السبت 11 شوال 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

إذا جاء نصر الله .. والفتح

رفعت سید أحمد

فی مثل هذا الیوم قبل أحد عشر عاماً، جرى عدوان دامٍ استمر لأکثر من شهر و 4 أیام على لبنان شنّه العدو الصهیونی بتحالف علنی مع (معتدلین) عرب (هکذا أسموا أنفسهم)، وغُزاة أوروبیین وأمیرکیین، واستمر العدوان لأکثر من شهر، ورغم فداحة الثمن فی الأرواح والممتلکات فی العاصمة (بیروت) وفی قرى ومدن الجنوب، إلا أن حزب الله والدولة اللبنانیة المنحاز رئیسها – وقتها العماد إمیل لحود - انتصروا، وباعتراف العدو الصهیونی ذاته، لقد کان صمود وبسالة (المقاومة الإسلامیة – الجناح المسلّح لحزب الله) والالتفاف الشعبی الواسع حولها والمساندة القویة لإیران وسوریا ومیشال عون (الرئیس الحالی) .. کل هؤلاء صنعوا الانتصار واستحقوه؛ ولکنی أعتبر الیوم وبعد مرور أحد عشر عاماً على الانتصار أن أحد أبرز محقّقیه ومستحقّه هو هذا السیّد المقاوم، السیّد حسن نصر الله ودعونا نتحدّث عنه وعن دلالات انتصاره وانتصار دولته قلیلاً.

 

أولاً: تعود معرفة کاتب هذه السطور بالسیّد حسن نصر الله إلى صیف العام 1993 (کما سبق وأشرنا فی مقالات سابقة) حین کنت فی زیارة صحفیة وأکادیمیة لبیروت، وکان (السیّد) لا زال جدیداً على موقع الأمین العام لحزب الله خلفاً للشهید السیّد عباس الموسوی وکان ابن (البازوریة) صغیراً فی العمر، فهو من موالید العام 1960 (31آب/ أغسطس)، کان لا یتجاوز الـ 32 عاماً، ورغم صغر سنّه قیاساً بقادة الحرکات والتنظیمات السیاسیة فی بلادنا، ورغم قصر الفترة التی تولّى فیها الأمانة العامة للحزب وقتها (بضعة أشهر) فإن ما لفت ناظری إلیه، کانت تلک الابتسامة الحیّة والنظرة الواثقة، المنتصرة، وذلک الذکاء والوعی لما یجری حوله؛ فی لبنان والعالم؛ وتلک الرؤیة الثاقبة للأحداث والقدرة على إدارتها والتحکّم فیها.. وسألت نفسی وقتها من أین یستمد هذا الرجل کل ذلک؟ ومرَّت الأیام وازدادت علاقتی توثّقاً بالرجل، ومع تنامیها، بدأت تتّضح ملامح الصورة والإجابة، ومع انخراط حزب الله أکثر فی الحیاة السیاسیة اللبنانیة بدءاً من أوائل التسعینات مع مجیء (السیّد)، فی موازاة إطراد وتیرة عملیاته الجهادیة والنوعیة ضد الاحتلال والجیش اللحدی العمیل، إلى أن تحقّق النصر الأول فی أیار /مایو من العام 2000 ثم النصر الإلهی الثانی والأهم فی حرب تموز /یولیو 2006، بدأت تتکشّف، کل من عرف السیّد، مصادر تلک الطاقة المعنویة والسیاسیة والجهادیة التی تُمیّز أداء وروح وحیاة السیّد حسن نصر الله.

 

لقد تأکّد لمحبّیه – ومن قبلهم أعداؤه – أن هذا الرجل امتلک فقهاً للنصر خاصاً به وبحزبه، وهو فقه احتلت الثقة فی نصر الله  صدارة سُلّمه القِیَمی، مع صلابة التمسّک بالجهاد وسیلة وغایة، والوعی بالمتغیّرات الإقلیمیة والعالمیة وتوظیفها لمصلحة خیاره الاستراتیجى: خیار المقاومة.

بإمکاننا أن نزعم الیوم أن رحلة الجهاد والمقاومة (1982 – 2017) قد أکسبت السیّد حسن نصر الله، ذلک التفرّد فی بلده، وخارجه، وکان هذا مصداقاً لقوله تعالى "والذین جاهدوا فینا لنهدینهم سبلنا وإن الله لمع المحسنین"؛ فالسیّد الذی کان أحد أرکان الجماعة الصغیرة التی أسّست حزب الله فی أوائل الثمانینات، کان أیضاً قائداً میدانیاً للمقاومة طیلة الثمانینات، إلى أن تولّى موقع الأمین العام، فازدادت صلته بالمقاومة توثّقاً على المستویات کافة؛ المیدانیة والسیاسیة، وقادها، ومعها أمّته ولبنانه، من انتصار إلى انتصار، وکان مثالاً یُحتذَى فی حکمة القیادة وحصافة الزعامة.

ثانیاً: دروس الانتصار والفتح: فی ذکرى الحرب من الممکن التحدّث فی العدید من القضایا لکن ما یهمّنا عربیاً الیوم ونحن نقاوم عدواً إرهابیاً بقیادة داعش وأخواتها، وعدواً صهیونیاً بتحالف خلیجی وأمیرکی، أن أول دروسها المستفادة أنها لم تکن حرباً من أجل جندیین أُسِرا للعدو الصهیونی، کما زعم العدو وکما روّجت الصحافة الأمیرکیة وبعض الصحافة العربیة، ولکنها کانت حرباً من أجل ولادة الشرق الأوسط الأمیرکی الجدید، ذلک الإقلیم الذی تریده واشنطن من أجل نفطه ومن أجل إسرائیل، وهو من ثم لابدّ من أن یکون "شرق أوسط" من دون (مقاومة) ومن غیر (عروبة)، ومن غیر (إسلام)، إنه الإقلیم المُلحق، أو التابع لاستراتیجیتها فی المنطقة والعالم، ولقد کفتنا کوندالیزا رایس مؤنة الحدیث عنه وقتها ولکن المقاومة أجهضته فی العام 2006 بانتصارها، والیوم یریدون إعادته ثانیة من خلال صفقات ترامب الأخیرة مع السعودیة (340 ملیار دولار) وهی تساوی مجمل الدیون الخارجیة للدول العربیة! کل المهم لدینا هنا التأکید على أن الهدف الرئیسی لهذه الحرب کان (رسالة للمنطقة) و(محاولة لإعادة تخلیقها مجدّداً)،  وإسرائیل بالقطع کانت الأداة الأکثر دمویة فیها، وواشنطن کانت المموّل، والمُحفّز، والشریک، إن لم تکن الفاعل الأصیل فی العدوان: سیاسیاً وعسکریاً.

 

لقد أرادت واشنطن أن تهرب من إخفاقاتها المتتالیة فی أفغانستان والعراق وفلسطین،  بشأن شرق أوسطها الجدید، فأتت إلى لبنان، لتمر من خلاله إلى سوریا وإیران، ولم یکن موضوع الجنود الأسرى، سوى ذریعة لهذا المخطط، سرعان ما انکشف زیفها.

 

الدرس الثانی لهذه الحرب العدوانیة، تمثّل فی الحال الرسمی العربی تجاه قضایا الأمّة، وحقوقها، کان فی أسوأ أوضاعه، کان منبطحاً إلى أقصى درجة.

 

لقد أبرزت الحرب - أو بمعنى أدقّ عرّت وفضحت - حجم الوهن والتخاذل الرسمی العربی، وهو تخاذل، أراد أن یُداری سوآته بمزید من القمع للتحرّکات الشعبیة، وهو أیضاً تخاذل لایزال قائماً وإن بوسائل وأشکال مختلفة.

أما الدرس الثالث الذی کشفته الحرب فهو درس عسکرى بلیغ، وهو أن حرب العصابات، أو حرب المقاومة الشعبیة، التی تتسلّح بعقیدة قتالیة وإیمانیة صادقة، بإمکانها أن تهزم أقوى قوة عسکریة فی المنطقة، لقد أثبتت خبرة الشهر والأربعة أیام، أن القتال النظامی بین إسرائیل والجیوش العربیة لم یعد یجدی أو یحدث آثاره المؤلمة مثل (حرب المقاومة الشعبیة) التی شنّها ونجح فیها حزب الله، سواء فی تعامله مع البوارج البحریة، أو التفوّق الجوّی، وتمثّل کذلک فی عدم القدرة على اختراقه استخباراتیاً أو الالتحام البری فی جبهة الجنوب، أو عبر استخدامه الرائع لسلاح الردع الجدید: سلاح الصواریخ قصیرة أو طویلة المدى (أطلق الحزب على قلب الکیان الصهیونی حوالى 4 آلاف صاروخ)؛ وهی خبرة من المهم جداً أن تستفید منها جیوش المنطقة مستقبلاً مع الإرهاب والکیان الصهیونی!!

 

الدرس الرابع من الدروس الکبرى لهذه الحرب، وإن تعمّد الإعلام العربی المُتأسرل (نسبة إلى عشقه لإسرائیل) إخفائه، أنها دشنّت السیّد حسن نصر الله قائداً بارزاً للمقاومة العربیة.

 

الدرس الخامس أبرزت هذه الحرب، أهمیة (الإعلام) وخطورته فی الحرب النفسیة التی دارت بین الطرفین، فحزب الله الذی أذلّ - وبحق إسرائیل - تعامل منذ بدایتها، بشفافیة وبوعی، وکان لإعلامه وبخاصة (تلفزیون المنار) دور مشهود، ولذلک تعمّدت إسرائیل ضربه وتدمیر مبانیه عدّة مرات، ولکنها کانت تُفاجأ به ومعها العالم یخرج من بین الأنقاض ومن مکان آخر لیشارک فی هذه الحرب الإعلامیة – النفسیة، وکان لإطلالات السیّد حسن نصرالله المؤثّرة دورها الفعّال فی تلک الحرب!

 

أما الدرس السادس والأخیر فهو قدرة المقاومة على إنهاء الفتنة المذهبیة حیث تمکّن صمودها لأکثر من شهر فى إنهاء الفتنة التی أشعلتها فتوى الشیخ السعودی (ابن جبرین) ضدّ الحزب ومقاومته.

 

ختاماً نؤکّد أنه فی الذکرى 11 للحرب، نؤکّد أن البوصلة الصحیحة للإسلام وللجهاد، هی بوصلة فلسطین، وأن المقاومة الحقّة هی مقاومة العدو الصهیونی وما عداها باطل، وعندما وعیَ حزب الله ذلک، فإن نصر الله کما فتحه قد تحقّق له، والله أعلم.


| رمز الموضوع: 301973







المستعمل تعليقات

الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. وزير الخارجية في مقابلة مع شبكة NBC: كان بإمكاننا ضرب حيفا وتل أبيب، واستهداف جميع الموانئ الاقتصادية للكيان الإسرائيلي
  2. لجنة حماية الصحافيين: الحرب على غزة أخطر صراع للصحافيين منذ عام 1992
  3. وزارة الصحة الفلسطينية: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 34049
  4. قيادي في حزب الله: الرد الإيراني قرار إستراتيجي تاريخي غيّر المعادلات والحسابات في المنطقة
  5. خلال لقائه منسق الأمم المتحدة .. وزير الخارجية الإيراني: نتنياهو خرج عن نطاق السيطرة ويجب لجمه
  6. 7 إصابات جديدة- الاحتلال يواصل حصار مخيم نور شمس
  7. حماس تُدين العدوان "الغاشم" على مقر للحشد الشّعبي في العراق
  8. المتحدث باسم الحرس الثوري يفند مزاعم الحاق اضرار بمفاعل ديمونة جراء الرد العسكري الايراني
  9. تعقيبا علي الهجوم المركب بالصواريخ الموجّهة ‏والمسيّرات الانقضاضية إعلام الاحتلال يقر بصعوبة تعامل جيش الاحتلال مع مسيّرات حزب الله
  10. حزب الله يستهدف مقر قيادة في "عرب العرامشة".. والاحتلال يعترف بإصابات بالغة
  11. حماس: الرد الإيراني يؤكد أن وقت عربدة الكيان الصهيوني كما يريد بلا حساب قد انتهى
  12. الرئيس الايراني خلال اتصال هاتفي مع نظيره الروسي: سنرد على أي عمل ضد مصالح إيران بقوة أكبر وأوسع وأكثر ايلاما مقارنة بردنا السابق
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)