الاربعاء 15 شوال 1445 
qodsna.ir qodsna.ir

ضوابط إستراتیجیة تحکم التحرّک الأمیرکی

ضوابط إستراتیجیة تحکم التحرّک الأمیرکی فی الشرق الأوسط

یعتزم الرئیس الأمیرکی بوش زیارة الشرق الأوسط فی الأسبوع القادم لإعطاء دفعة زخم للتحرّک الأمیرکی بشأن الملف الفلسطینی بعد مؤتمر أنابولیس.

لکن رغم ما یظهر على السطح أحیاناً من تباین محدود بین إسرائیل وأمیرکا، ففی تقدیری أنّ هناک غایات کثیرة مشترکة بین الطرفین، بغضّ النظر عمّن هو الحاکم فی إسرائیل أو فی أمیرکا. وهذه المصالح والأهداف المشترکة هی:

1- إبقاء التفوّق العسکری الإسرائیلی على الدول العربیة مجتمعة، والضغط على الدول الکبرى لعدم تسلیح بعض الدول العربیة.

2- التشجیع على العلاقة والتطبیع بین العرب وإسرائیل بغضّ النظر عن مستوى نجاح عملیة السلام (لجان التطبیع والمؤتمرات الاقتصادیة مع إسرائیل بضغط أمیرکی منذ مؤتمر مدرید عام 1991).

3- السعی لمنع أی مقاومة مسلحة للاحتلال الإسرائیلی فی فلسطین (کما کان الأمر مع لبنان).

4– التحفّظ على أی تضامن عربی حتى فی حدّه الأدنى (تحفظات أمیرکا على القمم العربیة وعلى التنسیق الثلاثی الذی کان قائماً بین مصر وسوریا والسعودیة، وعلى دور الجامعة العربیة بشکل عام) وتشجیع الصراعات العربیة/العربیة التی هی مصدر قوّة لإسرائیل، ولأمیرکا هی مبرّر لطلب المساندة منها!.

5- تشجیع الخلافات بین الدول العربیة وإیران، وفی مقابل ذلک تعزیز الدور الإسرائیلی فی دول العالم الإسلامی وبدعم أمیرکی طبعاً.

***

إنّ من المهم النظرة إلى واقع وآفاق الموقف الأمیرکی من الصراع العربی/الإسرائیلی، من خلال الأمور التالیة:

أولاً: مقابل علاقات خاصة جداً بین إسرائیل وأمیرکا، هناک مصالح أمیرکیة هامّة فی المنطقة العربیة (الأمن، النفط، التجارة، تصدیر السلاح) ممّا یؤکّد أهمیة المنطقة استراتیجیاً واقتصادیاً وأمنیاً لسنوات طویلة بالنسبة لأمیرکا.

ثانیاً: تدرک واشنطن أنّ سیطرتها الکاملة على المنطقة العربیة هو أمر یتنافس مع مصالح دول إقلیمیة ودول کبرى أخرى وهذا ما یجعل المنطقة ساحة تنافس دولی من جدید، ولو فی حدوده الدنیا، مع احتمال تصاعده مستقبلا.

أیضأ، هناک صراع على مستقبل هویة المنطقة، فالعرب یریدونها هویة عربیة، وأمیرکا تعمل للهویة "الشرق أوسطیة"، وأوروبا تدعو ل"الهویة المتوسطیة".

ثالثاً: هناک مفاهیم قد سقطت فی حقبة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، ویجب الإنتباه إلیها فی مجال العلاقات العربیة-الأمیرکیة. ومن هذه المفاهیم - أو الأعذار - الأمیرکیة التی سقطت:

         1-  "أنّ أمیرکا غیر عادلة فی سیاستها بالمنطقة العربیة، لأنّ بعض دول المنطقة ترتبط بعلاقات خاصة مع أعداء أمیرکا الدولیین" (کما کان یقال فی حقبة الحرب الباردة مع السوفییت).. وقد سقط هذا المفهوم، ولم تعدّل أمیرکا مواقفها تجاه إسرائیل والعرب.

         2-  "أنّ سیاسة أمیرکا غیر عادلة بسبب وجود طروحات اشتراکیة وثوریة".. إلخ (کما کانت فی الستینات من القرن الماضی). وقد انتهت هذه الطروحات، وأصبحت عموم الحکومات العربیة منسجمة جداً مع المعاییر الاقتصادیة الأمیرکیة.. ولم تعدّل أمریکا!.

         3-  "أنّ أمیرکا لا تستطیع العمل الجاد لحل الصراع العربی/الإسرائیلی ما لم یتفاوض العرب مع إسرائیل ویعترفوا بوجودها من خلال اتفاقیات صلح وسلام".. وقد حصل ذلک ولم یتغیر الموقف الأمیرکی عملیاً!.

         4-  "أنّ أمیرکا ترید الاطمئنان أکثر فی المجال الأمنی بالمنطقة، وترید معاهدات ثنائیة معها".. وحصلت هذه المعاهدات، وأصبح الوجود العسکری الأمیرکی أمراً واقعاً ومقبولاً من الخلیج إلى المحیط مروراً بمصر والأردن وفلسطین.. ورغم ذلک ما زالت أمیرکا "غیر مطمئنة"!؟.

رابعاً: على الجانب العربی، فی المقابل، من المهمّ التخلّی عن المقولة التالیة: "أن أمیرکا غیر عادلة فی المنطقة لأنّ اللوبی الإسرائیلی یتحکّم فی سیاستها الخارجیة". فالواقع هو أنّ لأمیرکا مصالحها الخاصة الاستراتیجیة فی المنطقة، وقبل وجود إسرائیل. وهی، أی أمیرکا، تستخدم الوجود الإسرائیلی لتحقیق هذه المصالح الأمیرکیة مقابل مساعدات لإسرائیل.

وأمیرکا – من دون وجود اللوبی الإسرائیلی - ستبقى رافضة لبناء استراتیجیة عربیة واحدة فی أی مجال أمنی أو اقتصادی أو سیاسی، خاصة بعد تجربة التضامن العربی الذی سبق حرب 1973.

وأمیرکا – من دون وجود اللوبی الإسرائیلی - ترید استبدال الهویة العربیة للمنطقة بهویة "شرق أوسطیة، وأمیرکا تحتاج لإسرائیل حیث لا ترید هی - أو لا تستطیع - أن تکون مباشِرة (أی مفهوم الوکیل أو الأجیر أو العمیل فی قضایا محدّدة وفی عملیات خاصة). فتصاعد الدعم الأمیرکی لإسرائیل ارتبط ویرتبط بتصاعد السیطرة الأمیرکیة على المنطقة بعد تقلیص نفوذ الآخرین (الحلفاء والأعداء).

ومن المفاهیم التی یتوجّب تعزیزها عربیاً أنّ الأمن الخاص بأی قطر عربی لن یتحقّق من دون الأمن العربی الشامل. أیضاً، فإن البعد العروبی والدینی فی القضیة الفلسطینیة وفی موضوع القدس، سیجعل الإنسان العربی أینما کان، رافضاً لأی تنازل عن أساسات الحقّ الفلسطینی والعربی (الإسلامی والمسیحی) فی هذا المجال. وهذا البعد العروبی والدینی کان فی السابق - کما ظهر أیضاً فی انتقاضة القدس وفی حرکات المقاومة ضدَّ الاحتلال الإسرائیلی فی لبنان وفلسطین - أساساً لکثیر من المواقف العربیة الرسمیة والشعبیة. فرغم الصداقة الخاصة مع الغرب وأمیرکا، قرّرت دول الخلیج العربی قطع النفط عن الغرب عام 1973، ومعظمها لم یتجاوب مع الضغط الأمیرکی الشدید للتطبیع مع إسرائیل رغم أن قیادة منظمة التحریر الفلسطینیة عقدت الاتفاقات معها وأعطت العذر دولیاً للعلاقة والتطبیع مع إسرائیل!.

***

إنّ واقع السیاسة الأمیرکیة بملف الصراع العربی/الإسرائیلی هو فی أزمة زاد من تأجیجها احتلال العراق.. وآفاق هذه السیاسة لن یکون تعدیلاً إستراتجیاً فی النهج الأمیرکی. فرغم الفشل الواضح للسیاسة الأمیرکیّة فی العراق، فإنَّ واشنطن ما زالت ممسکة بخیوط الصراعات القائمة الآن فی عموم منطقة الشرق الأوسط. ویشکّل العام 2008 أهمیّة کبیرة للإدارة الأمیرکیّة نظراً لما سیجری فیه من انتخابات أمیرکیّة لکل أعضاء مجلس النوّاب ولثلث أعضاء مجلس الشیوخ، إضافة طبعاً لمعرکة الرئاسة الأمیرکیّة ومصیر نهج سیاسی ممیّز قاد الإدارة الحالیّة. کلّ ذلک فی فترة شهدت وتشهد أدنى مستوى لشعبیّة الرئیس بوش کحصیلة لإفرازات الحرب على العراق، ولسیاسات قاصرة فی الشؤون الداخلیّة الأمیرکیّة.

وتراهن الإدارة الأمیرکیّة فی سنتها الأخیرة على جملة متغیّرات فی منطقة الشرق الأوسط یکون محورها الشأن العراقی والملف الفلسطینی.

إذن، 2008 قد تکون سنة حاسمة للسیاسة الأمیرکیّة فی عموم منطقة الشرق الأوسط، ولمصیر العراق، ولمستقبل الصراع الأمیرکی/الإیرانی، ولآفاق القضیّة الفلسطینیّة، ولاحتمالات الأوضاع فی لبنان وسوریا ولعلاقاتهما معاً.

فی الملف الفلسطینی تحدیداً، فإنَّ إسرائیل المتفوقة عسکریاً هی التی تحتل "الأرض" وهی التی تحدّد ماهیة "السلام" المطلوب معها.

وفی ظلِّ غیاب التضامن العربی وحضور الصراع الفلسطینی/الفلسطینی، فإن الفلسطینین والعرب لا یستطیعون التوافق على کیفیة تحقیق "السلام" المفروض علیهم بینما إسرائیل وأمیرکا هما فی حال تنسیق دائم، وهما "الطرف الآخر" فی أی شکل من أشکال التفاوض الثنائی أو المتعدّد الجنسیات! وطبعاً هما "الطرف الأقوى"، وأحدهما خصم والآخر حکم!. وقد حدثت "تسویات" على بعض مسارات الصراع العربی/الإسرائیلی خلال مسیرة ربع قرن، لکن من خلال "راعٍ أمیرکی" یتعامل مع المنطقة کقطیع غنم، وإلى جانبه ذئب أمین!.

( المقال للدکتور صبحی غندور مدیر مرکز الحوار العربی فی واشنطن استلمته وکالة قدسنا )  

 ن/25

 


| رمز الموضوع: 140862







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. صواريخ المقاومة الفلسطينية تدك بشدة مستوطنات غلاف غزّة
  2. الصحة بغزة : 34183 شهيدا و77143 إصابة منذ بدء العدوان
  3. الشيخ نعيم قاسم: اسرائيل لا يوقفها الا السلاح و المقاومة
  4. أمير عبد اللهيان: يجب على الاتحاد الأوروبي ان يفرض عقوبات على الكيان الاسرائيلي
  5. حماس تندد بتصريحات وزير الخارجية الامريكي وتصفها بانها تتناقض مع الحقيقة
  6. أنصار الله تدعو القوات المسلحة اليمنية الى تصعيد عملياتها ضد الملاحة الصهيونية
  7. الرئيس الإيراني: الصهاينة يستغلون الخلافات بين الدول الإسلامية
  8. الصحة الفلسطينية: ارتفاع حصيلة العدوان إلى 34,151 شهيدا و 77,084 إصابة منذ السابع من اكتوبر
  9. الجبهة الشعبية: الرد الايراني يعد حدث مفصلي وهام سيؤسس لقواعد اشتباك جديدة في المنطقة
  10. السيد صفي الدين: المقاومة في غزة رغم المعاناة ما زالت قوية ومقتدرة
  11. قيادي في الجهاد الإسلامي: المقاومة لن تتنازل عن مطالب الشعب الفلسطيني المشروعة
  12. ضابط سابق بالجيش الأمريكي يصف الهجوم الانتقامي الايراني بانه عملية عبقرية واستعراضا للذكاء التكتيكي والاستراتيجي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)