غزة الیوم والمستقبل غامض !

فی الرابع من کانون الثانی / ینایر 2007وأثناء انعقاد القمة فی شرم الشیخ، بین الرئیس المصری حسنی مبارک ورئیس الوزراء الإسرائیلی إیهود أولمرت. اقتحمت قوات کبیرة من جیش الاحتلال مدینة رام الله اندلعت على أثرها إشتباکات مع الفلسطینیین أسفرت عن استشهاد أربعة مدنیین فلسطینیین. وفی الرابع والعشرین من کانون الأول / دیسمبر 2007، أعلنت صادر صحافیة إسرائیلیة عن تقدیم بعض الجهات فی المعارضة الإسرائیلیة شریط فیدیو للکونغرس الأمریکی یوضح التعاون بین الجنود المصریین، ومهربین فلسطینیین على الحدود المصریة الفلسطینیة فی قطاع غزة.

فی الوقت ذاته وجهت وزیرة الخارجیة الإسرائیلیة "تسیفی" لیفنی اتهامات حادة وسیئة وصفت "بالوقحة والمسیئة" لقوات الأمن المصریة، واتهمتها "بالفشل والتواطئ" فی تهریب الأسلحة والوسائل القتالیة لفصائل المقاومة الفلسطینیة فی القطاع. تزامن ذلک مع التحضیرات للزیارة التی قام بها وزیر الأمن الاسرائیلی "إیهود باراک" فی السادس والعشرین من کانون الأول / دیسمبر 2007، إلى شرم الشیخ للبحث فی قضیة الشریط الحدودی " محور صلاح الدین" خاصة فیما یتعلق بتعاظم حجم التهریب للوسائل القتالیة من الأراضی المصریة، ومواضیع أخرى منها تسلل مهاجرین أفارقة، وقضیة شالیت، والتهدئة فی القطاع بین حماس والدولة العبریة.

وسائل الإعلام الإسرائیلیة، والسیاسیون الإسرائیلیون وصلت الحال بهم الى درجة هستیریة، ولم یتوقفوا یوماً عن توجیه اتهامات لمصر ولقواتها الأمنیة القلیلة العدد التی تقدر بنحو "750" جندیاً المتواجدة على الشریط الحدودی الفاصل بین مصر وقطاع غزة، ولا تزال إسرائیل ترفض إعادة فتح معاهدة "کامب دیفید"، لزیادة عدد الجنود المصریین الى الضعف والتزود بوسائل قتالیة حدیثة ودبابات، ومعدات تکنولوجیة لتستطیع السیطرة على الشریط الحدودی الذی یصل طوله إلى أکثر من 250 کیلو متراً، منها 14کیلو متراً مع القطاع.

على إثر تصریحات لیفنی والمعلومات حول إرسال شریط فیدیو للأمریکیین، صدرت تصریحات عن عدد من المسؤولین الاسرائیلیین یوضحون فیها عمق العلاقة الاستراتیجیة بین مصر والدولة العبریة، وان هناک أطرافاً لها مصلحة فی تخریب والتشویش على زیارة باراک الذی وصف العلاقات مع مصر بأنها "ذخر إستراتیجی".

کل ذلک ترافق أیضاً مع حملة إعلامیة إسرائیلیة حول وجود ما یشبه "السوق الحرة" الکبیرة فی مدینة رفح یتم فیها تداول جمیع أنواع الوسائل القتالیة ومختلف أنواع البضائع التی یتم إدخالها عبر الأنفاق، ووجهت وسائل الإعلام الإسرائیلیة انتقادات حادة و کبیرة لقوات الأمن المصری ووجهت لها اتهامات بالتوطئ مع المهربین الفلسطینیین خاصة وأن حماس تسیطر على القطاع. وتهرب عبر شبکة الأنفاق التی تصل حسب بعض وسائل الإعلام إلى نحو " 1000" نفق، وهو رقم مبالغ فیه، ازدهرت من خلالها تجارة حرة وعلى المکشوف عبر الأنفاق لتعویض النقص والعجز الحاد والکبیر فی جمیع السلع والمواد الغذائیة الأساسیة جراء فرض الحصار الخانق من قبل دولة الاحتلال.

وعلى رغم من کل الاتهامات وجد الفلسطینیون فی الأنفاق المنتشرة تحت الشریط الحدودی وسیلة للتغلب على الحصار الخانق، والقتل الیومی البطیء التی تقوم به دولة الاحتلال، والترکیز حالیاً یتم على إدخال البضائع والمواد الغذائیة الأساسیة، وأصبحت أسعار الأسلحة والرصاص منخفضة لعدم الإقبال على شرائها. 

التهریب عبر الأنفاق لم یتوقف فی یوم من الأیام حتى فی ظل وجود الاحتلال الاسرائیلی فی قطاع غزة الذی لم یتمکن من القضاء على ظاهرة الأنفاق. یأتی ذلک فی وقت حذر فیه مکتب الأمم المتحدة لتنسیق الشؤون الإنسانیة فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة من انهیار شامل لکافة مناحی الحیاة فی قطاع غزة جراء الحصار المفروض علیه، منذ ستة أشهر، ومن النتائج الرهیبة للإغلاق المُحکم على ملیون ونصف الملیون فلسطینی فی القطاع.

وذکر التقریر ان النقص الحاد والخطیر فی حلیب الاطفال والأدویة والمواد الغذائیة الأساسیة وإفلاس مئات المشاریع التجاریة، ومنع المرضى والفلسطینیین من حریة الحرکة، وآلاف العمال الذین فقدوا عملهم بسبب انهیار قطاع البناء وتعلیق تنفیذ مشاریع بناء بقیمة 370ملیون دولار أمریکی، و غیرها من الآثار السلبیة المدمرة على الأوضاع الاقتصادیة، سیؤدی إلى ارتفاع کبیر فی حاجة السکان فی القطاع الى الغذاء والمساعدات المباشرة بنسب تفوق 80%.

زیارة باراک لشرم الشیخ جاءت للبحث مع المسؤولین المصریین فی قضیة تهریب الوسائل القتالیة التی تشکل هاجساً للدولة العبریة، ونسی باراک ان الاحتلال لا یزال جاثماً على صدور الفلسطینیین، وکأن کل قضایا الفلسطینیین حُلت ولم یبق إلا قضیة التهریب عبر الأنفاق، ویطالبهم بالعمل ضد الإنفاق والمهربین وکأنه یقول للمصریین علیکم أن تعملوا کل شیء حتى لو قتلتم الفلسطینیین، ونسی أن الجیش المصری مهمته هی لیست قتل الفلسطینیین ولن یقوم جندی مصری بالتفکیر بإطلاق النار على الفلسطینیین مهما کان السبب.

بالرغم من الخلاف لدى الفلسطینیین على الأنفاق، إلا أنها أصبحت الوسیلة الوحیدة التی تربط سکان القطاع بالعالم الخارجی، ویقوم الفلسطینیون من خلالها بإدخال کل ما یلزم لسد النقص الحاد فی البضائع والمواد الغذائیة الأساسیة والأدویة وحلیب الاطفال والسجائر، وغیرها الکثیر من السلع والمواد الأساسیة التی تفض إسرائیل السماح بإدخالها إلى القطاع.

ها هی غزة الیوم، سیبقى العالم ینتظر منها أکثر من ذلک، وسیظل المجتمع الدولی یتحمل المسؤولیة الأخلاقیة والقانونیة، وسیبقى المستقبل فی غزة غامض، ویبقى الحل للقضاء على ظاهرة الأنفاق هی فی زوال الاحتلال ورفع الحصار الخانق والظالم المفروض على القطاع، وطالما حاول الاحتلال فی السابق ولا یزال القضاء علیها الا انه لم یُفلح حتى فی الحد من عددها الأخذ فی التزاید، وفی حال ظل الوضع الحالی قائماً فإن التجارة عبر تلک الأنفاق ستبقى تجارة رائجة، ومربحة ولن تتوقف مهما فعلت الدول واتخذت من إجراءات لوضع حد لها.

( المقال للکاتب والصحفی مصطفى ابراهیم  بعثه لقدسنا )

ن/25