مأساة وحصار ومرارة!

بعد طول انتظار صدرت النتائج النهائیة لتقریر لجنة فینوغراد، والفشل الذریع لإسرائیل فی تحقیق أهدافها من الحرب التی خرجت لأجلها، وعلى رغم مطالبة عدد من السیاسیین الاسرائیلیین أولمرت وباراک بالاستقالة، فإنهما یرفضان وعبرا عن رضاهما من النتائج، خاصة أن التقریر لم یحمل أولمرت مباشرة المسؤولیة عن الفشل، وذلک على رغم معرفة کثیرین منهم النتائج مسبقاً، وتمسک أولمرت برئاسة الحکومة، وتصریحاته السابقة انه لن یقدم استقالته، ولن یعمل على إجراء انتخابات مبکرة خدمة لرئیس حزب اللیکود زعیم المعارضة بنیامین نتنیاهو.

التکهن من قبل بعض السیاسیین، خاصة المعارضین للحکومة، والصحافیین الإسرائیلیین من ان التقریر سوف یحدث هزة سیاسیة فی إسرائیل ربما تطیح باولمرت وائتلافه الحکومی، لم یکن فی محله، وذلک حسب بعض المحللین الاسرائیلیین الذی قالوا ان التقریر جاء رمادیاً، وحمل مسؤولیة الفشل للجیش بالکامل.

یأتی ذلک فی وقت فشل مجلس الأمن بالتوصل لإصدار بیان إدانة لإسرائیل لفرضها الحصار الشامل على قطاع غزة، وإصرار المندوب الأمریکی على إدانة الصواریخ محلیة الصنع التی تطلقها فصائل المقاومة الفلسطینیة، وتعبیر مندوب منظمة التحریر فی الأمم المتحدة عن شعوره بالمرارة لعدم التوصل لإصدار بیان یدین إسرائیل، وغداة تصریحات للرئیس الأمریکی جورج بوش حمل حماس المسؤولیة عن المأساة التی یعیشها الفلسطینیون فی قطاع غزة تعقیباً على اقتحام الفلسطینیین فی قطاع غزة الحدود مع مصر: " أقول لکم انظروا ماذا جلبت لکم حماس؟ انهم لیسوا قادرین على تأمین نظام تربوی أفضل، ونظام صحی أفضل، وقد جلبوا المأساة" للفلسطینیین.

وأضاف بوش "على عکس العبارات الجوفاء ان تحدید دولة فلسطینیة سیعطی الرئیس عباس وفیاض شیئاً ما للناس فی غزة والضفة الغربیة، ادعمونا هذا ما ستقدمه الدولة، ادعموا حماس وانظروا على ماذا ستحصلون".

وجاء ذلک أیضاً مع وصول وفدی حرکتی فتح وحماس الى القاهرة تلبیة لدعوة الرئیس المصری حسنی مبارک، لبدء الحوار والتوصل لاتفاق لإدارة معبر رفح.

 اللقاء فشل ولم یتوصل الطرفان الى نتیجة وبقیت الحال على ما هی علیه، وکأنهم یقولون للفلسطینیین الذین کانوا یتوقعون النتیجة نحن لن نتوصل الى إتفاق ولتذهب القضیة الفلسطینیة الى الجحیم، ولتستمر المأساة والحصار والمرارة والانقسام والاحتلال.

ولم یکتف کل طرف بتحمیل الأخر مسؤولیة الانقلاب، والحال التی وصل إلیها الفلسطینیون وقضیتهم، بل لا یزال طرفا الصراع یتمسکان بمواقفها، وتزداد وتیرة الاتهامات بتآمر کل طرف على الأخر، وعلى القضیة الفلسطینیة خدمة لأجندات خارجیة، خاصة الاتهامات الموجهة من حکومة رام الله لحرکة حماس من أنها قامت بفتح الحدود مع مصر خدمة لإیران وسوریة، والذهاب بالقضیة الى خیارات سیاسیة تعمل على ضیاع القضیة. وتلک التی صدرت عن حماس باتهام أطراف دولیة وإقلیمیة وفلسطینیة بالتآمر على الحرکة للقضاء علیها.  

لم یخیب الطرفان أمال الفلسطینیین وحسب فی التوصل إلى بدء الحوار، والى طریقة لإدارة معبر رفح،  وهذا خطیر أیضاً، بل خیبوا أمالهم فی التوصل لصیغة تجعلهم یتعایشون مع بعضهما بعضا والتصدی للمخاطر التی تحیق بقضیتهم.

 الاقتحام الشعبی للحدود مع مصر کان یتوقعه کثیرون من أبناء الشعب الفلسطینی لیس لان احد قادة المقاومة  صرح بأنهم یعدون لذلک منذ ثلاثة اشهر، بل لان کل عاقل کان یتوقع ان یصل الانفجار فی القطاع الى هذا الحد، فالاحتلال مستمر فی فرض إرادته، وفی حصار وخنق القطاع، وقتل الفلسطینیین، ولم یتوقف فی یوم عن معاقبة الفلسطینیین وحصارهم وتدمیر کل شیئ لدیهم.

اقتحام الحدود مع مصر کان مخططاً له من قبل حماس، وفصائل اخرى فی المقاومة، لکن من اقتحم الحدود هم الفلسطینیون على اختلاف مشاربهم بمن فیهم أعضاء فتح وأنصارها، ولم تستفد حماس وحدها من فتح الحدود، والانتقادات التی وجهت ولا تزال لحرکة حماس على أنها قدمت خدمة مجانیة للاحتلال من تخلیه عن التزاماته السیاسیة والقانونیة والأخلاقیة تجاه قطاع غزة، إنما تعبر عن قصر نظر وهی محاولة للضغط وتشویه حماس والمقاومة من أنها تقوم بذلک خدمة للمشاریع الإسرائیلیة بتصفیة القضیة عبر اتفاقات سریة مع الاحتلال.

فالسعادة التی غمرت الفلسطینیین جمیعا عندما اندفع غالبیة سکان القطاع باتجاه مصر، والذین لم یکن یخطر فی بالهم ان ذلک خدمة لإسرائیل بالتخلی عن مسؤولیتها القانونیة تجاه القطاع، بل أن غالبیتهم توجهوا لمدن سیناء للتزود بالوقود والمواد الغذائیة الأساسیة، واندفع الکثیر من المرضى الذین هم بأمس الحاجة للعلاج الى مدینة العریش على أمل ان تسمح لهم السلطات المصریة بالسفر والعلاج فی القاهرة، الا انهم ردوا خائبین.

ولن ینسى الفلسطینیون الجمیل الذی قدمته لهم مصر من التساهل والسماح لهم بالتزود بما یحتاجونه، على رغم الانتقادات والشکوى من بعض المصریین لبعض الفلسطینیین الذین أساءوا أدب المعاملة معهم، إلا أن هؤلاء لا یعبرون عن غالبیة الفلسطینیین، فلا یجوز تصویر الفلسطینیین على انهم إرهابیون، أو ناکرون للجمیل.

وهنا یبرز السؤال الرئیس: هل من مصلحة الفلسطینیین فتح معبر رفح بناء على اتفاق 2005؟ على اثر الانسحاب الاسرائیلی الأحادی الجانب من قطاع غزة، و اندحار الاحتلال العسکری عن القطاع الذی استمر بکل أشکاله المادیة، وظل یتحکم ولا یزال بمصیر الفلسطینیین فی القطاع، وأبقى على الحصار مفروضاً، الذی ازدادت وتیرته بعد فوز حماس بالانتخابات التشریعیة، وسیطرتها على القطاع.

الفلسطینیون مجمعون على ان من حقهم ان یکون لهم معابر یدیرونها وحدهم، ودار جدل فی السابق ولا یزال على هذا الموضوع، وازدادت المطالبة بذلک على اثر الأحداث الأخیرة التی یشهدها القطاع من تشدید الحصار الى اقتحام الحدود المصریة. لکن یبقى السؤال: هل من مصلحة الفلسطینیین فی ظل الأوضاع السیاسیة التی یمرون فیها واختلال موازین القوى فی غیر صالحهم ان یوقعوا اتفاق للمعبر مع المصریین من دون ان تکون لإسرائیل مسؤولیة؟ و السؤال الأخر الا یشکل ذلک خطرا استراتیجیا على العلاقة والمسؤولیة القانونیة والأخلاقیة لإسرائیل تجاه قطاع غزة؟

سوف تستمر الأسئلة، وتستمر مأساة الفلسطینیین وحصارهم، لیس بسبب الانحیاز والوعود الأمریکیة الموهومة فقط، بل أیضا من استمرار الاحتلال الاسرائیلی لکل أراضیهم، و التخاذل العربی الذی یعتبر مشارکاً فی استمرار مأساتهم وحصارهم، وسوف یظلوا یشعرون بمرارة، لان قیادتهم تتحمل المسؤولیة فی استمرار الانقسام وفرض شروط جدیدة مفاجئة، ولم تشفع دماء الشهداء وانین المرضى والجرحى والأسرى بالبدء فی الحوار الشامل، وعدم قدرتها على إدارة شؤونهم، وعدم اعترافها بالفشل فی التوصل الى إتفاق على کل القضایا العالقة بینهم، ووضع استراتیجیة وطنیة موحدة لإدارة الصراع مع الاحتلال الإسرائیلی.

( المقال لمصطفى ابراهیم )

ن/25