الأقصى بین الثورة والإحراق

 زکریا إبراهیم السنوار

فی مثل هذه الأیام, کان حدثان مهملان, یرتبطان بالمسجد الأقصى, هما: ثورة البراق التی اندلعت عام 1929م, وإحراق المسجد الأقصى عام 1969م, ومن الضروری الوقوف علیهما الیوم, والأقصى یصرخ ویستصرخ العرب والمسلمین والعالم کله شعوباً وحکومات.

یتصور البعض, ویحلو له أن ینشر تصوره بین الناس أن ثورة البراق التی اندلعت فی آب (أغسطس) عام 1929م, کانت نتیجة تزاید الهجرة الصهونیة, والاستیطان, والسیطرة على مساحات شاسعة من الأراضی الفلسطینیة, وکأن الأمر سیاسی اقتصادی بحت, وهذا غیر صحیح, فرغم التغول الصهیونی, والدعم البریطانی فی مجالات الهجرة والاستیطان والاقتصاد, إلا أن ذلک لم یسبب ثورة البراق, رغم حالة الغلیان التی وصل لها الشارع الفلسطینی.

هذا من ناحیة, ومن ناحیة أخرى یجب أن لا یغیب عن بالنا أن أحداث ثورة البراق, لم تندلع فجأة, وهکذا دون مقدمات, المطالبة الصهیونیة بالحائط الغربی للمسجد الأقصى , الذی یطلق علیه المسلمون اسم (حائط البراق), لأن النبی محمد صلى الله علیه وسلم ربط دابة البراق فی ذلک الحائط, بدأت تلک المطالبة منذ عام 1918م, فبعد احتلال بریطانیا أرض فلسطین سمحت بتشکیل بعثة (لجنة) صهیونیة برئاسة حاییم وایزمان, لدراسة أوضاع فلسطین, ووضع الخطط الکفیلة بالإسراع بتنفیذ تصریح بلفور, فکان من بین مطالب تلک البعثة تسلیم الیهود حائط البراق, الذی أطلقوا علیه اسم حائط (المبکى).

لم توافق السلطات العسکریة البریطانیة على المطلب الصهیونی, خشیة إثارة أهل فلسطین, والعرب, والمسلمین فی العالم, فبدأ الصهاینة احتکاکاتهم بالمسلمین عند ذلک الحائط منذ عام 1922م, وتدخلت سلطة الانتداب أکثر من مرة, ووضعت على الصهاینة شروطها, لمنع استفزاز مشاعر المسلمین, لکن الصهاینة لم یلتزموا, وتکررت أعمالهم العدائیة , حتى کان عام 1928م , فزادوا عدوانهم واستفزازهم, فجعلوا بعض الأدوات والأقداح والستائر والموائد اللازمة لطقوس العبادة عندهم, ووضعوها فی ذلک المکان, ولم یلتزموا بما أمرت به السلطات من إزالة کل تلک الأدوات التی أثارت نفسیات المسلمین, واضطرت السلطات لإزالتها بالقوة, وتعهد الصهاینة: عدم تکرار ذلک فی الأعوام القادمة, فلما اقترب موعد ذلک العید الیهودی من عام 1929م, أکدت السلطات على بنحاس روتنبرغ الصهیونی ضرورة الالتزام بتعلیماتها, ووافق, لکنه فوجئ بمظاهرة وصلت من تل أبیب إلى القدس, کان بعض عناصرها مسلحین, وطافت بشوارع القدس, مرددین (الحائط حائطنا), وبعدها تجمع المسلمون فی المسجد الأقصى فی عید المولد النبوی, واستمعوا إلى خطابات أوضحت خطورة الموقف, وانطلقوا یهاجمون أحیاء الیهود فی القدس, ومن هنا بدأت الثورة, وامتدت لتشمل عدة مدن وقرى فلسطینیة فالثورة اندلعت بسبب محاولة الصهاینة السیطرة على حائط البراق الإسلامی, وادعائهم أنه ملک الیهود, وهذا ما نفته لجنة البراق الدولیة التی وصلت فلسطین عام 1930م , فی أعقاب ثورة البراق, وأکدت إسلامیة الحائط والرصیف والشارع المجاور له .

صحیح أن ثورة البراق لم یطل وقتها, کما إنها لم تکن منطقة بل کانت حرکة شعبیة انطلقت للدفاع عن المسجد الأقصى, لکنها صفحة مهمة من تاریخنا الحدیث, تؤکد إصرار الشعب الفلسطینی على الحفاظ على مقدساته.

مضت الأیام والسنون, واحتل الصهاینة الشطر الغربی من مدینة القدس عام 1948م , ثم احتلوا الشطر الشرقی منها، والذی یضم المسجد الأقصى عام 1967م وبدأ رفع شعار القدس الموحدة عاصمة (إسرائیل) إلى أبد الآبدین.

بدأت سیاسات تهوید القدس منذ اللحظات الأولى من احتلالها، وفی 21 آب (أغسطس) عام 1969م، فوجئ الجمیع باندلاع حریق هائل فی المسجد الأقصى، وادعت السلطات الإسرائیلیة فی بدایة الأسر أن الحریق قد اندلع بسبب ماس کهربائی, لکنها منعت وصول سیارات الإطفاء من القدس ومن المدن العربیة فی الضفة المحتلة، أیضا، ولم تحرک ساکناً بهدف التهام النیران المسجد, فهب الأهالی ودخلوا المسجد ونقلوا الماء بالدلاء وأطفؤوا النار وتبین أن النار قد أشعلت من عدة أماکن وعلى ارتفاعات عالیة وأنها لم تکن ماسا کهربائیا, وکل ذلک دلل على کذب ما اضطرت السلطات الإسرائیلیة إلى الإعلان عنه فی نهایة المطاف من أن شاباً استرالیاً صهیونیاً یدعى (دنییس مایکل موهان) هو الذی أحرق المسجد الأقصى، لأن کل تلک الأفعال لا یمکن أن ینفذها شخص واحدة بل مجموعة تعمل وفق خطة مرسومة.

احترق جزء من المسجد الأقصى ولم یحرک العرب والمسلمون ساکناً بمعنى الکلمة، فقد اقتصرت ردود الأفعال على الشجب والاستنکار والرفض, الأمر الذی أراح القادة الصهاینة کثیراً وجعلهم یتمادون فی تهوید القدس أکثر فأکثر حتى أصبحنا نسمع کل یوم عن فاجعة جدیدة تحت المسجد الأقصى أو فی محیطه والعرب والمسلمون نائمون.

لا تعجب إذا علمت أن کثیراً من العرب والمسلمین لا یعلمون حتى الساعة أن القدس تحت الاحتلال وأن بعضهم یتفاجأ إذا سمع بذلک وتتملکه الدهشة. 

فأین أنتم یا عرب یا مسلمون؟

ن/25