الاربعاء 15 شوال 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

معجزة غزة: الخاسرون والرابحون

إستطاع بضعة آلاف من الجیاع فی قطاع غزة ان یقلبوا کل المعادلات السیاسیة فی المنطقة العربیة باقتحامهم الحدود مع مصر بالقوة، ان یعیدوا توحید العالم الاسلامی حول قضیة واحدة بعد ان فرقتهم قضایا کثیرة طوال السنوات العشرین الماضیة.

ما یمکن استخلاصه، وللوهلة الاولى، مما حدث على معبر رفح الحدودی المصری ـ الفلسطینی هو ان زمن التفوق العسکری، والذکاء السیاسی الاسرائیلی یتراجع بسرعة قیاسیة، امام ظاهرة انهیار ثقافة الخوف لدى الشارع العربی الاسلامی التی زرعتها الانتصارات الاسرائیلیة فی حروبها الخاطفة مع الانظمة الرسمیة العربیة.

اسرائیل ستظل تعانی من عقدة نفسیة اسمها الجنوب ، فقد تعرضت لهزیمتین مذلتین فی تاریخها فی جنوب لبنان، الاولى عندما انسحبت من جانب واحد فی عام الفین، والثانیة عندما عجزت عن کسر عزیمة المقاومة امام صمود اسطوری لأکثر من اربعة وثلاثین یوما اوقع خسائر کبری فی سمعتها اولا، وصفوف قواتها ثانیا.

وها هی تتعرض لهزیمة ثالثة فی جنوب فلسطین وفی قطاع غزة، عندما انهار حصارها مثل بیت العنکبوت امام صمود من نوع آخر.

نحن نرفض کل النظریات والتفسیرات التی یحاول البعض اطلاقها بالقول ان اسرائیل وضعت هذا السیناریو للتخلص من قطاع غزة والقذف به فی وجه مصر. لان زمن التفوق الاسرائیلی فی التفکیر والتخطیط قد ولى وربما الى غیر رجعة، لیس لان العرب باتوا اکثر ذکاء، وانما لانهم باتوا اقل اکتراثا، واکثر تصمیما على استعادة کرامة المقاومة التی اهدرتها الأنظمة.

النظام المصری بدأ یقرأ الخریطة العربیة بشکل افضل، ویتحرک مضطرا لتجنب الالغام التی تهدد استقراره، وخاصة تلک المزروعة علی حدوده مع غزة باملاءات اسرائیلیة، فلو لم یتحرک ابناء قطاع غزة لنسف الحدود واقتحامها بعشرات الآلاف، لفعل ذلک المصریون الغاضبون من حال الهوان التی اوصلتهما الیها حکومتهم بخنوعها المهین للضغوط الاسرائیلیة والامریکیة.

الرئیس حسنی مبارک کان امام خیارین، فإما ان یستمر فی اطاعة الاملاءات الاسرائیلیة وتشدید الحصار علی اهل غزة، ویواجه غضبا شعبیا مصریا متفجرا نتیجة لهذا الخنوع، او یغض النظر عن تفجیر الحدود واقتحامها، وینفس بذلک احتقانا شعبیا متضخما وبما یجنب نظامه احتمالات الانهیار. ویبدو انه اختار الثانی ایثارا للسلامة.

اسرائیل لا تستطیع اغضاب النظام المصری، وتصدیر مخزن التطرف فی غزة الیه مجددا، لان هذا یعنی مضاعفة مخاوفها الامنیة لا تقلیصها، وربما زعزعة الالتزام بمعاهدة کامب دیفید للسلام، وتوسیع رقعة المقاومة بحیث تشمل صحراء سیناء وحدودها الطویلة مع اسرائیل.

النظام المصری بات اقوی فی مواجهة اسرائیل بفضل تفجیر الحائط الحدودی مع قطاع غزة، فهو یستطیع ان یفرض شروطه لتعدیل معاهدة کامب دیفید وبما یسمح له بزیادة قواته فی سیناء، والأهم من ذلک یستطیع ان یقول للامریکیین ان لیس کل ما تقوله وتفعله اسرائیل هو الصحیح، ولا بد من اخذ تحذیرات مصر جراء السیاسات الاسرائیلیة الغبیة تجاه الفلسطینیین والعرب بشکل عام علی محمل الجد. فمصر حذرت من خطورة ابقاء معبر رفح مغلقا، مثلما حذرت من تجویع ملیون ونصف الملیون فلسطینی بالطریقة التی مارستها اسرائیل، وما یمکن ان یترتب علی ذلک من نتائج کارثیة فی دعم التطرف وانهیار ما تبقی من النظام الامنی فی المنطقة المتفجرة.

فک الارتباط الاسرائیلی مع قطاع غزة الذی هدد به نائب وزیر الدفاع هو فکرة رومانسیة ولکنها غیر ممکنة عملیا، لیس لأن مصر لن تقبل بها، بل لأن الفلسطینیین سواء فی غزة او رام الله سیرفضونها، فأهل قطاع غزة ومعظمهم من اللاجئین، سیستمرون فی المقاومة، واذا کانوا الیوم یطلقون صواریخ بدائیة محلیة الصنع، فانه من غیر المستبعد غدا، وفی حال تخلی مصر عن التزاماتها بمراقبة الحدود وتدمیر الانفاق، ان تجد أن اسرائیل نفسها تواجه صواریخ کاتیوشا وربما الحسن والحسین والعباس وشهاب.

والاخطر من هذا وذاک، ان سابقة تدمیر الحواجز فی قطاع غزة قد تنتقل فی المستقبل القریب الی الضفة الغربیة، فماذا یمنع عشرات الآلاف من ابناء بیت لحم ونابلس وجنین والخلیل وطولکرم من الزحف الی حواجز الذل الاسرائیلیة البالغ تعدادها ستمئة حاجز وتدمیرها تماما مثلما فعل ابناء قطاع غزة.

حکومة اولمرت هی الخاسر الاکبر، ومعها سمعة اسرائیل داخلیا وخارجیا. فشعب غزة کسر غرورها، واظهرها امام العالم کدولة فاشیة تتلذذ فی تعذیب الضعفاء، وتمارس ابشع انواع التعذیب فی حق شعب شردته وحرمته من ابسط حقوقه. العالم کله شاهد اطفال غزة ینزفون حتی الموت بسبب نقص والدواء. مثلما شاهدوا الرضع یلفظون انفاسهم الاخیرة وهم فی حاضناتهم بسبب انقطاع التیار الکهربائی.

الخلل الاساسی وراء کل هذه التطورات المزعجة لواشنطن یکمن فی توجیه الضغوط علی الطرف الضعیف وحمایة الطرف الأقوی وتشجیع طغیانه.

الآنسة کوندولیزا رایس قالت قبل یوم من انفجار الحدود ان المعادلة التی ترید واشنطن تحقیقها هی الامن لاسرائیل وتلبیة الاحتیاجات الانسانیة لاهل قطاع غزة. هذه المعادلة هی اساس کل العلل والتوترات الآنیة واللاحقة فی المنطقة. فالمعادلة الاصح هی الامن لاسرائیل مقابل الحقوق السیاسیة والقانونیة الکاملة للشعب الفلسطینی. لان هذا الشعب لیس شعبا متسولا یرید ان یعیش حیاته علی الاعانات وفضلات الدول المانحة، ولهذا جاء الرد سریعا علی الآنسة رایس وادارتها بمفاجأة اقتحام الحدود بالطریقة التی شاهدناها.

الرئیس محمود عباس سیلتقی ایهود اولمرت یوم الاحد المقبل للمرة العاشرة او الحادیة عشرة، وسیکون الوضع فی غزة وحدودها على قمة جدول الاعمال، ای ان الجانبین سینسقان مواقفهما تجاه هذه المعضلة الجدیدة، او هکذا مفترض، وهذا یعنی ان الرئیس عباس یرفض کل النداءات بقطع المفاوضات تضامنا مع ابناء شعبه المحاصر من صدیقه اولمرت فی قطاع غزة.

سؤالنا للرئیس عباس، الذی وصف صواریخ غزة التی تضرب سدیروت بانها عبثیة هو ببساطة: الا توافق معنا بان لقاءاتک المهینة هذه مع اولمرت التی لم تفکک حاجزا واحدا او تزل مستوطنة غیر شرعیة فی الضفة الغربیة هی اکثر عبثیة ؟

( المقال لعبد الباری عطوان )

م/ن/25


| رمز الموضوع: 142564







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. بعد استقالة حاليفا.. "تأثير الدومينو" يلحق قيادات الجيش الصهيوني
  2. بيان إيراني باكستاني مشترك ضد الكيان الصهيوني
  3. خلال استقباله حشدا من العمال في انحاء البلاد.. قائد الثورة الإسلامية: جميع الشعوب تدعم فلسطين / الارهابيون الحقيقيون هم من يقصفون الشعب الاعزل في غزة
  4. قيادي في "حماس" : لدى الحركة نحو 30 أسيرا من الجنرالات وضباط الشاباك
  5. تصاعد الهجرة العكسية في الكيان الصهيوني بعد عملية طوفان الأقصى
  6. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الكليات الأميركية وسط إضرابات جماعية وعشرات الاعتقالات
  7. أبو عبيدة: رد إيران بحجمه وطبيعته وضع قواعد جديدة وأربك حسابات العدو الصهيوني
  8. خلال زيارته لجامعة كراتشي.. رئيس الجمهورية: الكيان الصهيوني مني بالفشل الذريع في غزة رغم جرائمه غير المسبوقة
  9. صواريخ المقاومة الفلسطينية تدك بشدة مستوطنات غلاف غزّة
  10. الصحة بغزة : 34183 شهيدا و77143 إصابة منذ بدء العدوان
  11. الشيخ نعيم قاسم: اسرائيل لا يوقفها الا السلاح و المقاومة
  12. أمير عبد اللهيان: يجب على الاتحاد الأوروبي ان يفرض عقوبات على الكيان الاسرائيلي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)