زوال دولة اسرائیل

بعیدا عن النبوءات المذکورة فی الدیانات السماویة التی تتطرق لقیام دولة اسرائیل ولزوالها الحتمی بعد تمتعها بقوة ومنعة یحسدها علیها الأصدقاء قبل الأعداء. بعیدا عن کل هذا.. لم یتبق سوى أصوات قلیلة تعلن عن ایمانها القطعی بحتمیة زوال هذا الکیان الشاذ وحتمیة خروجه من الاطلس السیاسی تصحیحا للظلم التاریخی الذی وقع على الشعب الفلسطینی واعترافا بالخطأ الجسیم الذی ارتکبه الغرب بحق السکان العرب الابریاء أصحاب الارض الأصیلین الذین أسسوا علیها مدنا وقرى عربیة کانت تعج بالحرکة وبزخم معیشی حیوی أوجده عبر أجیال متتابعة ابناء الأرض نتیجة جهدهم وعرقهم المتواصل، لقد کان شعب فلسطین آنذاک ینعم بخیرات ارضه الوفیرة وبموقعها الجغرافی الممیز وبقدسیة ترابها وقد فاض من خیراتها الکثیر نعمت به أیضا اعدادا کبیرة من العرب المجاورین لفلسطین. ان کاتب هذه السطور یتذکر لقائه بعجوز سعودی  اقترب من التسعین من عمره حیث قال: یا بنی فی شبابی وفی بدایة الأربعینات عملت فی بلدک فلسطین وکسبت من عملی فیها ما مکننی من العیش بکرامة وحمانی من العوز.

قد نرتکب اثما أو خطأ فادحا إذا ما قلنا أن الجماهیر العربیة والمسلمة لیس من بین همومها زوال دولة اسرائیل أو أنها لا تؤمن بحتمیته والاصح أن نقول أن الکیانات السیاسیة العربیة والاسلامیة أو معظمها هی الماضیة بالسر أو العلن فی انشاء علاقات سیاسیة واقتصادیة ودبلموسیة مع الدولة العبریة المصطنعة خدمة لرغبتها الجامحة فی إدامة الجلوس على کراسیها وعملا بمقتضیات غریزة حب البقاء مهما کان الثمن.

ولکی لا نهمل الحقائق لا بد أن نذکر أن هناک  أطرافا عربیة وإسلامیة حزبیة أو رسمیة تجهر بایمانها بحتمیة زوال الکیان الصهیونی وترفض الاعتراف به أو اقامة أی نوع من العلاقات معه وأکثر من ذلک فهی تهیء نفسها لمواجهته وتدعو الى رص الصفوف لبلوغ هذه الغایة ولا أرید ان أذکر تلک الأطراف باسمائها لأن هذا المقال لا یحتمل تفاصیلا کهذه ولا بد أن القاریء لدیه ما یکفی من الفطنة کی یستنتج ما یلزم استنتاجه، وفی مقال آخر قادم قد أتطرق للتسمیات المباشرة ان مکننی مسار الحدیث من ذلک.

فیما نشاهده من أحداث، نرى تجمّعا للمکر کله والکفر کله من أجل إطالة عمر اسرائیل إنه مکر وکفر الصهاینة والغرب ومکر ابناء جلدتنا وربما کفرهم، یصوغونه بشکل علاقات دبلوماسیة وإقتصادیة مع عدونا المغتصب لفلسطین. إن تحالفا أقیم بین الغرب المتصهین وبین معظم هؤلاء الجالسین فوق العروش والکراسی الرئاسیة العربیة مهمته إمداد الکیان الاسرائیلی الباغی بالأکسجین فیما یشبه التغذیة المصطنعة للمریض فی غرفة العنایة المرکزة، وإذا لم تترک تلک الأطراف من یشغل تلک الغرفة لمصیره المحتوم فسوف تأخذ الجماهیر العربیة المقاومة المبادرة وتتولّى بنفسها عملیة قطع الأنابیب التی تمده بالحیاة، ولأبناء جلدتی المتحالفین مع أعداء الأمة أقول: کفوا عن ارتکاب الخطایا واصنعوا التغییر بأیدیکم لصالح شعوبکم وترابکم ومقدساتکم قبل أن یداهمکم صنّاع التغییر.

( المقال للکاتب الدکتور عمر عبد الهادی  )

ن/25