الخميس 16 شوال 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

ثقافة (المقاومة) فى مواجهة ثقافة (التطبیع)

ثقافة (المقاومة) فى مواجهة ثقافة (التطبیع).. قراءة فى التجربة المصریة وسبل مواجهة الاستراتیجیة الإسرائیلیة  

 کاتب هذه السطور من المؤمنین بأن الکیان الصهیونی کله ثکنة عسکریة، لا فرق لدیه بین مدنی وعسکری، فالأصل هو العدوان أو کما قال أحد فلاسفتهم ذات یوم (إن إسرائیل بمثابة جیش بنیت له دولة)، بهذا المعنى کان عدوانها الدائم على أمتنا العربیة ،ودولها وتدمیرها الوحشی لکل معالم الحیاة فی سلسلة لا تنقطع من نازیة یصغر إلى جوارها فعل هتلر، ولعل فی تأمل ما جرى فی لبنان صیف العام 2006 والیوم فی غزة والضفة (2007 )ما یکفی للتأکید على هذه الحقیقة، فی مواجهة هذه البنیة، ولیس فحسب الاستراتیجیة العدوانیة، نطرح سبل المواجهة عربیاً وهی متعددة أو ینبغی أن تکون کذلک وذات أبعاد سیاسیة واقتصادیة وثقافیة وعسکریة، وفی هذا البحث سوف نرکز على الأبعاد الثقافیة فی المواجهة متخذین من (ثقافة المقاومة) وتجاربها کما تبدت فی الحالة المصریة نموذجاً.

وفی البدایة دعونا نسأل ما هى ثقافة المقاومة التى نقصدها ؟ وأین هى من واقعنا العربى وخاصة فی ظل التطورات العالمیة المعاصرة والمؤامرات الجدیدة التى تحاک لمنطقتنا بعد الحادى عشر من سبتمبر 2001م ؟ وأین هى مصر ، کتجربة ؛ فی ظل هذه الأحداث والأفکار؟

* بدایة نعنى بـ (ثقافة المقاومة) لدى الشعوب ، تلک الثقافة التى تعلى من قیم الاستنهاض والعزة والمواجهة لدى الأمة حین یحیق بها الخطر الذى یهدد وجودها ، هى ثقافة تعنى استنفار روح التحدى لدى الشعب ، لدى النخبة ، لدى مؤسسات المجتمع الأهلى ، فی مواجهة ثقافة آخرى للوهن ، والاستسلام ، یطلق علیها تارة اسم الواقعیة ، وآخرى اسم (السلام) وایقاف العنف.

فی هذا الاطار کانت (ثقافة المقاومة) هى الأصل لدى شعوبنا العربیة والاسلامیة فی مواجهة دائمة عبر القرون الماضیة وهى کانت دائماً فی حالة دفاع شرعى عن النفس فی مواجهة الغزوات الخارجیة التى ترید احتلال العقل والعقیدة بعد احتلال الوطن ؛ والمتأمل للمحطات الرئیسیة فی مسیرة سیکتشف أن الأمة کانت فی موقع الدفاع عن النفس ضد الهجمات القادمة من هذا الغرب الذی ترید افتراسها وتحطیم وجودها ؛ وهى محطات بدأت حدیثاً بالتتار مروراً بالحروب الصلیبیة والاستعمار الغربى الحدیث انتهاء بالغزوة الصهیونیة والتى بدأت أوائل القرن الماضى (القرن العشرین) ولازالت قائمة لأکثر من مائة عام فی تحالف مصلحى عدوانى مع الغرب وبخاصة الولایات المتحدة ، عبر هذه (المواجهات) التى وصلت الى قرابة العشرة قرون ، تشکلت لدى الأمة تلک الثقافة الممانعة ، ثقافة المقاومة ، والتى کان عمودها الفقرى العروبة و"الاسلام" : دیناً وقیماً وحضارة ؛ لقد أضحى الاسلام هو الجامع لهذه الثقافة ، ولهذا الوجود العربى – الاسلامى ، وهو الذى أعطى الروح لهذه الأمة، فنهضت وانتشرت وقاومت وانتصرت.

فی مواجهة هذه الثقافة: ثقافة المقاومة، کان هناک دائماً، ثقافة آخرى تدعو الى (الوهن)، والى (القعود) بدیلاً عن الجهاد والمواجهة وهى ثقافة کان یتولى دفنها بعض الحکام التابعین للآخر المهاجم، وبعض المثقفین والسیاسیین والدعاة الذین ربطوا مصالحهم ومصیرهم وحیاتهم بعجلة العدو الخارجى، وهم لذلک أنشئوا له فی قلوبهم وضمائرهم، قبل ان ینشئوا فی بلادهم؛ مکاناً رحباً لیقیم فیه، ویتوغل، باسم (الواقعیة) تارة أو السلام والحوار تارة آخرى، وکان هؤلاء لا یظهرون عادة الا فی أوقات المحن وضعف الأمة وغیاب القیادات القادرة على المواجهة والجهاد.

* ثقافتان إذن فی مواجهة بعضهما البعض، کانا هما ملخص المشهد التاریخى لأمتنا عبر تاریخها الممتد: ثقافة المقاومة وثقافة (الوهن)؛ دارت حولهما ومن خلالهما المعارک، وتعددت الاسماء واللافتات، وفقاً لکل عصر، ولکنهما ظلتا ثابتتین: فدائماً کان هناک، وسیظل خندقان: الأول یرفع لواء المقاومة والجهاد، والثانى یرفع لواء الوهن والقعود والاستسلام.

ذلک کان هو المشهد ، والمعادلة 00 عبر التاریخ ، وهى ذاتها الیوم ، ربما مع اختلاف الاسماء واللافتات ، ولکن المضمون واحد.

اذا ما نظرنا وبعمق الى المشهد العربى والاسلامى الراهن ، سنشاهد صراع الثقافتین ، وکیف أن أحداث الحادى عشر من سبتمبر والانتفاضة الفلسطینیة ثم المحاولات المحمومة لضرب العراق والعدوان الإسرائیلی على لبنان صیف العام 2006، والحصار والذبح العربی الإسرائیلی للشعب الفلسطینی خلال عام 2007، تمثل مجتمعة خلفیة شدیدة التأثیر على مجرى الصراع ؛ فالاصطفاف الحالى یندرج فی انقسام رأسى بین (خیار المقاومة) و(خیار الاستسلام) ، الأول یقاوم على المستوى الشعبى والمجتمعى مع بعض من تبقى شریفاً من الأنظمة العربیة ، یقاوم دفاعاً عن وجوده ذاته وهى مقاومة تأتى بالدرجة الأولى من داخل فلسطین ولبنان ، ومن داخل الشعوب العربیة والاسلامیة فی ایران وسوریا ومصر وغیرهم 0 والمواجهة لها (أى ثقافة الصهینة والاستسلام) تأتى من قبل الکیان الصهیونى والولایات المتحدة متحالفة مع العدید من أنظمة الحکم فی المنطقة (وبخاصة منطقة الخلیج العربى ( الفارسی ) ؛ وهى تستهدف فی هذه اللحظة وجود الأمة ذاته وترید اعادة صیاغة وتشکیل خریطة المنطقة ، واعادة خلق العالم من جدید انطلاقاً من هنا : من بلادنا العربیة ، أما الأرض الرئیسیة للصراع الراهن فهى (فلسطین والعراق ولبنان) مع وجود امتدادات بالقطع على کافة جغرافیا الأرض العربیة 0

* إن الثقافتین تتصارعان وبقوة منذ عامین أو یزید فی حلقة جدیدة – خطیرة – من حلقات الصراع الممتد منذ النشأة العلنیة للکیان الصهیونی 1948 وقبلها منذ بدایات الغزوات الغربیة لبلادنا، وهما فی صراعهما یستخدمان کل ما یمتلکان من امکانات ، وقدرات ومن الواضح أن ثقافة الصهینة أو فرض الاستسلام أو الوهن (أیا ما کانت التسمیة) ، تبدو فی المشهد الحالى ، منتصرة 0 ولکنه فی تقدیرنا انتصار مؤقت ، أو بمعنى أدق انتصار زائف انتصار من یرید القهر المادى والمعنوى الکامل للخصم ، هو لا یرید مجرد الهزیمة ، بل الموت ، والدمار الکاملین ، یرید الافناء وهذا اجمالاً ضد سنن الکون ، وتفصیلاً ضد طبیعة الثقافة، والدین والجغرافیا والتاریخ والحاکم لهذه المنطقة فی العالم : منطقتنا ، والتى قد یظن المعتدى أنها قد دانت له ، وقد قهرت ، فإذا بها تصحو من غفوتها ، وتفیق ثم تقاوم وتنتصر.

أین مصر من هذا المشهد ؟

فی اطار هذا المشهد الدرامى؛ نتساءل أین (مصر) منه؟ ومصر التى نعنیها، هى مصر – الدولة، مصر – الدور، ولیس مصر النظام السیاسى الحاکم الذى ربط حاله ومصیره ومستقبله – للاسف الشدید – بشرایین الدورة الدمویة الإسرائیلیة والامریکیة فی العالم ، وکبل أقدامه وأرجله بقیود المعونة الامریکیة [حوالى 2 ملیار دولار ] والتى تعود فی أغلبها على من منحها فی دورة شیطانیة خطیرة ؛ تعود مادیاً تارة أو على هیئة منافع سیاسیة وعسکریة تارة اخرى 0

والاهتمام بالسؤال: أین مصر من کل هذا نابع بالأساس من (محوریة مصر) فی عالمها العربى والاسلامى ولیس لتعصب لها ؛ فهى عاصمة هذا العالم ، وهى جهازه العصبى (کما قال من قبل العالم الراحل جمال حمدان) ، وهى ان نهضت ، نهض وان قاومت قاوم ، وان هزمت هزم للأسف مهما حاولت الأطراف أن تستفیق وتقاوم 0

أین مصر من هذا الصراع الدامى بین الثقافتین ؛ ثقافة المقاومة ، وثقافة الوهن والاستسلام أمام المشروع الإسرائیلی الأمریکی الغربی؟‍ وهل لهاتین الثقافتین صدى واضح الملامح فی مصر الیوم ؟

حول هذا السؤال نبلور مایلى من حقائق 00 و تفسیرات :

فأولاً : انطبق على (مصر) ما انطبق على الشرق العربى الاسلامى خلال محطات الصراع مع (ثقافة الوهن) عبر القرون العشرة الماضیة ، وعانت مثلما عان الشرق ، وقاومت مثلما قاوم ، الى أن اتت الحملة الجدیدة ، الحملة الصهیونیة الأمریکیة الجدیدة التى اکتست بملامح عنصریة بل وصلیبیة واضحة (لم تکن اذن زلة لسان للرئیس بوش إبان غزوه لأفغانستان یوم 7/10/2001) خاصة بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 وتحدیداً مع التحضیر لغزو العراق ووأد الانتفاضة 0

* فی هذه الحملة الجدیدة ثمة معسکران فی مصر یتصارعان وبقوة المعسکر الأول هو معسکر الصهینة ، أو الوهن ، أو ثقافة الاستسلام والمعسکر الثانى هو معسکر المقاومة ، وتحت کل منهما تندرج عشرات المؤسسات والأفکار والقیم والمفاهیم، ومن خلال صراعهما یتشکل وجه مصر الحضارى ، ودورها المحجوب عن انطلاقته المرجوة 0

ثانیاً : فإذا أتینا الى التفاصیل ، فسوف نکتشف ان الفریق أو المعسکر الذى یرفع لواء ثقافة الاستسلام ، بدأ فی الظهور والتبلور مع نهایات الستینات من القرن الماضى حین انکسرت مصر فی هزیمة 1967 ، واکتمل نموه مع مبادرة السادات لزیارة القدس عام 1977 ثم توقیعه على اتفاقات کامب دیفید (1979) والتى فرغت دور مصر من مضمونه وأخرجتها من محیطها وانتمائها العربى والاسلامى وصادرت قدراتها العسکریة والسیاسیة وحجمت تطلعاتها خارج الجغرافیا الجدیدة التى کبلتها بأیدى أمریکیة واسرائیلیة ، وبلغ دعاة هذا الفریق قمة أدائهم هذه الأیام حینما عجزت مصر الرسمیة عن مجرد الفعل تجاه الحرب التى تشن على حدودها الشرقیة تجاه شعبنا الشقیق فی فلسطین ، وانحسر الدور الرسمى فی مجرد الادانة اللفظیة أحیاناً أو فی دور (العراب) لمشاریع استسلامیة یطلق علیها تلطفاً وزیفاً مشاریع تسویة وسلام ورغم ابتذالها ، کان الطرف الاسرائیلى یرفضها ولا یعیر (مصر الرسمیة) التفاتاً ، ولا یهتم بردود فعلها أو غضبها وهو ما مثل – ولایزال – اهانة متواصلة ضد مصر الدور والدولة 0

وکان لابد لثقافة هذا الفریق من أن تجد لها أوعیة وقنوات ، فکانت مؤسسات العدو الصهیونى فی القاهرة هى أبرز هذه الأوعیة ، تلیها المؤسسات الامریکیة ، فالمؤسسات المصریة الرسمیة أو شبه الرسمیة التى مثلت جسراً للاختراق * و بالنسبة للمؤسسات الاسرائیلیة تأتى السفارة الاسرائیلیة بالقاهرة والقنصلیتان واحدة فی (الاسکندریة) والثانیة فی (القاهرة) 0 ثم المؤسسات الثقافیة والتى أبرزها المرکز الأکادیمى الاسرائیلى بالقاهرة ، فإذا بحثنا ملیاً فی وظیفة منَّ أدار هذه المؤسسات ، سنکتشف أنهم مسئولون سیاسیون ، أغلبهم عمل فی أجهزة المخابرات الاسرائیلیة ، وهم یتفاخرون بذلک وهو العمل الذى انعکس سلباً على مصر وساهم بقوة فی اختراق ونشر ثقافة (الوهن) ، وعلى سبیل المثال توالى على السفارة الاسرائیلیة التى بدأت عملها فی عام 1979 سفراء کانوا فی جملهم یعملون من قبل فی الموساد الاسرائیلى وهم :

1 – الیاهو بن الیسار : وهو أول سفیر للکیان الصهیونى ، بالقاهرة ، وکان على صلة وثیقة بالرئیس السادات ، وشهد عملیة اغتیاله ، وتأثر کثیراً بها لاعتبارات الصداقة والعلاقات الدافئة ، وعلى یدیه بدأت الخطوات الأولى لتطبیق الاتفاقات الموقعة فى کامب دیفید 1979 ولقد أصدر کتاباً قبل وفاته العام الماضى حول تجربة وجوده فى مصر ذکر فیه العدید من الوقائع المهمة التى تحتاج الى عرض خاص 0

2 – موشیه ساسون : وهو یعد من وجهة نظرنا ونظر من أرخ للعلاقات المصریة الاسرائیلیة ، مهندس هذه العلاقات ، ولقد أصدر کتاباً بعنوان (سبع سنوات فى بلاد المصریین) وروى فیه کیف نبذه الشعب المصرى وبخاصة النقابات المهنیة واهتم به فقط یوسف والى الذى کان یستضیفه فى قریته بالفیوم والکتاب ترجمة (مرکز یافا للدراسات) ونشرته دار الکتاب العربى بدمشق والقاهرة قبل ثلاث سنوات وقام کاتب هذه السطور بالاشراف على الترجمة والتقدیم النقدى لها مع فضح الترهات والأکاذیب التى حوتها 0

3 – شیمون شامیر : وهو باحث مشهور ویعود له الدور الأکبر فى الاختراق الثقافى لمصر ، حیث أنشأ عام 1982 المرکز الأکادیمى الاسرائیلى بالقاهرة [ یوجد هذا المرکز الخطیر والمشبوه فى 92 شارع النیل خلف شیراتون القاهرة وأعلى شقة کاتبنا المصرى الکبیر محمد حسنین هیکل] ، وهذا الرجل تولى منصب السفیر بعد ان کان قد نسج سلسلة من العلاقات مع بعض رجال الثقافة والأدب والتاریخ (مثل عبد العظیم رمضان وتحسین شنن ، ونجیب محفوظ للأسف) ودوره فى تولى منصب السفیر یؤکد بوضوح حجم التداخل بین السیاسى والثقافى لدى الکیان الصهیونى 0

4 – افرایم دوبک : وهو أحد رجال المخابرات الاسرائیلیة المعروفین وان تخفى فى ثوب سیاسى برىء ، وکانت فترة تولیه لمنصب السفیر فترة خصبة لتصدیر الشباب المصرى – عبر یوسف والى وزیر الزراعة – الى داخل الکیان الصهیونى للعمل والتدریب فى المستوطنات وزادت فى عهده حالات زواج هذا الشباب المصرى من فتیات اسرائیلیات الأمر الذى رتب مستقبلاً مشکلة اجتماعیة خطیرة لازالت تنتج آثارها حتى وقتنا هذا 0

5 – ابراهام واربورج : وهو أحد کبار المتخصصین فى الشأن المصرى ، ومثله مثل (شیمون شامیر) ، اذ بعد تولیه لمنصب مدیر المرکز الأکادیمى الاسرائیلى بالقاهرة لفترة هامة ، شهدت سرقة للآثار وللکتب الیهودیة المصریة تحت زعم عمل مکتبات للاطلاع داخل المعابد الیهودیة بالقاهرة ، بعد ذلک بتولى منصب السفیر فاهتم أیضاً بسرقة تاریخ وآثار مصر وتهریبها الى داخل الکیان الصهیونى بأسالیب مبتکرة وخطیرة 0

6 – دیفید سلطان : وکان یتمتع بخبرة جیدة فى اصطیاد المثقفین المصریین ممن وهنت ارادتهم الوطنیة ، وکان صدیقاً شخصیاً للکاتب الراحل لطفى الخولى ولعلى سالم وصلاح بسیونى ومصطفى خلیل وعبد المنعم سعید ، والمخرج المغمور نبیل فودة الذى حاول تأسیس جمعیة للصداقة المصریة – الاسرائیلیة فرفض القضاء طلبه وصفعه على وجهه صفعة لاتزال آثارها واضحة ، فضلاً عن غیره من رجال تحالف کوبنهاجن وجمعیة القاهرة للسلام 0

7 – تسفى مازئیل : والذى استمر عمله فى مصر 4 سنوات وکان هذا السفیر هو أضعفهم وأقلهم دهاء ، حیث لا یتمتع بأى قسط من الذکاء الاجتماعى الذى کان الآخرون یتمتعون به ، ثم جاءت انتصارات المقاومة اللبنانیة بقیادة حزب الله التى توجت بالانتصار (یوم 25/5/2000م) ثم الانتفاضة الفلسطینیة (28/9/2000) التى لازالت مشتعلة رغم الحصار والذبح، وتعاطف الشارع المصرى معها بل وتعاطف بعض القیادات الحاکمة ، جاءت لتزید من حصار هذا السفیر وطاقمه ، الأمر الذى دفعه لطلب سرعة انهاء خدمته فى مصر 0

8 – جدعون بن عامى : وقد تم تعیینه وسط احتجاجات شعبیة مصریة واستیاء عام لأنه جاء فى نهایة شهر ینایر 2002 فى ذروة الانتفاضة المبارکة والتى کان متوقعاً ان تؤثر فى تصرفات النظام المصرى وتجبره على عدم تعیین هذا السفیر أو حتى طرده من مصر وهو للأسف ما لم یحدث 0 وهذا الصهیونى کان یبلغ من العمر 63 عاماً وکان یشغل نائب رئیس مرکز الأبحاث السیاسیة فى وزارة الخارجیة الاسرائیلیة وهو من أبرز المعادین للعرب ومن الذین عملوا مع الموساد الاسرائیلى بوضوح فى مجال الدراسات ، وهو من المتعاونین مع تحالف کوبنهاجن الشهیر الذى أنشأه مجموعة من المثقفین الجواسیس (عرباً ویهوداً) عام 1998 9-شلومو کوهینوهو من ابرز عناصر الموساد السابقین وستنتهى مدة خدمته فى مصر فىشهرمارس القادم وتبحث وزیرة الخارجیة الاسرائیلیة(لیفنى) عن بدیل له ولکنها حتى الیوم لاتجد من هو فى نفس کفائته التجسسیة0

وبالنسبة للقنصلیتان اللتان بدأء عملهما عام 1980فکما هو معروف فإن شبکة التجسس حاملة لواء ثقافة الوهن لابد وان تکون مکتملة لذا کان لابد من وجود (قناصل) لدولة العدو یمثلون الذراع التجارى والاجتماعى له مسألة ضروریة ، وقد کان ، حیث أنشئت قنصلیتان احداهما فى الاسکندریة والثانیة (الرئیسیة) فى القاهرة وذلک منذ بدایة الثمانینات ، والأخیرة یتولى رئاستها الآن أحد خبراء الأمن والتجسس الاسرائیلى واسمه [ایلى لیفى] ،ومهمته مساعدة النشاط الدبلوماسى لسفارة العدو فى مزید من الاختراق السیاسى والتجارى للمجتمع المصرى0

أما المرکز الأکادیمى الاسرائیلى الذى أنشىء فی القاهرة عام 1982 فتوالى على رئاسته سبعة من رجال المخابرات الاسرائیلیة یحملون درجات علمیة وهم [ شیمون شامیر الذى أضحى سفیراً للکیان الصهیونى فی مصر والأردن بعد ذلک (ولننظر هنا العلاقة الواضحة بین الأکادیمیة والعمل الدبلوماسى لدى هؤلاء الجواسیس) – ابراهام واربورج – عمانویل مارکس – یوسف جینات – ساسون سویخ – یوسى أمیتاى ] 0

وبالنسبة للمؤسسات الامریکیة تأتى السفارة فی القاهرة التى هى بمبناها وموقعها بمثابة قلعة مسلحة ، وبها مرکز المخابرات المرکزیة الأمریکیة (C – I – A) فی الشرق الأوسط ومرکز لمکتب التحقیقات الفیدرالى (F – B – I) وتلى السفارة القنصلیتان : فی القاهرة والاسکندریة فالمکاتب الاستشاریة القانونیة والاقتصادیة والعسکریة والتى تخدم 40 ألف أمریکى یعملون فی مصر (أکبر جالیة أمریکیة فی العالم) ویشکلون جیشاً منظماً للاختراق الثقافى ورافعة خطیرة لثقافة الاستسلام (والتى تسمى – کما أشرنا – زیفاً بثقافة السلام) ویعاون هذا الجیش 30 مؤسسة تعلیمیة وثقافیة خطیرة الدور وذات تنسیق دقیق مع الأجهزة الاسرائیلیة بالقاهرة ومع أجهزة المخابرات الامریکیة والاسرائیلیة خارجها ومن أبرز هذه المؤسسات [ الجامعة الامریکیة – مرکز البحوث الأمریکى – هیئة المعونة الامریکیة – هیئة الـ M – I – T – مؤسسة منح السلام – مشروع ترابط الجامعات المصریة – الامریکیة – مشاریع مراکز الأبحاث الامریکیة بالقاهرة والتى تشرف على تنقیة مناهج التدریس فی الجامعات المصریة وبخاصة مناهج العلوم السیاسیة مما قد تحتویه من ثقافة أو فکر یتعرض بالسلب للثقافة والسیاسة الامریکیة ومقر هذه الوحدة التى صارت (مرکزاً للبحوث الامریکیة) یوجد داخل إحدى الکلیات المهمة فی جامعة القاهرة للأسف.

یتعاون وبقوة مع هذا الفریق ویمثل جسراً ثقافیاً وسیاسیاً له للاختراق ولحمل رایة (ثقافة الاستسلام) جناح لا بأس به من أهل الحکم فی مصر یتقدمهم وزیر الزراعة المصرى السابق رجل التطبیع الشهیر د0 یوسف والى مع أکثر من 70 مسئولاً بوزارته بعضهم أحیل للتحقیق فی قضایا فساد ورشوة مؤخراً : منهم د0 یوسف عبد الرحمن وکیل وزارة الزراعة وأحد أبرز المطبعین مع العدو الصهیونى فی الوزارة ، والخطیر ان یوسف والى لم یکن یحتل فقط موقع وزیر الزراعة ولکنه ظل لأکثر من عشرین عاماً الأمین العام للحزب الوطنى الدیمقراطى الحاکم فی البلاد بما یمثله من تأثیر سلبى سیاسى وحزبى واجتماعى على البلاد بالاضافة الى هذا الوزیر ثمة مسئولین آخرین فی قطاعات آخرى مؤثرة [ کالنفط – الثقافة – السیاحة وغیرها) ومعهم تقف مجموعة من المؤسسات شبه الرسمیة التى یسیطر علیها المطبعون حملة لواء هذه الثقافة مثل بعض (مرکز الدراسات السیاسیة والاستراتیجیة) والمستقبلیة وجمعیات أخرى مثل (جماعة القاهرة للسلام) تلک الجماعة التى أسسها الکاتب الراحل لطفى الخولى بإیعاز من بعض أجنحة التطبیع فی النظام الحاکم فی مصر کى تنسق مع ما یسمى بجماعات السلام داخل الکیان الصهیونى ، فما کان من الأخیرة التى یرأسها (رجال موساد سابقین) مثل دیفید کیمحى الا ان اخترقت هى جماعة السلام المصریة والتى بدورها صارت من اللافتات سیئة السمعة فی تاریخ العلاقات المصریة – الاسرائیلیة ویدخل أیضاً ضمن هذا المعسکر (السلامى) حامل لواء ثقافة الصهینة عدداً ضئیلاً من الصحفیین والمثقفین السیاسیین المصریین نذکر منهم [د0 عبد العظیم رمضان – د. عبد المنعم سید - أنیس منصور – د0 مراد وهبه – د0 منى أبو سنة – رضا هلال – سعید صبرى – أمین المهدى – د0 قدرى سعید – السفیر السابق صلاح بسیونى – الکاتب على سالم وآخرین]0

تلک هى کتیبة الاختراق السیاسى والثقافى المؤسسى والفردى التى تحمل فی مصر رایة (الوهن) باسم (السلام) ورایة (الوقوعیة) باسم (الواقعیة) ، ورایة (الخیانة) باسم التسویة العادلة 0

ثالثاً : فی مواجهة هذا الفریق الامریکى / الاسرائیلى و(المصرى) ، اصطف وعبر الثلاثون عاماً الماضیة، فریق آخر مقاوم ، حمل عن وعى وبإدراک مبکر رایة المقاومة وثقافتها ، وامتد نشاطه من الکلمة حتى حمل السلاح واستخدامه ضد رموز الخیانة ، هذا الفریق اندرج فیه حوالى 30 هیئة وحزب ومؤسسة اجتماعیة مصریة وقطاعاً محترماً من أهل الحکم ممن رفض أو تحفظ على أسلوب الهرولة تجاه (التطبیع) مع العدو الصهیونى أو الترویج لثقافة السلام الوهمیة التى أرادت امریکا ان تخترق بها مصر الدولة والدور ، ومنذ خطت أقدام السادات أرض القدس عام 1977 التقى المناضلون المصریون عبر هیئات اجتماعیة وأحزاب وطنیة بهدف مقاومة هذه الهجمة الشرسة التى یقودها رأس الدولة ذاته ، فما کان منه الا ان سجن 1536 سیاسیاً واعلامیاً معارضاً یوم 5/9/1981 ، بسبب أنشطتهم المضادة لخطه الاستسلامى ، وبعد شهر واحد من هذه الاعتقالات الشهیرة تم تصفیة السادات جسدیاً على ید خالد الاسلامبولى ظهر یوم الثلاثاء الموافق 6/10/1981 وسط جنوده وسلطانه ومجده ، وکان لأحزاب (التجمع) و(العمل) والناصریین ونقابات المهندسین والأطباء والمحامین والصحفیین وللجماعات الاسلامیة وبخاصة الاخوان والجهاد والجماعة ، آنذاک أدوار مجیدة فی الدفاع عن ثقافة الوطن وهویته ورفعت جمیعها رایة المقاومة فی مواجهة رایة الصهینة ، ومع تصاعد الحملة الامریکیة الاسرائیلیة خلال العشرین عاماً الماضیة على الجسد المصرى ، تشکلت عشرات اللجان الشعبیة المقاومة والتى مثلت جداراً منیعاً ضد الاختراق والغزو من ناحیة وأداة لدعم ومساندة المقاومة فی لبنان وفلسطین من ناحیة اخرى ، ومن أبرزها [لجنة الدفاع عن الثقافة القومیة _ اللجنة العربیة لمساندة المقاومة الاسلامیة فى لبنان – اللجنة الحزبیة لمقاومة التطبیع – الحرکة الشعبیة لمقاومة الصهیونیة – لجان دعم الانتفاضة الاولى والثانیة – لجان مقاومة التطبیع الزراعى – الجبهة الوطنیة لمقاومة المشروع الامریکى الصهیونى – لجنة مناهضة الصهیونیة– اللجنة العامة لمقاطعة السلع والشرکات الامریکیة والاسرائیلیة وحرکة کفایة وغیرها ] واستعملت هذه اللجان جمیع وسائل المقاومة بدءاً بالمظاهرة والدعم المادى للمقاومة ومروراً بالصحف والمؤتمرات والندوات وغیرها 0

وتوازى مع أنشطة هذه اللجان التى لایزال بعضها یعمل بفاعلیة حتى الیوم ، الفعل العسکرى المسلح حین أنجبت مصر [ سلیمان خاطر وأیمن حسن ومحمود نور الدین قائد تنظیم ثورة مصر ] الذین قتلوا فی الثمانینیات عبر العمل المسلح ما یقرب من العشرین اسرائیلیاً کانوا یعیثون فی مصر فساداً ، وکان للصحف المعارضة وللکتب الوثائقیة والأفلام والمناظرات والفضائیات دورها الایجابى فی تصعید خطى ثقافة المقاومة فی مصر (وقطعاً فی بلادنا العربیة) فی مواجهة ثقافة الصهینة والاستسلام 0

والیوم التحدیات القادمة بعد احتلال العراق أمریکیاً وبعد العدوان على لبنان والتآمر على قوى المقاومة الشریفة فیه وبعد محاولات حصار سوریا وفلسطین، صارت هذه التحدیات کبیرة وهى تحتاج الى یقظة ، والى الامساک وبقوة برایة المقاومة ، والمقاومة تحتاج الى شعوب حرة ، ومن هنا تلازمت سواء فی مصر أو فی بلادنا العربیة رایات الدفاع عن الدیمقراطیة ومقاومة الاستبداد مع رایات ثقافة المقاومة والجهاد ، لان المستبد لا یحارب والعبید لا یقاومون، ولاتزال المعرکة مستمرة، وأبوابها مشرعة على کافة الاحتمالات بین أنصار خندق المقاومة على اتساعه وأنصار خندق الوهن والاستسلام أیضاً على اتساعه.

( المقال للکاتب الدکتور رفعت سید أحمد فی موقع وطن )

ن/25


| رمز الموضوع: 142559







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. الفصائل الفلسطينية تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح الاحتلال رفح
  2. ارتفاع عدد الصحفيين الشهداء منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة إلى 141
  3. قيادي في حماس: عملية طوفان الأقصى حققت أبعادها السياسية والاستراتيجية والإنسانية
  4. القوات المسلحة اليمنية : استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين في خليج عدن وسفينة إسرائيلية في المحيط الهندي
  5. بعد استقالة حاليفا.. "تأثير الدومينو" يلحق قيادات الجيش الصهيوني
  6. بيان إيراني باكستاني مشترك ضد الكيان الصهيوني
  7. خلال استقباله حشدا من العمال في انحاء البلاد.. قائد الثورة الإسلامية: جميع الشعوب تدعم فلسطين / الارهابيون الحقيقيون هم من يقصفون الشعب الاعزل في غزة
  8. قيادي في "حماس" : لدى الحركة نحو 30 أسيرا من الجنرالات وضباط الشاباك
  9. تصاعد الهجرة العكسية في الكيان الصهيوني بعد عملية طوفان الأقصى
  10. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الكليات الأميركية وسط إضرابات جماعية وعشرات الاعتقالات
  11. أبو عبيدة: رد إيران بحجمه وطبيعته وضع قواعد جديدة وأربك حسابات العدو الصهيوني
  12. خلال زيارته لجامعة كراتشي.. رئيس الجمهورية: الكيان الصهيوني مني بالفشل الذريع في غزة رغم جرائمه غير المسبوقة
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)