الخميس 18 رمضان 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

القدس تتهود بأموال أمریکیة..!!

نقولا ناصر

 

منذ تبرع الأمریکی الیهودی الثری، یهودا تورو، بمبلغ "60" ألف دولار، وهذه ثروة فی حینه، لبناء أول مستعمرة استیطانیة یهودیة خارج أسوار القدس القدیمة عام 1860 وحتى نشر تقریر النیویورک تایمز فی الخامس من الشهر الجاری الذی کشف عن وجود أکثر من "40" هیئة أمریکیة جمعت أکثر من "200" ملیون دولار من التبرعات الخاصة التی أعفتها الخزینة الفدرالیة الأمریکیة من الضرائب خلال السنوات العشر الماضیة لتمویل الاستیطان فی القدس بخاصة والضفة الغربیة المحتلتین، تدفقت الأموال الأمریکیة الحکومیة والخاصة على حد سواء على دولة الاحتلال الإسرائیلی لتجعل منها المستفید الأول فی العالم من المساعدات الخارجیة للولایات المتحدة، طبقا للکتاب الأخضر للوکالة الأمریکیة للتنمیة الدولیة "USAID".

لقد تجاوزت هذه المساعدات منذ عام 1946 حتى نهایة عام 2008 مثیلاتها لروسیا والهند ومصر والعراق بل تجاوزت حتى "مشروع مارشال" لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمیة الثانیة، مما لا یثیر الکثیر من الجدل حول حقیقة أن تهوید القدس الجاری على قدم وساق حالیا إنما یتم عملیا بأموال أمریکیة.

إن تقریر النیویورک تایمز الذی سلط الأضواء على التمویل "الخاص" الأمریکی للاستعمار الاستیطانی الیهودی-- بالرغم من أهمیته فی إبراز دور الخزانة الحکومیة الأمریکیة فی تسهیل هذا التمویل "الخاص" بإعفائه من الضرائب مع أنه یتعارض مع السیاسة المعلنة للإدارات الأمریکیة تجاه الاستیطان الیهودی فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة عام 1967 ومنها القدس-- ینبغی ألا یغطی على حقیقة أن التمویل "الحکومی" الأمریکی هو الرافعة المالیة الأساسیة لدولة المشروع الصهیونی فی فلسطین ولاحتلالها الاستیطانی وبخاصة فی القدس. فالمیزانیة الفدرالیة للسنة المالیة 2011، على سبیل المثال، خصصت لها ثلاث ملیارات دولار، تمثل "42%" من إجمالی المساعدات الأمریکیة لکل منطقة ما تسمیه الخارجیة الأمریکیة "الشرق الأدنى".

ومما یلفت النظر أن وکالة الـ"USAID"، وهی الأداة المالیة الأساسیة التی تستخدمها وزارة الخارجیة لخدمة أهدافها السیاسیة، تستثنی القدس عملیا من برامج مساعداتها للشعب الفلسطینی سواء المباشرة أو تلک التی تمر عبر سلطة الحکم الذاتی، لکنها فی الوقت نفسه لا تستثنی القدس من برامج مساعداتها لدولة الاحتلال الإسرائیلی.

ومع أن هذه الوکالة سواء فی "کتابها الأخضر" أم فی غیره من تقاریرها والتقاریر عن نشاطاتها المنشورة "رسمیا" طباعة أو الکترونیا تتحدث کثیرا عن مشاریعها فی "الضفة الغربیة وغزة" فإن الإشارة النادرة إلى "القدس الشرقیة" فی هذه التقاریر لا تشمل أیة مشاریع أو برامج هامة للوکالة فیها، وکأنما القدس لیست جزءا لا یتجزأ من الأراضی المحتلة من منظور وزارة الخارجیة الأمریکیة التی تأتمر الوکالة بأوامرها، بالرغم من الاعتراف الرسمی للإدارات الأمریکیة بأنها بند رئیسی من بنود قضایا الوضع النهائی على أجندة التفاوض التی ترعاها واشنطن ک"وسیط" بین مفاوض منظمة التحریر الفلسطینیة وبین دولة الاحتلال، مما لا یجعل من الصعب اتهام الوکالة بالتضلیل الإعلامی المدروس عندما تشیر فی إعلامها إلى "الضفة الغربیة وغزة" وتستثنی القدس "الشرقیة" تسمیة وبرامج.

وسلطة الحکم الذاتی فی رام الله، بالرغم من دعوة "رفع العتب" التی وجهتها کالعادة للاستهلاک المحلی أکثر مما وجهتها للرئیس الأمریکی باراک أوباما بعد تقریر النیویورک تایمز لوقف الإعفاءات الضریبیة للتبرعات "الخاصة" الأمریکیة التی تمول الاستعمار الاستیطانی الیهودی، لیست ناکرة لـ"جمیل" الـ"USAID"، فإشادة الرئاسة وحکومتها ووزرائها لا تتوقف بجهود الوکالة وحکومتها.

"فالولایات المتحدة هی المزود الرئیسی للمساعدات الثنائیة الاقتصادیة والتنمویة للفلسطینیین، إذ قدمت أکثر من "2.9" ملیار دولار منذ عام 1994".. والولایات المتحدة تساعد فی تسهیل حرکة الشعب والسلع الفلسطینیة، بینما تحسن أمن إسرائیل" کما قالت الهیئة العامة لتشجیع الاستثمار فی أیار/ مایو الماضی على موقعها الالکترونی، على سبیل المثال، وکأنما هذه الهیئة وغیرها من هیئات ومسؤولی الحکم الذاتی غیر معنیین بالدور السیاسی للمساعدات الأمریکیة وجهود الـ"USAID" فی ضوء التمویل الأمریکی الحکومی والخاص لسلطة الحکم الذاتی نفسها، لکن على الأخص فی ضوء اشتراط استمرار هذا الدعم الأمریکی باستمرار الانقسام الفلسطینی، أو الحصار، علما بأن قیمة هذا "الدعم" بلغت فی میزانیة السنة المالیة المقبلة 550.4 ملیون دولار لا یوجد فیها أی حصة للقدس لکن حصة الأسد منها ستذهب إلى "مکافحة المخدرات وفرض القانون والبرامج الأمنیة!

أما الإشارة إلى دور هذه المساعدات فی "تسهیل حرکة الشعب" الفلسطینی فإنها بحاجة إلى إضاءة خاصة، بسبب دور هذا "التسهیل" الأمریکی فی تثبیت الاحتلال، وترسیخ الاستیطان، وتهوید القدس بخاصة.

فالإدارات الأمریکیة المتعاقبة التی فشلت زیارات وجولات کبار مسؤولیها التی لا تعد ولا تحصى فی فتح الطرق ورفع الحواجز العسکریة للاحتلال فی الضفة الغربیة، وبخاصة حول القدس، وفی فتح "الممر الآمن" بین الضفة وبین قطاع غزة، وفی فتح معابر القطاع حتى مع استمرار حصاره أمام الحرکة "الإنسانیة"، ناهیک عن مهمة من المفترض أن تکون أسهل کثیرا مثل إعادة فتح المؤسسات الفلسطینیة المغلقة فی المدینة، قد نجحت کما یبدو فی فتح وتعبید طرق بدیلة هی نفسها الطرق "الالتفافیة" التی خططها الاحتلال نفسه حول مستعمراته الاستیطانیة التی تسیطر على "2399824" دونما تمثل "42%" من مساحة الضفة الغربیة للوصل بین جزر الکثافة السکانیة الفلسطینیة المحاصرة فیها، باستثناء القدس طبعا، حسب تقریر منظمة "بتسیلم الإسرائیلیة" أوائل الشهر الجاری.

یقول معهد الأبحاث التطبیقیة- القدس "أریج" إن "USAID" قد مولت بناء "23%" من شبکة الطرق الالتفافیة "البدیلة" التی أعدتها حکومة دولة الاحتلال فی سنة 2004، وهی فی معظمها تقع فی المنطقتین "ب" و"ج" اللتین تمثلان أکثر من "80%" من مساحة الضفة الخاضعة للسیطرة الأمنیة للاحتلال الذی یشرف على کل مشاریع الطرق فیها. وکانت دولة الاحتلال قد حصلت على موافقة الدول المانحة الراعیة والممولة لـ"عملیة السلام" على تمویل "500" کیلومتر من أمثال هذا الطرق بکلفة "200" ملیون دولار مولت USAID "114" کیلومترا منجزة منها وتستعد لإنجاز "120" کم أخرى قبل نهایة العام الحالی، علما بأن معظمها وأهمها "یلتف" حول المستعمرات الاستیطانیة الیهودیة فی القدس الکبرى لیتحول إلى سور معبد على الأرض یعزز جدار الفصل بین الضفة وبین القدس التی تعادلت فیها کفتا المیزان الدیموغرافی بین عرب فلسطین من أهلها وبین مستوطنیها من الیهود عام 1996 لترجح الکفة الیهودیة الآن حسب الخبیر المقدسی خلیل التفکجی.

وهذه الطرق التی تتسلل "ملتفة" کالأفاعی فی عمق ودیان الضفة الغربیة وتنزلق فوق منحدرات ومتعرجات تلالها الوعرة هی من مفاخر "التنمیة" التی تعتز بها حکومة سلام فیاض فی رام الله باعتبارها من "إنجازاتها"، لا بل إن فیاض نفسه یفتخر باختراق هذه الطرق لمنطقتی "ب" وج" مشاریع فلسطینیة "تتحدى" التقسیم الأمنی للضفة بموجب اتفاقیات أوسلو.

وبدورها تروج الوکالة الأمریکیة لها باعتبارها من أهم منجزات "التسهیل" الأمریکی لحرکة الفلسطینیین تحت الاحتلال، بینما هی فی الواقع من أهم منجزات دولة الاحتلال فی مخططها لتثبیت المستعمرات وتهوید القدس بأموال أمریکیة.

یقول سهیل خلیلیة رئیس وحدة مراقبة الاستیطان فی معهد أریج: "ما یحدث هو أن USAID تعرض حزمة صفقة تبرعات لمشاریع بنیة تحتیة" على السلطة الفلسطینیة وتحاصرها بخیار "خذیها أو اترکیها" فتضطر السلطة لقبول طرق "إسرائیلیة" لا تریدها.

وقالت أینجرید جرادات غاسنر مدیرة مرکز "بدیل" فی بیت لحم: "من المحزن أن السلطة الفلسطینیة تساعد فی بناء معازلها" بینما یسیطر المستوطنون على الطرق الرئیسیة.

فی الشهر الماضی نفى فیاض فی بیان أن تکون السلطة ساهمت فی بناء شبکة طرق اقترحتها دولة الاحتلال، لیضیف الناطق باسم حکومته د.غسان الخطیب بأن القضیة "خطیرة جدا" وبأن السلطة تفعل کل ما هو ممکن لمقاومة ظهور "نظام فصل عنصری" فی الضفة الغربیة، غیر أن الحقائق المادیة على الأرض تدحض کل بیانات النفی والتسویغ.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 142554







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. المخابرات الإسرائيلية: إسرائيل قد لا تكون قادرة على تدمير حماس
  2. اصابة 3 مستوطنين بعملية إطلاق نار على حافلة شمال أريحا
  3. الخارجية الإيرانية تدعو الاوساط الدولية لوقف الممارسات الجنونية للصهاينة
  4. تجمع قرآني حاشد بطهران تنديدا بالعدوان الصهيوني على غزة
  5. امين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني يستقبل اسماعيل هنية وزياد النخالة
  6. خلال استقباله رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.. الرئيس الإيراني: الجمهورية الاسلامية تعتز وتفخر بدعمها للقضية الفلسطينية
  7. وزارة الصحة بغزة: 32490 شهيدًا و 74889 إصابةً منذ السابع من أكتوبر
  8. في اليوم الـ 173.. قصف "عنيف" على رفح وتدمير "مكثف" للمنازل السكنية بغزة
  9. اليمن يدشن عاشر أعوام الصمود بست عمليات ضد ثلاثي الصهيونية في البحر والبر
  10. دعمًا للشعب الفلسطيني الصامد في قطاع غزة.. حزب الله يستهدف 10 مواقع للاحتلال الصهيوني بالصواريخ والأسلحة المناسبة
  11. قياديان في حركتي الجهاد وحماس: اسرائيل فشلت في العدوان / أبدينا مرونة في المفاوضات لكن لا تراجع عن ثوابتنا
  12. تحت شعار "طوفان الاحرار".. اقامة يوم القدس العالمي هذا العام
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)