الجمعه 19 رمضان 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

التهجیر والنوع الاجتماعی

شکّل تهجیر الفلسطینیین عام 1948م؛ علامة فارقة، لیس للتأریخ للشعب الفلسطینی فحسب؛ بل لمرحلة سیاسیة بدأت، وما زالت مستمرة حتى الآن. وحین الحدیث عن أثر هذه الهجرة على الشعب الفلسطینی (نساء ورجالاً)، نلاحظ أنه، وبالرغم من العوامل المشترکة، التی شتتت الأسرة الفلسطینیة، وفرّقتها فی أصقاع الأرض؛ إلا أن هناک بعض الخصوصیة، لتأثیر الهجرة على المرأة الفلسطینیة.

وقد حاولت الکثیر من الدراسات، أن تتقصى أثر هذه النکبة على النساء؛ لکنها لم تصل إلى ما ترجو من نتائج، لسبب رئیس فیما أرى، هو منهج البحث، الذی لم یتوجه إلى النساء، معتمداً المنظور النسوی بشکل أساس. ماذا یعنی اعتماد المنظور النسوی للتاریخ الشفوی؟ وکیف یرتبط هذا المنظور بالفاعلیة؟ وما علاقته بالتهجیر؟

حاولت الإجابة على هذا السؤال، من خلال ورقتی المقدمة، للمؤتمر الذی نظمته وزارة المرأة، بالتعاون مع مرکز إنسان/جامعة القدس، وجامعة یورک/کندا، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائی بتاریخ: 5-7 آذار 2005.

تناولت الورقة تهجیر الفلسطینیین العام 1948م، ودور المرأة المهجرة الفاعل، فی الوطن وفی الشتات، من خلال منهج التاریخ الشفوی، المرتبط بتحلیل النوع. ذلک المنظور الذی یتوجه إلى المرأة، بواسطة المرأة. هو المنظور متعدد الاتجاهات، الذی استفاد من حقول معرفیة متعددة، وکشف اصطناع تقسیم المعرفة الأکادیمیة، الذی یحد من المعرفة المتعمقة للنساء. إنه المنهج البحثی الذی یتیح حریة ومرونة، للباحثات والراویات معاً، حیث المعرفة الأعمق بنفسیة النساء.

جاء سؤال التهجیر وأثره على المرأة الفلسطینیة، ضمن بحث مؤسسی واسع، أجرته وزارة المرأة (إدارة تخطیط وتطویر مشارکة المرأة/ وزارة التخطیط- سابقاً)، هدف إلى تقصی مشارکة المرأة الفلسطینیة، فی العمل السیاسی، فترة الثلاثینات إلى أواسط الستینات، والإجابة على التساؤل الکبیر المطروح بالنسبة للنساء: هل شارکت النساء فی السیاسة أساساً، فی تلک الفترة التاریخیة؟ وإذا کانت الإجابة بالإیجاب، فهل کانت مشارکة النساء السیاسیة أساسیة، کما یفترض البحث، أم هامشیة، کما تذکر بعض کتب التاریخ ؟ وما هو دور المرأة الریفیة فی تلک الفترة السیاسیة؟

حاول البحث أن یستمع إلى أهداف الراویات، التی قد تتقاطع مع أهدافه؛ لکنها لا تتطابق معها بالضرورة. کان هذا ضمن المنهج الذی استدعى الاستماع إلى صوتی المرأة المتناقضین: صوتها الذی تدربت علیه طویلاً، وصوتها الخفی، الذی تعلمت کبحه طویلاً، محاولاً قراءة الصوت الخفی، وغربلة ما بین الصوتین، من أجل القراءة الأعمق لأفکار النساء.

اعتمد على قراءة لغة الجسد، والانفعالات التی صاحبتها؛ ما استدعى تسجیل حرکة جسد الراویة وتسجیل انفعالاتها، فی اللحظة التی سعى فیها لتسجیل کلماتها. کان لا بد من الانتباه إلى حرکة الیدین، والأرجل، والرأس ککل، ثم بشکل منفصل: الحاجبین، والشفتین، والعینین، والفم؛ حیث التفاعل الإنسانی، الذی یعبر عن التواصل الإنسانی، والذی یعبر عن الانفعالات، التی تصاحب الأفعال.

ومن خلال هذا المنهج؛ أتاح البحث مساحة واسعة للنساء، کی یخترن الزاویة، التی یحببن أن ینطلقن منها، عند إجابة أسئلة البحث، بحیث یتبین من خلال اختیارهن: أیة تجارب وأیة أحاسیس، هی المرکزیة والرئیسة، بالنسبة لهن.

لقد أتاح اتباع المنظور النسوی، الذی اعتمد على مبدأ المشارکة، والملاحظة، والصبر، والإصغاء الواعی؛ مساحة من الثقة ما بین الراویات والباحثات؛ ما جعل الراویات یفتحن عقولهن وقلوبهن للباحثات، ویتحدثن عن حیاتهن وتجاربهن، بصدق وشفافیة.

وأخیراً، حاول البحث أن یمزج، ما بین ضرورة الحصول على بعض الإجابات المحددة، التی تفید التأریخ لمساهمة النساء، فی صنع تاریخهن، وما بین المساهمة فی صنع أرشیف تاریخی للنساء. هی محاولة طموحة، على طریق کسر الصمت، المحیط بإنجازات النساء، واعترافاً بدورهن الفاعل، وإعادة تعریف بعض المصطلحات، التی استخدمها الرجال والنساء، دون الالتفات إلى دقتها، ومضمونها السلبی، فی کتابة تاریخ الشعب الفلسطینی. هی محاولة لجسر الهوة، ما بین عمل النساء الدؤوب، لصناعة التاریخ، وما بین إهمال التاریخ، وتهمیشه لجهد النساء، والمساهمة فی صناعة مصادر تاریخیة فلسطینیة.

حین هُجّرت المرأة الفلسطینیة  عام 1948م؛ لم تقف لتندب حظها العاثر؛ بل حاولت وهی تلملم شؤون أسرتها؛ أن تساعد فی تدبیر أمور الأسرة الاقتصادیة، علاوة على محاولتها الحفاظ على روح أسرتها المعنویة. باعت ذهبها، الذی ادّخرته لیوم الحاجة، ومارست الزراعة البیتیة، التی أعانتها فی توفیر بعض متطلبات أسرتها، وأصرّت على التعلّم والعمل؛ ما أخرجها من دائرة الخاص إلى دائرة العام الأوسع. خرجت إلى العمل المأجور حیناً، وعملت فی بیتها حیناً آخر، فی المهن التی تستطیعها: من بیع منتوجاتها فی السوق، إلى العمل فی الحقل، بالصور التی یحتاجها ذلک، إلى مهنة الخیاطة.

ورغم أن المرأة الفلاحة بالتحدید، عملت طویلاً فی الحقل؛ إلاّ أنها کانت تنظر إلى عملها کشیء اعتیادی طبیعی، وتنظر إلى العمل المأجور على أنه عیب. بالرغم من ذلک؛ اضطرت المرأة إلى الخروج إلى سوق العمل المأجور أسوة بالرجال، وأحیاناً وحدها؛ کی تکسب قوتها وقوت عائلتها. أما المرأة المدینیة؛ فقد حرمت من استکمال تعلیمها، لضیق ذات الید، واضطرت إلى العمل لإعالة الأسرة، وتعلیم الإخوة، والتضحیة بالکثیر من الفرص؛ لإنقاذ الأسرة.

تبین الراویة لطیفة درباس/بلعا، مرارة البحث عن عمل فی تلک الفترة. ویتضح من حدیثها؛ مشارکة المرأة للرجل فی العمل، فهی تمارس مهنة التطریز، وتقوم بعبء الأسرة، خاصة وأن زوجها کبیر السن، معلول الصحة:

"اللی بقی معاه قرشین یا بنیتی؛ یصرف على حاله، بعدین والله زلمتی بقی یشحذ، والله بقی یشحذ من کفر اللبّد، عنبتا، ومن بیت لید یشحذ الخبزات، وشوی ها الطحین، ویجبلنا إیاهن، والله بقلّک. بعدین صار ینکّش یبحش بالأرض، الناس یبیعوا بتنعشر قرش وخمس تعشر قرش أردنی، بقی ینکّش وعلب یطعمنا. وأنا اطرّز للنّسوان مخدّات فرشات. أحطّ ضیّ القندیل، أعلّقه قنادیل بقن، وأطرّز. هسّه لا. عینیّ های صار لی تسع تشهر بشوفش".

وحین وصل المهجرون إلى مخیمات اللجوء؛ حاولت وکالة غوث اللاجئین أن تساعد اللاجئین فی بناء بیوت، عوضاً عن الخیام البائسة؛ لکن العدید من الرجال رفضوا هذا التوجه، خوفاً من مؤامرة تستهدف توطینهم فی البلاد المضیفة. أما النساء، فقد رأین ضرورة العمل على إیجاد مأوى مناسب، یقیهن وأسرهن البرد والمطر والوحل. تحدت کثیرات من النساء آراء أزواجهن، وعملن بأیدیهن لتحقیق بناء المأوى لأسرهن. تصرفت المرأة بشکل أکثر واقعیة من الرجل، وإن شارکته رغبته العمیقة فی العودة. وإذا کان بإمکان المرأة أن تتحمل البرد والصقیع والمطر والوحل؛ فهی لا تستطیع رؤیة أطفالها یموتون برداً، أو یغوصون فی الوحل، دون أن تحرک ساکناً. شمّرت المرأة عن سواعد فولاذیة، وخالفت رأی زوجها، حین اقتنعت بأنه غیر واقعی؛ لکنها تحلت بالحکمة والوعی، ووضعت زوجها أمام الأمر الواقع، کما فعلت الراویة لطیفة الطاهر، التی تظاهرت بالموافقة على رأی زوجها؛ لکنها عند أول فرصة، حین سافر لزیارة ابنته فی بیروت؛ انبرت لبناء بیت بمساعدة ابنها، وصبّت الأحجار، ورفعت أربعة عمدان؛ ما وضع زوجها أمام الأمر الواقع؛ فأکمل معها ومع ابنه وأصدقائه بناء البیت:

"کیف ما کنت حابّه؟! حابّه انه یتعمر وأضبّ أولادی من الصقعة والهوا. کمان لما تختلف الاریاح؛ الشادر یطیر من فوق روسنا. ما کانش یخلینی (تقصد زوجها)، یقول لی: بدنا نروّح. ولما عمّرت عمّرت غصب عنه. یقول لی: انت ناویه تضلّی هون بلبنان؟! أقول له: لما بدنا نروّح لا طلعت ورانا شمس، على إیش متأسفین؟! یقول لی: لأ، بدک تعمّری انت ناویه تضلک هون. أقول له: أنا مش ناویه، یا ریتنی أرجع أول یوم وثانی یوم وینادوا علی یقولوا میته! بس أنقبر بترابات شعب. عمّرت؟ عمّرت الببیت".

وقد تعرض الفلسطینیون، لأشکال شتى من المعاملة من دول اللجوء. بعض سکان هذه الدول أظهروا تعاطفاً مع الفلسطینیین، ومنهم من استغل حاجة الفلسطینیین المادیة وطمع فیهم. أما من هجّر إلى بلد أخرى فی فلسطین؛ فلم تقلّ نسبة معاناته؛ وإن اختلفت أشکالها. وتجسد شهادة أم کاید، من المزیرعة/ قضاء اللد، المعاناة الاقتصادیة، التی واجهتها المرأة والأسرة الفلسطینیة، التی هُجّرت إلى بلدة أخرى داخل فلسطین. الجوع، وندرة فرص العمل، والعذاب النفسی الرهیب، والمقدرة العالیة على التحمل، وإیجاد سبل متنوعة للعیش، مثل الزراعة البیتیة، وتدبیر ملابس الصغار، والإصرار على التعلم، مهما کان الثمن، وبأقل التکالیف الممکنة:

"عندی اولاد صغار (..) عندی اولاد صغار. نشتری رطل القمح ب 30 قرش، نحط قرش ونص طحین علیه، یکلفنا 31 قرش ونص رطل القمح، نعجنه رطل بعجنة، عجنة وحده، ونقسمه لکل واحد قرصه هالقدّه، نتغدى وما نفطرش، نخبی قطمتین للاولاد؛ لانهم ما بقدروش یصبروا للعشاء، نطعم کل واحد قطعة قطعة مع شویة زیت، ویحطوا راسهم ویناموا. العذاب اللی تعذبنا سنة ما رحلنا، مش مخلوق تعذبه! یعنی على زمن الصحابه، ما تعذبوش العذاب اللی تعذبناه. آه والله، فش خلصت مصاری، فش، أنا کان معی 85 قرش، دشرتهم على الطاولة، ما حملتهن، حملتهن، ام عبد الله مع قنانی الریحه قالت: حتى هذول مدشرتیهن؟! قلت لها: لیش یا ختی بیشترینش رطل طحین (..) للیش جایبتیلی ایاهن؟! قالت: یا خایبه، اشتری لنا حاجة فیهن. أبو کاید قعد لا شغلة ولا عمله. فی دیر غسانه فش شغل. أواعی ما أواعی من هاللی عنا، أرقّع وألبّس. أدیر من هاد لهاد، بدنا نستر حالنا، شو بدنا نسوی؟! بعدین صاروا یعطوه، إنتقل على بیت نوبا، صاروا یعطوه 5 لیرات".

ونقرأ فی شهادة الراویة: أولغا الأسود/ لبنان؛ صعوبة الأوضاع الاقتصادیة، على من هجّر خارج فلسطین: "المهم لما إجینا، سکنّا فی صور، وکنّا مستأجرین، وکانوا أهل صور متجبرین فینا، أجرة البیت اللی کان یتأجر ب 5 لیرات لبنانی، کانوا مأجرینا إیاه ب 10 جنیه فلسطینی بالشهر، مآخذین على 3 أشهر 30".

کان یمکن للأسرة الفلسسطینیة، أن تحتمل الوضع الاقتصادی القاسی، بعد تهجیر العام 1948م؛ لو لم یکن مصحوباً بوضع اجتماعی أصعب وأکثر تعقیداً، وبوضع نفسی رهیب، ما زالت آثاره مستمرة حتى اللحظة.

خلّف التهجیر القسری أوضاعاً اجتماعیة، غایة فی التعقید للأسر الفلسطینیة. تفتتت الأسر وتفرقت. وأصبح جمع الشمل الفلسطینی؛ أمنیة أولى للمرأة وللأسرة الفلسطینیة.

تحدثنا الراویة فاطمة الخطیب عن معاناتها ومعاناة أسرتها، حین اضطرت إلى الهجرة من قریتها "شعب"، وترکت ولدیها فی القریة، وعادت بعد عام ونصف العام، کی تبحث عنهما، حیث وجدت أحدهما ولم تجد الآخر:

"إلاّ؟! ترکت ولادی. اتنین مع حماتی، ولد بلبنان. أنا جبت معاى بنات تنتین. أنا بعرفش بلدی؟ هلقدّ هبله؟ کنت حبلى، إلی حبلی تلت تشهر، تنّی جبت ربیت ها الولد سنه ونصف، صرت اقول بدّی ولادی. بعد سنه ونص، وین بدی اروح وانا حبلى وولادی مفش عندهم؟! رجعت على شعب. مطششه، أبات عندک لیله، أبات عند أختی لیله، أروح هون أبات لیله. مشی بالوعر، بالنهار أمشی، وباللیل أبات عند الناس. لحالی. لقیت واحد. کان بحیفا، کان یشتغل، وانا یمّه یا حبیبتی وین بدی أنزل؟! ابنی معی، وهظاک ما لقیتوش. ما لقیتوش".

وتحدثنا الراویة لطیفة الطاهر من شعب، عن والدتها التی عادت بعد الهجرة إلى القریة، ولم یتسن لها أن ترى أولادها ثانیة، قبل وفاتها. وتحدثنا الراویة هدى حنا من صفد، عن هجرتها ووالدها إلى سوریا، وبقاء والدتها وأشقائها فی صفد؛ ما فرّق الأسرة وشتتها إلى الأبد.

سببت الهجرة عزلة اجتماعیة للکثیر من الأسر الفلسطینیة، التی عانت الوحدة جراء عدم تقبل بعض المجتمعات للأسر المهاجرة، وتحاشی الاختلاط بها، کما تبین من مقابلة بعض الراویات، ومن المظاهر الاجتماعیة التی برزت تلک الفترة، ومع بدایة الهجرة: تعصب اجتماعی بشکل عام وتعصب طائفی بشکل خاص. ومما لا شک فیه أنه مع النکبات؛ یزداد تعصب المجتمعات، وترتد إلى الوراء فی بعض ما اعتادت علیه. وفی الوقت الذی کان المجتمع الفلسطینی یتسم بالتسامح، وتقبل الأدیان السماویة الأخرى؛ نجده یضیق ذرعاً بهذه الأدیان، ویلجأ إلى إرغام من یعملون فی المحیط نفسه إلى التقید بما یرضیهم، ونبذ کل من یخالف ذلک؛ ما یضطر أهل الدیانة المختلفة مثل المسیحیین إلى التظاهر بمظهر الإسلام؛ إرضاء لمشاعر أهل المخیم، وطلباً للعمل بینهم، کما نتبین من خلال روایة: أولغا الأسود/ لبنان. أو إلى تغییر اسم الأولاد، خوفاً من التعرض إلى تمییز طائفی، کما حصل مع المناضلة مفیدة النابلسی طهبوب، من خلال شهادة شقیقتها فایقة محمد علی/ القاهرة. تتحدث الراویة أولغا الأسود عن الصعوبات العدیدة التی واجهتها، حین مارست مهنة التعلیم فی الضیعة، حیث أصرَّ أهل الضیعة على ضرورة أن تجاریهم فی طریقة لباس النساء لدیهم، واعتقدوا بادئ الأمر أنها مسیحیة، بسبب لبسها المختلف، وبسبب عدم وضع المندیل على شعرها.

بالنسبة للوضع النفسی؛ لن ینسى الفلسطینیون، رغم مرور السنین، أیام التهجیر القاسیة. لقد خلّفت هذه الأیام ذکریات لا یمکن محوها. وآثاراً نفسیة حفرت أخدوداً عمیقاً فی نفوسهم. تحدثنا الراویة: رضا ذیب عبد الرحمن نتیل/غزة، عن مأساة تهجیرها، وهی طفلة فی الخامسة، حین هدمت بیوتهم وبیوت أقربائهم، وفقدوا المأوى، وحین منعت حتى من البکاء؛ خوفاً من القتل على أیدی الإسرائیلیین. وعن رحلة تهجیرها المرعبة، وعن قسوة شروط الحیاة التی عاشتها، وعن المذابح التی شاهدتها وبقیت حیة فی ذاکرتها.

وتتحدث الراویة فاطمة الخطیب/ غزة، عن ذکریات الطفولة، التی لا یمکن محوها، حین أصابتها شظایا من القصف الجوی على المنطقة، ذلک القصف الذی بعثر أشلاء بعض ممن استشهدوا، ودفنوا بجانب الخیمة التی أقامت فیها.

کما تحدثنا الراویة زینب عقل من دیر یاسین، عن رحلة عذابها أثناء مجزرة دیر یاسین، وبعد التهجیر. تتحدث الراویة عن معاناتها الاقتصادیة الکبیرة؛ لکنها تصف هذه المعاناة بأنها تهون إلى جانب المعاناة النفسیة التی عانتها، وما تزال تعانیها، جراء معایشتها أحداث مذبحة دیر یاسین، فالضباع التی کانت تأتی إلى المنطقة التی هُجّرت إلیها، کانت أرحم من الوحوش الذین خبرتهم فی دیر یاسین:

"قعدنا فی ابو دیس 4 سنین، خلالهم 36 دار اللی رحلنا فیهم، کان تحتنا حرام وفوقنا حرام، کان حملنا خفیف - یا قشیلنا- والوکالة أعطتنا حرام، المیه کانت شحیح فی ابو دیس، یجیبوا تراکین میه من أسبوع لاسبوع، ویقسموا على کل دار تنکتین میه. انا یعطونا هالتنکتین ویحط الله البرکة فیهن، یا قدرة قادر نتحمم ونتغسّل فیهن. کل ما یزّعّلنی أهل الدار اهرب، زلمتی کان یشتغل فی کازیة دندیس، خلایله، قلت لهم: یحوّشوا معاش جوزی، ویشتروا لی قطعة أرض، ویحطوا لی فیها ولو خیمة أو شادر. بقعد أو مغارة، حوّشنا لزلمتی 40 لیرة.

والـ 40 لیرة بقین یسووا فی هذاک الوقت، بقت تشتری ابو دیس واللی فیها. اجوا اشتروا لنا بیت فی الأرض هانا. بنینا غرفتین، وسکنا فیهن. کان فی ابو دیس مسلخ هان بورّیک ایاه، کل الضباع تیجی هناک على ریحة الدم، یرموا هناک الکرش والمعلاق، وحتى اللی معاه بارودة ما یسترجی یمرق من های الطریق (بجانب بیت الراویة). ربی رمى القوة فی قلبی والمروّة قلت له: الضباع ولا الوحوش، إلی الله. أجا بنى لی فیها غرفتین، حطنا فیها وراح، زلمتی هو وواحد من ابو دیس یقولوا له ابو مصطفى. وانا قاعدة مع الاطفال الصغار زی الصیصان، ما الی الا الله. وهذاک یوم وهذا یوم، کأنی قاعدة بالأقصى، لا شفت خوف ولا اهتمیت بإشی".

*****

تحملت المرأة مُرّ الظرف السیاسی العصیب، ومرّ مغادرة الطمأنینة، ورغد العیش. أظهرت شجاعة نادرة فی التصدی والمقاومة، مع الشعب الذی قاوم الاحتلال، أسوة بالرجال. وحین هُجّرت؛ لم تستغرق فی أحزانها؛ بل نهضت واشتبکت مع ظروف الحیاة القاسیة؛ فقاتلت من أجل حقها فی کرت الإعاشة، وقاتلت من أجل حقها فی بیت، یقیها قسوة الطبیعة. عاشت المرأة المهجّرة ظروفاً غیر إنسانیة؛ لکنها استطاعت التغلب علیها بفاعلیة، بکل ما لدیها من دفء وإنسانیة وحنان وقوة، فاستطاعت أن تحفظ الوطن فی ذاکرتها، فی الوقت نفسه، الذی استطاعت فیه؛ أن تجمع شمل الأسرة، وتقاوم استلاب إنسانیتها، وتستمر.

( الدراسة  للباحثة الفلسطینیة  فیحاء عبد الهادی )

ن/25

 

 

 


| رمز الموضوع: 142629







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. المخابرات الإسرائيلية: إسرائيل قد لا تكون قادرة على تدمير حماس
  2. اصابة 3 مستوطنين بعملية إطلاق نار على حافلة شمال أريحا
  3. الخارجية الإيرانية تدعو الاوساط الدولية لوقف الممارسات الجنونية للصهاينة
  4. تجمع قرآني حاشد بطهران تنديدا بالعدوان الصهيوني على غزة
  5. امين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني يستقبل اسماعيل هنية وزياد النخالة
  6. خلال استقباله رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.. الرئيس الإيراني: الجمهورية الاسلامية تعتز وتفخر بدعمها للقضية الفلسطينية
  7. وزارة الصحة بغزة: 32490 شهيدًا و 74889 إصابةً منذ السابع من أكتوبر
  8. في اليوم الـ 173.. قصف "عنيف" على رفح وتدمير "مكثف" للمنازل السكنية بغزة
  9. اليمن يدشن عاشر أعوام الصمود بست عمليات ضد ثلاثي الصهيونية في البحر والبر
  10. دعمًا للشعب الفلسطيني الصامد في قطاع غزة.. حزب الله يستهدف 10 مواقع للاحتلال الصهيوني بالصواريخ والأسلحة المناسبة
  11. قياديان في حركتي الجهاد وحماس: اسرائيل فشلت في العدوان / أبدينا مرونة في المفاوضات لكن لا تراجع عن ثوابتنا
  12. تحت شعار "طوفان الاحرار".. اقامة يوم القدس العالمي هذا العام
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)