سقطت بوتو فعُبّد الطریق لواشنطن وتل أبیب

علینا أن لا ننسى أمرا وهو مهم للغایة ویتعلق بالفضاء الإستراتیجی والجیوسیاسی، وهو إکمال الطوق على الشرق الأوسط ولصالح واشنطن وتل أبیب أیضا، لأن الخط النازل من باکستان نحو بحر العرب سیذهب إلى خلیج عدن، ثم البحر الأحمر، وصولا للصومال وصعودا نحو السودان ومصر ثم الضفة الأخرى للبحر الأحمر ( الضفة الأفریقیة) مثل أثیوبیا والدول المجاورة لها، وهذا یعنی وقوع الشرق الأوسط تحت سیاسة الخنق والحصار ومتى ما رغبت واشنطن وتل أبیب ( لأن الخط أعلاه ..سیکمله الخط النازل من باکستان نحو بحر العرب ثم الخلیج الفارسی ثم مضیق هرمز والمیاه الدولیة أولا ، ثم الکویت والعراق والأردن وإسرائیل ثم المیاه الدولیة من هناک ثم أوربا ، وبهذا أصبحت الدول العربیة والشرق الأوسط داخل الطوق الجدید)، وبهذا یعنی أن معالم رسم خارطة الشرق الأوسط والعالم الجدید قد تبلورت شیئا فشیئا.

 مشروع الإتحاد (الروسی ــ البیلاروسی) ورعب واشنطن والناتو!

هنا نعتقد ومعنا کثیر من المحللین والمتابعین، أن روسیا لن تنسى ما تعرضت له من اهانة سیاسیة وعسکریة وخسائر مادیة فی أفغانستان وعلى ید الولایات المتحدة وأصدقاءها المباشرین، وأولهم کانت باکستان وتنظیم القاعدة والمجاهدین، ولن تنسى عملیة طردها من المنطقة وشنق حلیفها الرئیس الأفغانی ( نجیب الله)، خصوصا وأن روسیا رتبت نفسها وبهدوء لتکون لاعبا دولیا بل ندّا إلى الولایات المتحدة ومن جدید، وهناک إشارات وخطوات بعودة روسیا القویة حتى على المستوى الجیوسیاسی والإستراتیجی، حیث أن هناک مشروع (إتحاد بیلا روسیا مع روسیا) وهناک معلومات ومن مراکز إستراتیجیة غربیة أن هناک اتفاقا بین الرئیس البیلاروسی ( الکسندر لوکاتشنکو) والرئیس الروسی ( فلادیمر بوتن) أن یعود الرئیس الروسی الحالی فلادیمیر بوتین رئیسا لهذا الإتحاد والذی سیرعب الولایات المتحدة وحلف الناتو والدول التی تمردت على الإتحاد السوفیتی وأصبحت فی حضن أمیرکا والإتحاد الأوربی.

 ولهذا تسعى الولایات المتحدة لزعزعة النظام فی بیلا روسیا ، ولقد بادرت بخطوات کثیرة ومنها عندما أعلنت وزارة الخزانة الأمیرکیة عن تجمید ستة من المسئولین البیلاروسیین فی فبرایر 2007 ، وقبلها جمدت حسابات الرئیس لوکاتشنکو وتسعة من کبار المسئولین ، وتحرکت  نحو عقوبات جدیدة ،ولکن الرئیس البیلاروسی هدد بطرد السفیر الأمیرکی والتخلی عن التعامل بالدولار ، و بهذا فأن واشنطن تمارس أسلوب ( أضربک یا بنتی وأسمعک یا کنتی) أی المقصود هو روسیا والرئیس بوتن.... لأن الولایات المتحدة تعرف الاتفاق بین الرئیسین الروسی والبیلاروسی خصوصا بعد أن ینجح بوتین بأن یکون رئیسا للوزراء فی روسیا لیتسنى له ترتیب هذا الإتحاد، والذی هو بمثابة رد إستراتیجی عن ثأر قدیم، ورد إستراتیجی على زحف حلف الناتو ومعه واشنطن، والذی أصبح على تخوم الحدود الروسیة ،ناهیک أن هناک تهدیدا خطیرا متمثل بمنظومة الصواریخ والرادارات الأمیرکیة فی جمهوریة الجیک وبولندا والذی تعتبره روسیا تهدیدا أمیرکیا مباشرا إلى أمنها القومی،.

هنا سوف نرى  ان من مصلحة الهند أن یُضرب خصمها اللدود وهو باکستان، وتنهی بذلک الصراع والعداء الذی استمر منذ عام 1947 ولحد الآن حول موضوع ( کشمیر) وقضایا أخرى ، ولن یتم التخلص من الخصم الباکستانی إلا من خلال الحرب المباشرة مثلما حصل فی العراق، أو من خلال إدخال باکستان فی الفوضى الخلاقة، ومن ثم إدخال باکستان فی المشروع الطائفی والمذهبی وبهذا سینتهی خصم الهند وللأبد وبنفس الطریقة التی تخلصت بها إسرائیل من خصمها القوی وهو العراق عندما أدخل فی الفوضى الخلاقة، ثم فی المشروع المذهبی والطائفی.

 ولکن وعلى مایبدو أن الأمر الذی کان ولازال یخیف الهند هو موضوع الترسانة النوویة والصواریخ فی باکستان ولکن وعلى ما یبدو أصبحت تحت حمایة ورعایة الولایات المتحدة وإسرائیل، ولهذا شاع الاطمئنان فی الجانب الهندی، فلقد نشرت صحیفة (ذی أوبزیرفر) البریطانیة وبتاریخ 30/12/2007 تأکیدا بأن البرنامج النووی قد تم تفکیکه حیث قالت ( إن السلاح النووی الباکستانی جرى توزیعه فی أنحاء الدولة بعد تفکیکه إلى أجزاء ویخضع لحراسة مشددة، ولقد بُدل نظام الشفرة الخاص به والذی یحول دون استخدامه حتى وأن کان جاهزا للعمل) أی تحول إلى الخردة الغالیة، وهذا یعنی عیدا هندیا.

 فعندما تکون هذه الترسانة بید وبإشراف واشنطن هذا یعنی أنها سُلّمت إلى الولایات المتحدة وإسرائیل ویبدو أن من عجل بأن تکون هذه الترسانة بید و واشنطن هو تصریح رئیس هیئة الأرکان المشترکة بباکستان الجنرال ( طارق ماجد) بتاریخ 11/12/2007 والذی قال به وعلى شکل بیان ( أن الاقتراحات التی أثیرت مؤخرا عن إمکانیة مصادرة قدراتنا النوویة أو نقلها إلى أماکن سریة أکثر أمانا للحیلولة دون سقوطها فی أیدی جهات مشبوهة غیر صادقة، فهذه الاقتراحات مرفوضة شکلا وموضوعا) وکان یرد بها على تقریر وخطة المؤرخ العسکری ومهندس خطة تعزیز القوات الأمیرکیة فی العراق ( فریدریک کیجان) والذی کتب إلى الرئیس الأمیرکی جورج بوش خطة إستراتیجیة بخصوص الباکستان، ونشر عنها فی وسائل الإعلام فی 2/12/2007 وحیث نوهت لها صحیفة (الغاردیان) فقالت ( لقد وضع کیجان بعض التخیلات الخاصة بباکستان واحتمالات تطورات الأوضاع فیها، فناشد الإدارة الأمیرکیة ضرورة وضع دراسة للتعاطی مع الاحتمالات المختلفة والتی یمکن أن تنتهی بزعزعة الاستقرار، وانتشار الفوضى فی باکستان).

ولم یکتف المؤرخ العسکری کیجان بهذا بل یعطی الخطوات اللاحقة والتی حتما سنراها أو سنرى سیناریوهات قریبة لها فقال ( من الضروری أن یستعد الجیش الأمیرکی للتدخل فی أقالیم البنجاب والسند وبلوشستان لتوفیر الدعم اللازم للرئیس الباکستانی لمواجهة الإسلامیین) علما أن التدخل لن یحدث إلا بوجود أسباب التدخل والأسباب إذن هی الاضطرابات الطائفیة أو المناطقیة أو الحزبیة، والتی ستکون بهارتها الاغتیالات والتفجیرات و حینها سیتم التدخل والبقاء هناک واحتلال باکستان بطریقة أخرى .. ألیس کذلک......؟

هذا الأمر هو الذی عجّل بزیارة نائب وزیر الخارجیة الأمیرکیة والخبیر فی صنع الفوضى الخلاقة والخلایا السریة ( جون نغروبونتی) فلقد أسسها وأشرف علیها من قبل فی السلفادور والهندوراس عندما کان سفیرا هناک أی منتصف الثمانینات من القرن المنصرم، وأسسها فی العراق عندما مکث هناک ولمدة ستة أشهر سفیرا فی بغداد عام 2005 ، فلقد ذهب إلى باکستان والتقى الرئیس الباکستانی برویز مشرف خلال الفترة من 16 إلى 17 تشرین الثانی/ نوفمبر الماضی (عام2007) وحثه على خلع البزة العسکریة والقبول بالاختیار الأمیرکی .

 ثم أنتقل إلى الشطر الأهم من الزیارة و هو اللقاء الذی تم بین نغربونتی والجنرال ( أشفاق کیانی) والذی دعمه نغروبونتی أن یکون القائد العام للقوات المسلحة کونه الرجل المُدّرب أمیرکیا ، والحلیف والصدیق الجدید للولایات المتحدة فی باکستان والمنطقة، وبالفعل قد سلّم الرئیس مٌشرّف قیادة الجیش إلى الجنرال إشفاق بتاریخ 28/11/2007 مودعا ثلاثة وأربعین عاما من الحیاة العسکریة، وحرص أن یزور مقر قیادة الجیش فی راولبندی وهی المدینة التی اغتیلت بها بی نظیر بوتو ، ویجب أن نؤکد على مسألة مهمة، وهی أن الاستخبارات الأمیرکیة تعمل بحریة فی باکستان، ودون أن تشاطر الاستخبارات الباکستانیة العمل، ولقد شهد على ذلک وزیر الداخلیة الباکستانی ( أفتاب أحمد خان) عندما قال فی وقت سابق ( إن أجهزة الاستخبارات الأمیرکیة لم تشرک باکستان فی أی معلومات إستخباریة محددة بشأن أماکن القاعدة أو طالبان)!!.

 ولکی نعزز الرأی الذی یقول بأن الأمیرکان یعلمون بکل شیء فی باکستان تقریبا ، وأنهم یعتبرون باکستان ساحة خاصة بهم ولهم، لهذا هم یعملون بحریة تامة وبالتالی یعرفون جمیع مکامن الخطر والتوتر فی باکستان ، ولکن نؤکد بأن ما حدث لیس مفاجأة للأمیرکیین، بل هناک استعدادات نفسیة ولوجستیة لما بعد الصدمة وهی ( أغتیال السیدة بوتو) فلقد نشرت صحیفة (لوس أنجلوس تایمز) فی 9/11/2007 تقریرا ذکرت فیه ( أن الحکومة الأمیرکیة حثت المحللین فی جهاز الاستخبارات الأمیرکی على إعادة تقییم المخاطر التی تنجم عن تزاید القلاقل فی باکستان) وقالت الصحیفة أیضا ویعتبر هذا الکلام بمثابة شهادة للتحقیق فی مقتل السیدة بوتو وللتاریخ .

 فلقد قالت الصحیفة وعن مسئولین فی جهاز الاستخبارات الأمیرکی ( أن الجهود المبذولة حالیا ستترکز على محاولة تحدید السیناریوهات المحتملة إذا ما انهارت لأوضاع السیاسیة فی باکستان، ومدى تأثیر ذلک على قدرة الدولة فی التحکم فی برنامجها النووی بأسلحته وعناصره الأخرى وکذلک علماؤه) ؟

السیناریو المُستحدث فی باکستان و بعد مقتل بوتو سیجعل حلف الناتو والدول الأوربیة فی حیرة حقیقیة وهذا ما تریده واشنطن، فلم یبق أمامها طریق إلا المضی مع الولایات المتحدة والى آخر المطاف ، وهو هدف إستراتیجی مهم بالنسبة للولایات المتحدة ، أی سوف تنجح الولایات المتحدة من إجبار حلف الناتو بأن یزید من قواته فی أفغانستان منعا للانهیار هناک، وکی یساعد الولایات المتحدة فی باکستان.

وقبل الذهاب إلى نقطة أخرى یجب طرح الأسئلة القصیرة والمتعلقة بالرئیس برویز مشرّف وهی:

سوال1:

قال الرئیس مشّرف: لقد قررت حالة الطوارىء فی البلاد لأن هناک قوى داخلیة ولها ارتباطات خارجیة ترید جر البلاد نحو الفوضى ولن نقبل بهذا... هل کان صادقا؟ ومن هی هذه القوى ؟ وما هی التقاریر التی أستند لها بذلک؟

سؤال2:

واشنطن أرسلت نغروبونتی لیخلع بزة مشرّف العسکریة، ومن ثم أجبره أن یکون مدنیا ویصعد خلفه رجل أمیرکا الجدید وهو الجنرال أشفاق.... وطالبت الولایات المتحدة برفع حالة الطوارئ .... هل وقع الرئیس مشرّف بکمین أمیرکی وبعد أن رتبوا ما یریدون على المسرح السیاسی جاءوا فتخلوا عنه؟ وهل أن حالة الطوارئ عطلت مقتل بوتو أم سرعت به؟

سؤال 3:

هل لزیارة الرئیس مشرّف إلى قیادة الجیش الباکستانی فی روالبندی من أجل التودیع له علاقة بمقتل بناظیر بوتو؟

سؤال 4:

لماذا لم یتم اغتیال السید نواز شریف وهو الند القوی للرئیس مُشرّف، بل بینهما ثأر کبیر جدا فیما لو فکرنا أن الرئیس هو من خطط لعملیة الاغتیال؟... فهل لأن نواز شریف عاد بضمانات عالیة المستوى ومن الناحیة السیاسیة والمذهبیة؟ أم أن نواز شریف کان محصنا من الأمیرکان والخلیجیین فعجز مشرف من الوصول الیه فقرر التخلص من بوتو؟ أم أن بوتو ترکت بلا حمایة من قبل الأمیرکان والرئیس مشرّف لیتم قتلها والتخلص منها؟

فعلى ما یبدو أن المخططین الإستراتیجیین فی مشروع الفوضى الخلاّقة ومشروع الشرق الأوسط الکبیر ورجالهم فی المنطقة وفی باکستان قد طرحوا الأسئلة التالیة وقبل الشروع فی الفوضى:

 ـــ أیهما الأغلى والأهم البرنامج النووی الباکستانی أم بی نظیر بوتو؟

ـــ ما مدى شظایا الانفجار (سیاسیا ومذهبیا وعقائدیا) فی حالة سقوط بوتو، وسقوط البرنامج النووی الباکستانی وأیهما أعنف وأکثر تعقیدا؟

 لهذا جاء القرار أن تکون بی نظیر بوتو بمثابة القربان من أجل البرنامج النووی الباکستانی، أی یصل هؤلاء إلى البرنامج النووی الباکستانی والى جمیع مفاصل باکستان وبحجة الفوضى أو التهدید بها فی باکستان.... وهذا یعنی أن وحدة باکستان الجغرافیة والمذهبیة والاجتماعیة مهدّدة بتداعیات خطیرة تفرضها الفوضى الخلاقة التی دخل بها باکستان من خلال دماء بوتو!.

ن/25