qodsna.ir qodsna.ir

الاعتراف باسرائیل مخالف للشرعیة الدولیة

 

بتاریخ 2000/12/22، وعندما کانت المفاوضات تجری فی طابا بین الجانبین الفلسطینی والإسرائیلی، کتبت مقالة ـ نشرت علی نطاق واسع فی الصحافة المحلیة والعربیة ـ تحت عنوان رسالة لاجئ فلسطینی إلی أخیه المفاوض حملت ثوابت الرؤیة الفلسطینیة تجاه حق العودة، من تمسک به، وإصرار علیه، ورفض لمبدأ التوطین أو التعویض أو المساومة علی هذا الحق، أو مبادلته بأیة حقوق أخری. وکان من بین ما جاء فی هذه الرسالة: إنهم سیحاولون مقایضتک بأن یعرضوا علیک جزءً من القدس أو الحرم الشریف، مقابل تنازلک عن حق اللاجئین فی العودة، فقل لهم: القدس جزءٌ من القضیة، لکن عودة اللاجئین هی القضیة کلها. والقدس قطعة من الوطن، واللاجئون هم الوطن کله. ولا یعنی ذلک المفاضلة بین القضیتین، ولا تقدیم إحداهما على الأخرى من حیث الأهمیة، وإنما لتأکید أهمیتهما معاً، ومکانتهما لدى شعبنا العربی والفلسطینی. ولا نقصد بذلک وضع عودة اللاجئین عقبة فی طریق عودة القدس، إن کانت هناک إمکانیة لاستعادة القدس أو أی جزء منها. ولا عقبة فی طریق إقامة الدولة المستقلة، إن کانت هناک إمکانیة لإقامتها. وإن شعبنا سیرحب بإنجاز أی حق من حقوقه، لکنه لن یقبل أن یمر طریق الدولة أو القدس، عبر التضحیة بحق اللاجئین فی العودة، أو التنازل عنه .
وجاءَ فی الرسالة أیضاً إنهم سیساومونک على التعویض عن ثمن الأرض، فلا تقبل به. ذلک أن الوطن لیس قتیلا حتی نقبل دیة فیه. فأرضنا ما زالت ماثلة أمام أعیننا بکل نبض الحیاة فیها. وکل الحنین لعودة الأهل إلیها .
وجاء فی ختام الرسالة إنه بغض النظر عما یقال من أن الأوضاع والمواقف السیاسیة الإسرائیلیة والدولیة القائمة تشیر إلی أن تطبیق حق العودة غیر متاح الآن، فإن ما یجب على کل الأطراف معرفته هو أن التفریط فی حق العودة غیر مباح أبداً. وفی وعیک لهذه المسألة ـ أیها الأخ المفاوض ـ وتمسکک بها، یکمن فصل الخطاب. بل إن موقفک من هذه القضیة، هو الذی یحدد موقفنا منک. فهذه القضیة هی البند الأساسی فی العقد الموقع بین منظمة التحریر وشعبنا الفلسطینی. والإخلال بها یبطل صحة هذا العقد، ویمس بقاعدة الوحدة الوطنیة التی قامت علیها منظمة التحریر الفلسطینیة، ویفتح الطریق أمام القوى المتربصة بوحدة شعبنا للعبث بهذه الوحدة. والطعن بشرعیة التمثیل. فلنوصد هذا الباب فی وجه هؤلاء المتربصین. ونظن أن مغلاق الباب هو الآن بین یدیک، فاحرص علیه .
کانت هذه بعض مضامین الرسالة الأولی، أما الرسالة الثانیة التی حملت نفس العنوان تقریبا رسالة لاجئ فلسطینی إلى أخیه أبی مازن . فقد کتبت ونشرت و وجهت للأخ أبو مازن فی 2005/1/30 أی بعد تسلمه مقالید السلطة ورئاسة منظمة التحریر، وبعد زیارته لمخیمات الشتات فی سوریة ولبنان. وقد حملت نفس مضامین الرسالة الأولى . وقد جاء فیها أیضاً تنبیه للأخ أبو مازن لخطر فلسطینی داخلی على حق العودة، یتساوق مع الخطر الإسرائیلی والخارجی، ویتزامن معه، ویتمثل فی مواقف وتصرفات شخصیات قیادیة فی أعلی هیئة قیادیة فلسطینیة (اللجنة التنفیذیة للمنظمة) ومسؤولین فی السلطة. یتفاوضون علی حق العودة من وراء الشعب الفلسطینی، ویقدمون مبادرات، ویوقعون اتفاقات تنتهک حق العودة، مع أطراف إسرائیلیة. وطالبناه ـ کما سبق أن طالبنا الشهید الراحل أبو عمار، بوقف هذه التحرکات والتصرفات، وردع أصحابها ومحاسبتهم.
ومما جاء فی رسالتنا للأخ أبو مازن حین یطرح علیک الإسرائیلیون موضوع توطین اللاجئین فی الخارج، فجوابنا وجوابک علیهم هو أن شعبک رفض ذلک منذ سبعة وخمسین عاماً، ولو ارتضى لنفسه وطنا بدیلاً، وأرضاً غیر أرضه، لما انتظر کل هذه المدة، ولما احتفظ بصفة اللجوء، واحتمل عذاباته کل هذی السنین. وإن تحججوا بأن فلسطین هی أرض المیعاد. فقل لهم: إن کان لا بد لطرف أن یعترض على وجود الآخر، فنحن من یعترض، لأننا أصحاب الأرض وهم الطارئون. وإن تذرعوا بأن مساحة أرض فلسطین لا تتسع لنا ولهم، فإن مقولتهم تسقط حین نشیر إلی أن 80% من مساحة الأرض التی تقوم علیها إسرائیل لا یعیش فیها الآن أکثر من 20% من الیهود. أی أن غالبیة الأرض شبه خالیة من السکان، وهی تتسع لمالکیها الحقیقیین، الأقدر على إعمارها واستثمارها، وهم الأولی بها من أولئک الأغراب الذین تستوردهم حکومة إسرائیل کبضاعة بشریة من أصقاع روسیا، أو أدغال أثیوبیا، أو أنحاء أمریکا اللاتینیة. لولا النظرة العنصریة التی یتعامل بها قادة إسرائیل مع الآخرین .
وجاء أیضاً سیحاولون تشویه معنى العودة، وتحریف مفهومه، بحصره فی الحدیث عن عودة لاجئی الخارج فقط، أو جزء منهم، إلی مناطق السلطة أو الدولة الفلسطینیة. وردنا على ذلک، أن لأی فلسطینی من أی مکان، الحق فی القدوم إلی الدولة الفلسطینیة، والإقامة فیها، وحمل جنسیتها، وذلک أمر خارج نطاق التفاوض. أما عودة اللاجئین، فلها مفهوم واحد ومحدد، هو عودتهم إلى أراضیهم وممتلکاتهم التی هجروا منها عام 1948. وذلک ینطبق على لاجئی الخارج، کما ینطبق على لاجئی الداخل الذین یصل عددهم إلى ملیونی لاجئ یقیمون فی الضفة والقطاع. کما یخص هذا الحق أولئک المهجرین من قراهم ومدنهم من أهلنا فی الجلیل والمثلث والنقب، والذین یزیدون عن ربع ملیون إنسان .
وقد أوضحنا للأخ أبو مازن أننا ندرک حجم العقبات التی تقف الآن فی طریق تمکین اللاجئین من ممارسة حقهم فی العودة إلى أراضیهم وممتلکاتهم، لکن هذه الظروف لا یمکن أن تقنع شعبنا بعدم الإصرار على ضرورة إقرار إسرائیل، واعترافها بحق جمیع اللاجئین المشروع فی العودة، کمسألة مبدئیة وثابتة. وتبقى مسألة تطبیق هذا الحق هی موضوع البحث من حیث آلیة التنفیذ، وکیفیتها، والمدة التی تستغرقها، وتوفیر شروط استیعابهم وتأهیلهم فی أراضیهم الأصلیة، والأعداد التی یمکن استیعابها سنویاً، حتى لو استغرق الأمر سنوات وسنوات. وبذلک نکون قد ثبتنا حق العودة من جهة، وقطعنا الطریق، من جهة أخری، على ادعاءات إسرائیل بعدم قدرتها علی استیعاب ملایین العائدین، وفضحنا، فی کل الحالات، منطقها الاستعماری العنصری الذی هو أساس المشکلة.
وقد اهتمت الصحافة الإسرائیلیة بهذه الرسائل، وعلقت علیها، مشیرة إلى مدى تمسک الشعب الفلسطینی ولاجئیه بحق العودة. وکان من أهم هذه التعقیبات ما کتبه الصحافی الإسرائیلی دانی روبنشتاین فی صحیفة هآرتس بتاریخ 30 کانون الثانی /ینایر 2001 قائلاً : عبد الله الحورانی یقول: إن عناویننا الدائمة کلاجئین، واحدة وثابتة، وهی لیست حیث نعیش فی مخیمات الداخل أو الشتات أو خارجها، وإنما هی منقوشة على جذور الأشجار التی بقیت تحرس أرضنا، وتضرب عمیقاً فیها، أو فی نبتة صبر تخز أشواکها کل من یرید اقتلاعها. وتدل علیها عظام الآباء والأجداد التی رفضت الرحیل، وبقیت تؤنس بعضها بعضاً، وتتواصل أرحامها حتی یعود إلیها الأبناء والأحفاد الذین طال بهم الغیاب .
ویعقب دانی روبنشتاین علی قول الحورانی: إن إسرائیل تستورد مجموعات ضخمة ومتتالیة من الأجانب من أصقاع روسیا وغابات أفریقیا حتی تسد طریق عودتنا بالقول: إن هذه العبارات تخلق انطباعاً بأن حلم الفلسطینیین فی العودة هو شیء حقیقی جداً، ویمکن تحقیقه فعلاً. وما دام هناک مساحات شاسعة ممتدة من الأراضی الفارغة داخل حدود الخط الأخضر فی دولة إسرائیل (کما یقول الحوارنی). وما دامت إسرائیل تستوعب مئات الآلاف من غیر الیهود، فلماذا لا تعود الجماهیر الفلسطینیة اللاجئة التی اقتلعت من أرضها فی عام 1948 إلی أرضها؟ .
ویضیف: الحورانی یذکر أخاه المفاوض مع إسرائیل إن بیننا وبینک عهداً تعهدت فیه باسترجاع حقوقنا، وهذا العهد وقعنا علیه مع منظمة التحریر عندما نالت تفویضنا لها بأن تمثلنا. حتی أن الحورانی هنا یوجه تهدیداً ضمنیا لعرفات (یجب علیک الالتزام بشروط العهد، وإلا تحملت عواقب الإخلال به) .
ولم تکن هذه هی المرة الأولی التی تتابع فیها الصحافة الإسرائیلیة تحرکاتنا ونشاطاتنا السیاسیة والفکریة فی مجال الدفاع عن حق العودة. فقد کتب دانی روبنشتاین نفسه مقالة فی حزیران (یونیو) 1996 تحت عنوان الحورانی یفجر قنابل فی المخیمات المنسیة ، وکان ذلک تعقیبا علی الحرکة النشطة التی نظمناها فی قطاع غزة قبل أحد عشر عاما من الآن (عام 1996) لتوعیة وتعبئة وحشد اللاجئین فی مخیمات القطاع ومدنه للتمسک بحقهم فی العودة والدفاع عنه، والتی نتج عنها تشکیل اللجان الشعبیة للاجئین فی مخیمات القطاع. وکان هذا التحرک من أوائل التحرکات الشعبیة الفلسطینیة لتوعیة اللاجئین وتنظیمهم للدفاع عن حقوقهم، وتشجیع کل الساحات التی یتواجد فیها الفلسطینیون فی الداخل والخارج لخلق مثل هذا الحراک السیاسی الشعبی، والربط بین حقوق اللاجئین فی الداخل والخارج، ونفی المفاهیم التی یسوقها البعض، والتی تلغی حقوق لاجئی الداخل فی العودة باعتبارهم یعیشون علی أرض فلسطینیة.
وقد أثارت مثل هذه التحرکات قلق الإسرائیلیین، مما دفعهم لوصفها بالقنابل المتفجرة فی المخیمات. کما دفعتهم للضغط علی السلطة الفلسطینیة لوقف نشاطاتی، واستبعادی عن هذا المیدان، والضغط علی مجموعات الشباب التی تشارکت معها فی خلق هذه الحرکة... لکن ذلک لم یحل، بالطبع، دون مواصلتی العمل، حتی الآن، فی هذا المیدان، سیاسیاً وفکریاً، داخل الوطن، وخارجه، وبالتواصل مع الهیئات والجمعیات الناشطة فی هذا المجال، لتطویر وتعزیز الحرکة الشعبیة للدفاع عن حق العودة.
والیوم، وفی ظل تنامی الحدیث عن قضیة اللاجئین وحقهم فی العودة، فی سیاق التحرکات والاتصالات واللقاءات الجاریة تحضیراً لما یسمی مؤتمر السلام الدولی الذی سیعقد فی أواخر تشرین الثانی (نوفمبر) القادم..... أکتب رسالتی الثالثة.
وقبل أن أبدأ فی کتابة الرسالة، أقدم لها بذکر بعض الوقائع والمواقف التی یمکن أن تشکل ورقة بأیدینا نحاسب کل من یخرج عن مضامینها.
أولاً ـ قبل أن یتوجه الأخ أبو مازن إلی اجتماع کامب دیفید فی تموز (یولیو) 2000، بصحبة الشهید یاسر عرفات، اتصلت به هاتفیا مذکراً إیاه بضرورة التمسک بحق العودة. فکان جوابه، وقبل أن أسترسل فی الحدیث. تقطع یدی ولا أتنازل عن حق العودة . فکان هذا الجواب هو أقصی ما یمکن أن أتوقعه أو أطمح إلیه.
ثانیا ـ وبعد عودته من کامب دیفید، التقیته فروی لی قصة حدثت أثناء المفاوضات بحضور الوفود الثلاثة، الأمریکی برئاسة کلینتون، الإسرائیلی برئاسة باراک، والفلسطینی طبعاً برئاسة أبو عمار. وکان الموضوع المثار هو موضوع اللاجئین، وکان البعض یولی اهتماماً أکبر بقضیة لاجئی لبنان نظراً لأوضاعهم الصعبة. وعندما تدخل أبو مازن فی الحدیث قال: إن حقوق اللاجئین فی العودة إلی أراضیهم متساویة اینما کانوا، وبجمیع أعدادهم، وأن الاجتماع لو أقر بحق العودة لأربعة ملایین لاجئ، ورفض حق العودة لبقیتهم فإنه لن یوافق. عندها صرخ کلینتون مستغرباً ومتسائلاً عن سبب هذا الموقف؟ فأجابه أبو مازن: إنه لو تم استثناء مائة ألف لاجئ فقط من حقهم فی العودة، فإن ذلک لن یحقق السلام فی المنطقة، لأن هؤلاء سیستمرون فی النضال من أجل حقوقهم. وأضاف: إنه یجب الاعتراف والإقرار بحق جمیع اللاجئین فی العودة. أما آلیة العودة وکیفیتها، وتنظیمها، وفحص رغبة العودة أو عدمها عند کل فرد.... فذلک کله یتم من خلال المفاوضات.
ثالثاً ـ أما الواقعة الثالثة فهی ما أعلنه الأخ أبو مازن فی مقابلة صحافیة جرت معه مؤخراً من أنه ابن منطقة الجلیل (صفد) ومن حقه أن یعود إلی أرضه .
لو تم اعتماد هذه المواقف کأساس للتعاطی مع حق العودة، فإن ذلک یخلق نوعاً من الاطمئنان والثقة لدی المواطنین الفلسطینیین بشکل عام، واللاجئین بشکل خاص.
لکن ما یجری تداوله هذه الأیام من أحادیث ومواقف عن حق العودة لدی الجانبین الإسرائیلی والأمریکی، وبعض الأوساط التفاوضیة الفلسطینیة، فی إطار التحضیر للمؤتمر أو الاجتماع الدولی الذی سیعقــــــد فی أواخر تشرین الثانی (نوفمبر الحالی)، یتناقض تماماً مع هذه الأسس، وهو ما یثیر تساؤلات کثیرة، ومخاوف کبیرة حــــول کیفیة تعاطی هذا المؤتمر مع حق العودة، والنتائج التی قد تصدر عنه.
هذه المخاطر والتخوفات هی عنوان رسالتی الثالثة، وموضوعها. وهی رسالة موجهة للأخ الرئیس أبو مازن، والمفاوض الفلسطینی، والهیئات الشعبیة الناشطة فی مجال الدفاع عن حق العودة، وللاجئین عموماً، والشعب الفلسطینی بأسره.
إن الأحادیث الجاریة تبدأ بتسویق فکرة اعتماد مبدأ الدولة القومیة، کأساس للحل أی اعتراف الفلسطینیین والعرب بإسرائیل وطنا ودولة قومیة لیهود العالم کلهم. مقابل أن تعترف إسرائیل بالدولة الفلسطینیة وطناً قومیاً للشعب الفلسطینی. وهنا نقطة الحذر الأولی التی یجب أن نتنبه لها جمیعاً، فبمثل هذه المقارنة غیر المتوازنة، وغیر العادلة أو المنصفة استطاعت إسرائیل فی اتفاقات أوسلو أن تجر الطرف الفلسطینی إلی مصیدة الاعتراف بحقها فی الوجود، مقابل اعترافها فقط بمنظمة التحریر الفلسطینیة ممثلاً للشعب الفلسطینی، ودون اعتراف صریح بالحقوق الفلسطینیة الأخری وفی مقدمتها حق العودة، إذ ترکت جمیعها للتفاوض علی الحل النهائی.
إن حق الشعب الفلسطینی فی أن تکون له دولة مستقلة علی ترابه الوطنی هو حق طبیعی ومشروع، ومن الطبیعی أن تکون هذه الدولة عند قیامها ملکاً لکل أبناء الشعب الفلسطینی، وراعیة لهم ولمصالحهم وحقوقهم أینما تواجدوا. لکن تحقیق هذه الدولة یجب ألا یکون علی حساب الحقوق الأخری أو مقایضتها بها أو المساومة علیها. فالاشتراط الذی تضعه إسرائیل الیوم وتسعی لتحقیقه، وهو الاعتراف بإسرائیل وطناً قومیاً للیهود فقط، سیکون اعترافاً بعنصریة إسرائیل وعرقیتها، مع أن الیهودیة لیست قومیة، بل هی دیانة تسرب منها وإلیها الکثیر من أبنائها عبر الزمن. والیهود لیسوا عرقاً أو سلالة، بل هم أخلاط عرقیة .
کذلک فإن اعتراف الأمم المتحدة بدولة إسرائیل فی حدود قرار التقسیم رقم 181، لم یکن علی أساس قومی أو عرقی أو عنصری، فقد نصت بنود هذا القرار علی ضمان الحقوق السیاسیة والدینیة والثقافیة للعرب الفلسطینیین الذین أوقعهم قرار التقسیم داخل حدود الدولة الإسرائیلیة، والذین کان عددهم لا یقل عن عدد یهود الدولة الإسرائیلیة حینها بأکثر من 30 ـ 40 ألف نسمة. بل إن قبول إسرائیل عضواً فی الأمم المتحدة کان مشروطاً بقبولها تنفیذ قرار التقسیم رقم 181، والقرار 194 الذی ینص علی عودة اللاجئین إلی أراضیهم وممتلکاتهم التی طردوا منها. وهذه الشروط تنفی شرعیة قیام دولة دینیة أو عرقیة للیهود.
وبالتالی فإن مطالبة إسرائیل بالاعتراف بها کوطن قومی أو دینی للیهود وحدهم، مخالف للشرعیة الدولیة، وهو ما یجب أن یعیه الجانب الفلسطینی، ویتمسک به.
وإسرائیل بطرحها هذه المطالب، وإصرارها علیها ترید أن تلغی حق اللاجئین فی العودة، وأن تقفل أبواب العودة فی وجوههم. بل إنها ترید أن توفر أرضیة قانونیة وسیاسیة لترحیل وطرد العرب الفلسطینیین الذین یعیشون فی دولة إسرائیل. وهذه أمور یجب أن یتنبه لها المفاوض الفلسطینی، وأن یحذر من الوقوع فی فخها. وعلیه أن یدرک أن شعبنا الفلسطینی لا یمکن أن یقبل بها، ولا یمکنه أن یسمح لأی مفاوض أن یساوم علی هذه الحقوق الثابتة والخالدة.
ولتنفیذ مخططها هذا تستغل إسرائیل لهفة الجانب الفلسطینی وسعیه للحصول علی دولة مستقلة، واستعداده للقبول بها إلی جانب دولة إسرائیل فی حدود الرابع من حزیران عام 1967. وتسعی إلی جره إلی القبول بأن مفهوم الدولتین یعنی دولتین لشعبین. وهذه خدیعة أخری لتسویق مفهوم العرقیة والعنصریة، تتناقض تماماً مع مفاهیم الدیموقراطیة التی تدعیها إسرائیل، أو التی یتبجح بها جورج بوش، والتی یقوم بتدمیر العالم، والهیمنة علیه من أجل نشرها کما یدعی. إذ لا توجد دولة واحدة فی العالم ینص قانونها أو دستورها علی أنها تخص عرقاً معیناً، أو دیانة واحدة. ولیس هناک قبول أو اعتراف متبادل بین أی من دول العالم علی أسس عرقیة أو دینیة. فلماذا تخص إسرائیل وحدها من بین دول العالم بهذا النوع من الاعتراف؟
کما تتناول بعض الأحادیث السیاسیة والصحافیة إمکانیة اعتراف إسرائیل بجزء من المسؤولیة عن خلق مشکلة اللاجئین الفلسطینیین، وعن معاناتهم شریطة ألا یعنی ذلک اعترافها بحقهم فی العودة أو استعدادها لقبول عودتهم. وإنما یمکن تعویضهم مادیاً، وتحسین أحوالهم المعیشیة.
وللرد علی ذلک نقول: إن الاعتراف بجزء من المسؤولیة عن خلق مشکلة اللاجئین (مع أن کل المسؤولیة تقع علی عاتق إسرائیل التی احتلت أراضیهم وطردتهم منها) یعنی تحمل نتائج هذه المسؤولیة وتصحیحها، والعودة عن الخطأ والجریمة التی ارتکبت بحقهم، وإعادتهم إلی دیارهم التی طردوا منها. ولیس فقط بالاعتراف بمعاناتهم. فمعاناة اللاجئین لا توقفها أو تنهیها إلا عودتهم إلی دیارهم، وتعویضهم معنویاً ومادیاً عن کل الآلام والجرائم والمذابح التی ارتکبت بحقهم علی مدی ستین عاماً تعرضوا خلالها لأقسی أنواع العذاب، وعـــــن استغلال إسرائیل واستثمارها لأراضیهم وممتـــلکاتهم خلال هذه الأعوام الستین. أما أرضهم فهی ملکهم وحقهم، وهی خارج نطاق التعویض.
وإذا کانت إسرائیل تراهن علی أنها یمکن أن تخدعنا أو (تضحک علینا) بالتنازل عن جزء من القدس أو الحرم الشریف، أو السماح بإقامة دولة فلسطینیة وفق الشروط الإسرائیلیة، مقابل تنازلنا عن حق العودة، وبذلک تحل القضیة، وینتهی الصراع، ویتحقق السلام... فإن شعبنا أوعی من أن یقع فی هذه الخدیعــــة. وعلی إسرائیل، وکل الدول التی تشارک فی المؤتمر أن تدرک (وهو ما یجب علی المفاوض الفلسطینی أن یدرکه ویتصرف علی أساسه) ما یؤمن به شعبنا من أنه لا القدس ولا الدولة الفلسطینیة یمکن أن تکونا بدیلین لحق العودة. فحق العودة هو حقنا الأول والأخیر.
وانطلاقاً من هذه الرؤیة، وعلی أساسها یجب أن یتم اختیار المفاوض الفلسطینی، وأن تکون وطنیته، ونقاء مواقفه وکفاءَته هی مقیاس أهلیته لاختیاره لمثل هذه المهمات. وهذا سؤال تطرحه الأوساط الشعبیة: هل تم اعتماد هذه المقاییس عند اختیار الفریق المفاوض؟ أم أن منهم من تتعارض مواقفه مع هذه الثوابت، وسبق له أن أقدم علی خطوات لقیت إدانة ورفضاً من قبل الجماهیر الفلسطینیة؟ وهذا ما قد یثیر القلق والمخاوف، من النتائج التی قد تنجم عن المفاوضات. ویجعل الاستفتاء علی هذه النتائج غیر واقعی ولا عادل، فأی قضیة تعرض علی الاستفتاء یجب أن توفر لها کل عوامل النجاح وأدواته، حتی تکون القضیة المعروضة للاستفتاء مستجیبة وملبیة للاحتیاجات الوطنیة، ومؤهلة لاستقطاب المواطنین وتجاوبهم للاستفتاء علیها، وإلا فإن غیاب المضمون الوطنی، أو أی مساس بالثوابت الوطنیة، فی أی قضیة، یجعلها غیر قابلة للاستفتاء.
وإذا أخذنا موضوع حق العودة کمثال، فهل هو کحق یمکن قبول أصحابه بالاستفتاء علیه؟ أظن أن الجواب واضح ومحدد، الحقوق لا یستفتی علیها، وهذا ما هو معروف وثابت قانونیاً وسیاسیاً وأخلاقیاً علی مستوی العالم. فالاستفتاءات لا تجری علی الحقوق، وإنما علی السیاسات وآلیات التنفیذ. وفیما یتعلق بحق العودة فإن له خصوصیة أخری، فهو بالإضافة لکونه حقاً وطنیاً عاماً للشعب الفلسطینی، فهو حق خاص وفیه ملکیة شخصیة لکل لاجئ لا یجوز أن ینوب أحد عن صاحبها فی التصرف بها. وبالتالی فإن أی موقف یتعلق بقضیة اللاجئین، سواء کان استفتاءً أو قراراً سیاسیاً یجب أن یکون الرأی الأخیر والفاصل فیه للاجئین أنفسهم.
وبصراحة نقول: إن مصدر التخوف علی حق العودة لیس محصوراً فقط بالرفض الإسرائیلی له، أو بتراجع الخطاب السیاسی الفلسطینی الرسمی تجاهه، أو فی الترکیز علی القضایا الوطنیة الأخری، وإثارة اهتمام المواطن الفلسطینی بها علی حساب اهتمامه بحق العودة، أو فی تراجع اهتمام النظام الرسمی العربی، (بسبب ضعفه واستسلامه للسیاسات الأمریکیة) بهذا الحق، وبالقضیة الفلسطینیة عموماً، حیث یغیب حق العودة غیاباً شبه تام عن الإعلام العربی، وعن ثقافة المواطن العربی، مما أدی إلی جهل کبیر لدی المواطن العربی حول حق العودة ومعناه ومفهومه وجوهریته بالنسبة للقضیة الفلسطینیة... لیست هذه القضایا کلها وحدها ما یثیر المخاوف والمخاطر علی ضیاع حق العودة، بل هناک الحصار والتجویع والقتل والاعتقال الذی یمارسه العدو الإسرائیلی ضد الشعب الفلسطینی لإشغاله بهمومه الیومیة، وصرفه عن قضایاه الأساسیة. وهناک الظلم العربی الرسمی الذی یرتکب ضد مخیمات الشتات وأهلها وتحرکاتهم وعملهم، وتضییق الخناق علی لقمة عیشهم لدفعهم للتفکیر بالهجرة بعیداً عن حدود الوطن. وهناک الواقع الفلسطینی السیاسی المنقسم والممزق والمشغول بمصالحه الذاتیة والتنظیمیة والفصائلیة، وهناک المتباکون علی حق العودة، الذین یدعون التخوف علیه، ویتهمون الآخرین بالتفریط به، وهم من وجه ضربة قاصمة لهذا الحق عندما قاموا بتمردهم وانقلابهم العسکری لیحظوا بالسلطة، فعمقوا الانشقاق داخل الشعب الفلسطینی، وزادوا من صراعاته علی المستوی الفصائلی والعشائری، وعمقوا فیه لغة الثأر والکره والحقد والتخوین عبر الثقافة التی تنشرها وسائل الإعلام. أمام کل هذه المخاطر، المتعددة الجوانب والأطراف، التی تهدد حق العودة أختم رسالتی بتساؤل حول دورنا نحن أطراف الحرکة الشعبیة الفلسطینیة المدافعة عن حق العودة، إن کان یتناسب مع حجم هذه المخاطر؟
بصراحة أقول: إن دورنا لم یرتق، ولم یصل إلی الحد الذی یجعلنا قادرین علی درء هذه المخاطر، وحمایة حق العودة. صحیح أن حرکتنا نمت، واتسعت، وتزایدت هیئاتها ولجانها فی کل مناطق الوطن والشتات، ونجحت فی عقد وتنظیم العدید من المؤتمرات والندوات واللقاءات حول حق العودة. وساهمت فی التوعیة ونشر ثقافة العودة عبر العدید من الکتابات والنشرات. ولکن هذه الحرکة ما تزال غیر موحدة، وتفتقر إلی التنسیق بین أطرافها، سواءٌ علی مستوی کل ساحة، أو علی النطاق الأوسع.
اطاراتها غیر منتظمة، وأغلب فعالیاتها تقتصر علی المناسبات وردود الأفعال، وبرامجها غیر موحدة. ورغم العدید من المحاولات والمطالبات التی جرت لإیجاد إطار تنسیقی موحد یجمع بین کل الأطراف داخل کل ساحة، وعلی المستوی العام، بهدف خلق حرکة شعبیة واسعة وموحدة ومتطورة تشکل، بموقفها وجهودها ونشاطاتها، سداً منیعاً فی مواجهة هذه المخاطر، بل وتضع هی برنامجاً نضالیا وتطبیقیا للعودة تفرضه، بقدراتها الشعبیة وقوتها، علی القیادة السیاسیة، حول کیفیة التعامل مع حق العودة. لکننا، وللأسف الشدید، ورغم تجاوب العدید من هیئات حق العودة، لم ننجح فی إنجاز هذه الخطوة، ربما لرؤیة تقوم علی المصالح التنظیمیة والفصائلیة عند البعض، وربما لرؤیة ذاتیة وشخصیة ضیقة عند أطراف أخری تحرص أن یتم ذلک فقط من خلالها، وبإشرافها، ووفق رؤیتها.
المخاطر تشتد، والخناق یضیق، والوقت یمضی، وأرجو ألا یأتی الیوم الذی نندم فیه حین لا ینفع الندم.... واللهم إنی قد بلغت فاشهد.

( المقال للکاتب عـبد الله الحـورانی فی القدس العربی اللندنیة )

ن/25


| رمز الموضوع: 142733