من حيفا الى بنت جبيل
الأخضر العربي " أمين سعد":أول شهيد لبناني من أجل فلسطين
هي حكاية بنادق، وسيرة نضال، لشاب حمل القضية في قلبه وفكره، وقاوم دفاعاً عن مبدأ وعقيدة، فكانت فلسطين حاضرة في أدق تفاصيل حياته، من الولادة وحتى الشهادة، تنفّس هواء القدس وحيفا ويافا، إنها الحكاية الخضراء للأخضر العربي الشهيد أمين سعد.
وكالة القدس للانباء(قدسنا): بيروت-أمل شبيب
هي حكاية بنادق، وسيرة نضال، لشاب حمل القضية في قلبه وفكره، وقاوم دفاعاً عن مبدأ وعقيدة، فكانت فلسطين حاضرة في أدق تفاصيل حياته، من الولادة وحتى الشهادة، تنفّس هواء القدس وحيفا ويافا، إنها الحكاية الخضراء للأخضر العربي الشهيد أمين سعد...
ولد أمين سعد "الأخضر العربي" ابن مدينة بنت جبيل في حيفا في فلسطين، وفي الحادية عشر من عمره غادرها الى بلدته بنت جبيل في جنوب لبنان، ليعيش بين حارات المدينة وزواريبها وساحاتها طفولة مقاومة، وصبا نضال وشباب مقاومة.
عاش أمين سعد مع شقيقاته الثلاث، وتحمّل مسؤوليتهن بعد وفاة والدته، تميّز منذ طفولته بوعيه المبكر، كانت المقاومة حاضرة بقوة في يوميات حياته، فعلى الرغم من صغر سنّه، كان يشترط على رفاقه أن يكون هو العربي وهم الإسرائيليون عندما كانوا يلعبون صغارا "لعبة الاسرائيلي والعربي"، ومنذ ذلك الوقت بات يعرف بالعربي، وأضيفت كلمة الأخضر الى العربي بسبب عشقه الكبير للثوب الأخضر الذي كانت ترتديه والدته حين عاد من المدرسة ووجدها مسجاة مسلّمة وجهها لله تعالى.
إلى بيروت إنتقل أمين سعد سعياً للدراسة والعمل، فإنخرط هناك في السياسة، ووضع فلسطين نصب عينيه، واختار حزب البعث العربي الإشتراكي طريقاً ونهجاً من أجل تحرير فلسطين.
لم تكن فلسطين مجرد كلمة أو دولة في يوميات الأخضر العربي، بل حملها لواءاً وحرية وعروبة وقومية عربية، بحث عن فلسطين بين الكتب، كتبها في مذكراته، حفظها فكراً وأمةً وقضيةً، لقنها دروساً، ورسم خارطة تحريرها بدفاعه ونضاله ودمه.
عمل الأخضر العربي مدرّساً في التعليم الرسمي، وشارك لاحقاً مع مجموعة من الرفاق في تأسيس المعهد العربي في بيروت وقاد التنظيمات الكشفية فيه وانخرط في العمل الحزبي، وعمل سراً في مقاومة الإحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ أوائل الستينات.
ومع بداية الثورة الفلسطينية التي واكبتها النكبة الثانية عام 1967 إنضم الأخضر العربي الى العمل الفدائي الفلسطيني بعد أن خضع لسلسلة من الدورات التدريبية،وعاد بعدها ليتسلم مهام نائب رئيس منظمة الصاعقة في منطقة العرقوب.
خلال تلك الفترة كان أمين سعد يعمل في مهام سرّية لتهريب وتوزيع المناشير التي تدعم الوحدة، كانت حياته مهددة بالخطر، آمن بالوحدة العربية، وقضى معظم سنواته بين جدران السجون وخلف القضبان، لم يستسلم أبداً، بل زاده السجن عزيمة على النضال والمقاومة والدفاع عن فلسطين حتى الرمق الأخير من حياته.
شارك الأخضر العربي في العديد من المعارك ضد الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين ولبنان، حتى جاء الثالث من كانون الأول 1969، يومها إخترق الجيش الإسرائيلي تلال شبعا بدبابته وعتاده، فإنطلق الأخضر العربي "أمين سعد" مع مجموعة من خمسة او ستة فدائيين للتصدي، وبدأت مواجهات عنيفة استخدمت فيها الاسلحة المباشرة والقذائف المدفعية، وبعد معركة طويلة مع العدو الصهيوني في جرود شبعا دامت من الخامسة فجراً حتى الحادية عشرة صباحاً، استخدم العدو فيها المدفعية الثقيلة وقذائف الهاون ورشاشات المروحيات، أصيب الأخضر العربي إصابة مباشرة أثناء تصديه للعدو الإسرائيلي.
حمل الأخضر العربي حماسة القضية، وكان صادقاً في دفاعه، كان على يقين بأن اسرائيل تستعد لإحتلال جنوب لبنان، فكان ذلك اليوم الذي أتوا فيه بجثمان الأخضر العربي على صهوة الفرس، ومن العرقوب حيث مكان استشهاده ورغبة في إقامة مأتم تشييع له إنتقل الجثمان الى الشام، ثم بدأت مرحلة التشييع الثانية نحو برج حمود في بيروت، ثم الى الجنوب في بنت جبيل في وداع استمرّ ثلاثة ايام خرج خلالها مئات الآلاف من الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين ، يومها خرج الرجال والسلاح في تظاهرة كبيرة احتفاءاً بالشهيد اللبناني الأول في مسيرة المقاومة المتواصلة لتحرير فلسطين، المقاومة التي قدمت آلاف الشهداء، ونجحت في تحرير جنوب لبنان وبلدة كفرشوبا، وستنجح في تحرير فلسطين ويافا وحيفا والقدس وكل فلسطين ايضاً.
بعض من مذكرات الشهيد أمين سعد الأخضر العربي:
- أمضيت فترة الحضانة في (مدرسة الرابطة) بحيفا، كنا نسكن في دارنا الكبيرة في طرف حيفا الشرقي (منطقة جامع الحاج عبد الله ـ قرب الحلقة)، وكنت أذهب إلى الحضانة برفقة أبي أو بعض أقاربي، وأذكر أنني نلت مرة جائزة كانت عبارة عن قلم رصاص...
- وفي (مدرسة الوداد الإسلامية)، في حيفا قضيت قسماً من المرحلة الابتدائية، وقد وصلت إلى الصف الرابع، وكنا في المدرسة عندما قصفها اليهود بالمدفعية، وأذكر أننا اختبأنا تحت المقاعد...
- كنت أذهب إلى المدرسة، أسير مسافة كبيرة مع شقيقاتي كل يوم، نختبئ من الرصاص، ونهرب من شارع إلى شارع، حتى نصل إلى المدرسة، وكذلك في العودة....
- وعندما ازدادت الاضطرابات وكثرت الضحايا، أقفلت جميع المدارس... وتفتحت عيناي يومها على الحوادث الدامية، على نكبة فلسطين، الأرض العربية الطاهرة.
- "كنا ننام على دوي القنابل والرصاص ونستيقظ عليها... اعتادت أذني على سماع هذه الأصوات، واعتادت عيناي على رؤية القتلى والجرحى والدماء... ولكنني ظللت أشتاق للمدرسة، للرفاق، للأساتذة، للملعب الفسيح الذي كنا نلعب فيه...
هذه بعض مذكرات فدائي من لبنان، رحل تاركاً خلفه زيت النضال، اشعله الشباب المقاوم في تحرير الأرض والوطن والإنسان والكرامة، إرتقوا الى الله برتبة شهداء، فكانوا هم النصر ومن صنع النصر.
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS