الاربعاء 15 شوال 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

تعقیدات غزة فی الحسابات الإسرائیلیة

فی حین توقع الکثیرون أن تقوم إسرائیل باجتیاح غزة رداً على الصواریخ التی تطلق منها بین الحین والآخر، فإن حملتها العسکریة وجهت إلى نابلس فی الضفة الغربیة. صحیح أنها لم تسکت على القطاع وإنما عمدت إلى قصف وتصفیة بعض الناشطین فیه، خصوصاً من حرکة الجهاد الإسلامی، لکن قرار الاجتیاح ظل مؤجلاً على نحو أثار العدید من علامات الاستفهام، کما أن الترکیز على عناصر الجهاد الإسلامی أکثر من غیرهم أثار عدداً آخر من التساؤلات.

وقبل أن نحاول استجلاء الأمر من زاویتیه لا بد أن یثیر التوقیت انتباهنا من حیث أن الحملة الإسرائیلیة على نابلس تمت عشیة وصول الرئیس بوش إلى المنطقة. فالأمر الذی کان متصوراً هو أن تسعى إسرائیل إلى تهدئة الموقف لا إلى تصعیده. لکن من الواضح أنها لم تکترث لذلک، بالدرجة الأولى لاطمئنانها إلى تضامن الرئیس الأمریکی وتأییده لسیاستها، خصوصاً ما صنف منها تحت بند «الحرب على الإرهاب»، وهذه الدلالة إذا صحت فإنها تبدد الآمال التی یعلقها البعض على الزیارة فی الشأن الفلسطینی، ممن تفاءلوا بإمکانیة أن «یضغط» الرئیس بوش على اسرائیل، سواء لوقف الاستیطان أو لحثها على التوصل إلى تسویة مع الفلسطینیین قبل نهایة العام الحالی، طبقاً للأمنیات التی أطلقت فی مؤتمر أنابولیس واستجابة لرؤیته التی تحدث عنها الرئیس الأمریکی وتبنى فیها فکرة الدولتین المتجاورتین ـ الاسرائیلیة والفلسطینیة ـ آملاً أن یتم ذلک قبل انتهاء ولایته ومغادرته البیت الأبیض فی بدایة العام القادم.

باختصار فإن اسرائیل، وهی تتعامل مع الضفة أو غزة، لا تستشعر حرجاً من أن تتزامن ممارساتها تلک مع زیارة الرئیس بوش، بل تتصرف بحسبانها مطلقة الید فی مجمل الملف الفلسطینی، اطمئناناً منها إلى أن کل الظروف المحیطة بها محلیاً وإقلیمیاً ودولیاً لیس فیها ما یشکل عنصراً ضاغطاً علیها، بالتالی فإن ممارساتها تظل خاضعة لحساباتها الخاصة.

فیما یخص الحملة على نابلس، من الواضح أن الجیش الإسرائیلی یحاول أن یکلل الدور الذی قامت به الأجهزة الأمنیة التابعة للسلطة خلال الأسابیع الأخیرة، الذی استهدف تجرید المقاومة من سلاحها وأخذ تعهدات على المقاومین بعدم العودة إلى الاشتباک مع قوات الاحتلال مقابل إغراءات کثیرة، أحدها الکف عن ملاحقتهم من جانب الإسرائیلیین، ولأن المدینة التی کانت عاصمة الانتفاضة لم تستجب على النحو المطلوب لضغوط الأجهزة الفلسطینیة، التی أرادت بها حکومة الدکتور سلام فیاض أن تثبت جدیة التزامها بخریطة الطریق، فإن الاسرائیلیین تدخلوا لإنجاز ما لم تستطع أن تحققه عناصر الأمن الوقائی، بحیث یتم «تطهیر» المدینة من المقاومین، حتى یمکن الانتقال إلى مدن أخرى بالضفة، لتحقیق ذات «الإنجاز». حسابات التعامل مع غزة أکثر تعقیداً، کما بیّنها تقریر خاص تلقیته هذا الاسبوع من داخل الأرض المحتلة، فقیام الجیش بتصفیة أکثر من عشرین شخصاً من کوادر وقیادات حرکة الجهاد الإسلامی، على رأسهم ماجد الحرازین القائد العسکری العام لسرایا القدس، فسره الاسرائیلیون بأنه رد على قیام کوادر الحرکة بإطلاق القذائف الصاروخیة على المستوطنات الیهودیة الواقعة فی محیط القطاع. وهذا ما عبر عنه یوآف جلانت قائد المنطقة الجنوبیة فی جیش الاحتلال حین أکد فی حدیث له بثته الإذاعة الإسرائیلیة باللغة العبریة أن استهداف نشطاء الجهاد سیتواصل حتى توقف الحرکة هجماتها الصاروخیة على اسرائیل. فی الوقت ذاته فإن نائب وزیر الحرب الاسرائیلی متان فلنائی قال فی تصریح آخر إن عملیات التصفیة لها هدف آخر هو دفع حرکة حماس إلى الموافقة على تهدئة، وفقاً للشروط الإسرائیلیة، ذلک أن إسرائیل ترید التوصل الى اتفاق تهدئة یتم بمقتضاه وقف إطلاق الصواریخ من قطاع غزة مقابل توقف عملیات الاغتیال والتوغل الإسرائیلیة، وترفض أن یتضمن اتفاق التهدئة التزامها بوقف العملیات الاسرائیلیة فی الضفة الغربیة، أو رفع الحصار عن القطاع، (لکن یبدو أن أکثر الأسباب أهمیة وراء تصعید الاغتیال ضد قیادات حرکة الجهاد العسکریة، هو قرار اسرائیل تأجیل الحملة الواسعة التی کان جیشها یخطط لشنها على قطاع غزة، التی یفترض أن تؤدی فی نهایة المطاف إلى إعادة احتلال القطاع. وقد جاء تکثیف عملیات الاغتیال ضد نشطاء حرکة الجهاد لیستهدف أمرین، أولهما ردع حرکة الجهاد عن الاستمرار فی إطلاق الصواریخ، وثانیهما إقناع الجمهور الإسرائیلی بأن الجیش یقوم بما یجب، ومن ثم فلا حاجة إلى شن حملة عسکریة واسعة على قطاع غزة، خصوصاً بعدما أدرکت القیادات السیاسیة والعسکریة فی إسرائیل أن حملة عسکریة على قطاع غزة قد تؤدی إلى نتائج عکسیة، وأشارت الصحف الإسرائیلیة إلى أن قادة الجیش الاسرائیلی أکدوا لرئیس الوزراء الاسرائیلی إیهود أولمرت أن أی حملة عسکریة على القطاع ستؤدی الى مقتل العشرات من جنود الاحتلال، دون أن تکون هناک ضمانة لأن تؤدی هذه الحملة فی النهایة إلى وقف إطلاق القذائف الصاروخیة. وکما یرى رون بن یشای المعلق العسکری الاسرائیلی المعروف، فإن اولمرت یخشى أن یواجه نفس السیناریو الذی واجهه بعد انتهاء حرب لبنان الثانیة عندما اتهمته لجنة «فینوجراد» الرسمیة بالتقصیر فی إدارة الحرب، الأمر الذی أدى إلى فشل إسرائیل فی حسم المواجهة مع حزب الله رغم میل میزان القوى العسکری لصالحها بشکل جارف. ولا خلاف فی اسرائیل على أن أی حملة عسکریة على قطاع غزة تؤدی الى سقوط عدد کبیر من القتلى فی صفوف الجنود، أو أنها تفشل فی وقف عملیات إطلاق الصواریخ، سینظر إلیها على أساس أنها فشل ذریع وقد تعزز القلق الإسرائیلی من إمکانیة فشل الحملة العسکریة الواسعة فی أعقاب تقییم نتیجة المواجهات العسکریة التی تمت مؤخراً خلال عملیات التوغل الاسرائیلیة فی عمق مناطق قطاع غزة القربیة من الخط الفاصل بین اسرائیل والقطاع، حیث تبین أن هذه المواجهات دللت على أن حرکة حماس استخدمت وسائل قتالیة من الممکن أن تؤدی الى الإخلال بمیزان القوى العسکری القائم حالیاً. فنتائج الاشتباکات التی دارت بین مقاتلی حرکة حماس وجنود الاحتلال فی المنطقة الوسطى من القطاع أخیراً أثارت الشکوک لدى الجیش الإسرائیلی بأن حماس حصلت على صواریخ قادرة على اختراق دبابة «میرکافا 4» التی توصف بأنها الدبابة الأکثر تحصیناً فی العالم، والتی لا تستطیع اسرائیل شن أی حملة عسکریة بدونها. وترى قیادة الجیش أن حماس استخدمت مؤخراً قذائف ذات رأس متفجر بإمکانها اختراق المدرعات الاسرائیلیة، منوهة إلى أن هذه الصواریخ بإمکانها اختراق جدران المنازل التی یحتمی بها الجنود أثناء عملیاتهم فی القطاع، مشیرة إلى أن هذا النوع من الصواریخ استخدم من قبل حزب الله خلال حرب لبنان الثانیة، الأمر الذی أدى الى سقوط عدد کبیر من القتلى والجرحى من جیش الاحتلال. والذی یرفع مستوى القلق لدى الاسرائیلیین هو استخدام المقاومة الفلسطینیة لأول مرة مضادات أرضیة لمواجهة المروحیات العسکریة الأمریکیة الصنع من طراز «اباتشی» التی توظف على نطاق واسع فی تمشیط المناطق التی یخطط جیش الاحتلال لاجتیاحها.

لکن أکثر ما یجعل اسرائیل أکثر تردداً فی شن حملة واسعة على القطاع وإعادة احتلاله هو الخوف من أن تتحمل المسؤولیة عن توفیر کل الخدمات للمواطنین الفلسطینیین بوصفها دولة احتلال. وقد کشفت الصحف الإسرائیلیة النقاب عن أن الدائرة القانونیة فی وزارة الخارجیة الاسرائیلیة أعدت ورقة حول الوضع القانونی لقطاع غزة بعد إعادة احتلاله من قبل اسرائیل، حیث أکدت أن إعادة احتلال القطاع من قبل اسرائیل تعنی انهیار السلطة الفلسطینیة ومؤسساتها، الأمر الذی یوجب على اسرائیل ـ حسب القانون الدولی ـ أن تکون مسؤولة بشکل مطلق عن توفیر المستلزمات الحیاتیة والإنسانیة الفلسطینیة هناک. فضلاً عن ذلک فإن إعادة احتلال القطاع تعنی انهیار الإنجازات التی حققتها إسرائیل إثر فوز حرکة حماس بالانتخابات التشریعیة فی ینایر من العام 2006، حیث استطاعت إسرائیل بناء جبهة عالمیة وإقلیمیة ضد حکم حماس فی غزة. ویحذر أوری ساغیه الرئیس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسکریة الاسرائیلیة من أن إعادة احتلال القطاع ستؤدی الى انهیار الفروق فی مواقف الفصائل الفلسطینیة، بحیث تتبنى جمیعها الخط الأکثر تشدداً ضد اسرائیل. ونوه یعکوف بیری الرئیس الأسبق لجهاز المخابرات الداخلیة الاسرائیلیة (الشاباک) الى أنه حتى لو تغلبت اسرائیل على کل المشاکل التی سبقت الإشارة الیها، فإن هناک مشکلة کبرى لا یمکن أن یتوافر لها حل وهی إیجاد جهة یمکن ان تتسلم القطاع بعد أن تقوم إسرائیل بالقضاء على وجود حرکة حماس هناک. وینوه بیری إلى أن أحداً لا یساوره أدنى شک فی أن ابو مازن لیس بإمکانه السیطرة على قطاع غزة، مشیراً الى أن أی جهة فلسطینیة ستوافق على تسلم القطاع من إسرائیل سینظر إلیها الفلسطینیون کجهة (متواطئة معها) وبالتالی لن تتمتع بالشرعیة لإدارة شؤون الفلسطینیین. وحذر بیری من مغبة العودة الى تجربة حرب العام 1982 عندما حاولت اسرائیل إقامة حکومة فی لبنان متعاونة معها بعد أن احتلت أکثر من نصف مساحة البلد بما فی ذلک العاصمة بیروت، إثر قضائها على الوجود العسکری لمنظمة التحریر هناک. وأعاد بیری للأذهان أن اسرائیل بـ«خطوتها الغبیة وفرت الظروف لصعود نجم حزب الله»، محذراً من أن إعادة احتلال القطاع یمکن أن یسفر عن نشوء قوة أکثر تطرفاً من حرکة حماس وأکثر تصمیماً على مواصلة النضال ضد اسرائیل. إنهم لیسوا مترددین فی ارتکاب المذبحة، لکنهم فقط یریدون توفیر الشروط اللازمة لضمان نجاحها.

( المقال للاستاذ فهمی هویدی )

م/ ن/25


| رمز الموضوع: 140870







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. صواريخ المقاومة الفلسطينية تدك بشدة مستوطنات غلاف غزّة
  2. الصحة بغزة : 34183 شهيدا و77143 إصابة منذ بدء العدوان
  3. الشيخ نعيم قاسم: اسرائيل لا يوقفها الا السلاح و المقاومة
  4. أمير عبد اللهيان: يجب على الاتحاد الأوروبي ان يفرض عقوبات على الكيان الاسرائيلي
  5. حماس تندد بتصريحات وزير الخارجية الامريكي وتصفها بانها تتناقض مع الحقيقة
  6. أنصار الله تدعو القوات المسلحة اليمنية الى تصعيد عملياتها ضد الملاحة الصهيونية
  7. الرئيس الإيراني: الصهاينة يستغلون الخلافات بين الدول الإسلامية
  8. الصحة الفلسطينية: ارتفاع حصيلة العدوان إلى 34,151 شهيدا و 77,084 إصابة منذ السابع من اكتوبر
  9. الجبهة الشعبية: الرد الايراني يعد حدث مفصلي وهام سيؤسس لقواعد اشتباك جديدة في المنطقة
  10. السيد صفي الدين: المقاومة في غزة رغم المعاناة ما زالت قوية ومقتدرة
  11. قيادي في الجهاد الإسلامي: المقاومة لن تتنازل عن مطالب الشعب الفلسطيني المشروعة
  12. ضابط سابق بالجيش الأمريكي يصف الهجوم الانتقامي الايراني بانه عملية عبقرية واستعراضا للذكاء التكتيكي والاستراتيجي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)