حوله وتأثَّروا به لعلمه وورعه، عمل "القسام" على تكوين خلايا ثورية لمجاهدة الإنجليز واليهود؛ كان نتيجة ذلك أن قامت عمليات بطولية أفزعت المحتل الإنجليزي.

 

 

القسام.. رائد الجهاد في فلسطين

 

 

تصدى علماء الأمة لقيادة الجماهير في مسيرتها التحريرية بعد أن وقعت كثير من بلدان العالم الإسلامي في قبضة الاستعمار، وصار من المألوف أن يتصدر أصحاب العمائم حركات التحرر والنضال، ودعوات الإصلاح والتجديد، وأينما وليت وجهك شطر بلد إلا وجدت صاحب عمامة كان يُوقِظ أُمَّته، ويَمُدّها بروح البعث والنهوض، وطاقة المواجهة والتحدي، فقاد الأزهر الشريف بشيوخه ثورةَ القاهرة ضد الغزاة الفرنسيين، وكان شيخه الأكبر "عبد الله الشرقاوي" بين قادة الثورة، وحمل "السنوسي" حركة الجهاد ضد الاستعمار الإيطالي في ليبيا، وتصدى "عبد الكريم الخطابي" و"علال الفاسي" للاستعمار الفرنسي في المغرب العربي، وقادت جمعية المسلمين بقيادة "عبد الحميد باديس" حركة اليقظة والنهوض، وبعث اللغة العربية، واستنهاض الهمم الواهنة.

 

وليس في هذه الظاهرة غرابة، فعلماء الإسلام أكثر الناس استشعارًا بمسئوليتهم تجاه الأمة، بما يحملون من أمانة العلم وأمانة التبليغ وأمانة التطبيق، وهم أعظم الزعامات تأثيرًا في نفوس الناس وقدرةً على قيادتهم؛ فللدين سلطان على النفوس لا يدانيه سلطان.

 

في ميادين الجهاد

 

لم يكن الشيخ "القسام" مِمَّن يُطلقون الكلام ويثيرون الحماسة في النفوس ويتخلف عن الركب، أو كان مِمَّن لا يحسنون العمل، بل كان من العلماء المجاهدين بالقول والعمل، فحين هاجم الإيطاليون ليبيا قاد "القسام" مظاهرةً طافت شوارع بلدته، تؤيد المجاهدين الليبيين وتدعو الناس إلى التطوع والجهاد ضد الإيطاليين، ونجح في تجنيد مائتين وخمسين متطوعًا وقام بحملة لجمع تبرعات ما يلزمهم ويلزم أسرهم، لكن الحملة الصغيرة لم توفَّق في التحرك لمؤازرة إخوانهم المسلمين في ليبيا.

 

وحين اشتعلت الثورة في سوريا ضد الغزاة الفرنسيين، رفع "القسام" راية المقاومة ضدهم في الساحل الشمالي لسوريا، وكان في طليعة من حملوا السلاح في ثورة جبال (صهيون) سنة (1338-1339هـ 1919-1920م) مع "عمر البيطار"، وكانت هذه الثورة مدرسة عملية صقلت مواهب الشيخ، وقدراته القيادية والتنظيمية، وقد حكم عليه الفرنسيون بالإعدام لأعماله الباهرة في مناهضتهم وخبراته الموجعة التي وجهها لهم، لكنه لم يسقط في أيديهم.

 

الانتقال إلى (حيفا)

 

بعد إخفاق الثورة في سوريا ونجاح الفرنسيين في القضاء عليها، التجأ "القسام" إلى (حيفا) سنة (1340هـ/ 1921م) واستقر بها، ثم أرسل في طلب أسرته لتعيش معه، وما أن استقرت قدماه حتى بدأ نشاطه الدعوي من أول يوم، فبعد صلاة المغرب بدأ درسه الديني، ونجح في النفاذ إلى القلوب لعلمه وإخلاصه وصدق حديثه فالتفتت الأنظار إليه، ثم ما لبثت أن تعلقت به النفوس.

 

وفي (حيفا) عمل "القسام" مدرسًا في المدرسة الإسلامية، وفي الوقت نفسه خطيبًا لجامع (الاستقلال)، وانتسب إلى جمعية الشبان المسلمين في (حيفا) سنة (1926م) ثم ما لبث أن أصبح رئيسًا لها، وعُين منذ سنة (1929م) مأذونًا من قبل المحكمة الشرعية، وقد أتاحت له كل هذه الأعمال الاختلاط بالناس والتعرف إليهم، وإقامة علاقات وطيدة معهم، وبناء جسور الثقة معهم، وقابله الناس حبًا بحب وثقةً بثقة، وكان الشيخ المجاهد أهلاً لذلك، فازداد محبوه واتسعت شهرته بين الناس.

 

في تلك الأثناء كان الخطر الصهيوني يتسع يومًا بعد يوم، وتبرز خطورته دون أن يتصدى له أحد، وكان الإنجليز يتولون حماية المخطط الصهيوني والتمكين له، ولم يكن هناك حل لمواجهة هذا الخطر الداهم سوى المواجهة والجهاد، فلن تُجدي السياسة مع قوم يتخذون الكذب والنفاق والحيلة والدهاء سياسةً ودينًا ووسيلةً للوصول إلى مآربهم.

 

وكانت هذه السياسة غير خافية على رجل مثل "القسام"، الذي أدرك بجلاء أن العدو الذي يجب محاربته والتصدي له هو الاستعمار الإنجليزي، وأن السبيل إلى ذلك هو الثورة المسلحة والجهاد الدامي وتعبئة الجماهير لتأييد الثورة ومساندتها، وكان "القسام" يعرف هدفه جيدًا بعد أن تجمَّعت لديه خبرات متعددة، فبدأ في تشكيل تنظيم ثوري سري، يُربى فيه المجاهدون ويُعَدُّون إعدادًا عسكريًّا وإيمانيًّا.

 

الإعداد للثورة على المحتل

 

تصف الشيخ "عِز الدين القسام" بقدرة فائقة على التنظيم واختيار الأعضاء، والقيادة وسبل الإمداد والتسليح، والعمل على ربط الجانب الجهادي بالجانب الاجتماعي، فكان يهتمُّ بتحسين أحوال الفقراء ومساعدتهم، ومكافحة الأُميَّة بينهم، وتعميق الوعي بينهم، ساعده على ذلك عمله مدرسًا وخطيبًا وإمامًا ومأذونًا، الأمر الذي هيَّأ له الاتصال بالجماهير واختيار من يصلح منهم للعمل معه في مناهضة المحتل.

 

وعنى "القسام" بالتنظيم الدقيق للخلايا السرية التي أعدها لمجاهدة الإنجليز، فهناك الوحدات المتخصصة، مثل وحدة الدعوة إلى الثورة، ووحدة الاتصالات السياسية، ووحدة التدريب العسكري، ووحدة شراء السلاح، ووحدة التجسس على الأعداء، وكانت نفقات هذه المجموعات تعتمد على اشتراكات الأعضاء المؤمنين بالعمل ضد المحتل الغاصب.

 

بداية أعمال الجهاد

وبدأت عمليات الإعداد تُؤْتي ثمارها، فشهدت المنطقة أعمالاً بُطولية عظيمة، وشهدت في أوائل سنة (1354 هـ / 1935م) جنين ونابلس وطولكرم سيلاً من عمليات صيد الضباط الإنجليز، ونسف القطارات والهجوم على معسكرات الجيش البريطاني، وقتلِ المتعاونين مع الإنجليز، وكانت هذه العمليات تتم في جنح الظلام، وفي فترات متعاقبة غاية في الدقة والتنظيم والسرية، الأمر الذي أقلق القوات الإنجليزية، وبث في قلوبهم الفزع والرعب، وكان من أثر ذلك أن سرت روح الحماسة بين الناس، وقويت فكرة الجهاد بعد أن ازداد أعداد اليهود المهاجرين إلى فلسطين، ومحاباة السلطات البريطانية لهم، ومساعدتهم على التمكين والاستمرار.

 

"القسام" يعلن الثورة

 

ولم يخفَ على الإنجليز ما يقوم به "القسام" من إعداد الرجال للجهاد المقدس، وأنه ليس بعيدًا عن الأحداث التي بدأت البلاد تشهدها، فراقبت تحركاته وضيَّقت عليه، فلم يجد "القسام" بُدًا من إعلان الثورة على المحتل، وأن يكون هو على رأس المجاهدين فاتفق مع أحد عشر مجاهدًا على الخروج إلى أحراش (يعبد) في جنين، وأعلنوا الثورة على الإنجليز، والاستعداد للعمل الجهادي، وتشجيع أهالي المناطق المجاورة على الثورة.

 

لكن سلطات الإنجليز كشفت أمر "القسام" وعرفت مكانه من جواسيسها، فسارعت إلى قمع الثورة قبل اتساع نطاقها، فأرسلت في (18 من شعبان 1354 هـ= 15 نوفمبر 1935م) قوات عسكرية ووقعت معارك عنيفة بين المجاهدين والإنجليز استمرت أيامًا تكبد فيها الأعداء خسائر فادحة في الأرواح، وفوجئ "القسام" ومن معه بأن القوات الإنجليزية تُحاصرهم في (22 شعبان 1354 هـ= 19 نوفمبر 1935م) وتقطع سبل الاتصال بينهم وبين القرى المجاورة.

 

استشهاد "القسام" بعد معركة غير متكافئة

 

ولم يكن أمام "القسام" ورجاله سوى ثلاثة خيارات، إما الاستسلام المهين أو الفرار استعدادًا لمواجهة أخرى، أو التصدِّي للعدو مهما كانت التضحيات وعدم التكافؤ، واختار "القسام" ومن معه الدخول في معركة ولو كانت غير متكافئة، ودارت معركة رهيبة لمدة ست ساعات بين النفر المؤمن والقوات المحتلة، قُتِل فيها من الإنجليز أكثر من خمسة عشر، واستشهد الشيخ "القسام" مع اثنين من رفاقه في (23 شعبان 1354 هـ= 2 نوفمبر 1936م) واعتقل الأحياء- بما فيهم المجروحون- وقُدِّموا للمحاكمة التي حكمت عليهم بالسجن لمدة تتراوح بين عامين وخمسة عشر عامًا.

 

وقد أصاب الحادث فلسطين كلها بالألم والحزن، وخرج أهالي (حيفا) ووفود من مختلف أنحاء البلاد يشيعون جنازة الشهداء المهيبة، وتحول "القسام" إلى رمز للجهاد والنضال، وصارت تجدد في النفوس معنى التضحية والاعتزاز بالبطولة، وقد أطلقت حركة (حماس) اسمه على جناحه العسكري باسم " كتائب الشهيد عز الدين القسام " التي تواجه المحتل الصهيوني بعملياتها الاستشهادية، كما أطلق على الصواريخ التي تطلقها كتائب القسام على المغتصبات الصهيونية.

 

المصدر: فلسطين الان

 




محتوى ذات صلة

خلال كلمته في الاحتفال الجماهيري الذي نظمه حزب الله لمناسبة يوم القدس العالمي

السيد نصر الله: محور المقاومة ذاهب إلى انتصار تاريخي وكبير في هذه المعركة
خلال كلمته في الاحتفال الجماهيري الذي نظمه حزب الله لمناسبة يوم القدس العالمي

السيد نصر الله: محور المقاومة ذاهب إلى انتصار تاريخي وكبير في هذه المعركة

أكد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، أن محور المقاومة ذاهب إلى انتصار تاريخي وكبير في هذه المعركة، مشددًا على ضرورة أن نصمد وأن نثبت في غزة والضفة ولبنان واليمن والعراق، وأنّ الرد الإيراني على العدوان الصهيوني على القنصلية الإيرانية في دمشق آتٍ لا محالة، وأن ...

|

بعد ساعات من استهدافها لمطار بن غوريون

المقاومة الإسلامية بالعراق تستهدفت محطة توليد الكهرباء بتل ابيب
بعد ساعات من استهدافها لمطار بن غوريون

المقاومة الإسلامية بالعراق تستهدفت محطة توليد الكهرباء بتل ابيب

استهدفت المقاومة الاسلامية في العراق فجر اليوم الخميس محطة توليد الكهرباء في تل ابيب في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك ردا على العدوانية الصهيونية بحق الشعب المحاصر في قطاع غزة وإسنادا للمقاومة هناك.

|

طهران.. انعقاد مؤتمر صحفي تحت عنوان "ماذا يحدث في جنين؟" 

خبراء ومحللون سياسيون: البدائل الإستراتيجية للمقاومة في الضفة الغربية غيرت المعادلات وقلبت الطاولة علي الاحتلال
طهران.. انعقاد مؤتمر صحفي تحت عنوان "ماذا يحدث في جنين؟"

خبراء ومحللون سياسيون: البدائل الإستراتيجية للمقاومة في الضفة الغربية غيرت المعادلات وقلبت الطاولة علي الاحتلال

أقامت جمعية الدفاع عن الشعب الفلسطيني مؤتمرا صحفيا بحضور عدد من الخبراء في الشؤون السياسية والعسكرية لدراسة آخر التطورات والمستجدات علي الساحة الفلسطينية لاسيما مدينة جنين التي تستمر في تصدّر مشهد المقاومة المسلّحة منذ أشهر.

|

هل سينسحب الصهاينة من الضفة الغربية تحت ضربات المقاومة ؟

هل سينسحب الصهاينة من الضفة الغربية تحت ضربات المقاومة ؟

عندما انسحب الاحتلال الصهيوني من قطاع غزة اعتبر الكثيرون ذلك الانجاز للمقاومة الفلسطينية أنموذجا ناجحا لانتصار المقاومة الفلسطينية، وهناك الكثير من الفلسطينيين في الضفة الغربية يتطلعون الى تكرار ما حصل في عام 2005 في قطاع غزة بشكل مفاجئ، في الضفة الغربية ايضا.

|

المستعمل تعليقات

الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. صواريخ المقاومة الفلسطينية تدك بشدة مستوطنات غلاف غزّة
  2. الصحة بغزة : 34183 شهيدا و77143 إصابة منذ بدء العدوان
  3. الشيخ نعيم قاسم: اسرائيل لا يوقفها الا السلاح و المقاومة
  4. أمير عبد اللهيان: يجب على الاتحاد الأوروبي ان يفرض عقوبات على الكيان الاسرائيلي
  5. حماس تندد بتصريحات وزير الخارجية الامريكي وتصفها بانها تتناقض مع الحقيقة
  6. أنصار الله تدعو القوات المسلحة اليمنية الى تصعيد عملياتها ضد الملاحة الصهيونية
  7. الرئيس الإيراني: الصهاينة يستغلون الخلافات بين الدول الإسلامية
  8. الصحة الفلسطينية: ارتفاع حصيلة العدوان إلى 34,151 شهيدا و 77,084 إصابة منذ السابع من اكتوبر
  9. الجبهة الشعبية: الرد الايراني يعد حدث مفصلي وهام سيؤسس لقواعد اشتباك جديدة في المنطقة
  10. السيد صفي الدين: المقاومة في غزة رغم المعاناة ما زالت قوية ومقتدرة
  11. قيادي في الجهاد الإسلامي: المقاومة لن تتنازل عن مطالب الشعب الفلسطيني المشروعة
  12. ضابط سابق بالجيش الأمريكي يصف الهجوم الانتقامي الايراني بانه عملية عبقرية واستعراضا للذكاء التكتيكي والاستراتيجي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)