استرضاء بوش على الطریقة الفلسطینیة

 کتب صالح النعامی فی مقال استلمته وکالة قدسنا :

هذا رجل أخرق، غیر ذی صلة، لا یعرف عما یتکلم، ونحن لن نتراجع عن مواقفنا قید أنملة من أجله "، هذا جزء یسیر مما قاله وزیر الحرب الإسرائیلی ایهود براک عن الرئیس الأمریکی جورج بوش، خلال مداخلة أمام " مرکز أبحاث الأمن القومی " الإسرائیلی. نورد هذا النص من أجل أن نسلط الضوء على الفرق الهائل فی مواقف السلطة الفلسطینیة والحکومة الإسرائیلیة من الولایات المتحدة عشیة الزیارة التی سیقوم بها بوش للمنطقة، والتی خلالها سیزور کلاً من رام الله وتل أبیب. من المؤسف حقاً أن یلحظ المرء الفرق الهائل فی مواقف السلطة الفلسطینیة والحکومة الإسرائیلیة من الولایات المتحدة عشیة الزیارة التی سیقوم بها الرئیس الأمریکی جورج بوش للمنطقة، والتی خلالها سیزور کلاً من رام الله وتل أبیب. فقیادة السلطة تخرج عن طورها من أجل إنجاح الزیارة، عبر التشدید على إلتزامها بالمواقف التی  تحظى بقبول الأمریکیین، ولو کان الثمن مواصلة التراجع عن کل ما تلتزم به هذه القیادة أمام الشعب الفلسطینی. فحتى یرضى بوش، فأن رئیس الوفد الفلسطینی المفاوض أحمد قریع یتراجع عن تهدیده بعدم استئناف التفاوض مع إسرائیل إلا فی حالة توقف الأنشطة الإستیطانیة حتى لا یزعج ذلک راعی مؤتمر " انابولیس "؛ ولیضطر قریع الى إبتلاع الإهانات التی وجهتها له وزیرة  الخارجیة الإسرائیلیة تسیفی لیفنی عندما قالت له بالحرف الواحد فی ختام جولة التفاوض الثانیة التی عقدت بعد المؤتمر " لا ترى إسرائیل أنها ملزمة بوقف الأنشطة الإستیطانیة، وأنابلولیس لم یفرض علینا أی نوع من أنواع القیود فی هذا الجانب، ومن لا یعجبه هذا الموقف فهو لیس شریکاً لنا فی أی مفاوضات ".

استقبال إسرائیلی خاص

وفی الوقت الذی یبدی فیه الرئیس محمود عباس ومقربوه کل هذا الإستعداد للتراجع عن وعودهم وتعهداتهم للشعب الفلسطینی فقط من أجل الإثبات لبوش إلتزامهم بمسیرة " أنابولیس "، فأن إسرائیل تستعد لإستقبال بوش بمزید من الإستیطان، بل أن الحکومة الإسرائیلیة وعشیة هذه الزیارة أعلنت استئنافها العمل فی خطة " E1 "، التی تعتبر أکبر مخطط لتهوید القدس المحتلة عبر ربطها بمستوطنة " معالیه أدومیم "، التی تعتبر أکبر مستوطنات الضفة الغربیة. وهذا القرار لا یشکل فقط استخفافاً بمتطلبات التسویة التی یعددها مسؤولو السلطة صباحاً ومساء، بل تمثل تجاوزاً فظاً لتعهدات إسرائیل لبوش بشکل شخصی، حیث أن رئیس الوزراء الإسرائیلی السابق ارئیل شارون إلتزم أمام بوش بتجمید هذه الخطة. لیس هذا فحسب، بل أن إسرائیل وقبل هذه الزیارة قررت إستئناف الحفریات بالقرب من باب المغاربة، أحد بوابات المسجد الأقصى، وهو قرار یتناقض مع تقریر لجنة الفحص الترکیة التی عملت بناءاً على دعوة الحکومة الإسرائیلیة، والتی أکدت أن هذه الحفریات تشکل تهدیداً خطیراً لوجود المسجد، ومن الممکن أن تؤدی الى تهاوی أساساته.

شهادات حسن سیر وسلوک

ومن ناحیة ثانیة، فأن أبو مازن وقادة أجهزته الأمنیة یحاولون جمع الأدلة والبراهین لإقناع بوش بأنهم یقومون بإلتزاماتهم کما وردت فی  المرحلة الأولى من خطة " خارطة الطریق "، ومن أجل ذلک، فأن أجهزة أبو مازن تنظم للمنسق الأمریکی الجنرال کیت دایتون زیارة یومیة لاحدى مدن الضفة الغربیة لکی یتأکد أن هذه السلطة جادة فی حربها ضد المقاومة وخصوصاً ضد حرکة حماس، إذ أن دایتون یتفقد سجون السلطة ویطلع بنفسه على عملیات الإستجواب والتحقیق والتعذیب التی یتعرض لها أعضاء حرکة حماس فی سجون السلطة، الى جانب تأکد دایتون شخصیاً من أن السلطة قد أغلقت بالفعل جمیع المؤسسات والجمعیات الخیریة الإسلامیة التی تدعی السلطة أنها على علاقة ما بحرکة حماس.

وهذا یأتی فی الوقت الذی یواصل فیه جیش الاحتلال حربه الیومیة ضد حرکات المقاومة فی مدن الضفة الغربیة نفسها، بحیث أن أجهزة عباس الأمنیة تداهم بیوت نشطاء حماس فی النهار، بینما تتولى قوات الاحتلال نفس المهمة فی اللیل.

والذی یثیر المرارة أنه فی الوقت یحاول فیه عباس وفیاض التقرب لبوش عبر التنکیل بالمقاومین وقهرهم واذلالهم، فأن الحکومة الإسرائیلیة لا تغض الطرف فقط عن إعتداءات المستوطنین ضد الفلسطینیین، بل أن جیش الاحتلال یوفر کل الظروف من أجل مساعدة هؤلاء المستوطنین على مواصلة اعتداءاتهم، کما یحدث یومیاً فی الخلیل والقدس.

ومن أجل استرضاء بوش، فقد عاد عباس الى اقتباس نفس المصطلحات التی تطیب لبوش مثل الحدیث عن ضرورة التوحد فی مواجهة " قوى الظلام والتخلف "، وبکل تأکید، فأن عباس لا یقصد ب " قوى الظلام " إسرائیل، بل ابناء شعبه من المقاومین الذین کانت خطیئتهم الوحیدة رفض التعایش مع الإحتلال.

إسطوانة مشروخة

ومن أجل انجاح زیارة بوش، فأن عباس عاد الى ذات الأسطوانة المشروخة التی تساوی المقاومة بالإرهاب. فقد قال عباس " تکریس سیادة القانون ونبذ الفوضى والإرهاب واقامة الحکم الرشید وضمان حقوق الإنسان والحریات العامة من رکائز برنامجی الإصلاحی ". والسؤال الذی یتهرب عباس من الإجابة علیه هو : کیف یمکن إقامة حکم رشید بدون استقلال حقیقی یتم بإنتهاء الاحتلال وکل مظاهره؟.

لکن أخطر ما یحاول عباس استرضاء بوش به هو تشدیده على إلتزامه بمواصلة القطیعة مع حرکة حماس. ومن أجل التدلیل على إلتزامه بهذا الموقف أضفى تطرفاً غیر مسبوق على موقفه من الحوار مع الحرکة، عبر التعهد للأمریکیین بفرض شروط تعجیزیة على حماس مقابل الحوار. فعباس لم یعد یطالب بتراجع حماس عن سیطرتها على غزة، بل أنه یطالب بأن یتبع ذلک انتخابات تشارک فیها الفصائل والأحزاب التی تقبل اتفاقیات أوسلو.

ومن نافلة القول أن عباس لا یفرض أی شروط على التفاوض مع الإسرائیلیین الذین قتلوا منذ بدایة العام فقط أکثر من 400 مواطن فلسطینی من الذین یدعی عباس أنه یمثلهم.

عباس وهو یقدم کل هذه التنازلات یوهم نفسه أن جدول أعمال بوش خلال الزیارة منصب على مستقبل التفاوض بین إسرائیل والسلطة، فی الوقت الذی یؤکد فیه الإسرائیلیون أن أهم قضیة تشغل بال بوش خلال الزیارة هو طمأنة إسرائیل بشأن متانة إلتزام ادارته بضمان تفوق الکیان الصهیونی الإستراتیجی على جمیع دول المنطقة.

هذه جملة من الحسابات الخاطئة والرهانات المأساویة التی لا ینفک عباس عن التعلق بها، والأجدر به أن یتراجع عنها وبأسرع وقت قبل فوات الأوان.

ن/25