الجمعه 17 شوال 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

غضب امریکی ــ اسرائیلی من القاهرة

 تبدو العلاقات المصریة ـ الاسرائیلیة علی اعتاب مرحلة غیر مسبوقة من التوتر بسبب ما تعتبره اسرائیل ضلوعا مصریا فی تزوید المقاومة الفلسطینیة فی غزة بالاسلحة. ورغم ان هذه التهمة لیست جدیدة الا انها تجیء هذه المرة فی اطار حملة تصعید منسقة بین واشنطن وتل ابیب، وکان من بین ثمارها المبکرة قرار الکونغرس تعلیق مئة ملیون دولار اضافیة من المساعدات الى حین قیام مصر باغلاق الانفاق الحدودیة مع القطاع، وایضا تحقیق تقدم فی مجال التحول الدیمقراطی وتحسین ملف حقوق الانسان . ولا یجد المراقب للاوضاع الداخلیة فی مصر صعوبة فی ادراک ان الحدیث عن الدیمقراطیة وحقوق الانسان لیس سوی غطاء لتمریر السبب الحقیقی الا وهو الموقف المصری من الوضع الفلسطینی عامة وتجاه الوضع المأساوی فی غزة بشکل خاص.

ویمکن تلخیص المعطیات التی انطلق منها التصعید الاسرائیلی فی ما یلی:

ـ تنطلق الحملة الاسرائیلیة من تراکم مواقف القاهرة التی بدأت بتحفظ، ثبتت احقیته، تجاه مؤتمر انابولیس وانتهت بما یکاد یکون رفعا للغطاء عن ابو مازن ما ترکه یبدو جزءا من محور اسرائیلی ـ امریکی، وزعیما یعانی عزلة داخلیة متصاعدة تکرس فقدانه للمصداقیة والشرعیة ناهیک عن الشعبیة. ولا یستبعد البعض ان یسقط الرئیس الفلسطینی مع رحیل شریکیه بوش واولمرت او قبل ذلک.

ـ بالرغم من تحفظات القاهرة الجوهریة على حرکة حماس، سیاسیا وایدیولوجیا، وعلى الظروف التی رافقت سیطرتها المنفردة على القطاع، الا انها فی انهاء الاقتتال الداخلی الفلسطینی وتحسین الوضع الامنی داخل القطاع قد حقق مطلبا قدیما تعتبره مصر ضروریا لحمایة حدودها وامنها القومی، مما اکد جدارتها بـ شراکة الامر الواقع التی تکرست مع اندفاع ابو مازن تجاه اسرائیل والاردن واصراره على اغلاق کافة الطرق المؤدیة للحوار مع حماس، والتی کانت ستمر طبیعیا عبر القاهرة، وهو ما ساهم فی تهمیش الدور المصری خاصة بعد اعلانه الغاء اتفاق القاهرة الذی اجتمعت علیه فصائل فلسطینیة نادرا ما تجتمع علی شیء. وکان هذا کافیا لاستفزاز اسرئیل للدفاع عن شریکها الفلسطینی فی مواجهة ما تخشى ان تتطور الشراکة الی تحالف للامر الواقع بین مصر و دولة حماس .

ـ یبدو التوقیت مواتیا لتصعید اسرائیلی ضد القاهرة للتغطیة على فشل مدو لمؤتمر انابولیس، ادرکت القاهرة حتمیته بخبرتها الواسعة فی التفاوض مع الاسرائیلیین. ومع ادراک تل ابیب ان الاصرار على توسیع الاستیطان سیحرج شریکها فی رام الله بل وحتی الراعی الامریکی نفسه، کان ضروریا نقل المواجهة الى ساحة اخرى بعیدة، تبدأ من فی واشنطن حیث ینتظر لوبی صهیونی متحفز للتصعید ضد مصر لاسباب ربما کان بعضها حقا یراد به باطل وتنتهی فی رفح: ابعد نقطة فلسطینیة عن القدس المحتلة حیث یفترض الحفریات والمستوطنات والمفاوضات الفاشلة.

ـ حاولت الوزیرة الاسرائیلیة لیفنی افساد زیارة باراک لشرم الشیخ، والتی کانت تهدف لتکریس صورته کرئیس وزراء محتمل لخلافة اولمرت، ضمن صراعهما المعروف والمفتوح على المنصب، والذی یستأهل من وجهة نظر لیفنی احداث توتر مع القاهرة التی، بالطبع، تفضل التعامل مع باراک الذی تعرفه على عمیلة الموساد السابقة وربیبة شارون. وهکذا قد لایتعدى الامر کونه تقلصا سیاسیا داخلیا فی اسرائیل طفح توترا مع مصر قد ینحسر قریبا لحساب مصالح اکبر وحسابات اهم.

ـ بنظرة اقلیمیة، لا یمکن فصل الغضب الامریکی ـ الاسرائیلی الحالی ضد مصر عن تطورات دبلوماسیة مهمة شهدتها العلاقات بین القاهرة وطهران، حیث قام مسؤول مصری مؤخرا بأول زیارة من نوعها لایران منذ 27 عاما. وبالرغم من ان الرئیس الایرانی حقق مکاسب اقلیمیة عدیدة وخاصة فی منطقة الخلیج ( الفارسی ) ، الا ان عودة العلاقات بین مصر وایران وانفتاح امکانیة التعاون الثنائی فی التکنولوجیا النوویة یخلق خطرا من نوع اخر، ویمنح ایران انتصارا اقلیمیا یمثل اختراقا فی عمق ما یعرف بـ محور المعتدلین .

ـ ان تراجع شبح الضربة الامریکیة لایران ربما یمنح واشنطن هامشا للضغط على مصر لم یکن متوفرا عندما جمعت رایس وزراء خارجیة فی شرم الشیخ لتدشین حلف المعتدلین ضد ایران.

ومن الصعب استبیان المسار الذی ستؤول الیه الحملة الامریکیة ـ الاسرائیلیة خاصة ان النظام المصری یصوغ سیاساته الخارجیة ویحدد اولویاتها بمدى ارتباطها بالاوضاع الداخلیة اساسا فی الغالب وحصریا احیانا. ومن هذا المنظور الذی لا یستدعی احیانا وجود سیاسة خارجیة اصلا، فان عددا من المحددات الاستراتیجیة تبقی العامل الحاکم فی صوغ السیاسة عندما تتعلق بالامن القومی مهما قرر الکونغرس بشأن المعونة اوصدرت تصریحات غاضبة هنا اوهناک، وبینها:

ـ ان من حق مصر، وربما من واجبها، فی مواجهة العدوان الاسرائیلی المستمر على غزة ان تقوم بتسلیح المقاومة الفلسطینیة فی القطاع باعتبارها خط دفاع اول فی استراتیجیة الامن القومی المصری التی تضم ثلاثة خطوط دفاع رئیسیة تبدأ من رفح وتنتهی فی السویس حیث یبدأ الطریق المفتوح الی القاهرة. وکان قرار القاهرة بسحب السفیر من تل ابیب اخر مرة قبل نحو عقد من الزمن ردا مباشرا على قرار باراک شــن غارات جـــویة بطــائرات اف 16 علــی القطاع، والذی شکل تهدیدا مبـاشرا للــحدود المصــریة.

ـ ربما یکون دخول الاسلحة بکثافة الى غزة قد اثمر بالفعل هذا التردد الاسرائیلی فی اجتیاح القطاع، فی ظل تحذیرات جدیة من ان الخسائر الاسرائیلیة ستکون باهظة بالتوازی مع غیاب ای ضمانات بتحقق الاهداف المرجوة من عملیة قد یکرس فشلها شبح الضعف والاحباط الذی یخیم علی الآلة العسکریة الاسرائیلیة منذ حرب تموز /یولیو فی لبنان العام الماضی. ولا یعنی هذا ان اسرائیل لا تستطیع اجتیاح غزة او اعادة احتلاله ولکن رئیس الوزراء ایهود اولمرت یبدو قلقا من ان حکومته قد تکون اضعف من ان تتحمل التکالیف العسکریة والخسائر السیاسیة التی ستنتج عن هکذا خطوة.

ـ بالرغم من ان الطلقة الاولى فی التوتر السیاسی الحالی بین القاهرة وتل ابیب جاءت من وزیرة الخارجیة تسیبی لیفنی، لیرد علیها نظیرها المصری احمد ابو الغیط فی مؤتمر صحافی استبق وصول باراک لشرم الشیخ امس، الا ان ملف غزة هو حصریا من اختصاص الاجهزة الامنیة على الجانبین. وتتمتع المؤسسة الامنیة فی مصر، وعلى رأسها الوزیر عمر سلیمان بحس وطنی عال فی التعامل مع الوضع الفلسطینی بشکل عام وغزة بشکل خاص. ولولا کثیر من المحددات والقیود السیاسیة والالتزامات الدبلوماسیة لربما بدا الموقف المصری مختلفا کثیرا عما هو علیه.

ـ ان استخدام المعونات الاقتصادیة للضغط على مصر سلاح ذو حدین، تدرک الولایات المتحدة انه قد یکون مفیدا فی اطار حرب اعصاب الا انها لا تستطیع ایضا ان تذهب بعیدا وراء الکونغرس. وحسب تصریحات باراک نفسه فان العلاقة مع مصر ذخر استراتیجی وهذا لابد انه یعادل اکثر کثیرا من 415 ملیون دولار مساعدات اقتصادیة و1.3 بلیون مساعدات عسکریة.

ـ لیس صحیحا ان النظام المصری لا یستطیع ابدا ان یقول (لا) لواشنطن مهما کانت طلباتها. ولعل المثال الابرز کان رفضه ارسال قوات مصریة الى العراق. وکان السبب الذی تبلغته الادارة الامریکیة ان خروج قوات مصریة للمشارکة فی حرب العراق یتعارض مع ثوابت الامن القومی المصری. ولعل هذه الثوابت نفسها تحکم باسالیب مختلفة السیاسة المصریة تجاه غزة، ولیکن الرد لمصری على الحملة الاسرائیلیة هو رفع الحصار الاقتصادی والمالی باعتباره ضرورة انسانیة قبل ان تکون قومیة او امنیة.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 142677







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. باقري امام اجتماع مجموعة "بريكس": مفتاح الاستقرار واستتباب الهدوء في المنطقة يتمثل في وقف جرائم الكيان الصهيوني
  2. قائد حركة انصار الله: الأمريكي هو شريك للعدو الإسرائيلي في كل جرائمه الفظيعة ضد الشعب الفلسطيني
  3. الفصائل الفلسطينية تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح الاحتلال رفح
  4. ارتفاع عدد الصحفيين الشهداء منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة إلى 141
  5. قيادي في حماس: عملية طوفان الأقصى حققت أبعادها السياسية والاستراتيجية والإنسانية
  6. القوات المسلحة اليمنية : استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين في خليج عدن وسفينة إسرائيلية في المحيط الهندي
  7. بعد استقالة حاليفا.. "تأثير الدومينو" يلحق قيادات الجيش الصهيوني
  8. بيان إيراني باكستاني مشترك ضد الكيان الصهيوني
  9. خلال استقباله حشدا من العمال في انحاء البلاد.. قائد الثورة الإسلامية: جميع الشعوب تدعم فلسطين / الارهابيون الحقيقيون هم من يقصفون الشعب الاعزل في غزة
  10. قيادي في "حماس" : لدى الحركة نحو 30 أسيرا من الجنرالات وضباط الشاباك
  11. تصاعد الهجرة العكسية في الكيان الصهيوني بعد عملية طوفان الأقصى
  12. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الكليات الأميركية وسط إضرابات جماعية وعشرات الاعتقالات
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)