يوم القدس العالمي: تحشيد
وتوعية

أحدثت الثورة الإيرانية تحولات استراتيجية هامة في المنطقة العربية الإسلامية كان على رأسها إنهاء حكم شرطي أميركا في الخليج وهو شاه إيران، وطرد إسرائيل من إيران وتحويل السفارة الصهيونية إلى سفارة فلسطينية، ودعم المقاومة العربية في فلسطين ولبنان. وأضافت بتعليمات من المرجعية آية الله الخميني يوم القدس العالمي الذي يصادف يوم الجمعة الأخيرة من رمضان كل عام. أقامت إيران هذا اليوم داعية المسلمين في كل العالم لإحيائه وذلك من أجل إبقاء قضية فلسطين والقدس والمقدسات الإسلامية حيّة في نفوس الناس وعقولهم وضمائرهم.

ومع انتهاء الشهر الفضيل، شهدت عواصم ومدن عربية وإيرانية عدة نشاطات وتظاهرات إحياء لهذا اليوم رفعت فيها الأعلام الفلسطينية وصور المقدسات الإسلامية وشعارات تقول إن القدس لنا، وأخرى تحرض على الجهاد في سبيل الله من أجل التحرير. خرجت جموع غفيرة في المدن الإيرانية كان أضخمها في العاصمة طهران.

وشاركت الجماهير التونسية بإحياء الذكرى، وجماهير العراق ولبنان وغزة والبحرين واليمن وسوريا ونيجيريا وماليزيا وأفغانستان، وبعض القطاعات الدينية في دول عربية وإسلامية أخرى. وقد كان المشهد الجماهيري مؤثرا للغاية، وأزال الكثير من مشاعر اليأس والإحباط التي غزت النفوس في السنوات الأخيرة. خرج شعب العراق في بغداد والبصرة ومدن عراقية أخرى يقدم الدعم لفلسطين على الرغم من كل الأحزان والآلام التي ألمت به على مدى سنوات طويلة. وخرج شعب اليمن بمئات الآلاف يهتف باسم فلسطين والقدس رغما عن هدير الطائرات وأصوات الانفجارات التي تعصف به وتقتل أبناءه وتهدم بيوته. وكذلك فعل شعب نيجيريا الذي يعاني القتل والتشتيت والويلات على أيدي الإرهابيين. ولم يتلكأ شعبا البحرين وسوريا عن القيام بواجبهما القومي والديني تجاه القدس متحديان بذلك كل الإجراءات والتفجيرات المرعبة التي تلاحقهما وتعمل على إلغائهما. لقد تجسدت وحدة إسلامية حقيقية في يوم القدس ارتقت فوق الآلام والجراح ونزيف الدماء. وفي هذا تأكيد على أن الأمة حيّة مهما بلغت الصعاب ومهما اشتد الضيق وادلهم الخطب وتكالب الأعداء. الخير في أمتي إلى يوم الدين.

تكمن أهمية هذا اليوم وأهمية المشاركة فيه في أنه يعزز ثقة الناس بالتحرير، وأنه مهما كانت قوة إسرائيل يبقى صوت الجماهير أقوى لأنها مصممة على التضحية من أجل مقدساتها. وهو يوم يبث مشاعر الانتماء والالتزام لدى الناس. إنه يوقظ النفوس والعقول على مكامن الألم الذي تعاني منه الأمة، ويبعث في الصدور الرغبة في المشاركة في مواجهة التحدي الصهيوني والاعتداءات المتكررة على القدس والمقدسات. وهو يوم ثقافي بامتياز من حيث أن نشاطات إحيائه تستقطب الاهتمام وتنشر الكثير من المعلومات والتفاصيل حول القدس وأهميتها الدينية بالنسبة للمسلمين وترتقي بوعي الشعوب بمركزية القدس والمقدسات، وتقدم الكثير من المعطيات حول ضرورة الالتزام بانتزاع الحقوق الإسلامية في فلسطين ومقدساتها. إنه يوم هام بالنسبة للأجيال الصاعدة من شبان وشابات وفتية وفتيات لأنه يفتح السمع والأبصار على هموم تعيشها الأمة، وقضايا جوهرية لا بد من معالجتها. إنه يوم يساهم في بناء الثقافة التحريرية والتحررية، ويجمع الأمة ويوحدها نحو هدف خلاص القدس من المحتلين. الأمة الإسلامية ممزقة إلى حد كبير، ويوم القدس يجمعها على قلب رجل واحد.

في الوقت الذي تتصدر فيه إيران نشاطات إحياء الذكرى وفاء لفلسطين وإصراراً على رفض الكيان الصهيوني وتحريضاً على تحريرها، لا تبدي بعض البلدان العربية أي اهتمام بالمناسبة ولا حتى تذكرها في إعلامها الرسمي. وبعض البلدان العربية بخاصة الخليجية تنشغل في كيفية التقرب من إسرائيل لمواجهة إيران. بعض العرب يعترفون بالكيان الصهيوني ويقيمون معه علاقات ديبلوماسية، وآخرون يقومون بنشاطات تطبيعية معه سراً وعلانية، وبعضهم يقيم علاقات اقتصادية ويسمحون بفتح قنوات اتصال تجارية. أما آخرون فيفتحون المجال أمام إعلاميين صهاينة لينقلوا بعض مجريات الأحداث مباشرة من عواصمهم. إنهم لا يلتفتون إلى العدو الصهيوني الذي يبدو أنه لم يعد عدواً، واستبدلوه بإيران التي تقف بكل حزم وقوة مع المقاومة العربية التي أصبحت تحت تصنيف الإرهاب بالنسبة لبعض الدول الخليجية.

أحيى النيجيريون يوم القدس العالمي، في حين بقيت الضفة الغربية صامتة وكأنه لا خبر عندها حول هذا اليوم الكبير. ابن نيجيريا يريد استعادة القدس والمقدسات في حين أن أحد رموز السلطة الفلسطينية قد تبرع بحائط البراق المقدس للصهاينة. الساحة العربية ملوثة إلى حد كبير وتعاني من تراجع خطير في القيم الوطنية والدينية والقومية، ووصل هذا التراجع إلى حدّ مقاومة المقاومة والتعاون مع العدو لترسيخ أقدامه على الأرض العربية وتشجيعه على تصفية المقاومين وحركات المقاومة.

تحاول إيران إنشاء جيل مثقّف ويتميّز بوعي كاف حول العدوان الصهيوني والاستهتار الأميركي بالقضايا العربية والإسلامية، بينما يعمل العديد من العرب على تجريد الشعوب من وعيها الوطني والقومي الخاص بالقضايا العربية والتي تشكل هموماً عربية تؤثر سلباً على مسيرة العرب نحو الاستقلال والوحدة والتقدم. هناك غشاوات يعمل قادة عرب على صنعها لتغليف العقول العربية، وقتل روح الانتماء للأمة والسطو على مقومات الالتزام. وبعد هذا يريدون من الناس معاداة إيران وتحشيدهم نحو شن حرب على إيران لتهديم ما أنجزته عبر سنوات من الكد والتعب والسهر. وقد نجحوا فعلا في النفاذ إلى بعض العقول الصغيرة التي تنظر إلى المنطقة ككل بعيون مذهبية طائفية.

فشكراً لإيران على مبادرتها لإقامة هذا اليوم، وشكراً على دعمها للمقاومة العربية في فلسطين ولبنان، وندعو لها بالثبات أمام القوى العربية والأمريكية والصهيونية الغاشمة التي تعمل دائما على النيل من قدراتها.