الأرنب والتفاحة

 غریبة هی إسرائیل، فبینما تقبل العالم بارتیاح بالغ التقریر الاستخباری الأمریکی الذی أکد عدم امتلاک إیران لمشروع نووی عسکرى تصرفت إسرائیل بما یتلاءم ربما مع طبیعتها بشکل امتزج فیه الهوس الأمنی بالهلع والجزع وکادت الدولة کلها تخرج عن طورها فى مواجهة التقدیر الاستخباری الصادر عن الأجهزة الأمنیة التابعة للحلیفة الأهم والأبرز للدولة العبریة.

بعد زوال الصدمة والهلع وبعد نقاش مستفیض بدا أن الحکومة الإسرائیلیة فی صدد الخروج بعملیة مرکزة للرد على التقریر الأمریکی ولکن على أرضیة التفاهم والتنسیق مع الإدارة الأمریکیة والحرص على عدم إغضاب الصدیق الأهم القابع فی البیت الأبیض.

الإستراتیجیة الإسرائیلیة للرد تضمنت الاصرار على التقدیرات الأمنیة الإسرائیلیة التی تزعم أن إیران ستتجاوز السقف التکنولوجی النووی فی العام 2010 وستکون بحلول هذا التاریخ قادرة على الحصول على یورانیوم 235 الذی یتیح إنتاج قنبلة ذریة فی کل موقع ولیس فقط فی الأفران الذریة.

إسرائیل تعرف أن مواجهة التقدیر الامریکى بشکل مباشر وعلنى ستکون صعبة فی هذه المرحلة لذلک اتبعت مدخل آخر للتعبیر عن نفس القناعة أی امتلاک إیران سلاح نووی بعد اجتماع المجلس الوزاری المصغر الذی ناقش الإستراتیجیة الإسرائیلیة التی یجب اتباعها تجاه التقدیر الأمریکی وتداعیاته قال رئیس الوزارة اهود أولمرت: إسرائیل لم تخطئ فی التقدیرات الاستخباراتیة فإیران تواصل نشاطاتها لتوفیر عاملین ضروریین للسلاح النووی تطویر الصواریخ إلى جانب تخصیب الیورانیوم، حسب التقدیر کان لإیران خطة – نوویة عسکریة حتى عام 2003، لا توجد معلومات محددة تعطی تفسیراً». إلى أین اختفت الخطة، لیس هناک سبباً لتغییر التقدیرات التی کانت لإسرائیل طوال الفترة الماضیة.

عنزة لو طارت إذا لم تکن إیران تمتلک سلاح نووی أو خطة لإنتاج هذا السلاح، فقد امتلکته فی الماضی ویبدو أنها خبأته فی مکان ما لإخراجه وقت اللزوم، أولمرت او إسرائیل یریدان بیع العالم هذه الروایة السخیفة وأکثر من ذلک فإن المزاعم الإسرائیلیة وصلت إلى القول أن الاستخبارات الأمریکیة قد غرر بها من قبل الإیرانیین ووفق منطق عنزة ولو طارت فإن الاستخبارات الأمریکیة إذا لم یغرر بها الإیرانیون فقد ما رست هی ذلک اى غررت بنفسها او أنها کانت حذرة أکثر مما ینبغی على خلفیة الانتخابات الرئاسیة فی الولایات المتحدة والانتقادات المتصاعدة لفشل الحرب فی العراق، أی أن الأجهزة الأمنیة الإسرائیلیة تتهم نظیرتها الأمریکیة بالتسییس واستخدام التقدیر الامنى فی النزاع والخلاف الداخلی سواء فی إدارة بوش أو الکونغرس والحلبة السیاسیة بشکل عام.

ناحوم برنیاع ینقل فی هذا الصدد عن أحد الوزراء الإسرائیلیین قوله: قل لی من الذی طلب التقریر أعلمک بمن یعارض العملیة ضد إیران فی الإدارة الأمریکیة.

ببساطة فإن إسرائیل تحاول القول أن16 جهاز أمن أمریکی لا تقوم بعملها بشکل جید ومهنی، أو فی أحسن الأحوال تسیس هذا العمل وتحاول التدخل لإزاحة الخیار العسکری عن جدول أعمال بوش وهذا الأمر تحدیداً یمکنه تفسیر الهلع والجزع الإسرائیلی فقد فهم القادة الاسرائیلیین أن التقدیر الأمریکی أزاح نهائیاً الخیار العسکری عن جدول الأعمال سواء أکان هذا الخیار أمریکیاً أو إسرائیلیاً او أمریکیاً إسرائیلیاً مشترکاً.

رغم کل الأکاذیب والتضلیل فإن هذا الخیار کان وما زال الخیار المفضل والمحبذ للقادة الإسرائیلیین، والکیان الذی یعیش على حد السیف لا یمکن أن یغمد سیفه تماماً کما قال موشیه دایان ذات مرة وعطفاً على هذا الإستنتاج فإن التقدیر الأمریکی قد یفتح کوة فی الجدار الصلب القائم بین الولایات المتحدة وإیران – قد یؤدی إلى تدشین وانطلاق حوار بینهما حول کل القضایا العالقة وهذا آخر أمر تریده إسرائیل التی لا تکره شیئاً فی هذا العالم أکثر من الدیبلوماسیة والحوار لحل المشاکل والخلافات بمعنى أن أی مدخل للحل لا بد أن یقلص دورها ویقرض من وظیفتها کهراوة أو قاعدة متقدمة للغرب عموماً والولایات المتحدة بشکل خاص.

بعد التشکیک فی التقدیر الأمنی الأمریکی تتضمن الإستراتیجیة الإسرائیلیة بنود أخرى أهمها الاستمرار فی الحملة الإعلامیة المرکزة للتحریض على إیران إن لم یکن بسبب ملفها النووی بسبب دورها المرکزی فی دعم الإرهاب وعرقلة عملیة التسویة فی الشرق الأوسط وکأن إیران هی المسؤولة عن عدم التوصل إلى حل سلمی فی فلسطین؟ وکان إیران تقف فی وجه أو تمنع القبول الإسرائیلی بالحد الأدنى المتوافق علیه فلسطینیاً دولة فلسطینیة فی الضفة الغربیة وغزة والقدس حل عادل ومتفق علیه لقضیة اللاجئین على أساس القرار 194 وهذا الحد الأدنى المتوافق علیه فلسطینیا لا یتساوق مع الحد الأقصى الذی یمکن أن یقدمه أی قائد إسرائیلی والمتمثل بدولة کانتونات مجزأة فی الضفة الغربیة وفق مسار الجدار الفاصل الذی یبتلع نصف الضفة الغربیة بما فی ذلک غور الأردن والقدس وشطب حق العودة عن جدول الأعمال مع الموافقة على عاصمة فلسطینیة نظریة وشکلیة فی القدس – المقصود بالطبع الأحیاء العربیة النائیة فی ضواحی المدینة مع استمرار السیطرة الإسرائیلیة على المقدسات الإسلامیة المسیحیة.

إستراتیجیة إسرائیل تتضمن کذلک، التحریض على فرض مزید من العقوبات الاقتصادیة والعزل على إیران واستمرار المنظمات الیهودیة – فی الدول المؤثرة والعمل مع الاصدقاء من السیاسیین و القادة وکأن شیئاً لم یکن وکأن التقدیر الأمریکی لم یغیر شیئاً وأن الخطر الإیرانی ما زال متربصاً ورابض على البوابة وأن على العالم المتحضر التصرف بطریقة مغایرة لتلک التی تصرف بها فی الثلاثنیات من القرن الماضی اى مع وصول النازیة إلى الحکم واندلاع الحرب العالمیة الثانیة، الغریب أن نفس التشبیه – ولکن بشکل عکسی طرحه رئیس الکنسیت السابق ابراهام بورغ تجاه الوضع الإسرائیلی الحالی، قال بورغ بالحرف الواحد -العنصریة وأمور أخرى تحدث فی إسرائیل الان تتسارق وتتشابه مع فترة نهایة حکومة فایمر وصعود النازیة فی ألمانیا.-

غیر أن التصرف الإسرائیلی والتعاطی وفق طریقة کأن شیء لا یخف او ینطلی على الکثیرین منهم تشاک فرایلخ نائب رئیس مجلس الأمن القومی الإسرائیلی وضع ورقة عمل لصالح مرکز واشنطن لسیاسة الشرق الأوسط – التابع للوبی الصهیونی – الورقة التی حملت عنواناً لافتاً- التحدث حول ما یحظر الحدیث عنه-، تتناول الوضع الذی ستفشل فیه الضغوط والدیبلوماسیة ویتلاشى الخیار العسکری وتصل فیه إیران إلى القنبلة النوویة المزعومة.

فرایلخ وضع سبعة أفکار بدیلة یمکن عرضها على النحو التالی:

- الإعلان أحادی الجانب من قبل أمریکا بأن أی تهدید إیرانی باستخدام السلاح النووری ضد إسرائیل أو دول أخرى فی المنطقة سیفسر کتهدید مباشر للولایات المتحدة وسیکون الرد هجوماً نوویاً أمریکیاً ضد إیران، ولکن مشکلة هذا الخیار بحسب فرایلخ أن إیران لیست بحاجة للتهدید باستخدام السلاح النووی، مجرد حقیقة أن لدیها سلاح کثیراً سیجعل الأمر صعباً على أمریکا وعلى إسرائیل على حد سواء.

- حلف دفاعی أمریکی – إسرائیلی، إسرائیل ستعیش تحت مظلة دفاعیة أمریکیة، نائب رئیس مجلس الأمنی القومی الإسرائیلی السابق یعتقد أن الکثیرین فی إسرائیل سیرفضون و سیتحفظون من هذا الأمر بسبب القیود التی ستفرض على حریة حرکة الجیش الإسرائیلی.

- ضمانات دولیة – هذا أیضاً لیس ممکناً بحسب الباحث الإسرائیلی وإذا تحفظت إسرائیل على حلف دفاعی مع أمریکا فالتأکید سترفض اى ضمانات دولیة اخرى.

- معاهدة دفاع اقلیمیة تحت رعایة الولایات المتحدة فرایلخ یعتقد أن الخیار جید إلا أن الدول العربیة سترفض حتماً هذه الفکرة بسبب مشارکة إسرائیل وهذه الأخیرة سترفض أیضاً لأنها لا تقبل التنازل عن خیارها النووی الخاص.

- التخلی عن سیاسة الغموض النووی الإسرائیلیة الباحث یعتبر أن الخیارسیىء لأن الإعلان عن وجود سلاح نووی لدى إسرائیل سیکون سلبیا إذ أنه لن یجلب أمراً جدیداً للإیرانیین.

- العمل على تغییر النظام فی إیران فرایلخ یعتبر الفکرة جیدة ولکنها لیست عملیة بعد 28 عاماً یبدو من الصعوبة بمکان تصور حدوث مثل هذا السیناریو.

- دفع عملیة السلام حیث أن النجاح فی هذا الأمر قد یقلل من تأثیر إیران فی المنطقة ویقلل من فرض الاحتکاک العنیف بین إسرائیل وإیران، الباحث الأمنی الإسرائیلی یعتقد أن هذا الخیار جید لکن لا یمکن افتراض أن تتفق الحکومتان الإسرائیلیة والأمریکیة على اتخاذ قرارات – جذریة فی المفاوضات مع الفلسطینیین أو مع السوریین فی ظل الخوف من القنبلة النوویة الإیرانیة.

غیر أن أفضل توصیف للموقف الإسرائیلی من التطورات المتعلقة بالملف النووی الإیرانی نجده فی ذاک التشبیه البلیغ والمعبر الذی قدمته صحیفة هآرتس والذی جاء فیه: إسرائیل تصرفت کارنب تملکه الذعر جراء سماعه صوت سقوط حبة تفاح على الأرض.

( المقال لماجد عزام مدیر مرکز شرق المتوسط للدراسات والإعلام- بیروت )

ن/25