qodsna.ir qodsna.ir
يؤمن بالانتصار والعودة إلى أسوار "عكا"

حسن أبو رقبة يكشف بعضاً من أسرار سقوط الإنقاذ

فإثر قرار التقسيم وتطبيقه القريب انضم حسن ابو رقبة الى اللجان القومية التي تشكّلت للدفاع عن ارض فلسطين التي بدأت عملها الميداني في ضواحي عكا وسورها لوضع ما يمكن تسميته خططاً دفاعية عن المدينة.

بيروت؛ خاص لقدسنا:  الى أسوار مدينة عكا، وطيور النورس التي تتحدى الحصار والإحتلال، يأخذنا المناضل حسن أبو رقبة إلى مدينته التي ابصر فيها النور قبل أكثر من ثمانين عاماً، وركض على رمال الشاطئ، وتسلق حجارة السور، ومشى أرصفة الشوارع ، كأنه لم يغادرها أبداً، يصف الحارات، ويدخل البيوت، ويحكي القصص، حولته السنوات الممتدة من طفولته إلى كهولته مؤرخاً لأحداث كبرى، لم يكن فيها مجرد شاهداً بل كان قائداً عسكرياً، وكانت فلسطين هي معركته الوحيدة. لم يعترف بأي هزيمة، خبير في  القتال، التحق بالجيش السوري، ثم في الجيش المصري، وكان ضابطاً في جيش الإنقاذ قبل النكبة والنكسة. ترك الجيوش، والتحق بالمقاومة. ولا يزال مقاوماً، ويؤمن بأنه سيعود إلى فلسطين منتصراً، ولا يزال يحتفظ بأسرار كثيرة عن جيش الإنقاذ الذي التحق به ضابطاً وغادره الى جيش تحرير فلسطين وإلى جيوش عربية أخرى، يبحث عن كتيبة أو لواء تتبنى الزحف.

 

في ذاكرته الحية يأخذنا حسن ابو رقبة الى طفولته عندما أخذه والده الى وسط المدينة للمشاركة في تظاهرة منددة بوعد بلفور، يومها مشى الى جانب الطلاب في الشوارع يهتف ضد بريطانيا وفرنسا، ولا يزال يتذكر كيف شيعت مدينة عكا والبلدات الفلسطينية الشهداء محمد جمول وفؤاد حجاز، ولا يزال يحفظ عزاء المشيعيين:

من سجن غزة طلعت جنازة              محمد جمول وفؤاد حجـازي

جازي عليهم ياربي جازي               المندوب السامي وربعو عموما

كان الناس في عكا على موعد كل يوم ثلاثاء لتشييع الشهداء لأن الحاكم البريطاني اتخذ من هذا اليوم موعداً لتنفيذ حكم الإعدام بالمعتقلين في سجن عكا، وجميع هؤلاء المدرجين على قائمة الاعدام شاركوا في ثورة فلسطين الكبرى عام 1936.

كأنه يستعيد وهج الثورة الكبرى، ويضيف المناضل حسن أبو رقبة: لم يتمكنوا من قتل روح التحدي، كان قتل الخونة من الجواسيس وسماسرة بيع الأراضي متواصلاً وبدون رحمة، وكان القتيل من هؤلاء يُنقل على ظهر "طمبر" وهي عربة بسيطة يجرّها حمار يرافقها الأطفال بقولهم"الخائن نجّس طمبر" حتى المقبرة حيث يتم دفنه خارجها تحقيراً له.

بدأ حسن ابو رقبة نضاله بعد إنتقاله لمتابعة دراسته في كلية النجاح في نابلس، حيث شكّل إتحاد طلاب فلسطين العرب في عكا، وكانت أولى اهتماماتهم تنظيم المظاهرات للمطالبة بالإستقلال وإنهاء الإنتداب البريطاني ومقاومة حجافل المستوطنين الجدد، لينطلق في مسيرته النضالية، متنقلاً بين فلسطين والقاهرة وسوريا ولبنان.

وفي أولى سفراته الى القاهرة عام 1946، إلتقى حسن ابو رقبة بالمناضل التونسي الحبيب أبو رقيبة، وشكّل هذا اللقاء نقطة مهمة في حياته، واستمدّ منه معنى النضال والمقاومة ضد الإحتلال، ليعود بعدها الى فلسطين ويأخذ على عاتقه التدريب على الرماية، وساهم مع أهالي عكا بشراء السلاح من أجل تحرير فلسطين من كل الإحتلال.

الإستعداد للصراع المسلّح:

عمل حسن ابو رقبة مدرساً للغة العربية في المدرسة الأهلية في عكا، كان يمارس خلالها عمله كأمين سرّ لإتحاد الطلاب الفلسطينين العرب، فإثر قرار التقسيم وتطبيقه القريب انضم حسن ابو رقبة الى اللجان القومية التي تشكّلت للدفاع عن ارض فلسطين التي بدأت عملها الميداني في ضواحي عكا وسورها لوضع ما يمكن تسميته خططاً دفاعية عن المدينة، اضافة الى افتتاح مستشفى ميداني، وكان أول عمل نضالي يوم تعرّض الإسرائيليون لقافلة اسلحة وذخيرة متوجهة على طريق عكا- حيفا وتمكنوا من اعطاب بعض آلياتها واغتيال رئيسها حيث تمّ قطع طريق عكا وحيفا نهائياً منذ ذلك التاريخ، وبدأت الأخطار العسكرية تتصاعد، وبدأ الشراء السري للبنادق والذخيرة لمحاربة الإسرائيليين منذ ذلك الوقت.

لم يستطع حسن ابو رقبة رؤية فلسطين تتهاوى أمام عينه، تنحبس دمعته في عينيه ويقول: في مطلع العام 1948 بدأت الإشتباكات بين العرب واليهود، وبدأت المعارك تأخذ حيّزها من حياة المناضلين، الى أن حدثت معركة القسطل قرب القدس واستشهد البطل عبد القادر الحسيني واصبح ميزان القوى يميل لصالح العدو الإسرائيلي، وعند سقوط حيفا في الثالث والعشرين من نيسان 1948 نزح معظم اهلها الى عكا مما أحدث هزّة معنوية كبيرة في سكانها، وكانت الأحداث تتفاعل والأخطار تتزايد بسبب قرار تقسيم فلسطين واعتزام البريطانيين الإنسحاب من البلاد كلها، وتطورت المواجهات الى معارك وقطع للطرق ومواجهات بين المدن والمستعمرات من قبل العرب واليهود على السواء.

أمام كل هذا، يضيف حسن ابو رقبة "كانت فلسطين حاضرة في قلبي، وكان تحريرها والنضال من أجلها واجب إنساني ووطني، فإلتحقت بمدرسة الضباط الفلسطينين في قطنا قرب دمشق، وهي تابعة لجيش الإنقاذ، حيث التدريبات الشاقة والمكثفة لمواجهة ما يلفّنا من مخاطر، وخلال ذلك بدأت المدن الفلسطينية تتساقط في ايدي الأعداء تباعاً من حيفا ويافا وكل المدن الفلسطينية الى ان سقطت عكا في الثامن عشر من ايار 48 ولم يبق للعرب شمالاً إلا الناصرة والجليل الغربي، فثار غضبنا في قطنا وقررنا التوقّف عن الدراسة والتدريب وطالبنا بالإلتحاق فوراً بميادين المعارك للمساهمة فيها، ومنذ ذلك وقت بدأت مرحلة جديدة من حياتي.

 لم تنحصر مهمتي النضالية بحمل السلاح وجمعه لمقاومة الإحتلال الإسرائيلي، وأثناء وجودي في قطنا وخضوعي للعديد من الدورات العسكرية حصلت على رتبة ضابط في جيش الإنقاذ والجيش السوري، وكانت مهمتي التدريب العسكري للمجندين وكلّنا همة لأجل تحرير فلسطين، كان النضال رفيقنا اليومي، وكانت عواطفي مشدودة الى كل مدن فلسطين وما يجري فيها الى أن وردتني الأنباء عن الهجوم الإسرائيلي الأخير على الناصرة والجليل الغربي وإحتلاله بأكمله وإنسحاب جيش الإنقاذ والقوى الأخرى بشكل نهائي وكانت هذه الأخبار النقطة الفاصلة في حياتي.

السعي لإحياء الكيان الفلسطيني

لم يستسلم حسن ابو رقبة لكل ما تعيشه فلسطين من نكبة وتشرّد، لكنه تابع عمله النصالي الكفاحي متنقلاً بين القاهرة وسوريا ولبنان، فما بين العام 1960 و1961 ساهم حسن ابو رقبة بالسعي لإحياء كيان فلسطيني، وطالب بجيش تحرير فلسطيني، معترضاً على بند تعريف اليهودي الفلسطيني بأنه كل يهودي تواجد في فلسطين سنة 1948، كيث كان المبدأ الوطني يعتبر كل يهودي دخل فلسطين في ظل الإنتداب البريطاني منذ سنة 1918 غريباً غازياً معتدياً لا يستحقّ الجنسية الفلسطينية.

من العمل العسكري الى العمل الإعلامي

بعد نكسة 1967 وتشكيل منظمة التحرير الفلسطينية وإنطلاقها للعمل السياسي الوطني، كان لا بدّ من متابعة العمل النضالي بكافة اشكاله، فتسلّمت رئاسة دائرة الإعلام والنشر لأشرف على مجلة "فلسطين" الشهرية وهي التي تؤرخ للجهاد الفلسطيني السابق واللاحق، وكانت هذه المهمة من اشقّ الأعمال التي تتطلب جهداً، حيث كان للإعلام الدور الأبرز في توعية الشعب الفلسطيني ونشر الحقائق الفلسطينية من أجل استعادة كل شبر من فلسطين، فبعد هذه النكسة، تطور العمل الفدائي الفلسطينين وكنّا نعلّق عليها الآمال في حفظ حيوية القضية الفلسطينية وتأكيد تمسّك الشعب الفلسطيني بحقوقه في وطنه رغم تآمر معظم دول العالم ضده، وكان دوري كرئيس لمجلة فلسطين تعبئة القرّاء من أجل التضحية لإستعادة ارضنا في فلسطين، ومنذ ذلك الحين اخذ حسن ابو رقبة العمل الإعلامي خطاً جديداً له في النضال متمسّكاً بفلسطين قضية وشعباً وقوماً ووطناً، ولا زال حتى اليوم مهتماً بفلسطين رغم بعده عن  الوطن ورغم محاولات الإغتيال التي تعرض لها والعيش متنقلاً من بيت الى بيت ومن بلد الى آخر الى جانب صعوبات الحياة والكفاح ضد الخطرين الإستعماري والصهيوني.

هذه الأحداث الكثيرة في سيرة حياة هذا الرجل، لم تخلو من اعتقاله، فقد اعتقل حسن ابو رقبة خمس مرات في مختلف سجون الدول العربية، وعاش في زنازينها وشهد كل انواع عذابتها، كما تعرّض لمحاولات اغتيال مختلفة في لبنان وسوريا ومصر.

وتقديراً للخدمات التي قدمها للجيش السوري، وأثناء تواجده في سوريا مُنح حسن ابو رقبة بموجب مرسوم خاص الجنسية السورية، وكان عليه في ذاك الوقت تسليم جواز سفره الفلسطيني الذي يحمله، فإعتذر عن قبولها لأنه عزّ عليه التخلي عن هويته التي تمثّل ارضه ووطنه وشعبه.

"أزهار وأشواك" هو سيرة حسن أبو رقبة، كتاب أصدره هذا الضابط الفلسطيني، وفيه تتجلى سيرة الشعب الفلسطيني الذي انسلخ عن أرضه وعاش بعيداً عنها في ظروف معيشية صعبة، وبالرغم من ذلك استطاع ان يصنع مقاومة لا تزال رايتها خفاقة، وشعارها التحرير والعودة، ولا يزال أبو رقبة برتبته العسكرية يناضل كجندي مخلص ويؤمن بالانتصار القريب والعودة الى عكا.

دوره ومعاناته ونضاله في مواجهة نكبة 1948 ونكسة 1967

  • من مواليد عكا 28/1/1929، درس فيها ثم إنتقل للدراسة في نابلس.
  • تخرّج من مدرسة الضبّاط الفلسطينيين في قطنا سنة 1948 بدرجة أولى امتياز.
  • حاز على وسامي الجمهورية العربية المتحدة والإستحقاق السوري وعدة ثناءات.
  • اعتقل في خمس دول عربية نتيجة عمله النضالي المستمر.
  • انتدب الى القاهرة اثناء الوحدة سنة 1959، حيث أحيل الى التقاعد العسكري والإقامة الإجبارية.
  • عيّن مديراً إدارياً لمشروع ملاجئ المخيمات الفلسطينية في لبنان سنة 1976.
  • ساهم في إنشاء رابطة عكا الخيرية وتولى رئاسة هيئتها الإدارية منذ العام 2004.
  • تم اختياره رئيساً للهيئة الإدارية للمؤسسة الإعلامية العالمية للدفاع عن القدس سنة 2009.
  • تم إختياره في لبنان رئيساً للهيئة الوطنية لحماية الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني سنة 2010.
  •  

* أمل شبيب

 


| رمز الموضوع: 309429