الاربعاء 22 شوال 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

مصر وإسرائیل / وداعا للسلام أم زوبعة فی فنجان؟

یبدو أن التقارب المصرى الإیرانى وتصدى القاهرة لمخططات فصل الضفة الغربیة عن غزة أخرجا إسرائیل عن وعیها لدرجة أنها أصبحت تطلق لیس فقط الاتهامات وإنما أیضا الإهانات ضد مصر ، ما أثار التساؤلات حول ما إذا کان التصعید الإسرائیلى مجرد زوبعة فی فنجان أم نهایة للسلام البارد الذى غلف العلاقات الثنائیة لعقود .

وکانت الحملة الشرسة التى بدأتها إسرائیل فی دیسمبر الماضى ضد مصر قد تطورت بدایة العام الجدید إلى التطاول على کبار المسئولین المصریین وأبرزهم الرئیس حسنى مبارک وذلک فى تجاوز لکافة الخطوط الحمراء فى العلاقات الدبلوماسیة بین الدول.

ففى 3 ینایر ، وبعد یوم من سماح مصر فی 2 ینایر لحوالى 2150 من الحجاج الفلسطینین بالعودة إلى قطاع غزة عبر معبر رفح الذی یربط الحدود المصریة وقطاع غزة ، اتهم وزیر الحرب الإسرائیلى إیهود باراک  الرئیس مبارک بضعف سیطرته على الأجهزة الأمنیة المصریة .

ونقلت جریدة "دنیا الوطن" الفلسطینیة عن باراک قوله فی تصریح أدلى به لموقع "روتر" الإسرائیلی :"لقد توصلت فی مصر لتفاهمات تفید بأن حجاج القطاع الذین خرجوا من غزة لمصر فی طریقهم لمکة عبر معبر رفح دون رقابة إسرائیلیة یتم إعادتهم لقطاع غزة فقط عبر معبر کرم أبو سالم الإسرائیلى وذلک لیتم إجراء فحص وتفتیش کامل لهم قبل دخولهم لقطاع غزة وعلی الرغم من التفاهمات الواضحة بیم مصر وإسرائیل سمح الضباط المصریون بفتح معبر رفح لإدخال الحجاج عبر المعبر".

واستطرد باراک یقول بوقاحة :" علی ما یبدو بأن سن مبارک ووضعه الصحی الواهن أدیا إلى أن سیطرته علی الأجهزة الأمنیة المصریة المختلفة أصبحت سیطرة ضعیفة ، مبارک لایسیطر علی جمیع الأجهزة الأمنیة المصریة ".

وبلغت الوقاحة الإسرائیلیة ذروتها عندما نشر موقع "روتر" صورة للرئیس مبارک وتحتها تعلیق "حسنی مبارک مریض وغیر ذی صلة" ، وذلک بجانب حدیث باراک .

وفی السیاق ذاته ، شنت وزارة الخارجیة الإسرائیلیة هجوما عنیفا غیر مسبوق على وزیر الخارجیة المصری أحمد أبو الغیط وأوصت المستوى السیاسی بتقلیص العلاقة معه والترکیز على إجراء اتصالات مباشرة مع الرئیس حسنی مبارک ورئیس المخابرات عمر سلیمان ، ونقلت صحیفة معاریف الإسرائیلیة عن الخارجیة الإسرائیلیة القول فی بیان لها إن أبو الغیط شخصیة لیست "ذا صلة ومتطرفة" .

وجاءت تلک الإساءة فی أعقاب تصریحات لوزیر الخارجیة المصرى فی  30 یسمبر الماضى حذر فیها من العواقب الوخیمة لاستمرار الاستفزازات الإسرائیلیة .

وبجانب ماسبق ، فقد تدخلت إسرائیل صراحة فى الشأن الداخلى المصرى عندما سعت لإثارة الشکوک حول أهداف القرار المصرى بشأن الحجاج الفلسطینیین ، حیث نقلت صحیفة معاریف الإسرائیلیة فی 2 ینایر عن مسئولین إسرائیلیین قولهم :"إن مبارک لایتخذ القرار بمفرده فهناک جهاز المخابرات الذی أدرک استغلال الخصوم السیاسیین وخاصة الإخوان المسلمین لأزمة الحجاج فی البرهنة على ضعف ووهن النظام المصری الحالی، فکان اتخاذ هذا الإجراء حتى لایؤدی إلى أزمة أکبر تهدد مستقبل النظام المصری " .

واستندت الصحیفة إلى تصریحات أدلى بها المرشد العام للإخوان المسلمین  محمد مهدی عاکف مطلع العام الجدید وقال فیها إن الحکومة المصریة هی المسئول الأول عن أزمة الحجاج العالقین فی مدینة العریش بعد أن رفضت إسرائیل عودتهم إلى غزة عن طریق معبر رفح.

وأضاف عاکف فی تصریحات لفضائیة "الجزیرة" الإخباریة " مصر تتحمل المسئولیة الأولى فی أزمة الحجاج الفلسطینیین فهی التی سمحت لهم بالخروج من معبر رفح لأداء فریضة الحج ، فکان المفروض علیها حمایتهم حتی یعودوا لفلسطین من حیث خرجوا ".

ومضى بالقول :" إن  الحکومة المصریة مسئولة بشکل کامل عما یحدث فی غزة ، ولکن المصیبة الکبرى فی کامب دیفید التی حرمتها من أن تؤدی مسئولیتها بشکل کامل".

وشدد عاکف قائلا :" من ذا الذی یقول إن مصر لاتستطیع أن تفتح معبر رفح وهو على الحدود المصریة الفلسطینیة، وأی کلام غیر هذا هو عدم قدرة على أداء الواجب".

وأعرب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمین عن اعتقاده بأن مصر تقع تحت ضغوط خارجیة قائلا :" فی الفترة التی کانت أمریکا تروج للمشروع الدیمقراطی، تمکن الإخوان من خوض انتخابات مجلس الشعب والفوز بـ88 مقعدًا فی المجلس".

واستطرد عاکف قائلا :" عندما تغیرت السیاسة الأمریکیة ، لم تستطع الجماعة تحقیق فوز یذکر فی انتخابات مجلس الشوری" ، وأید مراجعات جماعة الجهاد قائلا :" الجماعة مع کل مراجعة تحقق الأمن والاستقرار والفهم الصحیح للإسلام".

ویرى مراقبون أن تصریحات عاکف کانت شأنا داخلیا ولایجوز لإسرائیل استخدامها ذریعة للتشکیک فى المنطلق الإنسانى والعروبى والإسلامى الذى سلکته القیادة المصریة فی التعامل مع مشکلة الحجاج الفلسطینیین .

فالرئیس مبارک صرح مؤخرا بأن مصر سمحت للفلسطینیین بالذهاب إلى الحج لأن هذا عمل إسلامی ومصر دولة إسلامیة ، قائلا :" لکن مصر الآن فى موقف حرج جداً، إذ یقال إن هؤلاء الحجاج یحملون أشیاء ممنوعة... وکلام آخر یقول إنه لابد من الدخول لأنهم راجعون من الحج... ونحن الآن نحاول بکل الطرق المختلفة إیجاد حل لهذا الموضوع".

وأضاف مبارک خلال مؤتمر صحفی مشترک مع نظیره الفرنسی نیکولا سارکوزی فی القاهرة فی اواخر دیسمبر الماضى"لکی یتم فتح معبر رفح لابد من وجود مندوب مصری ومندوب أوروبی ومندوب من فلسطین... والمندوب الأوروبی لا یرید الحضور، وإذا سمحت مصر بدخول هؤلاء الحجاج من دون ترتیب الأمور فإن أصحاب الاتهامات یفبرکون اتهامات".

کما کشف وزیر الشئون القانونیة والمجالس النیابیة المصری مفید شهاب عن تعرض القاهرة لضغوط من الولایات المتحدة والاتحاد الأوروبی وإسرائیل لإجبارها على إعادة الحجاج الفلسطینیین عبر منفذ "کرم أبوسالم" والذی یخضع لقوات الاحتلال، وهو ما یمثل تسلیمهم إلى سلطات الاحتلال الإسرائیلی لاعتقال المطلوبین منهم، لاسیما من قیادات حرکة حماس.

ونقلت جریدة "الجریدة" الکویتیة عن شهاب قوله خلال جلسة للبرلمان المصری ناقش خلالها أزمة عودة الحجاج الفلسطینیین إلى دیارهم : "إن إسرائیل تصر على عدم عودة الحجاج الفلسطینیین عبر منفذ رفح الذی مروا منه فی رحلة السفر إلى الأراضی المقدسة " ، مضیفاً أن التوتر بین حرکتی فتح وحماس أدى إلى انسحاب الاتحاد الأوروبی من إدارة المعابر فی المنطقة الحدودیة .

وأشار شهاب إلى أن سماح مصر لعبور الحجاج الفلسطینیین عبر منفذ رفح یعرضهم لمواجهة الآلة العسکریة الإسرائیلیة التی ستتعامل معهم على أنهم متسللون ، قائلا :" إن مسئولیة مصر لاتعنی فقط السماح بعبورهم الحدود، وإنما تمتد إلى تأمین وصولهم إلى دیارهم سالمین" .

ویتضح من التصریحات السابقة أن مصر منذ سمحت للحجاج الفلسطینیین بمغادرة قطاع غزة فی منتصف دیسمبر الماضى عن طریق معبر رفح لأداء فریضة الحج ، تتعرض لضغوط أمریکیة وإسرائیلیة من أجل تسلیم الحجاج الفلسطینیین العائدین إلى بلادهم إلى سلطات الاحتلال الإسرائیلی ، إلا أنها رفضت تلک الضغوط وتصرفت کدولة عربیة کبرى مسئولة عن مساندة القضیة الفلسطینیة.

وبالإضافة إلى ماسبق فقد سعت إسرائیل أیضا لإثارة الرأى العام المصرى عبر تردید مزاعم حول توقیع صفقة غاز طبیعی بین مصر وإسرائیل بقیمة 2 ملیار دولار منتصف دیسمبر الماضى .   

وزعمت صحیفة "یدیعوت أحرونوت" الإسرائیلیة أن الصفقة تنص على قیام شرکة (EMG) المصریة بتزوید إسرائیل بالغاز الطبیعی لمدة 15 عامًا مع إمکانیة تمدید العقد 5 سنوات أخرى بقیمة 100 ملیون دولار سنویًا.

وأضافت الصحیفة أن هذه لیست المرة الأولى التی تقوم فیها شرکة (EMG) بمثل هذه الصفقات مع إسرائیل فقد قامت منذ سنوات بتوقیع عقد لإمداد إسرائیل بالغاز، وادعت أیضا أن الشرکة المصریة تعکف الآن على دراسة عقدین جدیدین مع شرکتین کبیرتین فی إسرائیل.

ویبدو أن إسرائیل ترید من وراء تلک المزاعم توصیل رسالة مشبوهة مفادها أن القرار المصرى بشأن الحجاج الفلسطینیین یهدف للتغطیة على قضایا داخلیة .

ویبقى التساؤل الذى یشغل الجمیع وهو "لماذا تلک الهجمة الإسرائیلیة المسعورة ضد مصر فی هذا التوقیت ، وما تداعیاتها المحتملة ؟"                

یرجح مراقبون أن أسبابا داخلیة خاصة بإسرائیل وتطورات إقلیمیة هى التى أدت إلى الحملة الصهیونیة التى وصلت لحد التطاول وذلک فی محاولة لابتزاز مصر فیمایتعلق بدعم الفلسطینیین من ناحیة ولمنع تقارب مصر وإیران من ناحیة أخرى.

ففشل إسرائیل فى تحقیق أی من أهدافها فی الحرب الأخیرة على لبنان وخروجها فی حال أقرب إلى الهزیمة أدى إلى مبالغة فی الخوف من أن یتکرر فی قطاع غزة الفشل الذی منیت به فی لبنان إذا نجحت حرکتا "حماس" و"الجهاد" فی الحصول على أسلحة مماثلة لمایمتلکه "حزب الله" ، ولذا یتعرض رئیس الوزراء الإسرائیلى إیهود أولمرت إلى ضغوط متزایدة للقیام بعملیة عسکریة واسعة فی قطاع غزة.

ووفقا لتقریر نشره مرکز الإعلام العربى فإن أولمرت عندما حضر  اجتماعا للجنة الخارجیة والأمن فی الکنیست فى30 أکتوبر الماضی تلقى انتقادات شدیدة من نواب حزبی اللیکود ومفدال انصب على عجزه عن  وقف تهریب السلاح إلى المقاومة سواء فی فلسطین أو لبنان ، بل وتحدث البعض عن تهریب أطنان من الأسلحة تشمل صواریخ مضادة للدبابات والطائرات إلى الفلسطینیین .

وزادت الانتقادات بعد انضمام حزب "إسرائیل بیتنا" المتطرف إلى الحکومة الإسرائیلیة مؤخرا ، فرئیس هذا الحزب، افیدور لیبرمان، هو الذی هدد قبل نحو أربع سنوات بضرب السد العالی فی جنوب مصر.

وبالتزامن مع الانتقادات السابقة ، تلقت حکومة أولمرت ضربة موجعة  عندما رفضت مصر الاستجابة لمخططاتها لتشدید الحصار على قطاع غزة وفصل القطاع عن الضفة الغربیة أو السماح لها بشن عملیة عسکریة لتدمیر الأنفاق عبر الحدود بین سیناء وغزة ، فالتعاون على عدة مستویات بین القاهرة وحرکة حماس التی سیطرت على قطاع غزة فی یونیو 2007 ، وصفه البعض بأنه القشة التی کسرت العمود الفقری لعلاقات مصر وإسرائیل .

ونقلت صحیفة "یدیعوت أحرونوت " فی هذا الصدد عن مسئولین إسرائیلیین قولهم إنه لو أغلقت القاهرة بشکل جید حدودها مع قطاع غزة والتی لایزید طولها على 12 کیلومترا ومنعت دخول الأسلحة والأموال والمقاتلین إلى الفلسطینیین لکانت سیطرة حماس قد انهارت منذ مدة ولما کانت فصائل المقاومة لتستطیع الاستمرار فی قصف المستوطنات الصهیونیة وتطویر صواریخها وإعطائها مدى أطول.

وذهب المسئولون الإسرائیلیون إلى اتهام القاهرة بالتعاون الجدی مع المقاومة الفلسطینیة وتأییدها فی ضرب إسرئیل وتحویل غزة إلى قلعة قادرة على الصمود فی وجه هجمة کثیفة من جانب الجیش الإسرائیلی على شکل ما حدث فی جنوب لبنان صیف سنة 2006.

ووصل الأمر بتل أبیب لدعم اتهاماتها أنها قدمت للکونجریس الأمریکی فی منتصف دیسمبر الماضى فیلما زعمت أنه صورته أجهزة مخابراتها ویبین جنودا وضباطا مصریین یساعدون فی تمریر أسلحة وذخائر إلى المقاومة الفلسطینیة عبر الأنفاق من نقط مراقبتهم الواقعة على حدود ممر فلادلفیا الذی یفصل سیناء عن غزة.

کما قامت حکومة أولمرت بتقدیم ما أسمته أدلة للإدارة الأمریکیة على قیام بنوک مصر بخرق الحصار المفروض على التحویلات المالیة إلى قطاع غزة ، وادعت أن القاهرة خرقت الاتفاقیات والتفاهمات الخاصة بممر رفح وسمحت بعبور آلاف الفلسطینیین له رغم غیاب المراقبین الأوروبیین وممثلی حکومة سلام فیاض.

وجاءت معارضة مصر الشدیدة لقیام إسرائیل بعملیة عسکریة لتدمیر الأنفاق لیزید من غضب إسرائیل ، وکانت صحیفة "معاریف" قد ذکرت فی 27 أکتوبر الماضی أن العملیة ستشمل قصف الأنفاق بقنابل ذکیة موجهة ، مشیرة إلى أن إسرائیل ترى أن الخیار الأمثل لمنع التهریب عبر الحدود بین مصر والقطاع هو أن تمتد العملیة العسکریة إلى هذه الحدود فی منطقة محور صلاح الدین.

وقد رفضت مصر تلک العملیة لعدة أسباب أبرزها أن هذه العملیة تنطوی على احتمال حدوث انتهاک للحدود المصریة بالنظر إلى أن عمق هذا المحور شدید الضیق لایتجاوز مائتی متر ویبلغ طوله 12 کیلو متراً فقط ،

فضلاً عما تمثله العملیة العسکریة من خرق لاتفاق أمنی مصری- إسرائیلی تم التفاهم علیه فی یونیو 2005 ضمن ترتیبات الانسحاب الإسرائیلی من القطاع .

وکان اتفاق یونیو 2005 الأمنی یقضی بأن تتولى قوة محدودة من حرس الحدود المصری (750 جندیا) تأمین محور صلاح الدین ومنع عملیات التهریب والتسلل عبره، وعندما تعد إسرائیل لعملیة عسکریة لمنع تهریب السلاح فهذا یعنی اتهاماً ضمنیاً لمصر بأنها لم تف بالتزامها فی الاتفاق الأمنی.

ورغم أنه انتشرت مؤخرا تقاریر عن احتمال قیام مصر بنشر قوات إضافیة بین ألفین وخمسة آلاف جندی إلا أن الرئیس حسنى مبارک نفى فی 30 أکتوبر الماضى صحتها.

وکان الحدیث عن نشر قوات مصریة إضافیة بحسب المراقبین غیر منطقی أصلاً لسببین: أولهما أن عدد القوات المصریة والإسرائیلیة فی (المنطقة ج) التی یعتبر محور صلاح الدین جزءا منها- محدد فی إطار "معاهدة السلام", ولایمکن زیادته إلا باتفاق بین الطرفین وثانیهما أن زیادة عدد القوات فوق الأرض لاجدوى منه فی مثل هذه الحالة لأن الأنفاق السریة تُحفر تحت الأرض.

وأمام هذا ، صعدت إسرائیل من اتهاماتها لمصر فی محاولة للضغط علیها للقبول بمخطط جدید لحفر قناة مائیة علی الحدود المصریة مع قطاع غزة وبالتالى قطع کافة سبل الاتصال بین القطاع والعالم الخارجى فی ظل الحصار الخانق الذى تفرضه إسرائیل من البر والبحر والجو ، وهو أمر ترفضه مصر بشدة.

وکانت صحیفة "هاآرتس" الإسرائیلیة قد کشفت مطلع العام الجدید أن  واشنطن لم تکتف بقرار تقلیص المعونة العسکریة لمصر الذى اتخذه الکونجرس فی 19 دیسمبر الماضى وإنما من المنتظر أن ترسل وفدا من سلاح المهندسین العسکریین الأمریکیین إلی سیناء خلال الأسابیع القلیلة القادمة لإجراء مباحثات مع المسئولین المصریین حول إعداد دراسة جدوی بشأن حفر قناة مائیة .

وأوضحت أن زیارة الوفد الأمریکی لمصر تأتی علی خلفیة توصیة اثنین من کبار مسئولی الإدارة الأمریکیة زارا مصر وإسرائیل منذ عدة أسابیع لتحری المزاعم الإسرائیلیة حول تجاهل مصر اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف تهریب الأسلحة من سیناء لقطاع غزة عبر الأنفاق المنتشرة علی الحدود .

وأضافت هاآرتس أن المسئولین الأمریکیین روبرت دنین من وزارة الخارجیة الأمریکیة ومارک کیمیت من وزارة الدفاع کانا قد زارا سیناء للوقوف علی معالجة مصر للمشکلة علی خلفیة تقریر تم رفعه للإدارة الأمریکیة عبر وزیر الأمن الداخلی الإسرائیلی ایفی ریختر اتهم فیه مصر بغض الطرف عن عملیات تهریب أسلحة إلی غزة عبر حدودها

ووفقا للصحیفة تبنی المسئولان الأمریکیان فی تقریرهما عددا من الحلول والمقترحات لحل هذه المشکلة علی رأسها تزوید أجهزة الأمن المصریة المتواجدة علی الحدود بأجهزة متطورة لکشف الأنفاق أما الاقتراح الثانی الذی جاء بتقریر المسئولین الأمریکیین رکز علی حفر قناة عمیقة بطول کامل الحدود بین مصر وقطاع غزة تملأ بالمیاه للحیلولة دون حفر أنفاق تربط بین سیناء وقطاع غزة بینما أوصی الاقتراح الثالث بإقامة حواجز علی طول الحدود مع غزة بحیث تکون عبارة عن أکوام مرتفعة وتنحدر إلی حفر عمیقة فی الأرض.

وأشارت الصحیفة الإسرائیلیة إلی أن وزیرة الخارجیة الإسرائیلیة تسیبی لیفنی کانت قد تقدمت باقتراح بإنشاء القناة المائیة علی الجانب المصری منذ ستة أشهر إلا أن مصر رفضت الاقتراح.

وفی ضوء ماسبق یتضح أن الهجمة الصهیونیة الشرسة جاءت بعد رفض مصر کافة مخططات الاحتلال الإسرائیلى لتشدید الحصار على غزة، وهذا ما عبر عنه رئیس الوزراء الفلسطینی المقال إسماعیل هنیة عندما اتهم فی 26 دیسمبر الماضى إسرائیل بابتزاز القیادة المصریة سیاسیا بهدف إدامة الحصار المفروض على الفلسطینیین فی قطاع غزة، منددا فی هذا السیاق بـ"الهجمة الإسرائیلیة الشرسة" ضد مصر فیمایتعلق بقضیة الحدود الفلسطینیة المصریة.

وأشاد هنیة فی تصریح أدلى به لوکالة "شینخوا" الصینیة بدور مصر فی مساعدة الشعب الفلسطینی ، وقال :" نؤکد على دور مصر باعتبارها دولة عربیة کبرى تقرر سیاساتها بنفسها" ، مشددا على ضرورة الکف عن التحریض غیر الأخلاقی الذی یمارس ضد مصر من قبل إسرائیل.

وبجانب محاولات الابتزاز ، فإن من أسباب الهجمة الصهیونیة الشرسة ضد مصر أیضا رغبة الاحتلال فی التملص من التزاماته فی مؤتمر أنابولیس والتى کان من المفترض أن تعید إطلاق العملیة التفاوضیة مع الفلسطینیین بشأن ملفات وقضایا الحل النهائی ، بالإضافة إلى التغطیة على مخططاته لبناء أکثر من 600 وحدة استیطانیة جدیدة داخل القدس المحتلة وخارجها فی جبل أبو غنیم ومستوطنة معالیه ادومیم.

وهناک أیضا التقارب المصرى الإیرانى فی الأسابیع الأخیرة والذى وصفه البعض بمثابة ضربة موجعة أخرى لحکومة أولمرت بالنظر إلى أن هذا التقارب من شأنه دعم العلاقات بین العالمین العربى والإسلامى وتشکیل تحالف عربى إسلامى وعرقلة مخططات إسرائیل وأمریکا لشن عملیة عسکریة لتدمیر برنامجها النووى بل ومن الممکن أیضا أن تقوم إیران بمساعدة الدول العربیة فی إنشاء برامج نوویة من شأنها تغییر توازن القوى فی المنطقة الذى یمیل لصالح إسرائیل حتى الآن.          

وکان مساعد وزیر الخارجیة المصری حسین ضرار قد قام فی 11 دیسمبر الماضى بزیارة تاریخیة لإیران تعتبر الأولى من نوعها على هذا المستوى منذ قطع العلاقات الدبلوماسیة بین البلدین فی عام 1980 ، الأمر الذى فسره مراقبون بأنه خطوة کبیرة على طریق إعادة العلاقات الدبلوماسیة کاملة بین البلدین ، حیث أنه منذ قطع العلاقات تقوم فی کل منهما شعبة لتمثیل مصالح البلد الآخر.

کما قام مستشار المرشد الأعلى للثورة الإیرانیة على لاریجانی فی 26 دیسمبر الماضى بزیارة للقاهرة شدد خلالها على أهمیة الحوار بین العالم العربی وإیران لتحسین العلاقات بینهما وإزالة أی سوء تفاهم، مؤکدا أن العلاقات بین إیران والعالم العربی استراتیجیة.

وفی معرض رده على سؤال حول استئناف العلاقات بین مصر وإیران ، قال لاریجانی إن الزیارات المتبادلة بین الطرفین کانت نتائجها ایجابیة .  نحن لم تکن لدینا مشاکل أساسیة مع الدول العربیة ویمکن لعلاقتنا مع الدول العربیة أن تأخذ طابعا استراتیجیا".

وأضاف قائلا :" إن الآخرین هم الذین یریدون أن یستفیدوا من هذه المسائل المفتعلة بین العالم العربى وإیران، ولدینا قواسم مشترکة کثیرة مع العالم العربی والمبادرات والحوارات سوف تؤدى حتما إلى تحسن العلاقات بین الجانبین أو على الأقل إزالة سوء التفاهم".

والزیارات المتبادلة والتصریحات السابقة أثارت قلق إسرائیل بشدة ولذا بدأت التحرک سریعا للضغط على مصر لعرقلة تقاربها مع إیران وتشدید الحصار الخانق على غزة للإسراع بإسقاط حرکة حماس ، وکان ذلک من خلال اللوبى الصهیونى بالولایات المتحدة .

ففى 19 دیسمبر الماضى رفض الکونجرس الأمریکى التصدیق علی کامل المعونات التی تمنحها الولایات المتحدة لمصر سنویا منذ توقیع اتفاقیة کامب دیفید والتى تبلغ ملیاری دولار کما قرر تعلیق مائلة ملیون دولار منها حتی تؤکد وزیرة الخارجیة الأمریکیة کوندالیزا رایس أن مصر تبذل جهودا کافیة لوقف تهریب السلاح إلی غزة .

وفی 26 دیسمبر ، هدد نائبان أمریکیان بأن الولایات المتحدة یمکن أن تجعل المعونة الأمریکیة لمصر مشروطة ببذلها المزید من الجهود للحیلولة دون تهریب أسلحة إلى قطاع غزة.

والنائبان هما السیناتور الجمهوری أرلین سبیکتور عضو بلجنة المخصصات المعنیة بتوزیع المعونة الأمریکیة بمجلس الشیوخ الأمریکی والسیناتور الدیمقراطی باتریک کنیدی عضو اللجنة المماثلة فی مجلس النواب الأمریکى .

وقال سبیکتور فی تصریحات له :"وضع لایحتمل أن تکون مصر شریکا فی السماح بتهریب أسلحة الى حماس. إن مصر تحصل على منحة أمریکیة کبیرة.. أموال أمیرکیة کثیرة.. تحصل على ملیاری دولار فی العام".

وأضاف "یمکن أن تبذل مصر المزید من الجهد وإذا لم تفعل أعتقد أنه سیکون من المناسب أن تکون المساعدة لها مشروطة بتنفیذ ذلک. نعتزم إثارة الأمر مع المسئولین المصریین".

ورغم أن المسئولین الإسرائیلیین لم یجاهروا بسعیهم لدى الولایات المتحدة لتمارس ضغوطا على مصر، إلا أن هذا کان واضحا حینما صرح نائب رئیس الوزراء الإسرائیلی شاوول موفاز فی منتصف دیسمبر الماضى بأن الضغط الأمریکی على مصر سیکون أکثر فاعلیة لمنع تهریب الأسلحة إلى قطاع غزة من اقتراح البعض زیادة عدد القوات المنتشرة حالیا على خط الحدود بین مصر وقطاع غزة والبالغ عددها 750 شرطیا.

وقال موفاز للإذاعة العسکریة الإسرائیلیة إن زیادة القوات لن تمنع تهریب الأسلحة لأن هذه المشکلة تتعلق بالسیطرة على کل مناطق شبه جزیرة سیناء ولیس التدخل فقط فی شریط حدودی.

وبالنظر إلى علمه جیدا بالتحرکات الإسرائیلیة المشبوهة ، فقد صرح وزیر الخارجیة المصرى أحمد أبوالغیط فی 26 دیسمبر الماضى بأن  الحملة الإسرائیلیة الموجهة ضد مصر کشفت عن نفسها فی مواقف بعض دوائر الکونجرس الأمریکی ، مؤکدا أن اللوبی الصهیونى لدی الکونجرس دفع بمواقف کانت إسرائیل وراءها.

وأضاف أبو الغیط أن مصر تنتظر موقف الإدارة الامیرکیة الرسمی من قرار الکونجرس حول المساعدات وعبر عن اعتقاده بأن الإدارة الأمریکیة لاتوافق على توجه الجماعات التی قال إنها ضغطت على الکونجرس لأنها تؤثر على المصالح الأمریکیة سلبیا   .

وشدد على أن مصر تقوم بدورها بتأثیر واضح فی مجالین محددین أولهما المشارکة فی عملیة السلام وبذل الجهد کی لاتضیع ولا تفلت من أیدی أصحابها وثانیهما إنها تتصدى لکل الخروقات التی قد یحاول البعض القیام بها على الحدود المصریة الفلسطینیة ، وذلک فی إشارة ضمنیة إلى أن مصر تؤدى دورا محوریا فی استقرار المنطقة  .

ویری مراقبون أن تحرک اللوبى الصهیونى لتجمید أو تقلیص المعونة الأمریکیة لایضر مصر بالشکل الذى تتصوره إسرائیل بالنظر إلى أن الشارع المصرى طالما طالب الحکومة برفض تلک المعونة التى تستخدمها واشنطن ذریعة للنیل من استقلالیة القرار المصرى کما أنها لاتعتبر شیئا مقارنة بما تقدمه واشنطن لتل أبیب .

وهذا ماعبر عنه بوضوح بیان للجنة العلاقات الخارجیة بمجلس الشعب المصری رفضت خلاله أی مساعدات أمریکیة مشروطة لمصر أو أی تدخل فی شئونها الداخلیة ، مؤکدة أن مصر دولة مستقلة تملک قرارها وإرادتها، ولاأحد یفرض شروطا علیها.

وأمام هذا الموقف المصرى تباینت آراء المحللین حول تطورات التوتر الحاصل ، فهناک من یرى أن التصعید الإسرائیلى مجرد زوبعة فی فنجان للحصول على تنازلات مصریة وسینتهى قریبا حفاظا على علاقات تل أبیب مع القاهرة والتى استفادت منها إسرائیل کثیرا خلال العقود الماضیة سواء من خلال إقامة علاقات دبلوماسیة مع بعض الدول العربیة أو من خلال تحیید دور مصر فی أى مواجهة عسکریة بشأن الصراع العربى الإسرائیلى .

وفی مواجهة ما سبق ، یری محللون آخرون أن العلاقات المصریة الإسرائیلیة استهلکت خلال العقود الثلاثة الماضیة ما یسمى بالسلام البارد بین الطرفین والذی دشن باتفاقیة کامب دیفید عام 1979 وإذا واصلت إسرائیل ابتزاز مصر فإن التوتر الحاصل قد یتطور إلى مالاترغب به إسرائیل وهو إقدام مصر على إجراءات دبلوماسیة انتقامیة کطرد السفیر الإسرائیلى من القاهرة ، ما من شأنه أن یوجه ضربة موجعة لمخططات إسرائیل للتطبیع مع بقیة الدول العربیة .      

فالاستفزازات الإسرائیلیة وماأعقبها من ردود أفعال مصریة غاضبة تظهر أن صبر القاهرة بدأ ینفد ولذا فإنها لن تلتزم الصمت طویلا خاصة فی ظل تصاعد الدعوات الشعبیة لطرد السفیر الإسرائیلى من القاهرة .

وکانت الاستفزازات قد بدأت عندما قامت وزارة الخارجیة الإسرائیلیة فی منتصف دیسمبر الماضى بإرسال شریط فیدیو إلى واشنطن زعمت أنه یظهر جنودا من حرس الحدود المصریین وهم یساعدون أعضاء من حرکة حماس على تهریب أسلحة عبر الحدود مع قطاع غزة .

وفی 24 دیسمبر ، زعمت وزیرة خارجیة إسرائیل تسیبی لیفنی أن أداء مصر "بشع" فی مجال منع تهریب السلاح إلى قطاع غزة من شبه جزیرة سیناء، قائلة :" إن ذلک یمکن أن تکون له تبعات إقلیمیة " .

ورداً على تلک المزاعم ، اتهم الرئیس حسنی مبارک إسرائیل باختلاق الدلیل الذی تقول إنها حصلت علیه حول تعاون رجال شرطة مصریین فی تهریب السلاح، وأوضح أن مصر نجحت فی تدمیر 160 نفقاً بین مصر وقطاع غزة حتى الآن ، مشیرا إلى ضبط عشرات الأطنان من الأسلحة التی کانت فی طریقها إلى قطاع غزة .

وأضاف الرئیس مبارک فی حوار أجرته معه صحیفة "یدیعوت أحرونوت" الإسرائیلیة فی 26 دیسمبر الماضى " إذا کنتم لاتوافقون علی طریقتنا فی وقف تهریب السلاح فتولوها أنتم " ، واصفا تصریحات لیفنى "بأنها تجاوز للخطوط الحمراء ومن شأنها تعکیر العلاقات بین البلدین".

وفى 30 دیسمبر 2007 ، حذر وزیر الخارجیة المصری أحمد أبو الغیط إسرائیل من أن بإمکان القاهرة أن تستعمل نفوذها الدبلوماسی ضد إسرائیل ، قائلا :" إذا استمروا فی الدفع والضغط ومحاولة التأثیر على علاقات مصر بالولایات المتحدة وإلحاق الضرر بالمصالح المصریة بالتأکید مصر سوف ترد علیهم وستحاول أن تضر بمصالحهم .نحن لنا مخالب قادرة فی کل الاتجاهات والمجالات وکلها مجالات دبلوماسیة لا تتجاوز العمل الدبلوماسی الذی یلحق بالغ الضرر" ، الأمر الذى اعتبره مراقبون بمثابة تحذیر شدید اللهجة من العواقب الوخیمة التى تنتظر إسرائیل إذا لم تتوقف.

( منقول عن موقع محیط  للکاتب جهان مصطفى )

م/ ن/25

 


| رمز الموضوع: 142495







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. قائد الحرس الثوري: "الوعد الصادق" عملية قابلة للتكرار.. هذه معادلة إيران الجديدة
  2. كنعاني: عبارة "حرروا فلسطين" أصبحت اليوم مطلبا وشعارا عالميا
  3. قائد القوة الجوفضائية للحرس الثوري يكشف عن كواليس عملية" الوعد الصادق"
  4. انصار الله : أي قاعدة أو أرض ينطلق منها العدوان على اليمن ستكون أهدافاً رئيسية
  5. اجتياحها سيشهد مذبحة "غير مسبوقة" أهالي رفح والنّازحون: نفضّل الموت في بيوتنا وخيامنا على النّزوح لأي منطقة أخرى
  6. رئيس برلمان فنزويلا: نتنياهو أحد أسوأ القتلة في التاريخ.. والإعلام الغربي منافق ومتواطئ
  7. المجلس السياسي الأعلى يحذر من أي تصعيد أمريكي عدائي يستهدف أمن واستقرار اليمن
  8. مظاهرات جديدة في جامعة سوربون الفرنسية ضد جرائم الابادة في غزة
  9. حركة الجهاد الاسلامي تستبعد التوصل الى اتفاق مع الاحتلال الاسرائيلي
  10. هنية: كل ما يؤدي لحماية المنطقة من الاختراق الصهيوني جهدٌ حيويٌ مهم
  11. منظمة العفو الدولية: إسرائيل استخدمت الأسلحة الأميركية ضد المدنيين بغزة
  12. تصاعد الاحتجاجات في الجامعات الامريكية والاوروبية نصرةً لغزة
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)