الخميس 16 شوال 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

إسرائیل واستهداف إیران.. زوبعة فی فنجان

بقلم : علی بدوان 

 

الأغراض الداخلیة لدى نتنیاهو

تباین بین مندفع ومتحفظ

خیار إعادة بناء إستراتیجیة جدیدة

لا قرار "إسرائیلیا" دون واشنطن

 

 

ارتفعت مؤخرا نبرة الأصوات الرسمیة والحزبیة "الإسرائیلیة" المنادیة بالقیام بعمل عسکری مباشر ضد المنشآت النوویة الإیرانیة، وازدادت معها حدة النقاشات بین تیار مندفع باتجاه القیام عملیة عسکریة جویة کهذه وتیار متحفظ أو رافض لها.

وقد ترافق الجدل "الإسرائیلی" الداخلی مع تدفق متزاید ومقصود للتقاریر الإعلامیة المتعلقة بسخونة الملف الإیرانی على طاولة البحث "الإسرائیلیة"، کما ترافق مع قیام طائرات من سلاح الجو "الإسرائیلی" بإجراء تدریبات ومناورات واسعة النطاق فی سماء إیطالیا قرب جزیرة سردینیا (على مسافة أبعد من طهران من فلسطین المحتلة) تحاکی القیام بعملیات قصف مشابهة ضد إیران.

حیث تدربت (14) طائرة قتالیة من طراز (أف 16) "إسرائیلیة" من ثلاثة أسراب مختلفة، وقد شملت کل مکونات العمل الجوی الکامنة فی هجمات بعیدة المدى، وشارکت فی المناورة طائرات للإمداد الجوی بالوقود وطائرة قیادة ومراقبة جویة، وانضمت لهذه الطائرات طائرة بوینغ للإمداد الجوی بالوقود وطائرة من نوع (غالفستریم) تم تحویلها إلى طائرة قیادة وإنذار مبکر، کما شارکت الطائرات فی تدریبات على المعارک الجویة ضد طائرات (یوروفایتر) الإیطالیة و(تورنادو) الألمانیة و(إف 16) الهولندیة.

فما حقیقة الأمور، ولماذ التسخین "الإسرائیلی" فی هذا الوقت خاصة، وهل من المتوقع أن تقوم "إسرائیل" بمغامرة عسکریة ضد إیران؟ أم الأمور لا تعدو مناورة سیاسیة لنتنیاهو لأغراض مختلفة؟

الأغراض الداخلیة لدى نتنیاهو

فی البدایة، من المؤکد أن التسخین "الإسرائیلی" الأخیر بشأن الملف النووی الإیرانی لم یأت کصاعقة فی سماء صافیة، بل جاء لیندرج فی نطاق أمرین وغرضین اثنین أرادت حکومة نتنیاهو تحقیقهما:

 أولهما تنشیط الحملة الدولیة التی بدأتها "إسرائیل" منذ شهر ونصف الشهر مع کل من واشنطن ودول الاتحاد الأوروبی لبلورة عقوبات إضافیة ضد إیران، فـ"إسرائیل" معنیة الآن بلفت الأنظار مرة جدیدة إلى الموضوع النووی الإیرانی بعد أن غاب عن جدول أعمال المؤسسات الدولیة المعنیة بسبب حضور وسطوة الخبر المتعلق بالربیع العربی والتفاعلات الیومیة التی مازالت تسحب نفسها على صعید الاهتمام العالمی بما یجری فی البلدان العربیة.

وثانیهما، أن إعادة إثارة الموضوع النووی الإیرانی بهذا الشکل اللافت داخل "إسرائیل" یمتلک أساسا سیاسیا داخلیا بامتیاز، فهذا الموضوع المشحون انطلق مسربا وقصدا من داخل الغرف المغلقة فی "إسرائیل" والمجلس الوزاری المصغر إلى النقاش العام والى الإعلام الخارجی رغم الطابع والبعد الإستراتیجی الهام المتعلق بالحدیث عن استهداف المنشآت النوویة الإیرانیة.

وبالطبع، لم یکن لنتنیاهو أن یطلق العنان لخروج النقاش من الدوائر المغلقة إلى الإطار الأوسع إلا خدمة للغرضین السابق ذکرهما، ولتحقیق عملیة تکتیکیة داخلیة، وفی مسار سیاسی یتعلق بسیاقات لها علاقة بتفاعلات الوضع "الإسرائیلی" الداخلی وتحولاته، وفی ظل أزمات حکومة نتنیاهو الناتجة عن انسداد أفق التسویة مع الفلسطینیین، وثبات السلطة الفلسطینیة عند موقفها المعلن برفض العودة إلى طاولة المفاوضات الثنائیة المباشرة دون الوقف الکامل لکل أعمال التهوید والاستیطان.

فالخدمة التکتیکیة التی أراد منها نتنیاهو إشغال الداخل "الإسرائیلی" بعنصر إثارة (قدیم/جدید) تأتی بعد أن حصد نتائج ایجابیة فی استطلاعات الرأی العام الأخیرة فی "إسرائیل"، ومنها التقدیرات التی تقول بتقدم حظوظ حزب اللیکود على منافسیه فی أی انتخابات برلمانیة قادمة، لیصبح التقدیر الانتخابی فی صدر الصورة والسلوک الیومی لنتنیاهو.

وفی هذا الصدد، ماکان لنتنیاهو ولحزبه أن یحصد تقدیرات عالیة فی استطلاعات الرأی إلا بعد أن حقق إنجازین اثنین، تمثل الإنجاز الأول فی إقدامه على تمریر صفقة التبادل التی نالت تقدیر صف واسع من الجمهور "الإسرائیلی" بما فی ذلک لدى قطاعات الیمین والمتدینین، رغم وجود حیز هام من الجمهور المعترض على حجم الصفقة وتفاصیلها.

وتمثل الانجاز الثانی فی استیعاب نتنیاهو للتفاعلات الداخلیة "الإسرائیلیة" بعد أن طالته شخصیا فی المظاهرات التی قام بها جمهور الشرائح الطبقیة الوسطى، الذی نزل إلى الشوارع بمئات الآلاف مطالبا بالعدالة والمساواة، وبتعدیل شروط العمل، وزیادة المکاسب، وتحسین ظروف الحیاة الاقتصادیة فی ظل ازدیاد حدة الفرز (الطبقی) داخل "إسرائیل"، فأسرع نتنیاهو لتقدیم حوافز وسلة إغراءات لعموم قطاعات المجتمع وللمتظاهرین، وقد لبى جزءا هاما من مطالب قادة وجمهور الحراکات الداخلیة "الإسرائیلیة".

تباین بین مندفع ومتحفظ

وعلیه، وبناء على المعطیات الواردة أعلاه، فإن العودة للمعزوفة "الإسرائیلیة" (القدیمة/الجدیدة) بتوجیه ضربة عسکریة جویة لإیران، مناورة تکتیکیة على الأرجح، وقد أثارت تباینات کبیرة وواسعة داخل مصادر القرار فی "إسرائیل" وداخل المجلس الوزاری المصغر المعنی برسم وصیاغة القرارات ذات البعد الإستراتیجی.

وقد أفرزت تلک التباینات وجود ثلاثة تیارات داخل مصادر القرار فی "إسرائیل" بالنسبة لکیفیة التعاطی مع دعوات توجیه ضربة جویة للمنشآت النوویة الإیرانیة، فهناک تیار مندفع، وتیار رافض، وتیار مهنی متحفظ.

فالتیار المندفع لتنفیذ العملیة الجویة ضد المنشآت النوویة الإیرانیة یلعب أصحابه على هذه المعزوفة، ویقوده نتنیاهو نفسه الذی یرید الآن تصدیر صورته الصقریة الحاسمة أمام قطاعات الیمین المتسعة کل یوم داخل "إسرائیل"، ویقف معه فی الخندق نصف المجلس الوزاری المصغر (أربعة من ثمانیة) وعلى رأسهم الجنرال إیهود باراک الذی کان فی الفترات السابقة یقلل فی الجدوى المحتملة للهجوم قبل احتساب المخاطر، لکنه انقلب على موقفه فی محاولة منه لاستثمار الجو الداخلی فی "إسرائیل" وتقدیم سیاسة صقریة أمام الجمهور "الإسرائیلی" بعد تشکیله حزبا سیاسیا جدیدا (مازال محدود الحضور) بعید انشقاقه وخروجه عن حزب العمل.

وهناک التیار الرافض للقیام بأی عمل عسکری ضد إیران، ویقف فی هذا الصف (النصف الأخر من أعضاء المجلس الوزاری المصغر) وعددهم أربعة أعضاء هم من زبدة الیمین الصهیونی: بینی بیغن، ودان میردور، والجنرال موشیه یعلون، والمتطرف الفاشی أفیغدور لیبرمان. ومعهم عدد کبیر من مفاصل القرار من الذی هم الآن خارج إطار المجلس الوزاری المصغر مثل رجل الاستخبارات بوجی یعلون والجنرال شاؤول موفاز، ورئیس الموساد السابق الجنرال مئیر دغان الذین یقودون معارضة شاملة مع جمیع قادة أجهزة ومفاصل الأمن فی "إسرائیل" معتبرین أن الهجوم الجوی على إیران "عمل متسرع وارتجالی" لا یتفهم الواقع الدولی المعقد، وسیکون حربا اختیاریة یصعب على الجمهور"الإسرائیلی" قبولها أو تحمل نتائجها التی قد تکون کارثیة على "إسرائیل"، وستجلب لإسرائیل "سیناریو رعب"، مقترحین أن یکون البدیل "الإسرائیلی" فی الاتجاه نحو العمل السیاسی من خلال إثارة العالم وحثه على العمل ضد إیران، ولو بجولة جدیدة من العقوبات الاقتصادیة والمالیة.

خیار إعادة بناء إستراتیجیة جدیدة

أما التیار الثالث فی "إسرائیل" والمتحفظ على استهداف إیران، فهو التیار الذی یمکن أن نسمیه بالتیار المهنی، الذی ینطلق من موقف مهنی فقط، ویمثله قائد سلاح الجو "الإسرائیلی" الجنرال (عیدو نحوشتان) الذی یرى صعوبة تنفیذ عملیة جویة "إسرائیلیة" کهذه ضد المنشآت النوویة الإیرانیة لعدة أسباب، أولها أن المسافات بعیدة بین مواقع انطلاق الطائرات القاذفة "الإسرائیلیة" ومواقع المنشآت النوویة الإیرانیة.

 

وثانیها، توزع المنشآت النوویة الإیرانیة على مسافات متباینة جدا، تصل بین بعضها بحدود (1500) کیلومتر مما یصعب عملیة استهدافها، فالطائرات "الإسرائیلیة" تستطیع الوصول إلى إیران لکنها لا تستطیع إلقاء قنابلها الفتاکة على کل المواقع النوویة أو على نصفها على الأکثر، فالبرنامج النووی الإیرانی لن یقضى علیه بعد انتهاء العملیة الجویة "الإسرائیلیة" إن تمت، ولن یؤخره حتى لبضعة أشهر، وذلک بسبب کثرة الأهداف والدفاع الجوی الکثیف المحیط بها.

وثالثها، یتمثل وجود الجزء الأکبر منها (أی المنشآت النوویة الإیرانیة) داخل تحصینات محکمة ومدفونة تحت الأرض فی مناطق متناثرة فوق أراضی إیران الشاسعة المساحة.

ورابعها، أن وجود نقص المعلومات المتوفرة لدى "أجهزة الاستخبارات الإسرائیلیة" والمتعلقة بالمنشآت النوویة الإیرانیة وعدم کفایتها لتنفیذ ضربات جویة "إسرائیلیة" محکمة ومؤکدة النتائج.

وعلیه، فإن قائد سلاح الجو "الإسرائیلی" الجنرال (عیدو نحشتان) یسعى لإقناع بنیامین نتنیاهو والجنرال إیهود باراک بالعدول عن إثارة فکرة مهاجمة المنشآت النوویة الإیرانیة، معتقدا أن هجوم سلاح الجو "الإسرائیلی" على إیران لا یستطیع تحقیق الأهداف المطلوبة ولو بحدود معینة، مطالبا کلا منهما أن یغیرا اتجاه تفکیرهما الإستراتیجی حیال الموضوع النووی الإیرانی، وأن یلجأ لصیاغة رؤیة إستراتیجیة "إسرائیلیة" جدیدة تقول إن إیران أصبحت فی النادی النووی العالمی وإنها باتت تمتلک مخزونا نوویا وحتى قنابل نوویة.

فی هذا الإطار، ومن موقع الاستئناس وتلمس الموقف العام فی "إسرائیل" بشأن توجیه ضربة جویة للمنشآت النوویة الإیرانیة، یمکننا ملاحظة النتائج الأخیرة لأحد استطلاعات الرأی، فقد أفادت نتائج استطلاع للرأی (استطلاع دیالوغ) أجری فی "إسرائیل" بإشراف البروفیسور کمیل فوکس من دائرة الإحصاء فی جامعة تل أبیب، فی أوساط (495) مستطلعا أعمارهم فوق سن (18) عاما من عموم السکان فی "إسرائیل" ونشرت نتائجه فی الأول من نوفمبر/تشرین الثانی على صفحات الصحف العبریة. فکتبت صحیفة "هآرتس" أن (41%) من المستطلعین قالوا إن على "إسرائیل" مهاجمة المنشآت النوویة لطهران، مقابل (39%) یعارضون هذه الخطوة، فیما أجاب (20%) منهم بأنهم لا یعرفون.

کما یتبین من الاستطلاع أن (52%) من المستطلعین یثقون برئیس الوزراء بنیامین نتنیاهو ووزیر الحرب إیهود باراک فی أن یتخذا القرارات السلیمة فی الموضوع الإیرانی. بینما أجاب (37%) منهم بأنهم لا یثقون بهما، فیما أجاب (11%) منهم بأنهم لا یعرفون.

لا قرار "إسرائیلیا" دون واشنطن

وبعیداً عن التباینات داخل "إسرائیل" بشأن الموضوع الإیرانی، فإن حقیقة الواقع تقول إن "إسرائیل" لا تستطیع فی هذا المیدان الإقدام على أی خطوة دون المشارکة الأمیرکیة المباشرة اللوجستیة والعسکریة، ودون الغطاء الأمیرکی السیاسی الکامل.

 إن "إسرائیل" لن تستطیع بکل الحالات الإقدام على مغامرة عسکریة بحجم مهاجمة المنشآت النوویة الإیرانیة دون تنسیق وترتیب مسبق مع الولایات المتحدة وفی کل التفاصیل المتعلقة بهذا الأمر من ألفها إلى یائها، فـ"إسرائیل" لا تستطیع رفع حجر عن الأرض دون موافقة الولایات المتحدة وضوئها الخضر أو البرتقالی. وهنا نقول إن الولایات المتحدة مازالت ترفض إلى الآن إمکانیة القیام بعمل عسکری ضد إیران إن کان من قبلها أو من قبل "إسرائیل"، أو بالمشارکة معا، وذلک لعدة أسباب مجتمعة.

فالولایات المتحدة تعتقد أن هجوما جویا "إسرائیلیا" على إیران سیعقد الوضع فی الشرق الأوسط (والمصالح الأمیرکیة فیه وفی القلب منه) تعقیدا تاما، ولهذا تعارضه بشدة. کما أن واشنطن ترى أن المنطقة تلتهب تحت تحولات سیاسیة ومستقبلیة ذات بعد إستراتیجی لا یمکن إشغالها بملف جدید وبأزمات جدیدة، حیث تتجه العیون الأمیرکیة الآن نحو ما یجری فی مصر ولیبیا والیمن وغیرها من البلدان العربیة.

کما أن الولایات المتحدة الغارقة فی أزماتها المالیة والاقتصادیة ومعها جمیع دول الاتحاد الأوروبی ترى فی تفجیر الوضع مع إیران سکبا للمزید من الأزمات التی ستنعکس علیها، خصوصا أن إیران تمتلک حلفاء متماسکین فی المجتمع الدولی وعلى رأسهم کلاً من روسیا والصین العضوین الدائمین فی مجلس الأمن.

وخلاصة القول، إن عودة العزف على وتر استهداف إیران لیس سوى زوبعة فی فنجان تثار داخل "إسرائیل" لتحقیق جملة من الأغراض عند نتنیاهو. کما أن "إسرائیل" لا تستطیع القیام بمهمة کهذه دون التشارک الکامل مع الإدارة الأمیرکیة.

 ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 143335







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. باقري امام اجتماع مجموعة "بريكس": مفتاح الاستقرار واستتباب الهدوء في المنطقة يتمثل في وقف جرائم الكيان الصهيوني
  2. قائد حركة انصار الله: الأمريكي هو شريك للعدو الإسرائيلي في كل جرائمه الفظيعة ضد الشعب الفلسطيني
  3. الفصائل الفلسطينية تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح الاحتلال رفح
  4. ارتفاع عدد الصحفيين الشهداء منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة إلى 141
  5. قيادي في حماس: عملية طوفان الأقصى حققت أبعادها السياسية والاستراتيجية والإنسانية
  6. القوات المسلحة اليمنية : استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين في خليج عدن وسفينة إسرائيلية في المحيط الهندي
  7. بعد استقالة حاليفا.. "تأثير الدومينو" يلحق قيادات الجيش الصهيوني
  8. بيان إيراني باكستاني مشترك ضد الكيان الصهيوني
  9. خلال استقباله حشدا من العمال في انحاء البلاد.. قائد الثورة الإسلامية: جميع الشعوب تدعم فلسطين / الارهابيون الحقيقيون هم من يقصفون الشعب الاعزل في غزة
  10. قيادي في "حماس" : لدى الحركة نحو 30 أسيرا من الجنرالات وضباط الشاباك
  11. تصاعد الهجرة العكسية في الكيان الصهيوني بعد عملية طوفان الأقصى
  12. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الكليات الأميركية وسط إضرابات جماعية وعشرات الاعتقالات
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)