الجمعه 10 شوال 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

بعد تقریر الاستخبارات الأمیرکیة

 صدر عن وکالات الاستخبارات الأمیرکیة تقریر کان له دوی القنبلة فی العالم أجمع. التقریر نشر ضمن سلسلة «التقویم الاستخباراتی القومی National Intelligence Estimate NIE وحمل عنوان: «إیران: النیات والقدرات النوویة Iran: Nuclear Intentions and Capabilities». ورغم صدوره فی تشرین الثانی (نوفمبر) الماضی إلا أنه لم یصبح متاحا للجمهور ویعمم إلا منذ أیام قلیلة فقط وبضغط من الکونغرس. واستشعارا بأهمیة التقریر رحت أبحث عنه على الفور على شبکة الانترنت حتى عثرت علیه وقرأت نصه ولم أکتف بما کتب عنه أو نقل منه فی الصحف العربیة والعالمیة، وذلک توخیا لأکبر قدر ممکن من الدقة، إذا ما خطر لی أن أعلق علیه. کنت أتوقع تقریرا طویلا ومفصلا، لکننی فوجئت به مرکزا جدا ولا یحتوی على معلومات أو شرح تفصیلی لأنه یقتصر على عرض «تقدیرات» ونتائج توصل إلیها من تحلیل معلومات توفرت لدى ستة عشر جهازا للاستخبارات الأمیرکیة یضمها مجلس الاستخبارات القومی. لذا جاء التقریر فی تسع صفحات خصص أکثر من نصفها لشرح أمور فنیة توضح معنى «التقویم الاستخباراتی» وهدفه والمراحل المختلفة التی یمر بها ودلالة الأحکام أو النتائج التی توصل إلیها، لذلک فإن الفقرات «العاملة» فی التقریر والمتعلقة مباشرة ببرنامج إیران النووی لا تشغل سوى أکثر قلیلا من أربع صفحات!

فماذا یقول هذا التقریر؟ وأین تکمن أهمیته؟

یکشف التقریر عن نتائج تم التوصل إلیها من تحلیل معلومات متوافرة لدى أجهزة الاستخبارات المختلفة التی تتابع عن کثب ومنذ فترة طویلة برنامج إیران النووی. من هذه النتائج:

1- أن إیران أوقفت برنامجها للتسلح النووی منذ نهایة عام 2003 ولا یوجد ما یشیر من قریب او بعید إلى استئنافها لهذا البرنامج.

2- فی حالة ما إذا قررت إیران استئناف برنامجها للتسلح النووی فإن تخصیب الیورانیوم سیکون، على الأرجح، هو وسیلتها الرئیسیة لإنتاج ما یلزم من مواد الانشطار النووی، والذی بدأت فی إقامة وتشغیل أجهزة الطرد المرکزی الخاص به فی کانون الثانی /ینایر عام 2006. وتواجه إیران مشکلات تقنیة کبیرة فی تشغیل أجهزة طرد مرکزی نجحت فی ترکیب کمیة کبیرة منها فی موقعها النووی الأهم فی ناتانز.

3- على الصعید النظری، یمکن أن أقرب موعد محتمل لکی تصبح إیران قادرة تقنیا على إنتاج ما یکفی من الیورانیوم المخصب لإنتاج سلاح نووی هو عام 2009 لکن هذا الاحتمال یبدو ضعیفا جدا، وأقرب موعد مرجح لهذا الأمر یقع بین عامی 2010 و2015.

4- لن تکون إیران قادرة تقنیا على إنتاج کمیة کافیة من البلوتونیوم لإنتاج سلاح نووی قبل عام 2015.

لا جدال فی أن النتائج التی توصل إلیها التقریر تتناقض کلیا مع ما کان الرئیس بوش یحاول إقناع العالم به من أن إیران لدیها برنامج لإنتاج السلاح النووی، ومصممة على الاستمرار فیه، بل وتنوی ارتکاب «هولوکست نووی»، وبالتالی فعلى الولایات المتحدة، ومعها العالم کله، استخدام کل ما فی وسعهما لحمل تلک الدولة العاصیة على وقف برنامجها النووی ولو بالقوة المسلحة! ولا جدال أیضا فی أن هذه النتائج تشکل ضربة قاصمة لبوش وتظهره لیس فقط بمظهر «الکذاب» الذی یحاول تضلیل وخداع الشعب الأمیرکی والعالم کله مرة أخرى، بعد أن سبق له أن ضللهما فی العراق، ولکن من شأنها أیضا أن تتحول إلى أداة فعالة لقطع الطریق أمام خططه المغامرة والخطرة. ولإدراک فداحة الضربة التی تلقاها بوش، علینا أن نتذکر رؤیة هذا الرجل الغریب الأطوار للعالم، والتی سبق أن أشرنا إلى ملامحها الرئیسیة فی مقالات عدیدة سابقة، وما کان یعده من خطط لوضع هذه الرؤیة الشریرة موضع التطبیق.

فمن المعروف أن بوش ینتمی لمجموعة «المحافظین الجدد»، وهو على صلة وثیقة بتیار المسیحیة الصهیونیة الذی یؤمن بأن قیام إسرائیل الکبرى یعد شرطا ضروریا لعودة «المسیح المنقذ»، ویعتقد أنه شخصیا مکلف برسالة من السماء للقضاء على الأشرار الإرهابیین، وعلى رأسهم بالطبع إیران و «حزب الله» و «حماس» و «الجهاد»، وکل من هم على شاکلتهم. ولم تکن هذه الرؤیة مجرد «سحابة إیمانیة» خلقها خیال رجل سکیر وعربید سابق یعتقد أنه ولد من جدید بعد أن هداه الله على ید أحد القسس المنتمین لهذا التیار، لکنها کانت أیضا ستارا تتخفى وراءه استراتیجیة محکمة تتبناها وتدفع فی اتجاهها قوى ومصالح أمیرکیة عاتیة تستهدف الهیمنة على العالم من خلال السیطرة العسکریة المباشرة والکاملة على حقول النفط فی منطقة الخلیج ( الفارسی ). ولأن عراق صدام المحاصر والغنی بالنفط بدا ضعیفا ومغریا فی ذات الوقت، فکان من الطبیعی أن یشکل نقطة الانطلاق الرئیسیة على طریق وضع هذه الاستراتیحیة موضع التطبیق، وکانت الاستعدادات لغزوه تجری على قدم وساق حتى قبل أن تقع أحداث أیلول / سبتمبر 2001. وحین وقعت هذه الأحداث اعتبرها بوش تدبیرا سماویا قصد به إقناعه بالمضی قدما بالرسالة التی کلفته بها العنایة الإلهیة. ولذلک فما أن فرغ من عملیته العسکریة التی قام بها على عجل فی أفغانستان حتى استدار بسرعة نحو العراق والذی لم تکن سوى محطة على طریق تنفیذ استراتیجیته الکبرى لإعادة ترتیب منطقة الشرق الأوسط، ومن خلالها لإحکام سیطرته على العالم. ولأن بوش لم یتوقع أن ینغرس جیشه فی الوحل العراقی إلى هذا الحد، فقد راح یعد العدة لضرب إیران، وکانت دلائل کثیرة تشیر إلى أنه بدأ بالفعل عملیة تهیئة المسرحین الإقلیمی والدولی لتنفیذ ضربته القادمة.

لم یکن الغزو البری لبلد کبیر کإیران أمرا محتملا أو واردا، خصوصا فی ظل التعثر المتزاید للجیش الأمیرکی فی العراق. ومع ذلک لم یکن بوش قادراً على احتمال فکرة التعایش مع إیران کفاعل إقلیمی ودولی یزداد قوة یوما بعد یوم ویستفید مما للسیاسات الأمیرکیة من أخطاء فی المنطقة. لذا راح یتحین الفرص ویعد الخطط اللازمة لاحتواء هذا «الخطر» بما یتناسب مع تطور الأوضاع الإقلیمیة والدولیة، وظل «الملف النووی إلإیران» هو مدخله وأداته ووسیلته الرئیسیة للحشد والعمل على إضعاف إیران وعزلها وفرض عقوبات علیها ومحاصرة وضرب حلفائها. ولم تکن الحرب على «حزب الله» فی صیف عام 2006، والتی ألحقت دمارا واسعا بالبنیة التحتیة فی لبنان، سوى حلقة فی هذا المسلسل. غیر أن صمود «حزب الله» وتمکنه من إلحاق هزیمة نکراء بالجیش الإسرائیلی عرقلا خطط بوش، لکن زاد الرجل، من ناحیة أخرى، إصرارا وتصمیما فی الوقت نفسه على ضرب «عدو» راحت الأوراق تتراکم فی یده مع کل خسارة أمیرکیة وإسرائیلیة فی المنطقة، وکان بوسع ای متابع للشأن الأمیرکی طوال العام الماضی أن یدرک بوضوح أن الجناح المتطرف فی الإدارة الأمیرکیة والذی یقوده دیک تشینی یبذل کل ما فی وسعه لتهیئة الأجواء لضربة قاصمة ضد إیران. ولو کانت هذه الإدارة وصلت إلى قناعة بإمکانیة نجاح مثل هذه الضربة بنسبة معقولة، لکان بوش سددها منذ فترة طویلة. غیر أنه، وهو المغامر العنید إلى درجة المقامرة، لم ییأس قط. ومن هنا انزعاجه الشدید من تقریر بدا وکأنه یعرقل کل مخططاته إن لم یکن ینسفها من الأساس.

ومع ذلک، فهناک من یرى الأمر على نحو مختلف، ویعتقد أنه ما کان لتقریر على هذه الدرجة من الخطورة أن یرى النور إلا بضوء أخضر من المؤسسة الرسمیة أو أوساط نافذة فیها، فی إطار سعیها للبحث عن مخرج من مأزق وضعت نفسها فیه. ولدى هؤلاء حجة قویة تشیر إلى أن الإدارة الأمیرکیة، أو أجنحة نافذة فیها على الأقل، تحاول إیجاد المبرر الذی یسمح لها بتغییر سیاساتها فی المنطقة وبدء عملیة یرون أنها ستنتهی حتما بالتفاوض الشامل مع إیران فی نهایة المطاف، ویدللون على ذلک بما شهدته الساحة الإقلیمیة مؤخرا من تطورات تصب فی اتحاه التهدئة، إذ جرت مؤخرا محاولات مکثفة، سافرة ومستترة، لإغراء سوریة بالمشارکة فی مؤتمر أنابولیس الذی عقد بالفعل وحضرته وفود من 52 دولة ومنظمة دولیة منها 16 دولة عربیة، ما کانت له انعکاسات مباشرة على الساحة اللبنانیة التی بدأت حدة احتقانها تخف کثیرا وتتجه الأمور فیها نحو انفراج قد ینتهی بصفقة شاملة، ولیس فقط الاتفاق على انتخاب العماد میشال سلیمان رئیسا للدولة. فی الوقت نفسه، راحت تتردد أنباء عن وجود اتصالات وعملیات تنسیق مصریة - سوریة - سعودیة تستهدف ترمیم البیت الفلسطینی من الداخل استعدادا لمفاوضات جادة یرى البعض أنه لا مفر من أن تقود الى تسویة نهائیة قبل نهایة عام 2008. بل إن البعض لم یستبعد عقد قمة ثلاثیة تشارک فیها مصر وسوریة والسعودیة أو حتى قمة خماسیة، تشارک فیها بالإضافة إلى هذه الدول الثلاث کل من الأردن والسلطة الفلسطینیة.

غیر أن وجهة النظر هذه تبدو متفائلة أکثر مما ینبغی ولا تصمد أمام أی تحلیل مدقق لمجریات الأمور. فالتقریر الاستخباراتی الذی أشرنا إلیه تم بطلب من کونغرس تسیطر علیه أغلبیة دیموقراطیة، ولم یتقرر تعمیمه إلا بضغط کبیر من الکونغرس وفی أجواء صراع داخلی یزداد عنفا مع اقتراب بدء الحملة الرسمیة لانتخابات الرئاسة الأمیرکیة. ولیس من المستبعد إطلاقا أن تکون أوساط نافذة داخل المجتمع والدولة بل وداخل إدارة بوش نفسها قررت اللجوء إلى هذا الأسلوب بعد أن استشعرت خطرا حقیقیا مما یجری من استعدادات لتوجیه ضربة لإیران لم تتوافر أی شواهد على أن الولایات المتحدة ستخرج منها فائزة أو ستحقق من ورائها أی کسب، وربما تصیبها بخسائر وأضرار فادحة. بعبارة أخرى یمکن القول إنه لیس من المستبعد إطلاقا أن یکون نشر التقریر تم فی إطار شعور أمیرکی متزاید بالخطر على مستقبل ومصیر الولایات المتحدة الأمیرکیة بسبب اندفاع وحمق السیاسة التی تنتهجها إدارة بوش، وفی سیاق صراع محتدم تشهده الساحة الأمیرکیة حول رؤیتین للدور الأمیرکی فی العالم: رؤیة تقول إن الولایات المتحدة لن تستطیع أن تسیطر عسکریا بقوة السلاح ویجب أن تعود إلى نمط جدید ومختلف لبناء علاقات وتحالفات تحقق المصالح الأمیرکیة بأسالیب ووسائل أخرى، اساسها العمل الدیبلوماسی والقوة الناعمة، فی مواجهة الرؤیة الأخرى للیمین الأمیرکی المحافظ الذی ما یزال قویا رغم النکسات التی ألمت به. لیس معنى ذلک عدم وجود إجماع أمیرکی حول الملف النووی الإیرانی، ولکن المعلومات المتاحة والموثوق بها، وهو ما أکد علیه التقریر الاستخباراتی، تقطع بأن إیران لا تملک سلاحا نوویا فی الوقت الراهن، وبالتالی فما زال هناک متسع من الوقت لمعالجة ملف إیران النووی، لکن الأفضل أن یتم ذلک بواسطة إدارة جدیدة أکثر حکمة وأقل رعونة.

ولأننا نرجح أن لا یستسلم بوش، وهو الذی حاول أن یتکئ على بعض ما جاء فی التقریر نفسه لیقول إن إیران کان لدیها برنامج للتسلح النووی وأن وقفها له الآن لا یعنی أنها لن تستأنفه فی المستقبل، وأنه لا یمکن الوثوق بالنظام الإیرانی أو الاطمئنان إلى نوایاه.. الخ، فإننا نعتقد أن الأفق سیظل مفتوحاً على کل الاحتمالات طوال الشهور الثلاثة المقبلة حتى موعد بدء الحملة الرسمیة للانتخابات الرئاسیة. وفیما یتعلق بعملیات التهدئة التی تشهدها المنطقة الآن، فقد یکون مجرد الهدوء الذی یسبق العاصفة. فاستمرار الهدوء والاستقرار مرهون بتسویة حقیقیة للصراع العربی - الإسرائیلی لا توجد أی مؤشرات على أن إسرائیل جاهزة أو مستعدة لها، کما لا توجد أی مؤشرات على أن الإدارة الأمیرکیة بحالتها وأوضاعها الراهنة راغبة أو قادرة على ممارسة ای نوع من الضغط على إسرائیل. ویکفی أن نتأمل ما جرى قبل واثناء وبعد أنابولیس. فقبل أنابولیس لم یستطع أبو مازن أن یذهب إلى هناک ومعه اتفاق على إعلان بالمبادئ أو على جدول زمنی. وفی أنابولیس کان أقصى ما حققه هو اتفاق على العودة إلى مائدة التفاوض لتطبیق «خریطة طریق» تحتوی من الغموض ما یفوق بکثیر ما یحتویه القرار 242 نفسه. أما بعد أنابولیس فأعلنت إسرائیل عن بدء برنامج جدید لتوسیع مستوطناتها فی القدس وحولها. فأین هی التسویة التی یتحدثون عنها إذن؟

( المقال للکاتب والصحفی المصری حسن نافعة )

ن/25

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 142632







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. المتحدث باسم الحرس الثوري يفند مزاعم الحاق اضرار بمفاعل ديمونة جراء الرد العسكري الايراني
  2. تعقيبا علي الهجوم المركب بالصواريخ الموجّهة ‏والمسيّرات الانقضاضية إعلام الاحتلال يقر بصعوبة تعامل جيش الاحتلال مع مسيّرات حزب الله
  3. حزب الله يستهدف مقر قيادة في "عرب العرامشة".. والاحتلال يعترف بإصابات بالغة
  4. حماس: الرد الإيراني يؤكد أن وقت عربدة الكيان الصهيوني كما يريد بلا حساب قد انتهى
  5. الرئيس الايراني خلال اتصال هاتفي مع نظيره الروسي: سنرد على أي عمل ضد مصالح إيران بقوة أكبر وأوسع وأكثر ايلاما مقارنة بردنا السابق
  6. المرجع الديني آية الله جوادي آملي يشيد بعملية "الوعد الصادق" ضد الكيان الصهيوني
  7. الكشف عن مقبرة جماعية بغزة / قوات الاحتلال أعدمت الشهداء ودفنتهم في باحة مجمع الشفاء
  8. "الجهاد الإسلامي" تشيد بالرد العسكري الإيراني واستهداف مواقع عسكرية داخل الكيان الصهيوني
  9. في اتصال هاتفي مع وزير خارجية بريطانيا امير عبداللهيان: لو اقدمت "اسرائيل" على أي مغامرة، فإن ردنا سيكون عاجلا وأوسع وأكثر اقتدارا
  10. المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني: الكيان الصهيوني سيتلقى ردا أقوى بـ10 أضعاف إذا واصل ممارساته الشريرة
  11. انعقاد ندوة "تداعيات وأبعاد معاقبة الكيان الصهيوني" الرد الإيراني العقابي على الكيان الصهيوني كان تطورا كبيرا ومصيريا وستتضح آثاره مع مرور الوقت / إسرائيل أصبحت عبئاً على الغرب وأمريكا
  12. تفاصيل رد حماس على مقترح وقف إطلاق النار في غزة
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)